الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ذِكْرُ مَقْتَلِ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ]
آخِرِ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ وَتَحَوُّلِ الْخِلَافَةِ إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26] .
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَرْوَانَ لَمَّا بَلَغَهُ مَا جَرَى بِأَرْضِ خُرَاسَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِي مُسْلِمٍ وَأَتْبَاعِهِ، تَحَوَّلَ مِنْ حَرَّانَ، فَنَزَلَ عَلَى نَهْرٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَوْصِلِ يُقَالُ لَهُ: الزَّابُ. مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ، ثُمَّ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ السَّفَّاحَ قَدْ بُويِعَ لَهُ بِالْكُوفَةِ وَالْتَفَّ عَلَيْهِ الْجُنُودُ، وَاجْتَمَعَ لَهُ أَمْرُهُ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ جِدًّا، وَجَمَعَ جُنُودَهُ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَبُو عَوْنِ بْنُ يَزِيدَ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ، فَنَازَلَهُ عَلَى الزَّابِ، وَجَاءَتْهُ الْأَمْدَادُ مِنْ جِهَةِ السَّفَّاحِ ثُمَّ نَدَبَ السَّفَّاحُ النَّاسَ مَنْ يَلِي الْقِتَالَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَانْتَدَبَ عَمَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ فَقَالَ: سِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ. فَسَارَ فِي جُنُودٍ كَثِيرَةٍ، فَقَدِمَ عَلَى أَبِي عَوْنٍ فَتَحَوَّلَ لَهُ أَبُو عَوْنٍ عَنْ سُرَادِقِهِ وَخَلَّاهُ لَهُ وَمَا فِيهِ، وَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى شُرْطَتِهِ حِيَاشَ بْنَ حَبِيبٍ الطَّائِيَّ وَعَلَى حَرَسِهِ نُصَيْرَ بْنَ الْمُحْتَفِزِ وَوَجَّهَ أَبُو الْعَبَّاسِ، مُوسَى بْنَ كَعْبٍ فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا عَلَى الْبَرِيدِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ يَحُثُّهُ عَلَى مُنَاجَزَةِ مَرْوَانَ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى قِتَالِهِ وَنِزَالِهِ، فَتَقَدَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَلِيٍّ بِمَنْ مَعَهُ حَتَّى وَاجَهَ جَيْشَ مَرْوَانَ وَنَهَضَ مَرْوَانُ فِي جُنُودِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَتَصَافَّ الْفَرِيقَانِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ مَعَ مَرْوَانَ يَوْمَئِذٍ مِائَةُ أَلْفٍ وَخَمْسُونَ أَلْفًا. وَقِيلَ: مِائَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا. فَقَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِنْ زَالَتِ الشَّمْسُ يَوْمَئِذٍ وَلَمْ يُقَاتِلُونَا، كُنَّا الَّذِينَ نَدْفَعُهَا إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَإِنْ قَاتَلُونَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. ثُمَّ أَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ يَسْأَلُهُ الْمُوَادَعَةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَذَبَ ابْنُ زُرَيْقٍ لَا تَزُولُ الشَّمْسُ حَتَّى أُوطِئَهُ الْخَيْلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمُ السَّبْتِ لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَقَالَ مَرْوَانُ لِأَهْلِ الشَّامِ: قِفُوا، لَا تَبْدَءُوهُمْ بِقِتَالٍ. وَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى الشَّمْسِ، فَخَالَفَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَرْوَانَ - وَهُوَ خَتَنُ مَرْوَانَ عَلَى ابْنَتِهِ - فَحَمَلَ، فَغَضِبَ مَرْوَانُ وَشَتَمَهُ، فَقَاتَلَ أَهْلُ الْمَيْمَنَةِ، فَانْحَازَ أَبُو عَوْنٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ فَقَالَ مُوسَى بْنُ كَعْبٍ، لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ: مُرِ النَّاسَ فَلْيَنْزِلُوا. فَنُودِيَ: الْأَرْضَ. فَنَزَلَ النَّاسُ وَأَشْرَعُوا الرِّمَاحَ، وَجَثَوْا عَلَى الرَّكْبَ وَقَاتَلُوهُمْ، وَجَعَلَ أَهْلُ الشَّامِ يَتَأَخَّرُونَ كَأَنَّمَا يُدْفَعُونَ، وَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ يَمْشِي قُدُمًا وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَبِّ حَتَّى مَتَى نُقْتَلُ فِيكَ؟ وَنَادَى: يَا أَهْلَ خُرَاسَانَ، يَا لِثَارَاتِ إِبْرَاهِيمَ، يَا مُحَمَّدُ، يَا مَنْصُورُ. وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ بَيْنَ النَّاسِ جِدًّا، فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَى قُضَاعَةَ يَأْمُرُهُمْ بِالنُّزُولِ، فَقَالُوا: قُلْ لِبَنِي سُلَيْمٍ فَلْيَنْزِلُوا. وَأَرْسَلَ إِلَى السَّكَاسِكِ أَنِ احْمِلُوا. فَقَالُوا: قُلْ لِبَنِي عَامِرٍ فَلْيَحْمِلُوا. فَأَرْسَلَ إِلَى السَّكُونِ أَنِ احْمِلُوا. فَقَالُوا: قُلْ لِغَطَفَانَ
فَلْيَحْمِلُوا. فَقَالَ لِصَاحِبِ شُرْطَتِهِ: انْزِلْ. فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَجْعَلُ نَفْسِي غَرَضًا. قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لِأَسُوَءَنَّكَ. قَالَ: وَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنَّكَ قَدَرْتَ عَلَى ذَلِكَ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِابْنِ هُبَيْرَةَ.
قَالُوا: ثُمَّ انْهَزَمَ أَهْلُ الشَّامِ وَاتَّبَعَهُمْ أَهْلُ خُرَاسَانَ فِي أَدْبَارِهِمْ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ، وَكَانَ مَنْ غَرِقَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَكْثَرَ مِمَّنْ قُتِلَ، وَكَانَ فِي جُمْلَةِ مَنْ غَرِقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَخْلُوعُ، وَقَدْ أَمَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ بِعَقْدِ الْجِسْرِ، وَاسْتِخْرَاجِ مَنْ هَلَكَ مِنَ الْغَرْقَى، وَجَعَلَ يَتْلُو قَوْلَهُ تَعَالَى:{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: 50] . وَأَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ فِي مَوْضِعِ الْمَعْرَكَةِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فِي مَرْوَانَ وَفِرَارِهِ يَوْمَئِذٍ:
لَجَّ الْفِرَارُ بِمَرْوَانٍ فَقُلْتُ لَهُ
…
عَادَ الظَّلُومُ ظَلِيمًا هَمُّهُ الْهَرَبُ
أَيْنَ الْفِرَارُ وَتَرْكُ الْمُلْكِ إِذْ ذَهَبَتْ
…
عَنْكَ الْهُوَيْنَى فَلَا دِينٌ وَلَا حَسَبُ
فَرَاشَةُ الْحِلْمِ فِرْعَوْنُ الْعِقَابِ وَإِنْ
…
تَطْلُبْ نَدَاهُ فَكَلْبٌ دُونَهُ كَلِبُ
وَاحْتَازَ عَبْدُ اللَّهِ مَا كَانَ فِي مُعَسْكَرِ مَرْوَانَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْحَوَاصِلِ، وَلَمْ يَجِدْ فِيهِ امْرَأَةً سِوَى جَارِيَةٍ كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَرْوَانَ وَكَتَبَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي الْعَبَّاسِ السَّفَّاحِ يُخْبِرُهُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ النَّصْرِ، وَمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ ; فَصَلَّى السَّفَّاحُ رَكْعَتَيْنِ شُكْرًا لِلَّهِ عز وجل، وَأَطْلَقَ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ خَمْسَمِائَةٍ خَمْسَمِائَةٍ، وَرَفَعَ فِي أَرْزَاقِهِمْ إِلَى ثَمَانِينَ، وَجَعَلَ يَتْلُو قَوْلَهُ تَعَالَى:{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ} [البقرة: 249] الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ: 249] .