الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جُرْمًا مِنْ غَيْرِهَا ; لِأَنَّ وَاضِعَهَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» .
[وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]
إِيَاسٌ الذَّكِيُّ
وَهُوَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ بْنُ إِيَاسِ بْنِ هِلَالِ بْنِ رِئَابِ بْنِ عَبْدِ بْنِ دُرَيْدِ بْنِ أَوْسِ بْنِ سُوَاءَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَارِيَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَوْسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُدِّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إِلْيَاسِ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ هَكَذَا نَسَبَهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي نَسَبِهِ، وَهُوَ أَبُو وَاثِلَةَ الْمُزَنِيُّ قَاضِي الْبَصْرَةِ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ، وَلِجَدِّهِ صُحْبَةٌ، وَكَانَ يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِذَكَائِهِ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جِدِّهِ مَرْفُوعًا فِي الْحَيَاءِ، عَنْ أَنَسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَنَافِعٍ، وَأَبِي مِجْلَزٍ. وَعَنْهُ الْحَمَّادَانِ، وَشُعْبَةُ، وَالْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: إِنَّهُ لَفَهِمٌ، إِنَّهُ لَفَهِمٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَالْعِجْلِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. زَادَ ابْنُ سَعْدٍ: وَكَانَ عَاقِلًا مِنَ الرِّجَالِ فَطِنًا. وَزَادَ الْعِجْلِيُّ: وَكَانَ فَقِيهًا عَفِيفًا.
وَقَدْ قَدِمَ دِمَشْقَ فِي أَيَّامِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَرَّةً أُخْرَى حِينَ عَزَلَهُ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ قَضَاءِ الْبَصْرَةِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ: تَحَاكَمَ إِيَاسٌ وَهُوَ صَبِيٌّ شَابٌّ، وَشَيْخٌ إِلَى قَاضِي عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بِدِمَشْقَ فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي: إِنَّهُ شَيْخٌ وَأَنْتَ شَابٌّ، فَلَا تُسَاوِهِ فِي الْكَلَامِ. فَقَالَ إِيَاسٌ: إِنْ كَانَ كَبِيرًا فَالْحَقُّ أَكْبَرُ مِنْهُ. فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي: اسْكُتْ. فَقَالَ: وَمَنْ يَتَكَلَّمُ بِحُجَّتِي إِذَا سَكَتُّ؟ فَقَالَ الْقَاضِي: مَا أَحْسَبُكَ تَنْطِقُ بِحَقٍّ فِي مَجْلِسِي هَذَا حَتَّى تَقُومَ. فَقَالَ إِيَاسٌ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ - زَادَ غَيْرُهُ: فَقَالَ الْقَاضِي: مَا أَظُنُّكَ إِلَّا ظَالِمًا لَهُ. فَقَالَ: مَا عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي خَرَجْتُ مِنْ مَنْزِلِي - فَقَامَ الْقَاضِي، فَدَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ فَقَالَ: اقْضِ حَاجَتَهُ وَأَخْرِجْهُ السَّاعَةَ مِنْ دِمَشْقَ، لَا يُفْسِدُ عَلَيَّ النَّاسَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا عَزَلَهُ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ قَضَاءِ الْبَصْرَةِ فَرَّ مِنْهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ، فَكَانَ يَجْلِسُ فِي حَلْقَةٍ فِي جَامِعِ دِمَشْقَ، فَتَكَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ فَرَدَّ عَلَيْهِ إِيَاسٌ فَأَغْلَظَ لَهُ الْأُمَوِيُّ، فَقَامَ إِيَاسٌ فَقِيلَ لِلْأُمَوِيِّ: هَذَا إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيُّ. فَلَمَّا عَادَ مِنَ الْغَدِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْأُمَوِيُّ وَقَالَ:
لَمْ أَعْرِفْكَ، وَقَدْ جَلَسَتْ إِلَيْنَا بِثِيَابِ السُّوقَةِ وَكَلَّمْتَنَا بِكَلَامِ الْأَشْرَافِ، فَلَمْ نَحْتَمِلْ ذَلِكَ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، ثَنَا ضَمْرَةُ عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: يُولَدُ فِي كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ رَجُلٌ تَامُّ الْعَقْلِ. فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ إِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ مِنْهُمْ.
وَقَالَ الْعِجْلِيُّ: دَخَلَ عَلَى إِيَاسٍ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ، فَلَمَّا رَآهُنَّ قَالَ: أَمَّا إِحْدَاهُنَّ فَمُرْضِعٌ، وَالْأُخْرَى بِكْرٌ، وَالْأُخْرَى ثَيِّبٌ. فَقِيلَ لَهُ: بِمَ عَلِمَتْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَمَّا الْمُرْضِعُ فَلَمَّا قَعَدَتْ أَمْسَكَتْ ثَدْيَهَا بِيَدِهَا، وَأَمَّا الْبِكْرُ فَلَمَّا دَخَلَتْ لَمْ تَلْتَفِتْ إِلَى أَحَدٍ، وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَلَمَّا دَخَلَتْ نَظَرَتْ وَرَمَتْ بِعَيْنَيْهَا.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ:، ثَنَا الْأَحْنَفُ بْنُ حَكِيمٍ بِأَصْبَهَانَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، سَمِعْتُ إِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: أَعْرِفُ اللَّيْلَةَ الَّتِي وُلِدْتُ فِيهَا، وَضَعَتْ أُمِّي عَلَى رَأْسِي جَفْنَةً.
وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: قَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ لِأُمِّهِ: مَا شَيْءٌ سَمِعْتُهُ وَأَنْتِ حَامِلٌ بِي وَلَهُ جَلَبَةٌ شَدِيدَةٌ؟ قَالَتْ: تِلْكَ يَا بُنَيَّ طِسْتٌ سَقَطَتْ مِنْ فَوْقِ الدَّارِ إِلَى أَسْفَلَ، فَفَزِعْتُ فَوَلَدَتُكَ تِلْكَ السَّاعَةَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَرَائِطِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ النُّمَيْرِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ إِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنْ أَكْذِبَ كِذْبَةً لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إِلَّا أَبِي مُعَاوِيَةَ لَا أُحَاسَبُ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ لِي الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: مَا خَاصَمْتُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ بِعَقْلِي كُلِّهِ إِلَّا الْقَدَرِيَّةَ ; قَلْتُ لَهُمْ: أَخْبِرُونِي عَنِ الظُّلْمِ مَا هُوَ؟ قَالُوا: أَخْذُ الْإِنْسَانِ مَا لَيْسَ لَهُ. قُلْتُ: فَإِنَّ اللَّهَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ.
قَالَ بَعْضُهُمْ، عَنْ إِيَاسٍ قَالَ: كُنْتُ فِي الْكُتَّابِ وَأَنَا صَبِيٌّ، فَجَعَلَ أَوْلَادُ النَّصَارَى يَضْحَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَقُولُونَ: إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا فَضْلَةَ لِطَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَقُلْتُ لِلْفَقِيهِ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ مِنَ الطَّعَامِ مَا يَنْصَرِفُ فِي غِذَاءِ الْبَدَنِ؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: فَمَا تُنْكِرُ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ طَعَامَ أَهْلِ الْجَنَّةِ كُلَّهُ غِذَاءً لِأَبْدَانِهِمْ؟ فَقَالَ لَهُ مُعَلِّمُهُ: مَا أَنْتَ إِلَّا شَيْطَانٌ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إِيَاسٌ وَهُوَ صَغِيرٌ بِعَقْلِهِ قَدْ وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّ طَعَامَهُمْ يَنْصَرِفُ جُشَاءً وَعَرَقًا كَالْمِسْكِ، فَإِذَا الْبَطْنُ ضَامِرٌ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ: قَدِمَ إِيَاسٌ وَاسِطًا فَجَاءَهُ ابْنُ شُبْرُمَةَ بِمَسَائِلَ قَدْ أَعَدَّهَا، فَقَالَ لَهُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَسْأَلَكَ؟ قَالَ: سَلْ، وَقَدِ ارْتَبْتُ حِينَ اسْتَأْذَنْتَ. فَسَأَلَهُ عَنْ سَبْعِينَ مَسْأَلَةً يُجِيبُهُ فِيهَا، وَلَمْ يَخْتَلِفَا إِلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ، رَدَّهُ إِيَاسٌ إِلَى قَوْلِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ إِيَاسٌ: أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَتَحْفَظُ قَوْلَهُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا. قَالَ: فَهَلْ أَبْقَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لِآلِ شُبْرُمَةَ رَأْيًا؟
وَقَالَ عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: يَا أَبَا وَاثِلَةَ حَتَّى مَتَى يَبْقَى النَّاسُ؟ وَحَتَّى مَتَى يَتَوَالَدُ النَّاسُ وَيَمُوتُونَ؟ فَقَالَ لِجُلَسَائِهِ: أَجِيبُوهُ. فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ جَوَابٌ، فَقَالَ إِيَاسٌ: حَتَّى تَتَكَامَلَ الْعِدَّتَانِ ; عِدَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَعِدَّةُ أَهْلِ النَّارِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اكْتَرَى إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ مِنَ الشَّامِ قَاصِدًا الْحَجَّ، فَرَكِبَ مَعَهُ فِي الْمَحْمَلِ غَيْلَانُ الْقَدَرِيُّ وَلَا يَعْرِفُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَمَكَثَا ثَلَاثًا لَا يُكَلِّمُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ تَحَادَثَا فَتَعَارَفَا، وَتَعَجَّبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ اجْتِمَاعِهِ بِصَاحِبِهِ، لِمُبَايَنَةِ مَا بَيْنَهُمَا فِي الِاعْتِقَادِ فِي الْقَدَرِ، فَقَالَ لَهُ إِيَاسٌ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَقُولُونَ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] وَيَقُولُ أَهْلُ النَّارِ:
{رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون: 106] وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32] ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ مِنْ أَشْعَارِ الْعَرَبِ وَأَمْثَالِ الْعَجَمِ مَا فِيهِ إِثْبَاتُ الْقَدَرِ، ثُمَّ اجْتَمَعَ مَرَّةً أُخْرَى إِيَاسٌ، وَغَيْلَانُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَنَاظَرَ بَيْنَهُمَا، فَقَهَرَهُ إِيَاسٌ وَمَا زَالَ يَحْصُرُهُ فِي الْكَلَامِ حَتَّى اعْتَرَفَ غَيْلَانُ بِالْعَجْزِ وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ، فَدَعَا عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِنْ كَانَ كَاذِبًا، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ مِنْهُ، فَأُمْكِنَ مِنْ غَيْلَانَ فَقُتِلَ وَصُلِبَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَمِنْ كَلَامِ الْحَسَنِ: لَأَنْ يَكُونَ فِي فِعَالِ الرَّجُلِ فَضْلٌ عَنْ قَوْلِهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ فَضْلٌ عَنْ فِعَالِهِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ: ذَكَرْتُ رَجُلًا بِسُوءٍ عِنْدَ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَنَظَرَ فِي وَجْهِي وَقَالَ: أَغَزَوْتَ الرُّومَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَالسِّنْدَ وَالْهِنْدَ وَالتُّرْكَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: أَفَسَلِمَ مِنْكَ الرُّومُ وَالسِّنْدُ وَالْهِنْدُ وَالتُّرْكُ وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْكَ أَخُوكَ الْمُسْلِمُ؟ ! قَالَ: فَلَمْ أَعُدْ بَعْدَهَا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ عَنْ أَبِيهِ: رَأَيْتُ إِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ فِي بَيْتِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ طَوِيلُ الذِّرَاعِ غَلِيظُ الثِّيَابِ، يُلَوِّثُ عِمَامَتَهُ، وَهُوَ قَدْ غَلَبَ عَلَى الْكَلَامِ، فَلَا يَتَكَلَّمُ مَعَهُ أَحَدٌ.
وَقَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ فِيكَ عَيْبٌ سِوَى كَثْرَةِ كَلَامِكَ. فَقَالَ: بِحَقٍّ
أَتَكَلَّمُ أَمْ بِبَاطِلٍ؟ فَقِيلَ: بَلْ بِحَقٍّ. فَقَالَ: كُلَّمَا كَثُرَ الْحَقُّ فَهُوَ خَيْرٌ.
وَلَامَهُ بَعْضُهُمْ فِي لِبَاسِهِ الثِّيَابَ الْغَلِيظَةَ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَلْبَسُ ثَوْبًا يَخْدِمُنِي وَلَا أَلْبَسُ ثَوْبًا أَخْدِمُهُ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: قَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: إِنَّ أَشْرَفَ خِصَالِ الرَّجُلِ صَدَقُ اللِّسَانِ، وَمِنْ عَدِمَ فَضِيلَةَ الصِّدْقِ فَقَدْ فُجِعَ بِأَكْرَمِ أَخْلَاقِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَأَلَ رَجُلٌ إِيَاسًا عَنِ النَّبِيذِ، فَقَالَ: هُوَ حَرَامٌ. فَقَالَ الرَّجُلُ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْمَاءِ. فَقَالَ: حَلَالٌ. قَالَ: فَالْكَشُوثُ؟ قَالَ: حَلَالٌ. قَالَ: فَالتَّمْرُ؟ قَالَ: حَلَالٌ. قَالَ: فَمَا بَالُهُ إِذَا اجْتَمَعَ يَحْرُمُ؟ فَقَالَ إِيَاسٌ: أَرَأَيْتَ لَوْ رَمَيْتُكَ بِهَذِهِ الْحَفْنَةِ مِنَ التُّرَابِ، أَتُوجِعُكَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَذِهِ الْحَفْنَةُ مِنَ التِّبْنِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَذِهِ الْغَرْفَةُ مِنَ الْمَاءِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ خَلَطْتُ هَذَا بِهَذَا، وَهَذَا بِهَذَا حَتَّى صَارَ طِينًا، ثُمَّ اسْتَحْجَرَ، ثُمَّ رَمَيْتُكَ، أَيُوجِعُكَ؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ، وَيَقْتُلُنِي. قَالَ: فَكَذَلِكَ تِلْكَ الْأَشْيَاءُ إِذَا اجْتَمَعَتْ.
وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: بَعَثَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَدِيَّ بْنَ أَرْطَاةَ إِلَى الْبَصْرَةِ نَائِبًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ إِيَاسٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ الْجَوْشَنِيِّ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَفْقَهَ فَلْيُوَلِّهِ الْقَضَاءَ. فَقَالَ إِيَاسٌ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ لَا يَتَوَلَّى: أَيُّهَا الرَّجُلُ، سَلْ فَقِيهَيِ الْبَصْرَةِ ; الْحَسَنَ، وَابْنَ سِيرِينَ. وَكَانَ إِيَاسٌ لَا يَأْتِيهِمَا، فَعَرَفَ الْقَاسِمُ أَنَّهُ إِنْ سَأَلَهُمَا أَشَارَا
بِهِ، فَقَالَ الْقَاسِمُ لِعَدِيٍّ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّ إِيَاسًا أَفْضَلُ مِنِّي وَأَفْقَهُ مِنِّي وَأَعْلَمُ بِالْقَضَاءِ، فَإِنْ كُنْتُ صَادِقًا فَوَلِّهِ، وَإِنْ كُنْتُ كَاذِبًا فَمَا يَنْبَغِي أَنْ أَلِيَ الْقَضَاءَ. فَقَالَ إِيَاسٌ: هَذَا رَجُلٌ أُوقِفَ عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، فَافْتَدَى مِنْهَا بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا. فَقَالَ عَدِيٌّ: أَمَا إِذْ فَطِنَتْ إِلَى هَذَا فَقَدْ وَلَّيْتُكَ الْقَضَاءَ. فَمَكَثَ سَنَةً يَفْصِلُ بَيْنَ النَّاسِ وَيُصْلِحُ بَيْنَهُمْ، وَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ حَكَمَ بِهِ، ثُمَّ هَرَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى دِمَشْقَ، فَاسْتَعْفَى مِنَ الْقَضَاءِ، فَوَلَّى عَدِيٌّ بُعْدَهُ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ.
قَالُوا: لَمَّا تَوَلَّى إِيَاسٌ الْقَضَاءَ بِالْبَصْرَةِ فَرِحَ بِهِ الْعُلَمَاءُ، حَتَّى قَالَ أَيُّوبُ: لَقَدْ رَمَوْهَا بِحَجَرِهَا. وَجَاءَهُ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ فَسَلَّمَا عَلَيْهِ، فَبَكَى إِيَاسٌ وَذَكَرَ حَدِيثَ:«الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ ; قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ» فَقَالَ الْحَسَنُ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} [الأنبياء: 78] إِلَى قَوْلِهِ: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79]
[الْأَنْبِيَاءِ: 78، 79] . قَالُوا: ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ لِلْخُصُومَاتِ، فَمَا قَامَ حَتَّى فَصَلَ سَبْعِينَ قَضِيَّةً، حَتَّى كَانَ يُشَبَّهُ بِشُرَيْحٍ الْقَاضِي. وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أُشْكِلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ بَعَثَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَسَأَلَهُ عَنْهُ.
وَقَالَ إِيَاسٌ: إِنِّي لَأُكَلِّمُ النَّاسَ بِنِصْفِ عَقْلِي، فَإِذَا اخْتَصَمَ إِلَيَّ اثْنَانِ جَمَعْتُ عَقْلِي كُلَّهُ.
وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّكَ لَتُعْجَبُ بِرَأْيِكَ. فَقَالَ: لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ أَقْضِ بِهِ.
وَقَالَ لَهُ آخَرُ: إِنَّ فِيكَ خِصَالًا لَا تُعْجِبُنِي. فَقَالَ: مَا هِيَ؟ فَقَالَ: تَحْكُمُ قَبْلَ أَنْ تَفْهَمَ، وَتُجَالِسَ كُلَّ أَحَدٍ، وَتَلْبَسُ الثِّيَابَ الْغَلِيظَةَ. فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا أَكْثَرُ ; الثَّلَاثَةُ أَوِ الِاثْنَانِ؟ قَالَ: الثَّلَاثَةُ. فَقَالَ: مَا أَسْرَعَ مَا فَهِمْتَ وَأَجَبْتَ. فَقَالَ: أَوَ يَجْهَلُ هَذَا أَحَدٌ؟ فَقَالَ: وَكَذَلِكَ مَا أَحْكَمُ أَنَا بِهِ، وَأَمَّا مُجَالَسَتِي لِكُلِّ أَحَدٍ فَلَأَنْ أَجْلِسَ مَعَ مَنْ يَعْرِفُ لِي قَدْرِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَجْلِسَ مَعَ مَنْ لَا يَعْرِفُ لِي قَدْرِي، وَأَمَّا الثِّيَابُ فَإِنَّمَا أَلْبَسُ مِنْهَا مَا يَقِينِي لَا مَا أَقِيهِ أَنَا.
قَالُوا: وَتَحَاكَمَ إِلَيْهِ اثْنَانِ قَدْ أَوْدَعَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْآخَرِ مَالًا، وَجَحَدَهُ الْآخَرُ، فَقَالَ إِيَاسٌ لِلْمُودِعِ: أَيْنَ أَوْدَعْتَهُ؟ قَالَ: عِنْدَ شَجَرَةٍ فِي بُسْتَانٍ. فَقَالَ: انْطَلِقْ إِلَيْهَا، فَقِفْ عِنْدَهَا لَعَلَّكَ تَتَذَكَّرُ. فَانْطَلَقَ. وَجَلَسَ الْآخَرُ، فَجَعَلَ إِيَاسٌ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ وَيُلَاحِظُهُ، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُ فَقَالَ لَهُ: أَوْصَلَ صَاحِبُكَ بَعْدُ إِلَيْهَا؟ فَقَالَ: لَا بَعْدُ، أَصْلَحَكَ اللَّهُ. فَقَالَ لَهُ: قُمْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ فَأَدِّ إِلَيْهِ حَقَّهُ، وَإِلَّا جَعَلْتُكَ نَكَالًا. وَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَامَ مَعَهُ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ وَدِيعَتَهُ بِكَمَالِهَا.
وَجَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ أَوْدَعْتُ عِنْدَ فُلَانٍ مَالًا، وَقَدْ جَحَدَنِي. فَقَالَ لَهُ: اذْهَبِ الْآنَ وَائْتِنِي غَدًا. وَبَعَثَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الْجَاحِدِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ
قَدِ اجْتَمَعَ عِنْدَنَا هَاهُنَا مَالٌ، فَضَعْهُ عِنْدَكَ فِي مَكَانٍ حَرِيزٍ. فَقَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً. فَقَالَ: لَهُ اذْهَبِ الْآنَ وَائْتِنِي غَدًا. وَأَصْبَحَ ذَلِكَ الرَّجُلُ صَاحِبُ الْحَقِّ فَجَاءَ إِلَى إِيَاسٍ فَقَالَ لَهُ: اذْهَبِ الْآنَ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: أَعْطِنِي حَقِّي وَإِلَّا رَفَعَتُكَ إِلَى الْقَاضِي. فَذَهَبَ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَخَافَ أَنْ لَا يُودِعَ عِنْدَهُ الْحَاكِمُ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ حَقَّهُ، فَجَاءَ إِلَى إِيَاسٍ فَأَعْلَمَهُ، ثُمَّ جَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنَ الْغَدِ ; رَجَاءَ أَنْ يُودَعَ، فَانْتَهَرَهُ إِيَاسٌ وَطَرَدَهُ، وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ خَائِنٌ.
وَتَحَاكَمَ إِلَيْهِ اثْنَانِ فِي جَارِيَةٍ، فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهَا ضَعِيفَةُ الْعَقْلِ، فَقَالَ لَهَا إِيَاسٌ: أَيُّ رِجْلَيْكِ أَطْوَلَ؟ فَقَالَتْ: هَذِهِ. فَقَالَ لَهَا: أَتَذْكُرِينَ لَيْلَةَ وُلِدْتِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ لِلْبَائِعِ: رُدَّ رُدَّ.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ إِيَاسًا سَمِعَ صَوْتَ امْرَأَةٍ مِنْ بَيْتِهَا، فَقَالَ: هَذِهِ امْرَأَةٌ حَامِلٌ بِصَبِيٍّ. فَلَمَّا وَلَدَتْ وَلَدَتْ كَمَا قَالَ، فَسُئِلَ: بِمَ عَرَفْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ صَوْتَهَا وَنَفَسُهَا مَعَهُ، فَعَلِمْتُ أَنَّهَا حَامِلٌ، وَفِي صَوْتِهَا صَحَلٌ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ غُلَامٌ. قَالُوا: ثُمَّ مَرَّ يَوْمًا بِبَعْضِ الْمَكَاتِبِ، فَإِذَا صَبِيٌّ هُنَالِكَ فَقَالَ: إِنْ كُنْتُ أَدْرِي شَيْئًا فَهَذَا الصَّبِيُّ ابْنُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ فَإِذَا هُوَ ابْنُهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: شَهِدَ رَجُلٌ عِنْدَ إِيَاسٍ فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ: أَبُو الْعَنْقَزِ. فَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ: دَعَوْنِي إِلَى إِيَاسٍ فَإِذَا رَجُلٌ كُلَّمَا فَرَغَ مِنْ حَدِيثٍ أَخَذَ فِي آخِرَ.
وَقَالَ إِيَاسٌ: كُلُّ رَجُلٍ لَا يَعْرِفُ عَيْبَ نَفْسِهِ فَهُوَ أَحْمَقُ. فَقِيلَ لَهُ: فَمَا عَيْبُكَ؟ قَالَ: كَثْرَةُ الْكَلَامِ.
قَالُوا: وَلَمَّا مَاتَتْ أُمُّهُ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كَانَ لِي بَابَانِ مَفْتُوحَانِ إِلَى الْجَنَّةِ، فَغُلِقَ أَحَدُهُمَا.
وَقَالَ أَبُوهُ: إِنَّ النَّاسَ يَلِدُونَ أَبْنَاءً، وَوَلَدْتُ أَبًا.
وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَجْلِسُونَ حَوْلَهُ، وَيَكْتُبُونَ عَنْهُ الْفِرَاسَةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ حَوْلَهُ جُلُوسٌ، إِذْ نَظَرَ إِلَى رَجُلٍ قَدْ جَاءَ، فَجَلَسَ عَلَى دَكَّةِ حَانُوتٍ، وَجَعَلَ كُلَّمَا مَرَّ أَحَدٌ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَنَظَرَ فِي وَجْهِ رَجُلٍ، ثُمَّ عَادَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَذَا فَقِيهُ كُتَّابٍ قَدْ أَبَقَ لَهُ غُلَامٌ أَعْوَرُ فَهُوَ يَتَطَلَّبُهُ. فَقَامُوا إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ فَسَأَلُوهُ، فَوَجَدُوهُ كَمَا قَالَ إِيَاسٌ فَقَالُوا لِإِيَاسٍ: مِنْ أَيْنَ عَرَفْتَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَمَّا جَلَسَ عَلَى دَكَّةِ الْحَانُوتِ عَلِمْتُ أَنَّهُ ذُو وِلَايَةٍ، ثُمَّ نَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِفَقَاهَةِ الْمَكْتَبِ، ثُمَّ جَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى كُلِّ مَنْ يَمُرُّ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ فَقَدَ غُلَامًا، ثُمَّ لَمَّا قَامَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِ ذَلِكَ الرَّجُلِ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، عَرَفْتُ أَنَّ غُلَامَهُ أَعْوَرُ.
وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ خَلِّكَانَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً فِي تَرْجَمَتِهِ، مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: شَهِدَ
عِنْدِي رَجُلٌ فِي بُسْتَانٍ، فَقُلْتُ لَهُ: كَمْ عَدَدُ أَشْجَارِهِ؟ فَقَالَ: كَمْ عَدَدُ جُذُوعِ هَذَا الْمَجْلِسِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ مِنْ مُدَّةِ سِنِينَ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي. وَأَقْرَرْتُ شَهَادَتَهُ.
قَالَ خَلِيفَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: تُوفِّيَ بِوَاسِطَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ.