الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم دخلت سنة إحدى وتسعين وثلثمائة
فِيهَا بَايَعَ الْخَلِيفَةُ الْقَادِرُ بِاللَّهِ لِوَلَدِهِ أَبِي الْفَضْلِ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ، وَخُطِبَ لَهُ على المنابر بعد أبيه، وَلُقِّبَ بِالْغَالِبِ بِاللَّهِ، وَكَانَ عُمُرُهُ حِينَئِذٍ ثَمَانِيَ سِنِينَ وَشُهُورًا، وَلَمْ يَتِمَّ لَهُ ذَلِكَ وَكَانَ سبب ذلك أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عثمان الواقفي ذَهَبَ إِلَى بَعْضِ الْأَطْرَافِ مِنْ بِلَادِ التُّرْكِ، وادعى أن القادر بالله جعله ولي العهد مِنْ بَعْدِهِ، فَخَطَبُوا لَهُ هُنَالِكَ، فَلَمَّا بَلَغَ القادر أمره بعث يتطلبه فهرب في البلاد وتمزق، ثُمَّ أَخَذَهُ بَعْضُ الْمُلُوكِ (1) فَسَجَنَهُ فِي قَلْعَةٍ إِلَى أَنْ مَاتَ، فَلِهَذَا بَادَرَ الْقَادِرُ إِلَى هَذِهِ الْبَيْعَةِ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وُلِدَ الْأَمِيرُ أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْقَادِرِ بِاللَّهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَارَتْ إِلَيْهِ الْخِلَافَةُ، وَهُوَ الْقَائِمُ بِأَمَرِ اللَّهِ.
وَفِيهَا قُتِلَ الْأَمِيرُ حُسَامُ الدَّوْلَةِ الْمُقَلَّدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ الْعُقَيْلِيُّ غِيلَةً بِبِلَادِ الْأَنْبَارِ، وَكَانَ قَدْ عَظُمَ شَأْنُهُ بِتِلْكَ الْبِلَادِ، وَرَامَ الْمَمْلَكَةَ فَجَاءَهُ الْقَدَرُ الْمَحْتُومُ فَقَتَلَهُ بَعْضُ غِلْمَانِهِ الْأَتْرَاكِ، وَقَامَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُهُ قِرْوَاشٌ.
وَحَجَّ بالناس المصريون.
وفيها توفي
مِنَ الْأَعْيَانِ..جَعْفَرُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَعْفَرِ ابن مُحَمَّدِ بْنِ الْفُرَاتِ أَبُو الْفَضْلِ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ حنزابة الوزير، ولد سنة ثمان وثلثمائة ببغداد، ونزل الديار المصرية ووزر بها للأمير كَافُورٍ الْإِخْشِيدِيِّ، وَكَانَ أَبُوهُ وَزِيرًا لِلْمُقْتَدِرِ، وَقَدْ
سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الْحَضْرَمِيِّ وَطَبَقَتِهِ مِنَ الْبَغْدَادِيِّينَ، وَكَانَ قَدْ سَمِعَ مَجْلِسًا من البغوي، ولم يكن عنده، وكان يَقُولُ: مَنْ جَاءَنِي بِهِ أَغْنَيْتُهُ، وَكَانَ لَهُ مجلس للإملاء بمصر، وبسببه رحل الدارقطني إلى مصر فَنَزَلَ عِنْدَهُ وَخَرَّجَ لَهُ مُسْنَدًا، وَحَصَلَ لَهُ مِنْهُ مَالٌ جَزِيلٌ، وَحَدَّثَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَكَابِرِ.
وَمِنْ مُسْتَجَادِ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: مَنْ أَخْمَلَ النَّفْسَ أَحْيَاهَا وَرَوَّحَهَا * وَلَمْ يَبِتْ طَاوِيًا مِنْهَا عَلَى ضَجَرِ إِنَّ الرِّيَاحَ إِذَا اشْتَدَّتْ عَوَاصِفُهَا * فَلَيْسَ تَرْمِي سِوَى الْعَالِي مِنَ الشَّجَرِ (2) قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي صَفَرٍ، وقيل في ربيع الأول منها، عَنْ ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَدُفِنَ بِالْقَرَافَةِ، وَقِيلَ بداره، وقيل إنه كان قد اشترى بالمدينة النبوية داراً فجعل له فيها تربة، فَلَمَّا نُقِلَ إِلَيْهَا تَلَقَّتْهُ الْأَشْرَافُ لِإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، فحملوه وحجوا به ووقفوا به بعرفات، ثم أعادوه إلى المدينة فدفنونه بتربته.
(1) وهو محمود بن سبكتكين (الكامل 9 / 166) .
(2)
في الفوات 1 / 293: فليس تقصف إلا عالي الشجر (*) .
ابْنُ الْحَجَّاجِ الشَّاعِرُ (1) الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَجَّاجِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّاعِرُ الْمَاجِنُ الْمُقْذِعُ في نظمه، يَسْتَنْكِفُ اللِّسَانُ عَنِ التَّلَفُّظِ بِهَا وَالْأُذُنَانِ عَنِ الاستماع لها، وَقَدْ كَانَ أَبُوهُ مِنْ كِبَارِ الْعُمَّالِ، وَوَلِيَ وهو حسبة بغداد في أيام عز الدولة، فَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا نُوَّابًا سِتَّةً، وَتَشَاغَلَ هُوَ بِالشِّعْرِ السَّخِيفِ وَالرَّأْيِ الضَّعِيفِ، إِلَّا أَنَّ شِعْرَهُ جَيِّدٌ من حيث اللفظ، وفيه قوة تدل على تمكين وَاقْتِدَارٍ عَلَى سَبْكِ الْمَعَانِي الْقَبِيحَةِ الَّتِي هِيَ فِي غَايَةِ الْفَضِيحَةِ، فِي الْأَلْفَاظِ الْفَصِيحَةِ وَلَهُ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْعَارِ الْمُسْتَجَادَةِ، وَقَدِ امْتَدَحَ مَرَّةً صَاحِبَ مِصْرَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ.
وقول ابن خلكان بأنه عُزِلَ عَنْ حِسْبَةِ بَغْدَادَ بِأَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ قول ضعيف لا يسامح بمثله، فَإِنَّ أَبَا سَعِيدٍ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وعشرين وثلثمائة، فَكَيْفَ يُعْزَلُ بِهِ ابْنُ الْحَجَّاجِ وَهُوَ لَا يمكن ادعاء أن يلي الحسبة بعده أبو سعيد الأصطخري، وابن خلكان قد أَرَّخَ وَفَاةَ هَذَا
الشَّاعِرِ بِهَذِهِ السَّنَةِ.
وَوَفَاةَ الْإِصْطَخْرِيِّ بِمَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ جَمَعَ الشَّرِيفُ الرَّضِيُّ أَشْعَارَهُ الْجَيِّدَةَ عَلَى حِدَةٍ فِي دِيوَانٍ مُفْرَدٍ وَرَثَاهُ حِينَ تُوُفِّيَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ.
عبد العزيز بن أحمد بن الحسن الجزري القاضي بالحرم وَحَرِيمِ دَارِ الْخِلَافَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْجِهَاتِ، وَكَانَ ظَاهِرِيًّا عَلَى مَذْهَبِ دَاوُدَ، وَكَانَ لَطِيفًا، تَحَاكَمَ إِلَيْهِ وَكِيلَانِ فَبَكَى أَحَدُهُمَا فِي أَثْنَاءِ الْخُصُومَةِ فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي: أَرِنِي وِكَالَتَكَ، فَنَاوَلَهُ فقرأها ثم قاله لَهُ: لَمْ يَجْعَلْ إِلَيْكَ أَنْ تَبْكِيَ عَنْهُ.
فَاسْتَضْحَكَ النَّاسَ وَنَهَضَ الْوَكِيلُ خَجِلًا.
عِيسَى بْنُ الوزير علي بن عيسى ابن دَاوُدَ بْنِ الْجَرَّاحِ، أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغْدَادِيُّ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ كِبَارِ الْوُزَرَاءِ، وَكَتَبَ هُوَ لِلطَّائِعِ أَيْضًا، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ صَحِيحَ السَّمَاعِ كَثِيرَ الْعُلُومِ، وَكَانَ عَارِفًا بِالْمَنْطِقِ وَعِلْمِ الْأَوَائِلِ فاتهموه بشئ مِنْ مَذْهَبِ الْفَلَاسِفَةِ، وَمِنْ جَيِّدِ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: رُبَّ مَيِّتٍ قَدْ صَارَ بِالْعِلْمِ حَيًّا * وَمُبَقًّى قَدْ مَاتَ جَهْلًا وَغَيًّا فَاقْتَنُوا الْعِلْمَ كَيْ تَنَالُوا خُلُودًا * لَا تَعُدُّوا الْحَيَاةَ فِي الْجَهْلِ شيا ولد في سنة ثنتين وثلثمائة وَتُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، ودفن في داره ببغداد.
(1) ترجمته في يتيمة الدهر 3 / 136 تاريخ بغداد 8 / 148 معجم الادباء 9 / 206 مطالع البدور 1 / 39 الامتاع والمؤانسة 1 / 137 (*) .