الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ فِيهَا وثب صالح بن مدرك الطائي على الحجاج بالأجفر فأخذ أموالهم ونساءهم، يقال: إنه أخذ منهم ما قيمته ألف (1) أَلْفِ دِينَارٍ
.
وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا يَوْمَ الْأَحَدِ لِعَشَرٍ بَقِينَ مِنْهُ ارْتَفَعَتْ بِنَوَاحِي الْكُوفَةِ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ جِدًّا ثُمَّ سَقَطَتْ أَمْطَارٌ بِرُعُودٍ وَبُرُوقٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، وَسَقَطَ فِي بَعْضِ الْقُرَى مَعَ الْمَطَرِ حِجَارَةٌ بِيضٌ، وَسُودٌ، وَسَقَطَ بَرَدٌ كِبَارٌ وَزْنُ الْبَرَدَةِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَاقْتَلَعَتِ الرِّيَاحُ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ النَّخِيلِ وَالْأَشْجَارِ مما حول دجلة، وزادت دجلة زيادة كثيرة حَتَّى خِيفَ عَلَى بَغْدَادَ مِنَ الْغَرَقِ.
وَفِيهَا غَزَا رَاغِبٌ الْخَادِمُ مَوْلَى الْمُوَفَّقِ بِلَادَ الرُّومِ فَفَتَحَ حُصُونًا كَثِيرَةً وَأَسَرَ ذَرَارِيَّ كَثِيرَةً جِدًّا، وقتل من أسارى الرجال الذين معه ثلاثة آلاف أسير، ثُمَّ عَادَ سَالِمًا مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ الهاشمي.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ
أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الشَّيْخِ صَاحِبُ آمِدَ فَقَامَ بِأَمْرِهَا مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُهُ مُحَمَّدٌ، فَقَصَدَهُ الْمُعْتَضِدُ وَمَعَهُ ابْنُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُكْتَفِي بِاللَّهِ فَحَاصَرَهُ بِهَا فَخَرَجَ إِلَيْهِ سَامِعًا مطيعاً فتسلمها منه وخلع عليه وأكرم أهلها، وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا وَلَدَهُ الْمُكْتَفِي، ثُمَّ سَارَ إِلَى قِنِّسْرِينَ وَالْعَوَاصِمِ فَتَسَلَّمَهَا عَنْ كِتَابِ هَارُونَ بْنِ خُمَارَوَيْهِ، وَإِذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ وَمُصَالَحَتِهِ لَهُ فيها.
وَفِيهَا غَزَا ابْنُ الْإِخْشِيدِ بِأَهْلِ طَرَسُوسَ بِلَادَ الروم ففتح الله عليه يديه حصوناً كثيرة ولله الحمد وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ:
إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ ابن بشير بن عبد الله بن رستم أَبُو إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ (2) ، أَحَدُ الْأَئِمَّةِ فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَانَ زَاهِدًا عَابِدًا تَخَرَّجَ بِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَرَوَى عَنْهُ كَثِيرًا.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ إِمَامٌ مُصَنِّفٌ عَالِمٌ بِكُلِّ شئ بَارِعٌ فِي كُلِّ عِلْمٍ، صَدُوقٌ، كَانَ يُقَاسُ بأحمد بن حنبل في زهده وورعه وعلمه، ومن كلامه: أَجْمَعَ عُقَلَاءُ كُلِّ أُمَّةٍ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجْرِ مَعَ الْقَدَرِ لَمْ يَتَهَنَّ بِعَيْشِهِ.
وَكَانَ يقول: الرجل كل الرجل الذي يدخل غمه عل نَفْسِهِ وَلَا يُدْخِلُهُ عَلَى عِيَالِهِ، وَقَدْ كَانَتْ بي شقيقة منذ أربعين (3) سنة ما أخبرت بها أحد قط، ولي عشرون (4) سنة أبصر بفرد عين ما أخبرت بها أحد قط، وذكر أنه مكث
(1) في الطبري 11 / 362 وابن الاثير 7 / 490 ومروج الذهب 4 / 294: ألفي ألف دينار.
قال المسعودي وكانت الناس ترتجز في ذلك اليوم: ما إن رأى الناس كيوم الاجفر * الناس صرعى والقبور تحفر (2) قال الحربي: صحبت قوما من الكرخ في طلب الحديث فسموني الحربي لان عندهم من جاوز قنطرة العتيقة من الحربية (صفة الصفوة 2 / 405) .
(3)
في صفة الصفوة: خمساً وأربعين سنة.
(4)
في صفة الصفوة: عشر سنين (*) .
نفيا وَسَبْعِينَ سَنَةً مِنْ عُمُرِهِ مَا يَسْأَلُ أَهْلَهُ غذاء ولا عشاء، بل إن جاءه شئ أَكْلَهُ وَإِلَّا طَوَى إِلَى اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ.
وَذَكَرَ أنه أنفق في بعض الرماضانات عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ دِرْهَمًا وَاحِدًا وَأَرْبَعَةَ دَوَانِيقَ ونصف، وَمَا كُنَّا نَعْرِفُ مِنْ هَذِهِ الْطَّبَائِخِ شَيْئًا إِنَّمَا هُوَ بَاذِنْجَانٌ مَشْوِيٌّ أَوْ بَاقَةُ فِجْلٍ أَوْ نَحْوُ هَذَا، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُعْتَضِدُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا وَرَدَّهَا، فَرَجَعَ الرَّسُولُ وَقَالَ يَقُولُ لَكَ الْخَلِيفَةُ: فِرِّقْهَا عَلَى مَنْ تعرف من فقراء جيرانك.
فقال: هذا شئ لم نجمعه ولا نسأله عَنْ جَمْعِهِ، فَلَا نُسْأَلُ عَنْ تَفْرِيقِهِ، قُلْ لأمير المؤمنين إما يتركنا وإما نَتَحَوَّلُ مِنْ بَلَدِهِ.
وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ يَعُودُهُ فَقَامَتِ ابْنَتُهُ تَشْكُو إليه ما هم في مِنَ الْجَهْدِ وَأَنَّهُ لَا طَعَامَ لَهُمْ إِلَّا الْخَبْزَ
الْيَابِسَ بِالْمِلْحِ، وَرُبَّمَا عُدِمُوا الْمِلْحَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ.
فَقَالَ لَهَا إِبْرَاهِيمُ يَا بُنَيَّةُ تخافين الفقر؟ انظري إلى تلك الزاوية فيها اثنى عشرة ألف جزء قد كتبتها، ففي كل يوم تبيعي منا جزء بدرهم فمن عنده اثني عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَيْسَ بِفَقِيرٍ.
ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَصَلَّى عَلَيْهِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي عِنْدَ بَابِ الأنبار، وكان الجمع كثرا جِدًّا.
الْمُبَرِّدُ النَّحْوِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْأَكْبَرِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَزْدِيُّ الثُّمَالِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْمِبْرِّدِ النَّحْوِيُّ الْبَصْرِيُّ إِمَامٌ فِي اللُّغَةِ وَالْعَرَبِيَّةِ، وأخذ ذَلِكَ عَنِ الْمَازِنِيِّ وَأَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ، وَكَانَ ثقة ثبتاً فيما ينقله وكانا مُنَاوِئًا لِثَعْلَبٍ وَلَهُ كِتَابُ الْكَامِلِ فِي الْأَدَبِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِالْمِبْرِّدِ لِأَنَّهُ اخْتَبَأَ مِنَ الْوَالِي عند أبي حاتم تحت المزبلة.
قال المبرد: دخلنا يوما عل الْمَجَانِينِ نَزُورُهُمْ أَنَا وَأَصْحَابٌ مَعِي بِالرَّقَّةِ فَإِذَا فِيهِمْ شَابٌّ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِالْمَكَانِ عَلَيْهِ ثِيَابٌ ناعمة فلما بصر بِنَا قَالَ حَيَّاكُمُ اللَّهُ مِمَّنْ أَنْتُمْ؟ قُلْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ.
فَقَالَ: بِأَبِي الْعِرَاقُ وَأَهْلُهَا أنشدوني أو أنشدكم؟ قال المبرد: بل أنشدنا أنت فأنشأ يقول: الله يعلم أنني كمد * لا أستطيع بث مَا أجدُ رُوحَانِ لِي رُوحٌ تَضَمَّنَهَا * بَلَدٌ وَأُخْرَى حَازَهَا بلدُ وَأَرَى الْمُقِيمَةَ لَيْسَ يَنْفَعُهَا * صَبْرٌ وَلَا يَقْوَى لَهَا جَلَدُ وَأَظُنُّ غَائِبَتِي كحاضرتي * بِمَكَانِهَا تَجِدُ الَّذِي أَجِدُ قَالَ الْمُبَرِّدُ فَقُلْتُ: والله إن هذا طريف فَزِدْنَا مِنْهُ فَأَنْشَأَ يَقُولُ: لَمَّا أَنَاخُوا قُبَيْلَ الصبح عيرهم * وحموها فثارت بالهواى الإبل وأبرزت من خلال السجف ناظرها * ترنوا إلي ودمع العين ينهمل وودعت ببنان عقدها عنم * ناديت لا حملت رجلاك يأجمل وَيْلِي مِنَ الْبَيِنِ مَاذَا حَلَّ بِي وَبِهِمْ * مِنْ نَازِلِ الْبَيْنِ حَانَ الْبَيْنُ وَارْتَحَلُوا يَا رَاحِلَ الْعِيسِ عَجِّلْ كَيْ أُوَدِّعَهُمْ * يَا رَاحِلَ الْعِيسِ فِي تَرْحَالِكَ الْأَجَلُ