المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الأحداث التي وقعت فيها] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ١٣

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[مِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[مِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[خِلَافَةُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ]

- ‌[مِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[مِمَّنْ تَوَفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[مِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ عَشْرٍ وَمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ]

- ‌[مِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[مِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[مِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[مِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتَّ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ]

- ‌[سَنَةُ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[مِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[ذِكْرُ وَفَاتِهِ وَتَرْجَمَتِهِ رحمه الله]

- ‌[خِلَافَةُ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ]

- ‌[مِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[صِفَةُ مَقْتَلِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَزَوَالِ دَوْلَتِهِ]

- ‌[ذِكْرُ قَتْلِ يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ وَكَيْفَ قُتِلَ]

- ‌[خِلَافَةُ يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ]

- ‌[وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[ذِكْرُ دُخُولِ مَرْوَانَ الْحِمَارِ دِمَشْقَ فِيهَا وَوِلَايَتِهِ الْخِلَافَةَ وَعَزْلِهِ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْوَلِيدِ عَنْهَا]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[أَوَّلُ ظُهُورِ أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ بِخُرَاسَانَ]

- ‌[مَقْتَلُ الْكَرْمَانِيِّ]

- ‌[سَنَةُ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[مَقْتَلُ شَيْبَانَ بْنِ سَلَمَةَ الْحَرُورِيِّ]

- ‌[ذِكْرُ دُخُولِ أَبِي حَمْزَةَ الْخَارِجِيِّ الْمَدِينَةَ النَّبَوِيَّةَ وَاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهَا مُدَّةَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ حَتَّى ارْتَحَلَ مِنْهَا]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[ذِكْرُ مَقْتَلِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْإِمَامِ]

- ‌[خِلَافَةُ أَبِي الْعَبَّاسِ السَّفَّاحِ]

- ‌[ذِكْرُ مَقْتَلِ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ]

- ‌[صِفَةُ مَقْتَلِ مَرْوَانَ الْحِمَارِ]

- ‌[شَيْءٌ مِنْ تَرْجَمَةِ مَرْوَانَ الْحِمَارِ]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي انْقِضَاءِ دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ وَابْتِدَاءِ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ مِنَ الْأَخْبَارِ النَّبَوِيَّةِ وَغَيْرِهَا]

- ‌[ذِكْرُ اسْتِقْلَالِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمُلَقَّبِ بِالسَّفَّاحِ وَمَا اعْتَمَدَهُ فِي أَيَّامِهِ مِنَ السِّيرَةِ الْحَسَنَةِ وَالْعَدَالَةِ التَّامَّةِ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[تَرْجَمَةُ أَبِي الْعَبَّاسِ السَّفَّاحِ وَذِكْرُ وَفَاتِهِ]

- ‌[خِلَافَةُ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْمَنْصُورِ]

- ‌[ذِكْرُ مَهْلِكِ أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ]

- ‌[تَرْجَمَةُ أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَقْتَلِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ]

- ‌[خُرُوجُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ بِالْبَصْرَةِ وَكَيْفِيَّةِ مَقْتَلِهِ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي ذِكْرِ مَدِينَةِ بَغْدَادَ مِنَ الْآثَارِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى ضَعْفِ مَا رُوِيَ فِيهَا مِنَ الْأَخْبَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَحَاسِنِ بَغْدَادَ وَمَا رُوِيَ فِيهَا عَنِ الْأَئِمَّةِ النُّقَّادِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[وَفَاةُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَذِكْرُ تَرْجَمَتِهِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[بِنَاءُ الرُّصَافَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[أَشْعَبُ الطَّامِعُ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[بِنَاءُ الرَّافِقَةِ الْمَدِينَةِ الْمَشْهُورَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[وَهَذَا ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ تَرْجَمَةِ الْأَوْزَاعِيِّ رحمه الله]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[تَرْجَمَةُ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ]

- ‌[ذِكْرُ أَوْلَادِ الْمَنْصُورِ]

- ‌[ذِكْرُ خِلَافَةِ الْمَهْدِيِّ ابْنِ الْمَنْصُورِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتِّينَ وَمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[ذِكْرُ الْبَيْعَةِ لِمُوسَى الْهَادِي وَهَارُونَ الرَّشِيدِ]

- ‌[وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[خِلَافَةُ مُوسَى الْهَادِي ابْنُ الْمَهْدِيِّ]

- ‌[وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[وَهَذَا ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ تَرْجَمَةِ الْهَادِي]

- ‌[خِلَافَةُ هَارُونَ الرَّشِيدِ ابْنِ الْمَهْدِيِّ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ السَّادَةِ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[حِكَايَةٌ غَرِيبَةٌ]

- ‌[وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[سَنَةُ تِسْعِينَ وَمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَشَاهِيرِ]

- ‌[يَحْيَى بْنُ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ]

الفصل: ‌[الأحداث التي وقعت فيها]

[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ]

[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]

ٍ مَهْلِكُ الْبَرَامِكَةِ

فِيهَا كَانَ مَقْتَلُ الرَّشِيدِ جَعْفَرَ بْنَ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ الْبَرْمَكِيَّ، وَدَمَارُ دِيَارِهِمْ وَانْدِثَارُ آثَارِهِمْ، وَذَهَابُ صِغَارِهِمْ وَكِبَارِهِمْ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا أَبُو جَعْفَرٍ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ التَّارِيخِ، فَمِمَّا قِيلَ: إِنَّ الرَّشِيدَ كَانَ قَدْ سَلَّمَ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ إِلَى جَعْفَرٍ الْبَرْمَكِيِّ فَسَجَنَهُ عِنْدَهُ، فَمَا زَالَ يَحْيَى يَتَرَقَّقُ لَهُ حَتَّى أَطْلَقَهُ جَعْفَرٌ، فَنَمَّ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ عَلَى جَعْفَرٍ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: وَيْلَكَ لَا تَدْخُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ جَعْفَرٍ فَلَعَلَّهُ أَطْلَقَهُ عَنْ أَمْرِي وَأَنَا لَا أَشْعُرُ. ثُمَّ سَأَلَ الرَّشِيدُ جَعْفَرًا عَنْ ذَلِكَ فَصَدَقَهُ الْحَالَ، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ الرَّشِيدُ وَحَلَفَ لَيَقْتُلَنَّهُ وَكَرِهَ الْبَرَامِكَةَ وَمَقَتَهُمْ وَقَلَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، بَعْدَ مَا كَانُوا أَحْظَى النَّاسِ عِنْدَهُ وَأَحَبَّهُمْ إِلَيْهِ.

وَكَانَتْ أُمُّ جَعْفَرٍ وَالْفَضْلِ أُمَّهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَحَصَلَ لَهُمْ مِنَ الرِّفْعَةِ فِي الدُّنْيَا وَكَثْرَةِ الْمَالِ بِسَبَبِ ذَلِكَ شَيْءٌ كَثِيرٌ لَمْ يَحْصُلْ لِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْوُزَرَاءِ وَلَا لِمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَكَابِرِ وَالرُّؤَسَاءِ، بِحَيْثُ إِنَّ جَعْفَرًا بَنَى دَارًا غَرِمَ عَلَيْهَا عِشْرِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا نَقَمَهُ عَلَيْهِ الرَّشِيدُ. وَيُقَالُ: إِنَّ الرَّشِيدَ

ص: 639

كَانَ لَا يَكَادُ يَمُرُّ بِبَلَدٍ وَلَا إِقْلِيمٍ فَيَسْأَلُ عَنْ قَرْيَةٍ أَوْ مَزْرَعَةٍ أَوْ بُسْتَانٍ إِلَّا قِيلَ: هَذَا لِجَعْفَرٍ. وَقِيلَ: إِنَّ الْبَرَامِكَةَ كَانُوا يُرِيدُونَ إِبْطَالَ خِلَافَةِ الرَّشِيدِ وَإِظْهَارَ الزَّنْدَقَةِ. وَقِيلَ: بِسَبَبِ الْعَبَّاسَةِ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ ابْنُ جَرِيرٍ قَدْ ذَكَرَهُ.

رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ الرَّشِيدَ سُئِلَ عَنِ السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَهْلَكَ الْبَرَامِكَةَ فَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ قَمِيصِي يَعْلَمُ ذَلِكَ لَأَحْرَقْتُهُ. وَقَدْ كَانَ جَعْفَرٌ يَدْخُلُ عَلَى الرَّشِيدِ بِغَيْرِ إِذْنٍ حَتَّى كَانَ رُبَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْفِرَاشِ مَعَ حَظَايَاهُ، وَهَذِهِ وَجَاهَةٌ عَظِيمَةٌ وَمَنْزِلَةٌ عَالِيَةٌ، وَكَانَ مِنْ أَحْظَى الْعُشَرَاءِ عَلَى الشَّرَابِ - فَإِنَّ الرَّشِيدَ كَانَ يَسْتَعْمِلُ فِي أَوَاخِرِ مُلْكِهِ الْمُسْكِرَ، وَكَأَنَّهُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ - وَكَانَ أَحَبَّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ أُخْتُهُ الْعَبَّاسَةُ بِنْتُ الْمَهْدِيِّ، وَكَانَ يُحْضِرُهَا مَعَهُ، وَجَعْفَرٌ الْبَرْمَكِيُّ حَاضِرٌ أَيْضًا، فَزَوَّجَهُ بِهَا لِيَحِلَّ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَأْهَا، فَكَانَ الرَّشِيدُ رُبَّمَا قَامَ وَتَرَكَهُمَا وَهُمَا ثَمِلَانِ مِنَ الشَّرَابِ، فَرُبَّمَا وَاقَعَهَا جَعْفَرٌ فَاتَّفَقَ حَمْلُهَا مِنْهُ فَوَلَدَتْ وَلَدًا، وَبَعْثَتْهُ مَعَ بَعْضِ جَوَارِيهَا إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُرَبَّى بِهَا.

وَذَكَرَ الْقَاضِي ابْنُ خِلِّكَانَ فِي " الْوَفَيَاتِ " صِفَةً أُخْرَى فِي مَقْتَلِ جَعْفَرٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا زَوَّجَ الرَّشِيدُ جَعْفَرًا مِنَ الْعَبَّاسَةِ أَحَبَّتْهُ حُبًّا شَدِيدًا، فَرَاوَدَتْهُ عَنْ نَفْسِهِ فَامْتَنَعَ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ مِنْ خَشْيَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَاحْتَالَتْ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ

ص: 640

تُهْدِي إِلَيْهِ فِي كُلِّ لَيْلَةِ جُمْعَةٍ جَارِيَةً حَسْنَاءَ بِكْرًا فَقَالَتْ لِأُمِّهِ: أَدْخِلِينِي عَلَيْهِ فِي صِفَةِ جَارِيَةٍ مِنْ تِلْكَ الْجَوَارِي فَهَابَتْ مِنْ تِلْكَ، فَتَهَدَّدَتْهَا حَتَّى فَعَلَتْ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَكَانَ لَا يَتَحَقَّقُ وَجْهَهَا مِنْ مَهَابَةِ الرَّشِيدِ، فَوَاقَعَهَا فَقَالَتْ لَهُ: كَيْفَ رَأَيْتَ خَدِيعَةَ بَنَاتِ الْمُلُوكِ. فَقَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْعَبَّاسَةُ. وَحَمَلَتْ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَدَخَلَ عَلَى أُمِّهِ فَقَالَ لَهَا. بِعْتِينِي وَاللَّهِ بِرَخِيصٍ. ثُمَّ إِنَّ وَالِدَهُ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ جَعَلَ يُضَيِّقُ عَلَى عِيَالِ الرَّشِيدِ فِي النَّفَقَةِ، حَتَّى شَكَتْهُ إِلَى الرَّشِيدِ زُبَيْدَةُ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَفْشَتْ لَهُ سِرَّ الْعَبَّاسَةِ، فَاسْتَشَاطَ غَضَبًا، وَلَمَّا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ الْوَلَدَ قَدْ أَرْسَلَتْ بِهِ إِلَى مَكَّةَ حَجَّ عَامَهُ ذَلِكَ حَتَّى تَحَقَّقَ الْأَمْرَ. وَيُقَالُ: إِنَّ بَعْضَ الْجَوَارِي نَمَّتْ عَلَيْهَا إِلَى الرَّشِيدِ، وَأَخْبَرَتْهُ بِمَا وَقَعَ مِنَ الْأَمْرِ، وَأَنَّ الْوَلَدَ بِمَكَّةَ، وَعِنْدَهُ جَوَارٍ وَمَعَهُ أَمْوَالٌ وَحُلِيٌّ كَثِيرٌ، فَلَمْ يُصَدِّقْ حَتَّى حَجَّ فِي السَّنَةِ الْحَالِيَّةِ، فَكَشَفَ عَنِ الْحَالِ، فَإِذَا هُوَ كَمَا ذَكَرَتْ تِلْكَ الْجَارِيَةُ.

وَقَدْ حَجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ الْوَزِيرُ، وَقَدِ اسْتَشْعَرَ الْغَضَبَ مِنَ الرَّشِيدِ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَعْبَةِ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ يُرْضِيكَ عَنِّي سَلْبُ مَالِيَ وَوَلَدِي وَأَهْلِي فَافْعَلْ ذَلِكَ بِي، وَأَبْقِ عَلَيَّ مِنْهُمُ الْفَضْلَ. ثُمَّ خَرَجَ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ رَجَعَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ وَالْفَضْلُ مَعَهُمْ، فَإِنِّي رَاضٍ بِرِضَاكَ عَنِّي وَلَا تَسْتَثْنِ مِنْهُمْ أَحَدًا.

فَلَمَّا قَفَلَ الرَّشِيدُ مِنَ الْحَجِّ صَارَ إِلَى الْحِيرَةِ، ثُمَّ رَكِبَ فِي السُّفُنِ إِلَى الْعُمْرِ مِنْ أَرْضِ الْأَنْبَارِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ السَّبْتِ سَلْخَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ أَعْنِي سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ أَرْسَلَ مَسْرُورًا الْخَادِمَ، وَمَعَهُ حَمَّادُ بْنُ سَالِمٍ أَبُو عِصْمَةَ فِي جَمَاعَةٍ

ص: 641

مِنَ الْجُنْدِ فَأَطَافُوا بِجَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى لَيْلًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَسْرُورٌ الْخَادِمُ، وَعِنْدَهُ بُخْتَيَشُوعُ الْمُتَطَبِّبُ، وَأَبُو زَكَّارٍ الْأَعْمَى الْمُغَنِّي الْكَلْوَذَانِيُّ، وَهُوَ فِي أَمْرِهِ، وَأَبُو زَكَّارٍ يُغَنِّيهِ:

فَلَا تَبْعَدْ فَكُلُّ فَتًى سَيَأْتِي

عَلَيْهِ الْمَوْتُ يَطْرُقُ أَوْ يُغَادِي

فَقَالَ الْخَادِمُ لَهُ: يَا أَبَا الْفَضْلِ، هَذَا الْمَوْتُ قَدْ طُرَقَكَ، أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَامَ إِلَيْهِ، فَقَبَّلَ قَدَمَيْهِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ، أَنْ يَدْخُلَ إِلَى أَهْلِهِ، فَيُوصِيَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَمَّا الدُّخُولُ فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، فَأَوْصَى جَعْفَرٌ وَأَعْتَقَ جَمَاعَةً مِنْ مَمَالِيكِهِ، وَجَاءَتْ رُسُلُ الرَّشِيدِ تَسْتَحِثُّ الْخَادِمَ، فَأَخْرَجَهُ إِخْرَاجًا عَنِيفًا يَقُودُهُ، حَتَّى أَتَى الْمَنْزِلَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الرَّشِيدُ فَحَبَسَهُ وَقَيَّدَهُ بِقَيْدِ حِمَارٍ، وَأَعْلَمَ الرَّشِيدَ بِمَا كَانَ فَعَلَ، فَأَمَرَهُ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، فَجَاءَ إِلَى جَعْفَرٍ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِرَأْسِكَ، فَقَالَ: يَا أَبَا هَاشِمٍ، لَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَكْرَانُ، فَإِذَا صَحَا عَاتَبَكَ عَلَى ذَلِكَ، فَعَاوِدْهُ. فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَعَلَّكَ مَشْغُولٌ. فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا مَاصَّ بَظْرِ أُمِّهِ! ائْتِنِي بِرَأْسِهِ. فَكَرَّرَ عَلَيْهِ جَعْفَرٌ الْمُعَاوَدَةَ، فَقَالَ لَهُ: بَرِئْتُ مِنَ الْمَهْدِيِّ لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِرَأْسِهِ لَأَبْعَثَنَّ مَنْ يَأْتِينِي بِرَأْسِكَ وَرَأْسِهِ. فَرَجَعَ إِلَى جَعْفَرٍ، فَحَزَّ رَأْسَهُ، وَجَاءَ بِهِ إِلَى الرَّشِيدِ، فَأَلْقَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَرْسَلَ الرَّشِيدُ مِنْ لَيْلَتِهِ الْبُرُدَ فِي الِاحْتِيَاطِ عَلَى الْبَرَامِكَةِ جَمِيعِهِمْ بِبَغْدَادَ وَغَيْرِهَا، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِسَبِيلٍ فَأُخِذُوا كُلُّهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَحَبَسَ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ فِي مَنْزِلِهِ، وَحَبَسَ الْفَضْلَ بْنَ يَحْيَى فِي مَنْزِلٍ آخَرَ، وَأَخَذَ جَمِيعَ مَا كَانُوا يَمْلِكُونَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَالْمَوَالِي، وَالْحَشَمِ، وَالْخَدَمِ، وَاحْتِيطَ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ، وَبَعَثَ الرَّشِيدُ بِرَأْسِ جَعْفَرٍ وَجُثَّتِهِ، ثُمَّ قُطِعَتْ بِاثْنَيْنِ، فَنُصِبَ الرَّأْسُ عِنْدَ الْجِسْرِ الْأَعْلَى، وَشِقُّ الْجُثَّةِ عِنْدَ الْجِسْرِ الْأَسْفَلِ، وَشِقُّهَا الْآخَرُ عِنْدَ الْجِسْرِ الْآخَرِ، ثُمَّ أُحْرِقَتْ بَعْدَ

ص: 642

ذَلِكَ، وَنُودِيَ فِي بَغْدَادَ أَنْ لَا أَمَانَ لِلْبَرَامِكَةِ وَلَا لِمَنْ آوَاهُمْ، إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، فَإِنَّهُ اسْتَثْنَاهُ مِنْ بَيْنِ الْبَرَامِكَةِ لِنُصْحِهِ لِلْخَلِيفَةِ.

وَأَتَى الرَّشِيدُ بِأَنَسِ بْنِ أَبِي شَيْخٍ - وَكَانَ يُتَّهَمُ بِالزَّنْدَقَةِ، وَكَانَ مُصَاحِبًا لِجَعْفَرٍ الْبَرْمَكِيِّ - وَذَلِكَ لَيْلَةَ قُتِلَ جَعْفَرٌ، فَدَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ كَلَامٌ، فَأَخْرَجَ الرَّشِيدُ سَيْفًا مِنْ تَحْتِ فِرَاشِهِ، وَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ بِهِ، وَجَعَلَ يَتَمَثَّلُ بِبَيْتٍ قِيلَ فِي أَنَسٍ قَبْلَ ذَلِكَ:

تَلَمَّظَ السَّيْفُ مِنْ شَوْقٍ إِلَى أَنَسٍ

فَالسَّيْفُ يَلْحَظُ وَالْأَقْدَارُ تَنْتَظِرُ

فَضُرِبَتْ عُنُقُ أَنَسٍ، فَسَبَقَ السَّيْفُ الدَّمَ، فَقَالَ الرَّشِيدُ: رَحِمَ اللَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُصْعَبٍ. فَقَالَ النَّاسُ: إِنَّ السَّيْفَ كَانَ سَيْفَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ. وَشُحِنَتِ السُّجُونُ بِالْبَرَامِكَةِ، وَاسْتُلِبَتْ أَمْوَالُهُمْ كُلُّهَا.

وَقَدْ كَانَ الرَّشِيدُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَتَلَ فِي آخِرِهِ جَعْفَرًا، هُوَ وَإِيَّاهُ رَاكِبَيْنِ فِي الصَّيْدِ، وَقَدْ خَلَا بِهِ دُونَ وُلَاةِ الْعُهُودِ، وَطَيَّبَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالْغَالِيَةِ بِيَدِهِ، وَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَوَدَّعَهُ الرَّشِيدُ، ضَمَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ خَلْوَتِي بِالنِّسَاءِ مَا فَارَقْتُكَ، فَاذْهَبْ إِلَى مَنْزِلِكَ وَاشْرَبْ وَاطْرَبْ لِتَكُونَ عَلَى مِثْلِ حَالِي. فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا أَشْتَهِي ذَلِكَ إِلَّا مَعَكَ. فَانْصَرَفَ عَنْهُ جَعْفَرٌ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ بَعْضُهُ حَتَّى أَوْقَعَ بِهِ مِنَ الْبَأْسِ وَالنَّكَالِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلَةَ السَّبْتِ آخَرَ لَيْلَةٍ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا مُسْتَهَلُّ صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ. وَكَانَ عُمْرُ جَعْفَرٍ إِذْ ذَاكَ سَبْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً.

وَلَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ إِلَى أَبِيهِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ بِقَتْلِهِ قَالَ: قَتَلَ اللَّهُ ابْنَهُ. وَلَمَّا قِيلَ لَهُ:

ص: 643

قَدْ خُرِّبَتْ دَارُكَ. قَالَ: خَرَّبَ اللَّهُ دَوْرَهُ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمَّا نَظَرَ إِلَى دَارِهِ وَقَدْ هُتِكَتْ سُتُورُهَا، وَاسْتُبِيحَتْ قُصُورُهَا، وَانْتُهِبَ مَا فِيهَا، قَالَ: هَكَذَا تَقُومُ السَّاعَةُ.

وَقَدْ كَتَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ يُعَزِّيهِ فِيمَا وَقَعَ، فَكَتَبَ جَوَابَ التَّعْزِيَةِ: أَنَا بِقَضَاءِ اللَّهِ رَاضٍ، وَبِالْخِيَارِ عَالِمٌ، وَلَا يُؤَاخِذُ اللَّهُ الْعِبَادَ إِلَّا بِذُنُوبِهِمْ، وَمَا اللَّهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، وَمَا يَغْفِرُ اللَّهُ أَكْثَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ مِنَ الْمَرَاثِي فِي الْبَرَامِكَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّقَاشِيِّ - وَيُذْكَرُ أَنَّهَا لِأَبِي نُوَاسٍ -:

أَلَانَ اسْتَرَحْنَا وَاسْتَرَاحَتْ رِكَابُنَا

وَأَمْسَكَ مَنْ يُجْدِي وَمَنْ كَانَ يَجْتَدِي

فَقُلْ لِلْمَطَايَا قَدْ أَمِنْتِ مِنَ السُّرَى

وَطَيِّ الْفَيَافِي فَدْفَدًا بَعْدَ فَدْفَدِ

وَقُلْ لِلْمَنَايَا قَدْ ظَفِرْتِ بِجَعْفَرٍ

وَلَنْ تَظْفَرِي مِنْ بَعْدِهِ بَمُسَوَّدِ

وَقُلْ لِلْعَطَايَا بَعْدْ فَضْلٍ تَعَطَّلِي

وَقُلْ لِلرَّزَايَا كُلَّ يَوْمٍ تَجَدَّدِي

وَدُونَكِ سَيْفًا بَرْمَكِيًّا مُهَنَّدًا

أُصِيبَ بِسَيْفٍ هَاشِمِيٍّ مُهَنَّدِ

وَقَالَ الرَّقَاشِيُّ وَقَدْ نَظَرَ إِلَى جَعْفَرٍ وَهُوَ عَلَى جِذْعِهِ مَصْلُوبٌ:

أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا خَوْفُ وَاشٍ

وَعَيْنٌ لِلْخَلِيفَةِ لَا تَنَامُ

لَطُفْنَا حَوْلِ جِذْعِكَ وَاسْتَلَمْنَا

كَمَا لِلنَّاسِ بِالْحَجَرِ اسْتِلَامُ

فَمَا أَبْصَرْتُ قُبْلَكَ يَابْنَ يَحْيَى

حُسَامًا فَلَّهُ السَّيْفُ الْحُسَامُ

عَلَى اللَّذَّاتِ وَالدُّنْيَا جَمِيعًا

وَدَوْلَةِ آلِ بَرْمَكٍ السَّلَامُ

ص: 644

قَالَ: فَاسْتَدْعَى بِهِ الرَّشِيدُ وَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ! كَمْ كَانَ يُعْطِيكَ جَعْفَرٌ كُلَّ عَامٍ؟ قَالَ: أَلْفُ دِينَارٍ. فَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفَيْ دِينَارٍ.

وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ عَمِّهِ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى وَقَفَتِ امْرَأَةٌ عَلَى حِمَارٍ فَارِهٍ، فَقَالَتْ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ: وَاللَّهِ لَئِنْ صِرْتَ الْيَوْمَ آيَةً فَلَقَدْ كُنْتَ فِي الْمَكَارِمِ غَايَةً. ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ:

وَلَمَّا رَأَيْتُ السَّيْفَ خَالَطَ جَعْفَرًا

وَنَادَى مُنَادٍ لِلْخَلِيفَةِ فِي يَحْيَى

بَكَيْتُ عَلَى الدُّنْيَا وَأَيْقَنْتُ أَنَّمَا

قُصَارَى الْفَتَى يَوْمًا مُفَارَقَةُ الدُّنْيَا

وَمَا هِيَ إِلَّا دَوْلَةٌ بَعْدَ دَوْلَةٍ

تُخَوِّلُ ذَا نُعْمَى وَتُعْقِبُ ذَا بَلْوَى

إِذَا أَنْزَلَتْ هَذَا مَنَازِلَ رِفْعَةٍ

مِنَ الْمُلْكِ حَطَّتْ ذَا إِلَى الْغَايَةِ الْقُصْوَى

قَالَ ثُمَّ حَرَّكَتْ حِمَارَهَا، فَذَهَبَتْ فَكَأَنَّهَا كَانَتْ رِيحًا لَا أَثَرَ لَهَا، وَلَا يُعْرَفُ أَيْنَ ذَهَبَتْ

وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " الْمُنْتَظَمِ " أَنَّ جَعْفَرًا كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا: فَنْفَنَةُ. مُغَنِيَّةٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي الدُّنْيَا نَظِيرٌ، كَانَ مُشْتَرَاهَا عَلَيْهِ بِمَنْ مَعَهَا مِنَ الْجَوَارِي مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، فَطَلَبَهَا مِنْهُ الرَّشِيدُ، فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا قَتَلَهُ الرَّشِيدُ اصْطَفَى تِلْكَ الْجَارِيَةَ، فَأَحْضَرَهَا لَيْلَةً فِي مَجْلِسِ شَرَابِهِ، وَعِنْدَهُ

ص: 645

جَمَاعَةٌ مِنْ جُلَسَائِهِ وَسُمَّارِهِ وَأَحْبَابِهِ، فَأَمَرَ مَنْ مَعَهَا أَنْ يُغَنِّينَ، فَانْدَفَعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَغَنِّي، حَتَّى انْتَهَتِ النَّوْبَةُ إِلَى فَنْفَنَةَ، فَأَمَرَهَا بِالْغِنَاءِ، فَأَسْبَلَتْ دَمْعَهَا وَقَالَتْ: أَمَّا بَعْدَ السَّادَةِ فَلَا. فَغَضِبَ الرَّشِيدُ مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَأَمَرَ بَعْضَ الْحَاضِرِينَ أَنْ يَأْخُذَهَا إِلَيْهِ فَقَدْ وَهَبَهَا لَهُ، ثُمَّ لَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَافَ قَالَ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ: لَا تَطَأْهَا. فَفَهِمُوا أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ كَسْرَهَا. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْضَرَهَا، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنْهَا وَأَمَرَهَا بِالْغِنَاءِ، فَامْتَنَعَتْ وَأَرْسَلَتْ دُمُوعَهَا وَقَالَتْ: أَمَّا بَعْدَ السَّادَةِ فَلَا. فَغَضِبَ الرَّشِيدُ أَشَدَّ مِنَ الْأَوَّلِ، وَقَالَ: النِّطْعُ وَالسَّيْفُ. وَجَاءَ السَّيَّافُ، فَوَقَفَ عَلَى رَأْسِهَا، وَقَالَ لَهُ: إِذَا أَمَرْتُكَ ثَلَاثًا وَعَقَدْتُ أَصَابِعِي ثَلَاثًا فَاضْرِبْ. ثُمَّ قَالَ لَهَا: غَنِّي. فَبَكَتْ وَقَالَتْ: أَمَّا بَعْدَ السَّادَةِ فَلَا. فَعَقَدَ أُصْبَعَهُ الْخِنْصَرَ، ثُمَّ أَمَرَهَا الثَّانِيَةَ فَامْتَنَعَتْ، فَعَقَدَ اثْنَتَيْنِ، فَارْتَعَدَ الْحَاضِرُونَ، وَأَشْفَقُوا غَايَةَ الْإِشْفَاقِ، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهَا يَسْأَلُونَهَا أَنْ لَا تَقْتَلَ نَفْسَهَا، وَأَنْ تُجِيبَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَا يُرِيدُ مِنْهَا. ثُمَّ أَمَرَهَا الثَّالِثَةَ، فَانْدَفَعَتْ تَغَنِّي:

لَمَّا رَأَيْتُ الدِّيَارَ قَدْ دَرَسَتْ

أَيْقَنْتُ أَنَّ النَّعِيمَ لَمْ يَعُدْ

قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهَا الرَّشِيدُ، وَأَخَذَ الْعُودَ مِنْ يَدِهَا، وَأَقْبَلَ يَضْرِبُ بِهِ وَجْهَهَا، وَرَأْسَهَا حَتَّى تَكَسَّرَ، وَأَقْبَلَتِ الدِّمَاءُ، وَتَطَايَرْنَا مِنْ حَوْلِهَا، وَحُمِلَتِ الْجَارِيَةُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ فَمَاتَتْ بَعْدَ ثَلَاثٍ.

وَرُوِيَ أَنَّ الرَّشِيدَ كَانَ يَقُولُ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَغْرَانِي بِالْبَرَامِكَةِ، فَمَا وَجَدْتُ

ص: 646

بَعْدَهُمْ لَذَّةً وَلَا رَاحَةً وَلَا رَخَاءً، وَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنِّي شُوطِرْتُ نِصْفَ عُمْرِي وَمُلْكِي وَأَنِّي تَرَكْتُهُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ.

وَحَكَى ابْنُ خِلِّكَانَ أَنَّ جَعْفَرًا اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَالْتَفَتَتْ إِلَى بَائِعِهَا وَقَالَتْ لَهُ: اذْكُرِ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَنْ لَا تَأْكُلَ مِنْ ثَمَنِي شَيْئًا. فَبَكَى سَيِّدُهَا وَقَالَ: اشْهَدُوا أَنَّهَا حُرَّةٌ، وَأَنِّي قَدْ تَزَوَّجْتُهَا. فَقَالَ جَعْفَرٌ: اشْهَدُوا أَنَّ الثَّمَنَ لَهُ أَيْضًا.

قَالَ: وَكَتَبَ إِلَى نَائِبٍ لَهُ: أَمَّا بَعْدُ; فَقَدْ كَثُرَ شَاكُوكَ، وَقَلَّ شَاكِرُوكَ، فَإِمَّا أَنْ تَعْدِلَ وَإِمَّا أَنْ تَعْتَزِلَ.

وَمِنْ أَحْسَنِ مَا وَقَعَ مِنْهُ مِنَ التَّلَطُّفِ فِي إِزَالَةِ هَمِّ الرَّشِيدِ وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ مُنَجِّمٌ يَهُودِيٌّ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَمُوتُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فَحَمَلَ الرَّشِيدُ هَمًّا عَظِيمًا، فَدَخَلَ جَعْفَرٌ فَسَأَلَ: مَا الْخَبَرُ؟ فَأُخْبِرَ بِقَوْلِ الْيَهُودِيِّ لِلْخَلِيفَةِ: أَنَّهُ سَيَمُوتُ مِنْ عَامِهِ هَذَا، فَاسْتَدْعَى جَعْفَرٌ الْيَهُودِيَّ، فَقَالَ لَهُ: كَمْ وَجَدْتَ بَقِيَ لَكَ مِنَ الْعُمْرِ؟ فَذَكَرَ مُدَّةً طَوِيلَةً، فَأَقْبَلَ عَلَى الرَّشِيدِ وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْتُلْهُ حَتَّى تَعْلَمَ كَذِبَهُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ مَوْتِكَ، كَمَا عَلِمْتَ كَذِبَهُ فِيمَا أَخْبَرَ عَنْ عُمْرِهِ. فَأَمَرَ الرَّشِيدُ بِالْيَهُودِيِّ فَقُتِلَ، وَسُرِّيَ عَنِ الرَّشِيدِ هَمُّهُ الَّذِي كَانَ يَجِدُهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَبَعْدَ مَقْتَلِ الْبَرَامِكَةِ قَتَلَ الرَّشِيدُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ نَهِيكٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ

ص: 647

حَزِنَ عَلَى مَقْتَلِ الْبَرَامِكَةِ، وَلَاسِيَّمَا عَلَى جَعْفَرٍ، وَكَانَ يُكْثِرُ الْبُكَاءَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ حَيِّزِ الْبُكَاءِ إِلَى حَيِّزِ الِانْتِصَارِ لَهُمْ وَالْأَخْذِ بِثَأْرِهِمْ، وَكَانَ إِذَا شَرِبَ فِي مَنْزِلِهِ يَقُولُ لِجَارِيَتِهِ: ائْتِينِي بِسَيْفِي. فَيَسُلُّهُ ثُمَّ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ قَاتِلَهُ. فَأَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ، فَخَشِيَ ابْنُهُ عُثْمَانُ أَنْ يَطَّلِعَ الْخَلِيفَةُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَيُهْلِكُهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، وَرَأَى أَنَّ أَبَاهُ لَا يَنْزِعُ عَنْ هَذَا، فَذَهَبَ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ فَأَعْلَمَهُ، فَأَخْبَرَ الْفَضْلُ الْخَلِيفَةَ، فَاسْتَدْعَى بِهِ، فَاسْتَخْبَرَهُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: مَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ؟ قَالَ: فَلَانٌ الْخَادِمُ. فَجَاءَ بِهِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ الرَّشِيدُ: لَا يَحِلُّ لِي قَتْلُ أَمِيرٍ كَبِيرٍ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ غُلَامٍ وَخَصِيٍّ، لَعَلَّهُمَا قَدْ تَوَاصَيَا عَلَى ذَلِكَ. فَأَحْضُرُهُ الرَّشِيدُ مَعَهُ عَلَى الشَّرَابِ، ثُمَّ خَلَا بِهِ فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ يَا إِبْرَاهِيمُ، إِنَّ عِنْدِي سِرًّا أُحِبُّ أَنْ أُطْلِعَكَ عَلَيْهِ، قَدْ أَقْلَقَنِي فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ إِنِّي نَدِمْتُ عَلَى قَتْلِ الْبَرَامِكَةِ وَوَدِدْتُ أَنِّي قَدْ خَرَجْتُ مِنْ نِصْفِ مُلْكِي وَنُقِصْتُ نِصْفَ عُمْرِي وَلَمْ أَكُنْ فَعَلْتُ بِهِمْ مَا فَعَلْتُ، فَإِنِّي لَمْ أَجِدْ بَعْدَهُمْ لَذَّةً وَلَا رَاحَةً، فَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ - يَعْنِي جَعْفَرًا، وَبَكَى - وَاللَّهِ يَا سَيِّدِي، لَقَدْ أَخْطَأْتَ فِي قَتْلِهِ. فَقَالَ لَهُ: قُمْ، لَعَنَكَ اللَّهُ. ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَسَلَّمَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ غَضِبَ الرَّشِيدُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ بِسَبَبِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ الْخِلَافَةَ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ بِسَبَبِهِ أَيْضًا عَلَى الْبَرَامِكَةِ الَّذِينَ هُمْ فِي الْحُبُوسِ، وَسَجَنَهُ، فَلَمْ يَزَلْ فِي السِّجْنِ حَتَّى تُوُفِّيَ الرَّشِيدُ فَأَخْرَجَهُ الْأَمِينُ، وَعَقَدَ لَهُ عَلَى نِيَابَةِ الشَّامِ.

ص: 648

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ثَارَتِ الْعَصَبِيَّةُ أَيْضًا بِالشَّامِ بَيْنَ الْمُضَرِيَّةِ وَالْيَمَانِيَةِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمُ الرَّشِيدُ مُحَمَّدَ بْنَ مَنْصُورِ بْنِ زِيَادٍ فَأَصْلَحَ بَيْنِهِمْ.

وَفِيهَا كَانَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ بِالْمِصِّيصَةِ، فَانْهَدَمَ بَعْضُ سُورِهَا، وَنَضَبَ مَاؤُهُمْ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ.

وَفِيهَا بَعَثَ الرَّشِيدُ وَلَدَهُ الْقَاسِمَ عَلَى الصَّائِفَةِ، وَجَعَلَهُ قُرْبَانًا وَوَسِيلَةً، وَوَلَّاهُ الْعَوَاصِمَ، فَسَارَ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ، فَحَاصَرَهُمْ حَتَّى افْتَدَوْا مِنْهُ بِخَلْقٍ مِنَ الْأَسَارَى يُطْلِقُونَهُمْ وَيَرْجِعُ عَنْهُمْ، فَفَعَلَ ذَلِكَ.

وَفِيهَا نَقَضَتِ الرُّومُ الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي كَانَ عَقَدَهُ الرَّشِيدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِينَى مَلِكَةِ الرُّومِ الْمُلَقَّبَةِ أُغُسْطَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ الرُّومَ عَزَلُوهَا عَنْهُمْ، وَمَلَّكُوا عَلَيْهِمُ النَّقْفُورَ، وَكَانَ شُجَاعًا، يُقَالُ: إِنَّهُ مِنْ سُلَالَةِ آلِ جَفْنَةَ، وَإِنَّهُ قَبْلَ الْمُلْكِ كَانَ يَلِي دِيوَانَ الْخَرَاجِ، وَمَلَّكُوا نَقْفُورَ هَذَا عَلَيْهِمْ، فَخَلَعُوا رِينَى وَسَمَلُوا عَيْنَيْهَا، فَكَتَبَ إِلَى الرَّشِيدِ: مِنْ نَقْفُورَ مَلِكِ الرُّومِ إِلَى هَارُونَ مَلِكِ الْعَرَبِ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْمَلِكَةَ الَّتِي كَانَتْ قَبِلُ أَقَامَتْكَ مُقَامِ الرُّخِّ، وَأَقَامَتْ نَفْسَهَا مُقَامِ الْبَيْدَقِ، فَحَمَلَتْ إِلَيْكَ مِنْ أَمْوَالِهَا مَا كُنْتَ حَقِيقًا بِحَمْلِ أَمْثَالِهِ إِلَيْهَا،

ص: 649

وَلَكِنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَعْفِ النِّسَاءِ وَحُمْقِهِنَّ، فَإِذَا قَرَأْتَ كِتَابِي هَذَا فَارْدُدْ مَا حَصَلَ لَكَ مِنْ أَمْوَالِهَا، وَافْتَدِ نَفْسَكَ، وَإِلَّا فَالسَّيْفُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ. فَلَمَّا قَرَأَ الرَّشِيدُ الْكِتَابَ اسْتَفَزَّهُ الْغَضَبُ، حَتَّى لَمْ يُمْكِنْ أَحَدًا أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ دُونَ أَنْ يُخَاطِبَهُ، وَتَفَرَّقَ جُلَسَاؤُهُ خَوْفًا مِنْهُ، وَاسْتَدْعَى بِدَوَاةٍ وَكَتَبَ عَلَى ظَهْرِ الْكِتَابِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ هَارُونَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى نَقْفُورَ كَلْبِ الرُّومِ، قَدْ قَرَأْتُ كِتَابَكَ يَا ابْنَ الْكَافِرَةِ، وَالْجَوَابُ مَا تَرَاهُ دُونَ مَا تَسْمَعُهُ، وَالسَّلَامُ. ثُمَّ شَخَصَ مِنْ يَوْمِهِ حَتَّى أَقَامَ بِبَابِ هَرْقَلَةَ، فَفَتَحَهَا وَاصْطَفَى ابْنَةَ مَلِكِهَا، وَغَنِمَ مِنَ الْأَمْوَالِ شَيْئًا كَثِيرًا، وَخَرَّبَ وَأَحْرَقَ، وَاصْطَلَمَ، فَطَلَبَ نَقْفُورُ مِنْهُ الْمُوَادَعَةَ عَلَى خَرَاجٍ يُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَأَجَابَهُ الرَّشِيدُ إِلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا رَجَعَ مِنْ غَزْوَتِهِ وَصَارَ بِالرِّقَّةِ، نَقَضَ الْكَافِرُ الْعَهْدَ، وَخَانَ الْمِيثَاقَ، وَكَانَ الْبَرْدُ قَدِ اشْتَدَّ جِدًّا، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ عَلَى إِخْبَارِ الرَّشِيدِ بِذَلِكَ; لِخَوْفِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَيْهِ، حَتَّى يَنْفَصِلَ الشِّتَاءُ.

وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ.

ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ

جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ أَبُو الْفَضْلِ الْبَرْمَكِيُّ الْوَزِيرُ ابْنُ

ص: 650

الْوَزِيرِ، وَقَدْ وَلَّاهُ الرَّشِيدُ الشَّامَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْبِلَادِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ الرَّشِيدَ بَعَثَهُ إِلَى دِمَشْقَ لَمَّا ثَارَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنِ الْعِشْرَيْنِ بَحُورَانَ بَيْنَ قَيْسٍ وَيَمَنٍ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا أَنْشَئُوهُ فِي الْإِسْلَامِ، كَانَ خَامِدًا فَأَثَارُوهُ فِي هَذَا الْأَوَانِ، فَلِمَا قَدِمَ جَعْفَرٌ بِجَيْشِهِ خَمَدَتِ الشُّرُورُ وَظَهَرَ السُّرُورُ، وَقِيلَتْ فِي ذَلِكَ أَشْعَارٌ حِسَانٌ قَدْ ذَكَرَهَا فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ " تَارِيخِهِ " فَمِنْهَا:

لَقَدْ أُوقِدَتْ فِي الشَّامِ نِيرَانُ فِتْنَةٍ

فَهَذَا أَوَانُ الشَّامِ تُخْمَدُ نَارُهَا

إِذَا جَاشَ مَوْجُ الْبَحْرِ مِنْ آلِ بَرْمَكٍ

عَلَيْهَا خَبَتْ شُهْبَانُهَا وَشِرَارُهَا

رَمَاهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِجَعْفَرٍ

وَفِيهِ تَلَاقَى صَدْعُهَا وَانْجِبَارُهَا

رَمَاهَا بِمَيْمُونِ النَّقِيبَةِ مَاجِدٍ

تَرَاضَى بِهِ قَحْطَانُهَا وَنِزَارُهَا

هُوَ الْمَلِكُ الْمَأْمُولُ لِلَّبِرِّ وَالتُّقَى

وَصَوْلَاتُهُ لَا يُسْتَطَاعُ خِطَارُهَا

وَزِيرُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَسَيْفُهُ

وَمُدْيَتُهُ وَالْحَرْبُ تَدْمَى شِفَارُهَا

وَمَنْ تُطْوَ أَسْرَارُ الْخَلِيفَةِ دُونَهُ

فَعِنْدَكَ مَأْوَاهَا وَأَنْتَ قَرَارُهَا

إِذَا مَا ابْنُ يَحْيَى جَعْفَرٌ قَصَدَتْ لَهُ

مُلِمَّاتُ خَطْبٍ لَمْ تَرُعْهُ كِبَارُهَا

لَقَدْ نَشَأَتْ بِالشَّامِ مِنْكَ غَمَامَةٌ

يُؤْمَلُ جَدْوَاهَا وَيُخْشَى دَمَارُهَا

وَهِيَ قَصِيدَةٌ طَوِيلَةٌ، اقْتَصَرْنَا مِنْهَا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ، وَكَانَتْ لَهُ فَصَاحَةٌ وَبَلَاغَةٌ وَكَرَمٌ زَائِدٌ، كَانَ أَبُوهُ قَدْ ضَمَّهُ إِلَى الْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ، فَتَفَقَّهُ عَلَيْهِ،

ص: 651

وَصَارَ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالرَّشِيدِ، وَقَدْ وَقَّعَ لَيْلَةً بِحَضْرَةِ الرَّشِيدِ زِيَادَةً عَلَى أَلْفِ تَوْقِيعٍ فَلَمْ يَخْرُجْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عَنْ مُوجَبِ الْفِقْهِ.

وَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْكَاتِبِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ هِشَامٍ الْكَاتِبِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ كَاتِبِ عُثْمَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ كَاتِبِ الْوَحْيِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا كَتَبْتَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَبَيِّنِ السِّينَ فِيهِ» . رَوَاهُ الْخَطِيبُ وَابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْقَاسِمِ الْكَعْبِيِّ الْمُتَكَلِّمِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ - وَقَدْ كَانَ كَاتِبًا لِمُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ، عَنْ طَاهِرِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ رُزَيْقٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ سَهْلٍ ذِى الرِّيَاسَتَيْنِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بِهِ.

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ الْجَاحِظُ: قَالَ جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى لِلرَّشِيدِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ لِي أَبِي يَحْيَى: إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكَ فَأَعْطِ ; فَإِنَّهَا لَا تَفْنَى، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْكَ فَأَعْطِ ; فَإِنَّهَا لَا تَبْقَى. قَالَ جَعْفَرٌ: وَأَنْشَدَنَا أَبِي:

لَا تَبْخَلَنَّ لِدُنْيَا وَهْيَ مُقْبِلَةٌ

فَلَيْسَ يَنْقُصُهَا التَّبْذِيرُ وَالسَّرَفُ

فَإِنْ تَوَلَّتْ فَأَحْرَى أَنْ تَجُودَ بِهَا

فَالْحَمْدُ مِنْهَا إِذَا مَا أَدْبَرَتْ خَلَفُ

ص: 652

قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: وَقَدْ كَانَ جَعْفَرٌ مِنْ عُلُوِّ الْقَدْرِ وَنَفَاذِ الْأَمْرِ وَعِظَمِ الْمَحَلِّ وَجَلَالَةِ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ الرَّشِيدِ بِحَالَةٍ انْفَرَدَ بِهَا، وَلَمْ يُشَارَكْ فِيهَا، وَكَانَ سَمْحَ الْأَخْلَاقِ، طَلْقَ الْوَجْهِ، ظَاهِرَ الْبِشْرِ. فَأَمَّا جُودُهُ وَسَخَاؤُهُ وَبَذْلُهُ وَعَطَاؤُهُ فَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ وَأَبْيَنُ مِنْ أَنْ يَظْهَرَ، وَكَانَ أَيْضًا مِنْ ذَوِي الْفَصَاحَةِ الْمَذْكُورِينَ وَالْبَلَاغَةِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ، عَنْ مُهَذَّبٍ حَاجِبِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ، صَاحِبِ قَطِيعَةِ الْعَبَّاسِ وَالْعَبَّاسِيَّةِ، أَنَّهُ أَصَابَتْهُ ضَائِقَةٌ، وَأَلَحَّ عَلَيْهِ الْمُطَالِبُونَ، وَعِنْدَهُ سَفَطٌ فِيهِ جَوْهَرٌ شِرَاؤُهُ عَلَيْهِ أَلْفُ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَحَمَلَهُ إِلَى جَعْفَرٍ لِيَبِيعَهُ مِنْهُ، فَاشْتَرَاهُ بِثَمَنِهِ وَوَزَنَ لَهُ أَلْفَ أَلْفٍ، وَقَبَضَ مِنْهُ السَّفَطَ وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ إِذَا السَّفَطُ قَدْ سَبَقَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَيْهِ لِيَشْكُرَهُ، فَوَجَدَهُ مَعَ أَخِيهِ الْفَضْلِ عَلَى بَابِ الرَّشِيدِ يَسْتَأْذِنَانِ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: إِنِّي قَدْ ذَكَرْتُ أَمْرَكَ لِلْفَضْلِ، وَقَدْ أَمَرَ لَكَ بِأَلْفِ أَلْفٍ، وَمَا أَظُنُّهَا إِلَّا قَدْ سَبَقَتْكَ إِلَى أَهْلِكَ، وَسَأُفَاوِضُ فِيكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَلَمَّا دَخَلَ ذَكَرَ أَمْرَهُ وَمَا لَحِقَهُ مِنَ الدُّيُونِ، فَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ.

وَكَانَ جَعْفَرٌ لَيْلَةً فِي سَمَرِهِ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَتِ الْخُنْفُسَاءُ، حَتَّى رَكِبَتْ ثِيَابَ الرَّجُلِ، فَأَلْقَاهَا عَنْهُ جَعْفَرٌ. وَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: إِنَّ مَنْ

ص: 653

قَصَدَتْهُ الْخُنْفُسَاءُ يُبَشَّرُ بِمَالٍ يُصِيبُهُ. فَأَمَرَ لَهُ جَعْفَرٌ بِأَلْفِ دِينَارٍ. ثُمَّ عَادَتِ الْخُنْفُسَاءُ، فَرَجَعَتْ إِلَى الرَّجُلِ، فَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ أُخْرَى.

وَحَجَّ مَرَّةً مَعَ الرَّشِيدِ، فَلَمَّا كَانُوا بِالْمَدِينَةِ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: انْظُرْ جَارِيَةً أَشْتَرِيهَا تَكُونُ فَائِقَةً فِي جَمَالِهَا وَغِنَائِهَا وَذَكَائِهَا. فَفَتَّشَ الرَّجُلُ فَوَجَدَ جَارِيَةً عَلَى النَّعْتِ، فَطَلَبَ سَيِّدُهَا فِيهَا مَالًا كَثِيرًا عَلَى أَنْ يَرَاهَا جَعْفَرٌ، فَذَهَبَ جَعْفَرٌ إِلَى مَنْزِلِ سَيِّدِهَا، فَلَمَّا رَآهَا أُعْجِبَ بِهَا، فَلَمَّا غَنَّتْهُ أَعْجَبَتْهُ أَكْثَرَ، فَسَاوَمَ صَاحِبَهَا فِيهَا، وَقَالَ: قَدْ أَحْضَرْنَا مَالًا فَإِنْ أَعْجَبَكَ وَإِلَّا زِدْنَاكَ. فَقَالَ لَهَا سَيِّدُهَا: إِنِّي كُنْتُ فِي نِعْمَةٍ، وَكُنْتِ عِنْدِي فِي غَايَةِ السُّرُورِ وَالسِّعَةِ، وَإِنَّهُ قَدِ انْقَبَضَ عَلَيَّ حَالِي، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَبِيعَكَ لِهَذَا الْمَلِكِ، لِتَكُونِي عِنْدَهُ كَمَا كُنْتِ عِنْدِي. فَقَالَتْ: يَا سَيِّدِي، وَاللَّهِ لَوْ مَلَكْتُ مِنْكَ مَا مَلَكْتَ مِنِّي لَمْ أَبِعْكَ بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَأَيْنَ مَا كُنْتَ عَاهَدْتَنِي أَنْ لَا تَبِيعَنِي، وَلَا تَأْكُلَ ثَمَنِي؟! فَقَالَ سَيِّدُهَا لِجَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ: أُشْهِدُكُمْ أَنَّهَا حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنِّي قَدْ تَزَوَّجْتُهَا. فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ نَهَضَ جَعْفَرٌ، وَقَامَ أَصْحَابُهُ، وَأَمَرُوا الْحَمَّالَ أَنْ يَحْمِلَ الدَّرَاهِمَ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: وَاللَّهِ لَا تَتْبَعُنِي. وَقَالَ لِلرَّجُلِ: قَدْ مَلَّكْتُكَهَا. فَأَنْفِقْهَا عَلَى أَهْلِكَ. وَذَهَبَ وَتَرَكَهُ.

هَذَا وَقَدْ كَانَ يُبَخَّلُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَخِيهِ الْفَضْلِ، إِلَّا أَنَّ الْفَضْلَ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ مَالًا.

وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِسَنَدِهِ أَنَّهُ لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ وَجَدُوا لَهُ فِي جَرَّةٍ أَلْفَ دِينَارٍ، زِنَةُ كُلِّ دِينَارٍ مِائَةُ دِينَارٍ، مَكْتُوبٌ عَلَى صَفْحَةِ الدِّينَارِ

ص: 654

الْوَاحِدَةُ جَعْفَرٌ، وَالْأُخْرَى:

وَأَصْفَرَ مِنْ ضَرْبِ دَارِ الْمُلُوكِ

يَلُوحُ عَلَى وَجْهِهِ جَعْفَرُ

يَزِيدُ عَلَى مِائَةٍ وَاحِدًا

مَتَى تُعْطِهِ مُعْسِرًا يُوسِرُ

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الرَّاوِيَةُ: كَتَبَتْ عِنَانُ جَارِيَةُ النَّاطِفِيِّ إِلَى جَعْفَرٍ تَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ لِأَبِيهِ يَحْيَى أَنْ يُشِيرَ عَلَى الرَّشِيدِ بِشِرَائِهَا، وَكَتَبَتْ إِلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ مِنْ شَعْرِهَا فِي جَعْفَرٍ:

يَا لَائِمِي جَهْلًا أَلَا تُقْصِرُ

مَنْ ذَا عَلَى حَرِّ الْهَوَى يَصْبِرُ

لَا تَلْحَنِي إِذَا شَرِبْتُ الْهَوَى

صَرْفًا فَمَمْزُوجُ الْهَوَى سُكْرُ

أَحَاطَ بِيَ الْحُبُّ فَخَلْفِي لَهُ

بَحْرٌ وَقُدَّامِي لَهُ أَبْحُرُ

تُخْفِقُ رَايَاتِ الْهَوَى بِالرَّدَى

فَوْقِي وَحَوْلِي لِلْهَوَى عَسْكَرُ

سِيَّانَ عِنْدِي فِي الْهَوَى لَائِمٌ

أَقَلَّ فِيهِ وَالَّذِي يَكْثُرُ

أَنْتَ الْمُصَفَّى مِنْ بَنِي بَرْمَكٍ

يَا جَعْفَرَ الْخَيْرَاتِ يَا جَعْفَرُ

لَا يَبْلُغُ الْوَاصِفُ فِي وَصْفِهِ

مَا فِيكَ مِنْ فَضْلٍ وَلَا يَعْشُرُ

مَنْ وَفَّرَ الْمَالَ بِأَعْرَاضِهِ

فَجَعْفَرٌ أَعْرَاضُهُ أَوْفَرُ

دِيبَاجَةُ الْمُلْكِ عَلَى وَجْهِهِ

وَفِي يَدَيْهِ الْعَارِضُ الْمُمْطِرُ

سَحَّتْ عَلَيْنَا مِنْهُمَا دِيمَةٌ

يَنْهَلُّ مِنْهَا الذَّهَبُ الْأَحْمَرُ

لَوْ مَسَحَتْ كَفَّاهُ جُلْمُودَةً

أَنْضَرَ فِيهَا الْوَرَقُ الْأَخْضَرُ

لَا يَسْتَتِمُّ الْمَجْدُ إِلَّا فَتًى

يَصْبِرُ لِلْبَذْلِ كَمَا يَصْبِرُ

ص: 655

يَهْتَزُّ تَاجُ الْمُلْكِ مِنْ فَوْقِهِ

فَخْرًا وَيُزْهِي تَحْتَهُ الْمِنْبَرُ

أَشْبَهَهُ الْبَدْرُ إِذَا مَا بَدَا

أَوْ غُرَّةٌ فِي وَجْهِهِ تُزْهِرُ

وَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَبَدْرُ الدُّجْى

فِي وَجْهِهِ أَمْ وَجْهُهُ أَنْوَرُ

يَسْتَمْطِرُ الزُّوَّارُ مِنْكَ النَّدَى

وَأَنْتَ بِالزُّوَّارِ تَسْتَبْشِرُ

وَكَتَبَتْ تَحْتَ أَبْيَاتِهَا حَاجَتَهَا، فَرَكِبَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى أَبِيهِ، فَأَدْخَلَهُ عَلَى الْخَلِيفَةِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِشِرَائِهَا، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَشْتَرِيهَا وَقَدْ قَالَ فِيهَا الشُّعَرَاءُ فَأَكْثَرُوا، وَاشْتَهَرَ أَمْرُهَا، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا أَبُو نُوَاسٍ:

إِنَّ عِنَانَ النِّطَافَ جَارِيَةٌ

أَصْبَحَ حِرُّهَا لِلنَّيْكِ مَيْدَانَا

لَا يَشْتَرِيهَا إِلَّا ابْنُ زَانِيَةٍ

أَوْ قَلْطَبَانٌ يَكُونُ مَنْ كَانَا

وَعَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَشْرَسَ قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً مَعَ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، فَانْتَبَهَ مِنْ مَنَامِهِ يَبْكِي مَذْعُورًا، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ شَيْخًا جَاءَ فَأَخَذَ بِعِضَادَتَيْ هَذَا الْبَابِ وَقَالَ:

كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إِلَى الصَّفَا

أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سَامِرُ

قَالَ فَأَجَبْتُهُ:

ص: 656

بَلَى نَحْنُ كُنَّا أَهْلَهَا فَأَبَادَنَا

صُرُوفُ اللَّيَالِي وَالْجُدُودُ الْعَوَاثِرُ

قَالَ ثُمَامَةُ بْنُ أَشْرَسَ: فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الْمُقْبِلَةُ قَتَلَهُ الرَّشِيدُ، وَنَصَبَ رَأَّسَهُ عَلَى الْجِسْرِ، ثُمَّ خَرَجَ الرَّشِيدُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَتَأَمَّلَهُ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

تَقَاضَاكَ دَهْرُكَ مَا أَسْلَفَا

وَكَدَّرَ عَيْشَكَ بَعْدَ الصَّفَا

فَلَا تَعْجَبَنَّ فَإِنَّ الزَّمَانَ

رَهِينٌ بِتَفْرِيقِ مَا أَلَّفَا

قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى جَعْفَرٍ، وَقُلْتُ: أَمَا لَئِنْ أَصْبَحْتَ آيَةً، فَلَقَدْ كُنْتُ فِي الْخَيْرِ غَايَةً. قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيَّ الرَّشِيدُ كَأَنَّهُ جَمَلٌ صَئُولٌ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

مَا يُعْجِبُ الْعَالَمَ مِنْ جَعْفَرٍ

مَا عَايَنُوهُ فَبِنَا كَانَا

مَنْ جَعْفَرٌ أَوْ مَنْ أَبُوهُ وَمَنْ

كَانَتْ بَنُو بَرْمَكٍ لَوْلَانَا

ثُمَّ حَوَّلَ وَجْهَ فَرَسِهِ وَانْصَرَفَ.

وَقَدْ كَانَ مَقْتَلُ جَعْفَرٍ فِي لَيْلَةِ السَّبْتِ مُسْتَهَلَّ صَفَرٍ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَ عُمْرُهُ سَبْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ لَهُمْ فِي الْوِزَارَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.

وَقَدْ دَخَلَتْ عُبَادَةُ أُمُّ جَعْفَرٍ عَلَى أُنَاسٍ فِي يَوْمِ عِيدِ أَضْحَى تَسْتَمْنِحُ مِنْهُمْ جِلْدَ شَاةٍ تَتَدَفَّأُ بِهِ، وَسَأَلُوهَا عَنْ أَمْرِهِمْ: فَقَالَتْ: أَذْكُرُ أَصْبَحْتُ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ وَإِنَّ عَلَى رَأْسِي أَرْبَعَمِائَةِ وَصِيفَةٍ، وَإِنِّي لَأَقُولُ: إِنَّ ابْنِي جَعْفَرًا عَاقٌّ بِي.

ص: 657