الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَمَّا قُدِّمَ لِيُقْتَلَ أَنْشَأَ يَقُولُ: فَقُلْ للشامتينَ بِنَا رُوَيداً * أمامكمُ المصائبُ والخطوبُ
هُوَ الدهرُ لَا بدَّ مِنْ أَنْ * يكونَ إِلَيْكُمُ منهُ ذنوبُ ثُمَّ كَانَ ظُهُورُ قَتْلِهِ لِلَيْلَتَيْنِ مِنْ ربيع الآخر منها.
وقد ذكر له ابْنُ خَلِّكَانَ مُصَنَّفَاتٍ كَثِيرَةً، مِنْهَا طَبَقَاتُ الشُّعَرَاءِ، وَكِتَابُ أَشْعَارِ الْمُلُوكِ، وَكِتَابُ الْآدَابِ وَكِتَابُ الْبَدِيعِ، وَكِتَابٌ فِي الْغِنَاءِ وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَذَكَرَ أنَّ طائفة من الأمراء خلعوا المقتدر وبايعوه بالخلافة يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ تَمَزَّقَ شَمْلُهُ وَاخْتَفَى فِي بَيْتِ ابْنِ الْجَصَّاصِ الْجَوْهَرِىِّ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِ فقتل وصودر ابن الجصاص بألفي دينار، وبقي معه ستمائة ألف دينار.
وكان ابن المعتز أسمر اللون مدور الْوَجْهِ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ، عَاشَ خَمْسِينَ سَنَةً، وَذَكَرَ شَيْئًا مِنْ كَلَامِهِ وَأَشْعَارِهِ رحمه الله.
مُحَمَّدُ بن الحسين بن حيب أبو حصين الوادعي القاضي، صاب المسند، من أهالي الْكُوفَةِ، قَدِمَ بَغْدَادَ وَحَدَّثَ بِهَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ الْيَرْبُوعِيِّ وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَجَنْدَلِ بْنِ وَالِقٍ، وَعَنْهُ ابْنُ صَاعِدٍ وَالنَّجَّادُ وَالْمَحَامِلِيُّ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ ثِقَةً، تُوُفِّيَ بِالْكُوفَةِ: مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكَاتِبُ عَمُّ الْوَزِيرِ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى، كَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالْأَخْبَارِ وَأَيَّامِ الْخُلَفَاءِ، لَهُ مُصَنَّفَاتٌ فِي ذَلِكَ رَوَى عَنْ عُمَرَ بن شيبة وَغَيْرِهِ، كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا عن ثلاث وخمسين سنة.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ فِيهَا غزا القاسم بن سيما الصائفة (1) ، وفادى مونس (2) الْخَادِمٌ الْأُسَارَى الَّذِينَ بِأَيْدِي الرُّومِ، وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ ثَابِتِ بْنِ سِنَانٍ أَنَّهُ رَأَى فِي أَيَّامِ الْمُقْتَدِرِ بِبَغْدَادَ امْرَأَةً بِلَا ذِرَاعَيْنِ ولا عضدين، وإنما كفاها ملصقان بكتفيها، لا تستطيع أن تَعْمَلُ بِهِمَا شَيْئًا، وَإِنَّمَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِرِجْلَيْهَا ما تعمله النساء بأيديهن: الغزل والفتل ومشط الرأس وغير ذلك
.
وفيها تأخرت الأمطار عن بغداد وَارْتَفَعَتِ الْأَسْعَارُ بِهَا، وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ مَكَّةَ جاءها سيل عظيم غرق أركان البيت، وفاضت زمزم، وَلَمْ يُرَ ذَلِكَ قَبْلَ هَذِهِ السَّنَةِ.
وَحَجَّ بالناس الفضل الهاشمي.
وفيها توفي
من الاعيان
…
(1) في الطبري 11 / 406: مونس الخادم غزا الصائفة في المحرم ثم وجه المقتدر القاسم على الصائفة في شوال
منها.
(2)
انظر الحاشية السابقة (*) .
مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ أَبُو بَكْرٍ الفقيه ابن الفقيه الظَّاهِرِيِّ، كَانَ عَالِمًا بَارِعًا أَدِيبًا شَاعِرًا فَقِيهًا ماهراً، له كِتَابِ الزُّهَرَةِ اشْتَغَلَ عَلَى أَبِيهِ وَتَبِعَهُ فِي مذهبه ومسلكه وما اختاره من الطرائق وارتضاه، وَكَانَ أَبُوهُ يُحِبُّهُ وَيُقَرِّبُهُ وَيُدْنِيهِ.
قَالَ رُوَيْمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ دَاوُدَ إِذْ جاء ابنه هذا بَاكِيًا فَقَالَ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ الصِّبْيَانَ يُلَقِّبُونَنِي عُصْفُورَ الشَّوْكِ.
فَضَحِكَ أَبُوهُ فَاشْتَدَّ غَضَبُ الصبي وقال لأبيه: أَنْتَ أَضَرُّ عَلَيَّ مِنْهُمْ، فَضَمَّهُ أَبَوْهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا الْأَلْقَابُ إِلَّا مِنَ السَّمَاءِ مَا أَنْتَ يَا بُنَيَّ إِلَّا عُصْفُورُ الشَّوْكِ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوهُ أُجْلِسَ فِي مَكَانِهِ فِي الْحَلْقَةِ فَاسْتَصْغَرَهُ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ، فَسَأَلَهُ سَائِلٌ يَوْمًا عَنْ حَدِّ السُّكر فقال: إذا غربت (1) عنه الفهوم وباح بسره المكتوم.
فاستحسن الحاضرون منه ذلك وَعَظُمَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُنْتَظَمِ: وَقَدِ ابْتُلِيَ بِحُبِّ صَبِيٍّ اسْمُهُ محمد بن جامع ويقال محمد بن زحرف فَاسْتَعْمَلَ الْعَفَافَ وَالدِّينَ فِي حُبِّهِ، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُ فِيهِ حَتَّى كَانَ سَبَبُ وَفَاتِهِ فِي ذَلِكَ.
قُلْتُ: فَدَخَلَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا عَنْهُ: " مَنْ عَشِقَ فَكَتَمَ فَعَفَّ فَمَاتَ مَاتَ شَهِيدًا ".
وَقَدْ قِيلَ عَنْهُ أنَّه كَانَ يُبِيحُ الْعِشْقَ بِشَرْطِ الْعَفَافِ.
وَحَكَى هُوَ عَنْ نَفْسِهِ أنَّه لَمْ يَزَلْ يَتَعَشَّقُ مُنْذُ كَانَ فِي الكتَّاب وأنه صنف كتاب الزهرة في ذلك في صغره، ورد ما وَقَفَ أَبُوهُ دَاوُدُ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ، وَكَانَ يتناظر هو وأبو العباس بن شريح (2) كَثِيرًا بِحَضْرَةِ الْقَاضِي أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ فَيَعْجَبُ النَّاسُ مِنْ مُنَاظَرَتِهِمَا وَحُسْنِهَا، وَقَدْ قال له ابن شريح (2) يَوْمًا فِي مُنَاظَرَتِهِ: أَنْتَ بِكِتَابِ الزُّهَرَةِ أَشْهَرُ مِنْكَ بِهَذَا.
فَقَالَ لَهُ: تُعَيِّرُنِي بِكِتَابِ الزُّهَرَةِ وأنت لا تحسن تشتم قِرَاءَتَهُ، وَهُوَ كِتَابٌ جَمَعْنَاهُ هَزْلًا فَاجْمَعْ أَنْتَ مثله جداً.
وقال القاضي أبو عمر: كُنْتُ يَوْمًا أَنَا وَأَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُدَ راكبين فإذا جارية تغني بشئ من شعره: أشكو إليك فؤاداً أَنْتَ متلفهُ * شَكْوَى عليلٍ إِلَى إلفٍ يُعَلِّلُهُ
سُقمي تَزِيدُ عَلَى الْأَيَّامِ كثرتهُ * وَأَنْتَ فِي عُظْمِ مَا أَلْقَى تقلِّلهُ اللَّهُ حرمَ قَتْلِي فِي الْهَوَى أَسَفًا * وَأَنْتَ يَا قَاتِلِي ظُلْمًا تحلِّلهُ فقال أبو بكر: كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى اسْتِرْجَاعِ هَذَا؟ فَقُلْتُ: هَيْهَاتَ سار بِهِ الرُّكْبَانُ.
كَانَتْ وَفَاةُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ رحمه الله فِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَجَلَسَ ابْنُ شريح (2) لعزاه وقال: ما أثني إِلَّا عَلَى التُّرَابِ الَّذِي أَكَلَ لِسَانَ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ رحمه الله.
مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَخَلْقٍ، وعنه ابن صاعد والخلدي
(1) في وفيات الاعيان 4 / 259: عزبت عنه الهموم.
(2)
في الوفيات: سريج (*) .
وَالْبَاغَنْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَلَهُ كِتَابٌ فِي التَّارِيخِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ، وَقَدْ وَثَّقَهُ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ جزرة وغيره، وكذبه عبد الله بن الإمام أحمد وقال: وهو كَذَّابٌ بينِّ الْأَمْرِ، وَتَعَجَّبَ مِمَّنْ يَرْوِي عَنْهُ.
توفي في ربيع الأول منها.
مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحسن بْنِ مُصْعَبٍ مِنْ بَيْتِ الْإِمَارَةِ وَالْحِشْمَةِ، بَاشَرَ نِيَابَةَ الْعِرَاقِ مُدَّةً ثُمَّ خُرَاسَانَ ثُمَّ ظَفِرَ بِهِ يَعْقُوبُ بْنُ اللَّيْثِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وخسمين فأسره وبقي معه يطوف به الآفاق أربع سنين، ثم تخلص منه في بعض الوقعات ونجا بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا بِبَغْدَادَ إِلَى أَنْ توفي هذه السنة.
موسى بن إسحاق ابن مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْصَارِىُّ الْخَطْمِىُّ (1) ، مَوْلِدُهُ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَتَيْنِ، سَمِعَ أَبَاهُ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَعَلِيَّ بْنَ الْجَعْدِ وَغَيْرَهُمْ، وحدث عنه الناس وهو شاب وقرأوا عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، وَكَانَ يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ، وَوَلِيَ قضاء الأهواز، وكان ثقة فاضلا عَفِيفًا فَصِيحًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ.
تُوُفِّيَ فِي الْمُحَرَّمِ منها.
يوسف بن يعقوب ابن إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَالِدُ الْقَاضِي أبي عمر، وهو الذي قتل الحلاج (2) ، كان يوسف هذا من أكابر العلماء وأعيانهم، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمِائَتَيْنِ، وَسَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ حرب وعمرو بن مرزوق وهدبة ومسدداً، وكان ثقة، وَلِيَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ وَوَاسِطَ وَالْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ بغداد، وكان عفيفاً شديد الحرمة نزهاً، جاءه يوماً بعض خدم الخليفة المعتصد فترفع في المجلس على خصمه فَأَمَرَهُ حَاجِبُ الْقَاضِي أَنْ يُسَاوِيَ خَصْمَهُ فَامْتَنَعَ إدلالاً بجاهه عند الخليفة، فزبره الْقَاضِي وَقَالَ: ائْتُونِي بِدَلَّالِ النَّخْسِ حَتَّى أَبِيعَ هَذَا الْعَبْدَ وَأَبْعَثَ بِثَمَنِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ، وَجَاءَ حَاجِبُ الْقَاضِي فَأَخْذَهُ بِيَدِهِ وَأَجْلَسَهُ مَعَ خَصْمِهِ، فَلَمَّا انْقَضَتِ الْحُكُومَةُ رَجَعَ الْخَادِمُ إِلَى الْمُعْتَضِدِ فبكى بين يديه فقال له: ما لك؟ فأخبره بالخبر، وما أراد القاضي من بيعه، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ بَاعَكَ لَأَجَزْتُ بَيْعَهُ وَلَمَا اسْتَرْجَعْتُكَ أَبَدًا، فَلَيْسَ خُصُوصِيَّتُكَ عِنْدِي تُزِيلُ مَرْتَبَةَ الشرع فَإِنَّهُ عَمُودُ السُّلْطَانِ وَقِوَامُ الْأَدْيَانِ، كَانَتْ وَفَاتُهُ في رمضان منها.
(1) الخطمي: نسبة إلى بني خطمة بطن من الأنصار.
(2)
وهو الحسين بن منصور ويكنى أبا الغيث أصله مجوسي من أهل فارس ونشأ بواسط وقيل بتستر وتتلمذ لسهل التستري الصوفي اختلفت اراء الناس واعتقادتهم فيه وظهر منه تخليط واستغوى العامة بمخاريق كان يعتمدها قتل سنة 309 وأحرقت جثته (انظر الفخري ص 260 - 261)(*) .