الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى عنده فَأُجِيبَ فَنَبَشُوهُ وَدَفَنَهُ وَلَدُهُ عِنْدَهُ فِي دَارِهِ.
ثُمَّ سَأَلَتْ زَوْجَتُهُ الْمَعْرُوفَةُ بِالدِّينَارِيَّةِ أَنْ يُدْفَنَ في دارها فأجيبت إلى ذلك فنبش ودفن عندها.
فهذه ثلاث مرات.
توفي وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ سِتٌّ وَخَمْسُونَ سَنَةً.
أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ بَيَانِ بْنِ سَمَاعَةَ بْنِ فَرْوَةَ بْنِ قَطَنِ بْنِ دِعَامَةَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ، صَاحِبُ كِتَابِ الْوَقْفِ والابتداء، وغيره من الكتب النافعة، والمصنفات الكثيرة.
كان من بحور العلم في اللغة والعربية والتفسير والحديث، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
سَمِعَ الْكَدِيمِيَّ
وَإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي وَثَعْلَبًا وَغَيْرَهُمْ، وَكَانَ ثِقَةً صَدُوقًا أَدِيبًا، دَيِّنًا فَاضِلًا من أهل السنة.
كان مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالنَّحْوِ وَالْأَدَبِ، وَأَكْثَرِهِمْ حِفْظًا له، وكان له من المحافيظ مجلدات كثيرة، أحمال جمال وكان لا يأكل إلا النقالى ولا يشرب ماء إلا قريب العصر، مراعاة لذهنه وحفظه، وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ مِائَةً وَعِشْرِينَ تَفْسِيرًا، وَحَفِظَ تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا فِي لَيْلَةٍ، وَكَانَ يَحْفَظُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ عَشْرَةَ آلَافِ وَرَقَةٍ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ عِيدِ النَّحْرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
أُمُّ عِيسَى بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ، كَانَتْ عَالِمَةً فَاضِلَةً، تُفْتِي فِي الْفِقْهِ.
تُوُفِّيَتْ فِي رَجَبٍ ودفنت إلى جانب أبيها رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وعشرين وثلثمائة
في المنتصف (1) من ريبع الأول كَانَتْ
وَفَاةُ الْخَلِيفَةِ الرَّاضِي بِاللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ
جَعْفَرِ بن المعتضد بالله أحمد بن الْمُوَفَّقِ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ بْنِ الْمُعْتَصِمِ بْنِ الرَّشِيدِ الْعَبَّاسِيِّ، اسْتُخْلِفَ بَعْدَ عَمِّهِ الْقَاهِرِ لِسِتٍّ (2) خَلَوْنَ من جمادى الأولى سنة ثنتين وعشرين وثلثمائة.
وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ رُومِيَّةٌ تُسَمَّى ظَلُومَ، كَانَ مَوْلِدُهُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وكانت خِلَافَتُهُ سِتَّ سِنِينَ وَعَشَرَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ (3) ، وعمره يوم مات إحدى وثلاثين سنة وعشرة أشهر (4) .
وكان أسمر
(1) في تاريخ بغداد 2 / 242: ليلة السبت لست عشرة ليلة خلت من ربيع الأول.
وفي الوافي بالوفيات 2 / 299 ونهاية الارب 23 / 152: منتصف ربيع الآخر.
وفي المنتظم 6 / 324: ليلة السبت 14 بقيت من ربيع الآخر.
(2)
في مروج الذهب 4 / 351: لخمس.
(3)
يتفق مع ما جاء في المنتظم ونهاية الارب وتاريخ الخلفاء والعيون والحدائق.
وفي مروج الذهب 4 / 364: ست سنين وأحد عشر شهراً وثلاثة أيام.
وفي العقد الفريد والوافي بالوفيات 2 / 299: ست سنين وعشرة أيام.
وفي العبر لابن خلدون 3 / 409: سبع سنين غير شهر.
(4)
في الكامل 8 / 366: اثنتين وثلاثين سنة وشهروا (*)
رقيق السمرة ذري اللَّوْنِ أَسْوَدَ الشَّعْرِ سَبْطَهُ، قَصِيرَ الْقَامَةِ، نَحِيفَ الْجِسْمِ، فِي وَجْهِهِ طُولٌ، وَفِي مُقَدَّمِ لِحْيَتِهِ تَمَامٌ، وَفِي شَعْرِهَا رِقَّةٌ.
هَكَذَا وَصَفَهُ مَنْ شَاهَدَهُ.
قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: كَانَ لِلرَّاضِي فَضَائِلُ كثيرة، وختم الخلفاء في أمور عدة: منها إنَّه كان آخر خليفة له شعر، وآخرهم انْفَرَدَ بِتَدْبِيرِ الْجُيُوشِ وَالْأَمْوَالِ، وَآخِرَ خَلِيفَةٍ خَطَبَ على المنبر يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَآخِرَ خَلِيفَةٍ جَالَسَ الْجُلَسَاءَ وَوَصَلَ إِلَيْهِ النُّدَمَاءُ.
وَآخِرَ خَلِيفَةٍ كَانَتْ نَفَقَتُهُ وَجَوَائِزُهُ وعطاياه وجراياته وخزائنه ومطابخه ومجالسه وخدمه وأصحابه وأموره كلها تجري عَلَى تَرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْخُلَفَاءِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ فَصِيحًا بَلِيغًا كَرِيمًا جَوَادًا مُمَدَّحًا، وَمِنْ جِيدِ كَلَامِهِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الصُّولِيُّ: لِلَّهِ أَقْوَامٌ هُمْ مَفَاتِيحُ الْخَيْرِ، وأقوام هم مَفَاتِيحُ الشَّرِّ، فَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا قصده أَهْلَ الْخَيْرِ وَجَعَلَهُ الْوَسِيلَةَ إِلَيْنَا فَنَقْضِي حَاجَتَهُ وهو الشريك في الثواب والأجر وَالشُّكْرِ وَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ شَرًّا عَدَلَ به إلى غيرنا وهو الشَّرِيكُ فِي الْوِزْرِ وَالْإِثْمِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَمِنْ أَلْطَفِ الِاعْتِذَارَاتِ مَا كَتَبَ بِهِ الرَّاضِي إِلَى أَخِيهِ الْمُتَّقِي وَهُمَا فِي الْمَكْتَبِ - وَكَانَ الْمُتَّقِي قَدِ اعْتَدَى عَلَى الرَّاضِي والراضي هو الكبير منهما - فكتب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَنَا مُعْتَرِفٌ لَكَ بِالْعُبُودِيَّةِ فَرْضًا، وَأَنْتَ مُعْتَرِفٌ لِي بِالْأُخُوَّةِ فَضْلًا، وَالْعَبْدُ يُذْنِبُ وَالْمَوْلَى يَعْفُو.
وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرَ: يَا ذَا الَّذِي يَغْضَبُ مِنْ غَيْرِ شَيْ * اعْتِبْ فَعُتْبَاكَ حَبِيبٌ إِلَيْ أَنْتَ عَلَى أَنَّكَ لِي ظَالِمٌ * أَعَزُّ خَلْقِ اللَّهِ طُرًّا عَلَيْ قَالَ فَجَاءَ إِلَيْهِ أَخُوهُ الْمُتَّقِي فَأَكَبَّ عَلَيْهِ يُقَبِّلُ يَدَيْهِ وَتَعَانَقَا وَاصْطَلَحَا.
وَمِنْ لَطِيفِ شِعْرِهِ قوله فيما ذكره ابن الأثير في كامله: يَصْفَرُّ وَجْهِي إِذَا تَأَمَّلَهُ * طَرْفِي وَيَحْمَرُّ وَجْهُهُ خَجَلَا حَتَّى كَأَنَّ الَّذِي بِوَجْنَتِهِ * مِنْ دَمِ جسمي إليه قد نقلا قال: ومما رثا بِهِ أَبَاهُ الْمُقْتَدِرَ: وَلَوْ أَنَّ حَيًّا كَانَ قَبْرًا لِمَيِّتٍ * لَصَيَّرْتُ أَحْشَائِي لِأَعْظُمِهِ قَبْرَا وَلَوْ أَنَّ عُمْرِي كَانَ طَوْعَ مَشِيئَتِي * وَسَاعَدَنِي الْمَقْدُورُ (1) قَاسَمْتُهُ الْعُمْرَا
بِنَفْسِي ثَرًى ضَاجَعْتُ فِي تُرْبِهِ (2) الْبِلَى * لَقَدْ ضَمَّ مِنْكَ الْغَيْثَ وَاللَّيْثَ وَالْبَدْرَا ومما أنشده له ابن الجوزي في منتظمه: لا تكثرن لومي (3) على الإسراف * ربح المحامد متجر الاشراف
(1) في الكامل 8 / 366: التقدير.
(2)
في الكامل: تربه.
(3)
في الوافي 2 / 298: لا تعذلي كرمي (*) .
أحوي لما يأتي المكارم سَابِقًا (1) * وَأَشِيدُ مَا قَدْ أَسَّسَتْ أَسْلَافِي إِنِّي مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ أكفهم * معتادة الإملاق (2) والإتلاف ومن شعره الذي رواه الخطيب عنه مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الصولي النديم قَوْلُهُ: كُلُّ صَفْوٍ إِلَى كَدَرْ * كُلُّ أَمْنٍ إلى حذر ومصير الشباب للمو * ت فِيهِ أَوِ الْكِبَرْ (3) درَّ درُّ الْمَشِيبِ مِنْ * وَاعِظٍ يُنْذِرُ الْبَشَرْ أَيُّهَا الْآمِلُ الَّذِي * تَاهَ فِي لُجَّةِ الْغَرَرْ أَيْنَ مَنُ كَانَ قَبْلَنَا؟ * درس العين والأثر سيردَ المعاد من * عمره كله خطر رب إني ادخرت (4) عن * دك أرجوك مدخر رب إني مُؤْمِنُّ بِمَا * بَيَّنَ الْوَحْيِ فِي السُّوَرْ وَاعْتِرَافِي بِتَرْكِ نَفْ * عِي وَإِيثَارِيَ الضَّرَرْ رَبِّ فَاغْفِرْ لي الخطي * ئة، ياخير مَنْ غَفَرْ وَقَدْ كَانَتْ وَفَاتُهُ بِعِلَّةِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي لَيْلَةِ السَّادِسِ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ منها.
وَكَانَ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى بَجْكَمَ وَهُوَ بِوَاسِطٍ أن يعهد إِلَى وَلَدِهِ الْأَصْغَرِ أَبِي الْفَضْلِ، فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ ذَلِكَ، وَبَايَعَ النَّاسُ أَخَاهُ
الْمُتَّقِي لِلَّهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُقْتَدِرِ، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مقدوراً.
[خلافة المتقي لله] لَمَّا مَاتَ أَخُوهُ الرَّاضِي اجْتَمَعَ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ بِدَارِ بَجْكَمَ وَاشْتَوَرُوا فِيمَنْ يُوَلُّونَ عَلَيْهِمْ، فَاتَّفَقَ رأيهم كلهم على المتقي، فأحضروه في دَارِ الْخِلَافَةِ وَأَرَادُوا بَيْعَتَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ صَلَاةَ الاستخارة وهو على الأرض، ثم صعد إلى الكرسي بعد الصلاة، ثم صعد إلى السرير وبايعه الناس يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ منها (5) ، فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا، وَلَا غَدَرَ بِأَحَدٍ حَتَّى وَلَا عَلَى سُرِّيَّتِهِ لَمْ يُغَيِّرْهَا ولم يتسر عليها.
وكان كاسمه المتقي بالله كثير الصيام والصلاة والتعبد.
وقال: لا أريد
(1) في الوافي: اجري كآبائي الخلايف سابقا.
(2)
في الوافي: الاتلاف والاخلاف.
(2)
في الكامل 8 / 367: أو الكدر.
(4)
في الكامل والوافي 2 / 299: ذخرت.
(5)
في الكامل 8 / 368: بويع له في العشرين من ربيع الأول.
وفي مروج الذهب 4 / 383: لعشر خلون من ربيع الاول (*)
جليساً ولا مسامراً، حسبي المصحف نديماً، لا أريد نديماً غيره.
فانقطع عنه الجلساء والسمار والشعراء والوزراء والتفوا على الأمير بجكم، وكان يجالسهم ويحادثونه ويتناشدون عنده الأشعار، وكان بجكم لا يفهم كثير شئ مِمَّا يَقُولُونَ لِعُجْمَتِهِ، وَكَانَ فِي جُمْلَتِهِمْ سِنَانُ بن ثابت الصابي الْمُتَطَبِّبُ، وَكَانَ بَجْكَمُ يَشْكُو إِلَيْهِ قُوَّةَ النَّفْسِ الغضبية فيه، وكان سِنَانٌ يُهَذِّبُ مِنْ أَخْلَاقِهِ وَيُسَكِّنُ جَأْشَهُ، وَيُرَوِّضُ نَفْسَهُ حَتَّى يَسْكُنَ عَنْ بَعْضِ مَا كَانَ يتعاطاه من سفك الدماء، وكان المتقي بالله حَسَنَ الْوَجْهِ مُعْتَدِلَ الْخُلُقِ قَصِيرَ الْأَنْفِ أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، وَفِي شِعْرِهِ شُقْرَةٌ، وَجُعُودَةٌ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، أَشْهَلُ الْعَيْنَيْنِ، أَبِيُّ النَّفْسِ.
لَمْ يَشْرَبِ خمراً ولا نبيذاً قَطُّ، فَالْتَقَى فِيهِ الِاسْمُ وَالْفِعْلُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَلَمَّا اسْتَقَرَّ الْمُتَّقِي فِي الْخِلَافَةِ أَنْفَذَ الرُّسُلَ وَالْخِلَعَ إِلَى بَجْكَمَ وَهُوَ بِوَاسِطٍ، وَنَفَذَتِ الْمُكَاتَبَاتُ إلى الآفاق بولايته.
وفيها تَحَارَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيُّ وبَجْكَمُ بِنَاحِيَةِ الْأَهْوَازِ، فَقُتِلَ بَجْكَمُ فِي الْحَرْبِ وَاسْتَظْهَرَ الْبَرِيدِيُّ عَلَيْهِ وَقَوِيَ أَمْرُهُ، فَاحْتَاطَ الْخَلِيفَةُ عَلَى حَوَاصِلِ بجكم، وكان من جُمْلَةِ مَا أُخِذَ مِنْ أَمْوَالِهِ أَلْفُ أَلْفِ دينار، ومائة (1) أَلْفِ دِينَارٍ.
وَكَانَتْ أَيَّامُ بَجْكَمَ عَلَى بَغْدَادَ سَنَتَيْنِ وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَتِسْعَةَ أَيَّامٍ.
ثُمَّ إِنَّ البريدي حدثته نفسه ببغداد، فأنفق المتقي أَمْوَالًا جَزِيلَةً فِي الْجُنْدِ لِيَمْنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ، فركب بنفسه، فخرج لاثناء الطريق ليمنعه من دخول بغداد، فخالفه البريدي ودخل بغداد في ثاني (2) رضمان، ونزل بالشفيع، فَلَمَّا تَحَقَّقَ الْمُتَّقِي ذَلِكَ بَعْثَ إِلَيْهِ يُهَنِّئُهُ وأرسل إليه بالأطعمة، وخوطب بالوزير ولم يخاطبه بإمرة الأمراء.
فأرسل البريدي يطلب من المتقي خَمْسَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، فَامْتَنَعَ الْخَلِيفَةُ مِنْ ذَلِكَ فبعث إليه يتهدده ويتوعده ويذكره ما حل بالمعز والمستعين والمهتدي والقاهر.
واختلفت الرسل بينهم، ثم كان آخر ذلك أن بعث الخليفة إليه بِذَلِكَ قَهْرًا، وَلَمْ يَتَّفِقِ اجْتِمَاعُ الْخَلِيفَةِ وَالْبَرِيدِيِّ ببغداد حتى خرج منها البريدي إِلَى وَاسِطٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ثَارَتْ عَلَيْهِ الدَّيَالِمَةُ وَالْتَفُّوا عَلَى كَبِيرِهِمْ كُورْتَكِينَ، وَرَامُوا حَرِيقَ دَارِ البريدي، ونفرت عن البريدي طائفة من جيشه، يقال لهم البجكمية، لأنه لما قبض المال من الخليفة لم يعطهم منه شَيْئًا، وَكَانَتِ الْبَجْكَمِيَّةُ طَائِفَةً أُخْرَى قَدِ اخْتَلَفَتْ معه أيضاً وهم الديالمة قد صاروا حزبين.
والتفوا مع الديالمة فَانْهَزَمَ الْبَرِيدِيُّ مِنْ بَغْدَادَ يَوْمَ سَلْخِ رَمَضَانَ، واستولى كورتكتين على الامور بغداد، وَدَخَلَ إِلَى الْمُتَّقِي فَقَلَّدَهُ إِمْرَةَ الْأُمَرَاءِ، وَخَلَعَ عليه، واستدعى المتقي عَلِيَّ بْنَ عِيسَى وَأَخَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَفَوَّضَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَدْبِيرَ الْأُمُورِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ بِوِزَارَةٍ، ثُمَّ قَبَضَ كُورْتَكِينُ عَلَى رَئِيسِ الأتراك بكبك (3) غُلَامِ بَجْكَمَ وَغَرَّقَهُ.
ثُمَّ تَظَلَّمَتِ الْعَامَّةُ مِنَ الديلم، لأنهم كانوا يَأْخُذُونَ مِنْهُمْ دُورَهُمْ، فَشَكَوَا ذَلِكَ إِلَى كُورْتَكِينَ فَلَمْ يُشْكِهِمْ، فَمَنَعَتِ الْعَامَّةُ الْخُطَبَاءَ أَنْ يُصَلُّوا فِي الْجَوَامِعِ، وَاقْتَتَلَ الدَّيْلَمُ وَالْعَامَّةُ، فَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ.
وَكَانَ الْخَلِيفَةُ قَدْ كَتَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ رَائِقٍ صَاحِبِ الشَّامِ يَسْتَدْعِيهِ إِلَيْهِ لِيُخَلِّصَهُ مِنَ
(1) في الكامل: مائتي ألف دينار.
(2)
في الكامل 8 / 373: ثاني عشر.
(3)
في الكامل: تكينك.
وفي العبر لابن خلدون 3 / 410: بكتيك.
(*)