الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طائفة مِنْ بَنِي هِلَالٍ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعَرَبِ عَلَى الْحُجَّاجِ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَعَطَّلُوا عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمُ الْحَجَّ فِي هَذَا الْعَامِ.
وَفِيهَا انْتَهَى تَارِيخُ ثَابِتِ بْنِ سِنَانِ بْنِ ثابت بن قرة وأوله من سنة خمس وتسعين ومائتين، وهي أول دولة المقتدر.
وَفِيهَا كَانَتْ زَلْزَلَةٌ شَدِيدَةٌ بِوَاسِطٍ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ فيها
الشَّرِيفُ أَبُو أَحْمَدَ الْمُوسَوِيُّ، وَلَمْ يَحْصُلْ لِأَحَدٍ حَجٌّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ سِوَى مَنْ كَانَ مَعَهُ عَلَى دَرْبِ الْعِرَاقِ، وَقَدْ أَخَذَ بِالنَّاسِ على طريق المدينة فتم حجهم.
وفيها توفي
مِنَ الْأَعْيَانِ
…
الْعَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ أَبُو الْفَضْلِ السراجي الْوَزِيرُ لِعِزِّ الدَّوْلَةِ بَخْتِيَارَ بْنِ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ بن بويه، وكان من الناصرين للسنة المتعصبين لها، عَكْسَ مَخْدُومِهِ، فَعَزَلَهُ وَوَلَّى مُحَمَّدَ بْنَ بَقِيَّةَ الْبَابَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَحَبَسَ هَذَا فَقُتِلَ فِي مَحْبِسِهِ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ مِنْهَا، عَنْ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَ فِيهِ ظُلْمٌ وَحَيْفٌ فَاللَّهُ أعلم.
وأبو بكر عبد العزيز بن جعفر الفقيه الحنبلي المعروف بغلام، أَحَدُ مَشَاهِيرِ الْحَنَابِلَةِ الْأَعْيَانِ، وَمِمَّنْ صَنَّفَ وَجَمَعَ وَنَاظَرَ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْبَغَوِيِّ وطبقته، ومات وقد عدا الثَّمَانِينَ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَهُ الْمُقْنِعُ فِي مائة جزء، والشافي في ثمانين جزء، وزاد المسافر والخلاف مع الشافعي وكتاب القولين ومختصر السُّنَّةِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ وَالْأُصُولِ.
عَلِيُّ بن محمد أبو الفتح السبتي الشاعر المشهور، له ديوان جيد قوي، وله في المطابقة والمجانسة اليد الطولى، ومبتكرات أولى.
وقد ذكر ابن الجوزي له في منتظمه مِنْ ذَلِكَ قِطْعَةً كَبِيرَةً مُرَتَّبَةً عَلَى حُرُوفِ المعجم، من ذَلِكَ قَوْلُهُ: إِذَا قَنِعْتُ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقُوتِ * بقيت في الناس حراً غير ممقوت ياقوت يَوْمِي إِذَا مَا دَرَّ خَلْفُكَ لِي * فَلَسْتُ آسَى على در وياقوت وقوله يَا أَيُّهَا السَّائِلُ عَنْ مَذْهَبِي * لِيُقْتَدَى فِيهِ بمنهاجي منهاجي الحق وقمع الهوى * فهل لمنهاجي من هاجي
وقوله: أَفِدْ طَبْعَكَ الْمَكْدُودَ بِالْجِدِّ رَاحَةً * تَجُمَّ، وَعَلِّلْهُ بشئ مِنَ الْمَزْحِ
وَلَكِنْ إِذَا أَعْطَيْتَ ذَلِكَ فَلْيَكُنْ * بمقدار ما تعطي الطعام من الملح أَبُو فِرَاسِ بْنُ حَمْدَانَ الشَّاعِرُ لَهُ دِيوَانٌ مَشْهُورٌ.
اسْتَنَابَهُ أَخُوهُ سَيْفُ الدَّوْلَةِ عَلَى حَرَّانَ ومنبج، فقاتل مرة الروم فأسروه ثم ستنقذه سَيْفُ الدَّوْلَةِ، وَاتَّفَقَ مَوْتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَهُ شِعْرٌ رَائِقٌ وَمَعَانٍ حَسَنَةٌ، وَقَدْ رَثَاهُ أَخُوهُ سَيْفُ الدَّوْلَةِ فقال: المرء رهن (1) مَصَائِبٍ لَا تَنْقَضِي * حَتَّى يُوَارَى جِسْمُهُ فِي رمسه فمؤجل يلقى الردى في أهله * ومعجل يلقى الأذى في نفسه فلما قالهما كان عنده رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ فَقَالَ قُلْ فِي مَعْنَاهُمَا فقال الأعرابي من يتمنى العمر فليتخذ * صبراً على فقد أحبابه وَمَنْ يُعَمَّرْ يَلْقَ فِي نَفْسِهِ * مَا يَتَمَنَّاهُ لِأَعْدَائِهِ كَذَا ذَكَرَ ابْنُ السَّاعِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ مِنْ شِعْرِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ فِي أَخِيهِ (2) أَبِي فراس، وذكرها ابن الجوزي مِنْ شِعْرِ أَبِي فِرَاسٍ نَفْسِهِ، وَأَنَّ الْأَعْرَابِيَّ أجازهما بالبيتين المذكورين بعدهما.
ومن شعر أبي فراس: سَيَفْقِدُنِي قَوْمِي إِذَا جَدَّ جَدُّهُمْ * وَفِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ يُفْتَقَدُ الْبَدْرُ وَلَوْ سَدَّ غَيْرِي مَا سددت اكتفوا * به وما فعل النسر الرفيق مع الصقر وقوله من قصيدة: إلى الله أشكو إننا بمنازل * تَحَكَّمُ فِي آسَادِهِنَّ كِلَابُ فَلَيْتَكَ تَحْلُو وَالْحَيَاةُ مَرِيرَةٌ * وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالْأَنَامُ غِضَابُ وَلَيْتَ الْذِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَامِرٌ * وَبَيْنِي وَبَيْنَ الْعَالَمِينَ خَرَابُ ثم دخلت سنة أربع وستين وثلثمائة فِيهَا جَاءَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ بْنُ رُكْنِ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ إِلَى وَاسِطٍ وَمَعَهُ وَزِيرُ أَبِيهِ أبو الفتح بن العميد،
(1) في الوفيات 2 / 63 واليتيمة: نصب.
وفي اليتيمة 1 / 84 نسب البيتين إلى أبي فراس.
(2)
كذا بالاصل، والمعروف ان أبا فراس هو ابن عم سيف الدولة (*) .
فهرب منه الفتكين في الأتراك إلى بغداد، فسار خلفهم فنزل في الجانب الشرقي منها، وَأَمَرَ بَخْتِيَارَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، وَحَصَرَ التُّرْكَ حَصْرًا شَدِيدًا، وَأَمَرَ أُمَرَاءَ الْأَعْرَابِ أن يغيروا على الأطراف ويقطعوا عن بغداد الميرة الواصلة إليها، فغلت الأسعار وَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنَ الْمَعَاشِ مِنْ كَثْرَةِ الْعَيَّارِينَ والنهوب، وكبس الفتكين البيوت لطلب الطعام واشتد الحال، ثُمَّ الْتَقَتِ الْأَتْرَاكُ وَعَضُدُ الدَّوْلَةِ فَكَسَرَهُمْ وَهَرَبُوا إِلَى تِكْرِيتَ وَاسْتَحْوَذَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ عَلَى بَغْدَادَ وَمَا وَالَاهَا مِنَ الْبِلَادِ، وَكَانَتِ التُّرْكُ قَدْ أَخْرَجُوا مَعَهُمُ الْخَلِيفَةَ فَرَدَّهُ عَضُدُ الدَّوْلَةِ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ مُكَرَّمًا، وَنَزَلَ هُوَ بِدَارِ الْمُلْكِ وضعف أمر بختيار جداً، ولم يبق معه شئ بالكلية، فأغلق بابه وطرد الحجبة والكتاب عَنْ بَابِهِ وَاسْتَعْفَى عَنِ الْإِمَارَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَشُورَةِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، فَاسْتَعْطَفَهُ عَضُدُ الدَّوْلَةِ فِي الظَّاهِرِ، وَقَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ أَنْ لَا يَقْبَلَ فَلَمْ يَقْبَلْ.
وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا فصمم بختيار على الامتناع ظاهراً، فألزم عَضُدُ الدَّوْلَةِ بِذَلِكَ وَأَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَفْعَلُ هَذَا عَجْزًا مِنْهُ عَنِ الْقِيَامِ بِأَعْبَاءِ الْمُلْكِ فَأَمَرَ بِالْقَبْضِ عَلَى بَخْتِيَارَ وَعَلَى أَهْلِهِ وإخوته، ففرح بذلك الخليفة الطائع، وَأَظْهَرَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ مِنْ تَعْظِيمِ الْخِلَافَةِ مَا كَانَ دَارِسًا، وَجَدَّدَ دَارَ الْخِلَافَةِ حَتَّى صَارَ كُلُّ مَحَلٍّ مِنْهَا آنِسًا، وَأَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ بالأموال والأمتعة الحسنة العزيزة وقتل الْمُفْسِدِينَ مِنْ مَرَدَةِ التُّرْكِ وَشُطَّارِ الْعَيَّارِينَ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَظُمَ الْبَلَاءُ بِالْعَيَّارِينَ بِبَغْدَادَ، وَأَحْرَقُوا سُوقَ بَابِ الشَّعِيرِ، وَأَخَذُوا أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَرَكِبُوا الْخُيُولَ وَتَلَقَّبُوا بِالْقُوَّادِ، وَأَخَذُوا الْخَفَرَ مِنَ الْأَسْوَاقِ وَالدُّرُوبِ، وَعَظُمَتِ الْمِحْنَةُ بِهِمْ جداً واستفحل أمرهم، حَتَّى إِنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ أَسْوَدَ كَانَ مُسْتَضْعَفًا نَجَمَ فِيهِمْ وَكَثُرَ مَالُهُ حَتَّى اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَلَمَّا حَصَلَتْ عِنْدَهُ حَاوَلَهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: مَاذَا تَكْرَهِينَ مني؟ قال: أَكْرَهُكَ كُلَّكَ.
فَقَالَ: فَمَا تُحِبِّينَ؟ فَقَالَتْ: تَبِيعُنِي.
فقال: أو خير مِنْ ذَلِكَ؟ فَحَمَلَهَا إِلَى الْقَاضِي فَأَعْتَقَهَا وَأَعْطَاهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَأَطْلَقَهَا، فَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْ حِلْمِهِ وكرمه مع فسقه وقوته.
قَالَ: وَوَرَدَ الْخَبَرُ فِي الْمُحَرَّمِ بِأَنَّهُ خُطِبَ لِلْمُعِزِّ الْفَاطِمِيِّ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي الْمَوْسِمِ، وَلَمْ
يُخْطَبْ لِلطَّائِعِ.
قَالَ: وَفِي رَجَبٍ مِنْهَا غَلَتِ الأسعار ببغداد حَتَّى بِيعَ الْكُرُّ الدَّقِيقُ الْحُوَّارَى بِمِائَةٍ وَنَيِّفٍ وَسَبْعِينَ دِينَارًا.
قَالَ: وَفِيهَا اضْمَحَلَّ أَمْرُ عَضُدِ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ وَتَفَرَّقَ جُنْدُهُ عَنْهُ وَلَمْ يبق معه سوى بغداد وحدها، فأرسل إِلَى أَبِيهِ يَشْكُو لَهُ ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ يَلُومُهُ على الغدر بابن عمه بختيار، فلمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ خَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى فارس بعد أن أخرج ابن عمه مِنَ السِّجْنِ وَخَلَعَ عَلَيْهِ وَأَعَادَهُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا لَهُ بِالْعِرَاقِ يَخْطُبُ لَهُ بِهَا، وَجَعَلَ مَعَهُ أَخَاهُ أَبَا إِسْحَاقَ أَمِيرَ الْجُيُوشِ لِضَعْفِ بَخْتِيَارَ عن تدبير الأمور، واستمر ذاهباً إلى بلاده، وَذَلِكَ كُلُّهُ عَنْ أَمْرِ أَبِيهِ لَهُ بِذَلِكَ، وَغَضَبِهِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ غَدْرِهِ بِابْنِ عَمِّهِ وَتَكْرَارِ مكاتباته فيه إليه.
ولما سار تَرَكَ بَعْدَهُ وَزِيرَ أَبِيهِ أَبَا الْفَتْحِ بْنَ الْعَمِيدِ، وَلَمَّا اسْتَقَرَّ عِزُّ الدَّوْلَةِ بَخْتِيَارُ بِبَغْدَادَ وَمَلَكَ الْعِرَاقَ لَمْ يَفِ لِابْنِ عَمِّهِ عَضُدِ الدولة بشئ مما قال، ولا ما كان التزم، بل تمادى على ضلاله القديم، واستمر على مشيه الذي هو غير مستقيم من الرفض وغيره.