الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِلَيْهِمْ تُجْبَى الْأَمْوَالُ، وَيُرْجَعُ إِلَيْهِمْ فِي سَائِرِ الْأُمُورِ وَالْأَحْوَالِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا والله المستعان:
وفيها توفي
من الأعيان..أحمد بن محمد بن سلامة ابن سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحاويّ، نسبة إلى قَرْيَةٌ بِصَعِيدِ مِصْرَ، الْفَقِيهُ الْحَنَفِيُّ صَاحِبُ الْمُصَنَّفَاتِ المفيدة، والفوائد الغزيرة: وهو أحد الثقات الأثبات، والحفاظ الجهابذة، وطحا بلدة بدريا بمصر.
وهو ابن أخت المزني.
توفي في مستهل ذي القعدة منها عن ثنتين وثمانين سنة وذكر أبو سعيد السَّمْعَانِيُّ: أَنَّهُ وُلِدَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ جَاوَزَ التِّسْعِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ ابْنُ خَلِّكَانَ فِي الْوَفَيَاتِ أَنَّ سَبَبَ انْتِقَالِهِ إِلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَرُجُوعِهِ عَنْ مَذْهَبِ خَالِهِ الْمُزَنِيِّ، أَنَّ خَالَهُ قال له يوماً: والله لا يجئ منك شئ.
فغضب وتركه وَاشْتَغَلَ عَلَى أَبِي جَعْفَرِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ الْحَنَفِيِّ، حَتَّى بَرَعَ وَفَاقَ أَهْلَ زَمَانِهِ، وَصَنَّفَ كتابا كثيرة.
منها أحكام القرآن، واختلاف العلماء.
ومعاني الآثار، والتاريخ الْكَبِيرُ.
وَلَهُ فِي الشُّرُوطِ كِتَابٌ، وَكَانَ بَارِعًا فيها.
وقد كتب للقاضي أبي عبد الله محمد بن عبد الله وَعَدَّلَهُ الْقَاضِي أَبُو عُبَيْدِ بْنُ حَرْبَوَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُزَنِيَّ، لَوْ كَانَ حَيًّا لكفّر عن يمينه.
توفي في مستهل ذي القعدة كما تقدم.
وَدُفِنَ بِالْقَرَافَةِ وَقَبْرُهُ مَشْهُورٌ بِهَا رحمه الله.
وقد ترجمه ابن عساكر وذكر أنه قد قَدِمَ دِمَشْقَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَأَخَذَ الفقه عن قاضيها أبي حازم.
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ النَّضْرِ ابن حَكِيمِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ زَرْبِيٍّ أَبُو بَكْرِ المعروف بابن أَبِي حَامِدٍ صَاحِبُ بَيْتِ الْمَالِ.
سَمِعَ عَبَّاسًا الدُّورِيَّ وَخَلْقًا، وَعَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَكَانَ ثِقَةً صَدُوقًا، جَوَادًا مُمَدَّحًا، اتَّفَقَ فِي أَيَّامِهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يحبها حباً شديداً، فركبته ديون اقتضت بيع تلك الجارية في الدين، فلما أن قبض ثمنها ندم ندامة شديدة على فراقها، وبقي متحيراً في أمره، ثم باعها الذي اشتراها فوصلت إلى ابن أبي حامد هذا، وهو صاحب بيت المال، فتشفع صاحبها الأول - الذي باعها في
الدين - ببعض أصحاب ابن أبي حامد في أن يردها إليه ثمنها، وذكر له أنه يحبها، وإنه من أهل العلم، وإنما باعها في دين ركبه لم يجد له وفاء.
فلما قال له ذلك لم يكن عند ابن أبي حامد شعور بما ذكر له من أمر الجارية، وَذَلِكَ أَنَّ امْرَأَتَهُ كَانَتِ اشْتَرَتْهَا لَهُ وَلَمْ تُعْلِمْهُ بَعْدُ بِأَمْرِهَا حَتَّى تَحِلَّ مِنَ اسْتِبْرَائِهَا، وكان ذلك اليوم آخر الاستبراء، فألبستها الحلي والمصاغ وصنعتها له وهيأتها، حتى صارت كأنها فلقة قمر، وكانت حسناء، فحين شفع صاحبه فيها وذكر أَمْرِهَا بُهِتَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهَا.
ثم دخل على أهله يستكشف خبرها من امرأته، فإذا بها قد هيئت له، فلما رآها على؟ الصفة فرح فرحاً شديداً إذ وجدها كذلك من أجل سيدها الأول، الذي تشفع فيه صاحبه.
فأخرجها معه وهو يظهر السرور، وامرأته تظن أنه إنما أخذها ليطأها، فأتى بها إلى ذلك الرَّجل بحليها وزينتها، فقال له: هذه جاريتك؟ فلما رآها على تلك الصفة في ذلك الحلي والزينة مع الحسن الباهر اضْطَرَبَ كَلَامُهُ وَاخْتَلَطَ فِي عَقْلِهِ مِمَّا رَأَى من حسن منظرها وهيئتها.
فقال: نعم.
فقال: خُذْهَا بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا.
فَفَرِحَ الْفَتَى بها فرحاً شديداً.
وقال سيدي تأمر بمن يحمل ثمنها إليك؟ فقال: لا حاجة لنا بثمنها، وأنت في حل منه أنفقه عليك وعليها، فإني أخشى أن تفتقر فتبيعها لمن لا يردها عليك.
فقال: يا سيدي وهذا الحلي والمصاغ الذي عليها؟ فقال: هذا شئ وهبناه لها لا نرجع فيه ولا يعود إلينا أبداً، فدعا له واشتد فرحه بها جداً وأخذها وذهب.
فلما أراد أن يودع ابن أبي حامد قال ابن أبي حامد للجارية: أيما أَحَبَّ إِلَيْكِ نَحْنُ أَوْ سَيِّدُكِ هَذَا؟ فَقَالَتْ: أما أنتم فقد أحسنتم إليّ وأعنتموني فَجَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا، وَأَمَّا سَيِّدِي هَذَا فَلَوْ أَنِّي مَلَكْتُ مِنْهُ مَا مَلَكَ مِنِّي لَمْ أبعه بالأموال الجزيلة ولا فرطت فيه أبداً.
فاستحسن الحاضرون كلامها وأعجبهم ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهَا، مَعَ صِغَرِ سِنِّهَا.
شَغَبُ أُمُّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ الْمُلَقَّبَةُ بِالسَّيِّدَةِ كان دخلها من أَمْلَاكِهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ، فكانت تَتَصَدَّقُ بِأَكْثَرِ ذَلِكَ عَلَى الْحَجِيجِ فِي أَشْرِبَةٍ وأزواد وأطباء يكونون معهم، وفي تسهيل الطُّرُقَاتِ وَالْمَوَارِدِ.
وَكَانَتْ فِي غَايَةِ الْحِشْمَةِ وَالرِّيَاسَةِ ونفوذ الكلمة أيام ولدها، فلما قتل كانت مريضة فزادها قتله مَرَضًا إِلَى مَرَضِهَا، وَلَمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرُ الْقَاهِرِ
فِي الْخِلَافَةِ وَهُوَ ابْنُ زَوْجِهَا الْمُعْتَضِدِ وَأَخُو ابنها المقتدر، وَقَدْ كَانَتْ حَضَنَتْهُ حِينَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَخَلَّصَتْهُ من ابنها لما أخذت البيعة بالخلافة له ثم رجع ابنها إلى الخلافة، فشفعت في القاهر وأخذته إلى عندها، فكانت تكرمه وتشتري له الجواري، فلما قتل ابنها وتولى مكانه طلبها وهي مريضة فعاقبها عقوبة عظيمة جداً، حتى كان يعلقها برجليها ورأسها منكوس، فربما بالت فيسيل البول على وجهها، ليقررها على الأموال فَلَمْ يَجِدْ لَهَا شَيْئًا سِوَى ثِيَابِهَا وَمَصَاغِهَا وحليها في صناديقها.
قيمة ذلك مائة ألف دينار، وثلاثون ألف دينار، وكان لها غير ذلك أَمَلَاكٌ أَمَرَ بِبَيْعِهَا وَأَتَى بِالشُّهُودِ لِيَشْهَدُوا عَلَيْهَا بالتوكيل في بيعها، فامتنع الشهود من الشهادة حتى ينظروا إليها ويحلوها، فَرُفِعَ السِّتْرُ بِإِذْنِ الْخَلِيفَةِ فَقَالُوا لَهَا: أَنْتِ شَغَبُ جَارِيَةُ الْمُعْتَضِدِ أُمُّ جَعْفَرٍ الْمُقْتَدِرِ؟ فَبَكَتْ بكاء طويلاً ثم قالت: نعم، فكتبوا حِلْيَتَهَا عَجُوزٌ سَمْرَاءُ اللَّوْنِ دَقِيقَةُ الْجَبِينِ.
وَبَكَى الشهود وتفكروا كيف يتقلب الزمان بأهله، وتنقل الحدثان وأن الدنيا دار بلاء لا يفي مرجوها بمخوفها، ولا يسلم طلوعها من كسوفها، من ركن إليها أحرقته بنارها.
ولم يذكر القاهر شيئاً من إحسانها إليه رحمها الله وعفا عنها.
توفيت فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَتْ بالرصافة.