الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرامطة فإنما فعلوا ما فعلوا بَعْدَ تَقْرِيرِ الشَّرَائِعِ وَتَمْهِيدِ الْقَوَاعِدِ، وَالْعِلْمِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ اللَّهِ بِشَرَفِ مَكَّةَ وَالْكَعْبَةِ، وَكُلُّ مؤمن يعلم أن هؤلاء قد ألحدوا في الحرام إلحاداً بالغاً عظيماً، وأنهم من أعظم الْمُلْحِدِينَ الْكَافِرِينَ، بِمَا تَبَيَّنَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وسنة رسوله، فَلِهَذَا لَمْ يَحْتَجِ الْحَالُ إِلَى مُعَاجَلَتِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ، بل أخرهم الرب تعالى ليوم تشخص فيه الأبصار، والله سبحانه يُمْهِلُ وَيُمْلِي وَيَسْتَدْرِجُ ثُمَّ يَأْخُذُ أَخْذَ عَزِيزٍ مقتدر، كما قَالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ "(1) ثم قرأ قوله تَعَالَى (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) [إبراهيم:
42] وقال (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ.
مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جنهم وبئس المهاد) [آل عمران: 196] وقال (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ)[لُقْمَانَ: 24] وَقَالَ: (مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ)[يونس: 70] .
وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بِبَغْدَادَ بَيْنَ أصحاب أبي بكر المروذي الْحَنْبَلِيِّ، وَبَيْنَ طَائِفَةٍ مِنَ الْعَامَّةِ، اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودًا) [الإسراء: 79] فَقَالَتِ الْحَنَابِلَةُ: يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ.
وَقَالَ الْآخَرُونَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى، فَاقْتَتَلُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ وَقُتِلَ بَيْنَهُمْ قَتْلَى، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَقَامُ الشفاعة العظمى، وهي الشفاعة في فصل القضاء بين العباد، وهو المقام الذي يرغب إليه في الخلق كلهم، حتى إبراهيم، وَيَغْبِطُهُ بِهِ الأوَّلون وَالْآخَرُونَ.
وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بِالْمَوْصِلِ بَيْنَ الْعَامَّةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْمَعَاشِ، وَانْتَشَرَتْ وَكَثُرَ أَهْلُ الشَّرِّ فِيهَا وَاسْتَظْهَرُوا، وَجَرَتْ بينهم شرورو ثُمَّ سَكَنَتْ.
وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بِبِلَادِ خُرَاسَانَ بين بني ساسان وأمير هم نصر بن أحمد الملقب بسعيد (2) ، وَخَرَجَ فِي شَعْبَانَ خَارِجِيٌّ بِالْمَوْصِلِ (3) .
وَخَرَجَ آخَرُ بِالْبَوَازِيجِ (4) ، فَقَاتَلَهُمْ أَهْلُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ حَتَّى سَكَنَ شَرُّهُمْ وَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُمْ.
وَفِيهَا الْتَقَى مُفْلِحٌ السَّاجِيُّ وَمَلِكُ الرُّومِ الدُّمُسْتُقُ، فَهَزَمَهُ مُفْلِحٌ وَطَرَدَ وَرَاءَهُ إِلَى أَرْضِ الرُّومِ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا وفيها هبت ريح شديدة ببغداد تحمل رماداً أَحْمَرَ يُشْبِهُ رَمْلَ أَرْضِ الْحِجَازِ.
فَامْتَلَأَتْ مِنْهُ البيوت.
وفيها توفي
مِنَ الْأَعْيَانِ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْفَرَجِ بن سفيان (5) أَبُو بَكْرٍ النَّحْوِيُّ، كَانَ عَالِمًا بِمَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ وله فيه تصانيف.
(1) أخرجه البخاري في كتاب التفسير - تفسير سورة (11) باب (5) .
ومسلم في البر والصلة ح (62) والترمذي في التفسير - تفسير سورة (8) باب (6) .
(2)
قال ابن الأثير 8 / 208: الصحيح أن ذلك كان سنة 318 هـ.
(3)
ويعرف بابن مطر قاتله وأسره ناصر الدولة بن حمدان (الكامل 8 / 214) .
(4)
وهو محمد بن صالح.
(5)
في ابن الاثير 8 / 215: ابن سقير (*) .
أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيِّ بْنِ رُسْتُمَ (1) الْعَابِدُ الزَّاهِدُ أنفق في طلب العلم ثلثمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَمَكَثَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يَأْوِي إِلَى فِرَاشٍ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْهُ أَنَّهُ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَتْ له: إني قد امتحنت بمحنة وأكرهت على الزنا وَأَنَا حُبْلَى مِنْهُ، وَقَدْ تَسَتَّرْتُ بِكَ وَزَعَمْتُ أَنَّكَ زَوْجِي، وأنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْكَ، فَاسْتُرْنِي سَتَرَكَ اللَّهُ وَلَا تَفْضَحْنِي.
فَسَكَتَ عَنْهَا، فَلَمَّا وَضَعَتْ جَاءَنِي أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَإِمَامُ مَسْجِدِهِمْ يُهَنِّئُونَنِي بالولد، فأظهرت البشر وبعث فاشتريت بدينارين شيئاً من حلواً وأطعمتهم، وكنت أوجه إليها مع إمام المسجد في كل شهر دينارين صفة نفقة المولود، وَأَقُولُ: أَقْرِئْهَا مِنِّي السَّلَامَ، فَإِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مني ما فرق بيني وبينها.
فمكث كذلك سنتين، ثم مات الولد فجاؤوني يعزونني فيه، فأظهرت الحزن عليه، ثم جاءتني أمه بالدنانير التي كنت أرسل بها إليها نفقة الولد، قد جمعتها في صرة عِنْدَهَا، فَقَالَتْ لِي: سَتَرَكَ اللَّهُ وَجَزَاكَ خَيْرًا، وَهَذِهِ الدَّنَانِيرُ الَّتِي كُنْتَ تُرْسِلُ بِهَا.
فَقُلْتُ: إني كنت أرسل بها صلة للولد وقد مات وأنت ترثينه فهي لك، فافعلي بها ما شئت فدعت وانصرفت.
بدر بن الهيثم ابن خَلَفِ بْنِ خَالِدِ بْنِ رَاشِدِ بْنِ الضَّحَّاكِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُحَرِّقِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ المنذر، أبو القاسم البلخي الْقَاضِي الْكُوفِيُّ.
نَزَلَ بَغْدَادَ وَحَدَّثَ بِهَا عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ سَمَاعُهُ لِلْحَدِيثِ بَعْدَ مَا جَاوَزَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَانَ ثِقَةً نَبِيلًا، عاش مائة سنة وسبع عشرة سنة.
توفي في شوال منها بِالْكُوفَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ العزيز ابن الْمَرْزُبَانِ بْنِ سَابُورَ بْنِ شَاهِنْشَاهْ أَبُو الْقَاسِمِ البغوي، ويعرف بابن بنت منيع، ولد سنة ثلاثة عَشْرَةَ، وَقِيلَ أَرْبَعَ (1) عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ وَرَأَى أَبَا عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَسَمِعَ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، وخلف بن هاشم البزار،
وخلق كثير، وَكَانَ مَعَهُ جُزْءٌ فِيهِ سَمَاعُهُ مِنَ ابْنِ معين فأخذه مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْحَافِظُ فَرَمَاهُ فِي دِجْلَةَ، وقال: يريد أن يجمع بَيْنَ الثَّلَاثَةِ؟ وَقَدْ تَفَرَّدَ عَنْ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ شَيْخًا، وَكَانَ ثِقَةً حَافِظًا ضَابِطًا، رَوَى عَنِ الحفاظ وله مصنفات.
وقال موسى بن هارون الحافظ: كان ابن بنت منيع ثقة صدوقاً، فقيل له: إن ههنا ناساً يتكلمون فيه.
فقال: يحسدونه، ابن بنت مَنِيعٍ لَا يَقُولُ إِلَّا الْحَقَّ.
وَقَالَ ابْنُ أبي حاتم وغيره: أحاديثه تدخل في الصحيح.
وقال الدارقطني: كان البغوي قل ما يتكلم على
(1) من تذكرة الحفاظ 1 / 597، وفي الاصل رسيم.
قال الذهبي مات سنة 272.
(انظر الوافي 8 / 199) .
(2)
في الاصل أربعة والصواب ما أثبتناه (*) .