المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

اللَّهِ سُنَّ الْيَوْمَ وَغَيِّرْ غَدًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى - البداية والنهاية - ط السعادة - جـ ٤

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع]

- ‌سنة ثلاث من الهجرة

- ‌غَزْوَةُ الْفُرُعِ مِنْ بُحْرَانَ

- ‌خَبَرُ يهود بنى قينقاع مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ

- ‌سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ

- ‌مَقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيِّ

- ‌تَنْبِيهٌ:

- ‌تَنْبِيهٌ آخَرُ:

- ‌غزوة أحد فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ

- ‌مَقْتَلُ حَمْزَةَ رضي الله عنه

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا لَقِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ذِكْرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بعد الوقعة يَوْمَ أُحُدٍ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَى حَمْزَةَ وَقَتْلَى أُحُدٍ

- ‌‌‌فَصَلٌ

- ‌فَصَلٌ

- ‌ذِكْرُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بأصحابه على ملهم مِنَ الْقُرْحِ وَالْجِرَاحِ فِي أَثَرِ أَبِي سُفْيَانَ إِرْهَابًا لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ وَهِيَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا تَقَاوَلَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكُفَّارُ فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ مِنَ الْأَشْعَارِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌سنة اربع من الهجرة النبويّة

- ‌غَزْوَةُ الرَّجِيعِ

- ‌سَرِيَّةُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضمريّ عَلَى إِثْرِ مَقْتَلِ خُبَيْبٍ

- ‌سَرِيَّةُ بِئْرِ مَعُونَةَ

- ‌غَزْوَةُ بَنِي النضير

- ‌قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ سُعْدَى الْقُرَظِيِّ

- ‌غَزْوَةَ بَنِي لِحْيَانَ

- ‌غَزْوَةُ ذات الرقاع

- ‌قِصَّةُ غَوْرَثِ بْنِ الْحَارِثِ

- ‌قِصَّةُ الَّذِي أُصِيبَتِ امْرَأَتُهُ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ

- ‌قِصَّةُ جَمَلِ جَابِرٍ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ

- ‌غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ

- ‌فصل في جملة مِنَ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌سَنَةُ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ

- ‌غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا

- ‌غزوة الخندق وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَحْزَابِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي دُعَائِهِ عليه السلام عَلَى الْأَحْزَابِ

- ‌فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ

- ‌وفاة سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌فَصْلٌ فِيمَا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ

- ‌مقتل أبى رافع سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ الْيَهُودِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ

- ‌مقتل خالد بن سفيان بن نُبَيْحٍ الْهُذَلِيِّ

- ‌قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَعَ النَّجَاشِيِّ بَعْدَ وقعة الخندق وإسلامه

- ‌فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بأمّ حبيبة بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ

- ‌تزويجه عليه السلام بزينب بنت جحش

- ‌ذكر نزول الْحِجَابِ صَبِيحَةَ عُرْسِهَا

- ‌سَنَةُ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ النبويّة

- ‌غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ

- ‌غزوة بنى المصطلق من خزاعة

- ‌قِصَّةُ الْإِفْكِ

- ‌غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ

- ‌ذِكْرُ سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ لِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي ذِكْرِ السَّرَايَا وَالْبُعُوثِ الَّتِي كَانَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌سنة سبع من الهجرة

- ‌غَزْوَةُ خَيْبَرَ فِي أَوَّلِهَا

- ‌فصل

- ‌ذِكْرُ قِصَّةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ النضرية رضى الله عنها

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل في فتح حصونها وقسيمة أَرْضِهَا

- ‌فصل

- ‌ذِكْرُ قدوم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وَمَنْ كَانَ بَقِيَ بِالْحَبَشَةِ مِمَنْ هَاجَرَ إِلَيْهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمَنِ انْضَمَّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُخَيِّمٌ بِخَيْبَرَ

- ‌(ذِكْرُ قِصَّةِ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ وَمَا كَانَ مِنَ أمر البرهان الّذي ظهر عندها والحجة البالغة فيها)

- ‌فصل

- ‌فصل في ذكر من استشهد بخيبر من الصحابة رضى الله عنهم

- ‌خبر الحجاج بن علاط البهزي رضي الله عنه

- ‌فصل في مروره عليه السلام بوادي القرى ومحاصرته قوما من اليهود ومصالحته يهود على ما ذكره [الواقدي وغيره]

- ‌فصل

- ‌سَرِيَّةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى بَنِي فَزَارَةَ

- ‌سَرِيَّةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِلَى تربة من أرض هوازن وَرَاءَ مَكَّةَ بِأَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ

- ‌سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ إِلَى يُسَيْرِ [1] بْنِ رِزَامٍ الْيَهُودِيِّ

- ‌سَرِيَّةٌ أُخْرَى مَعَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ

- ‌سَرِيَّةُ أَبِي حَدْرَدٍ إِلَى الْغَابَةِ

- ‌السَرِيَّةُ الَّتِي قَتَلَ فِيهَا مُحَلِّمُ بْنُ جثامة عامر بن الأضبط

- ‌سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ

- ‌عمرة القضاء

- ‌وأما قصة تزويجه عليه السلام بِمَيْمُونَةَ

- ‌ذكر خروجه عليه السلام مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ عُمْرَتِهِ

- ‌فصل

- ‌سَنَةُ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ فَصْلٌ فِي إِسْلَامِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَخَالِدِ بن الوليد، وعثمان بن طلحة بن أبى طلحة رضى الله عنهم

- ‌طَرِيقُ إِسْلَامِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ

- ‌سَرِيَّةُ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ الْأَسَدِيِّ إِلَى نَفَرٍ مِنْ هَوَازِنَ

- ‌سَرِيَّةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ إِلَى بَنِي قُضَاعَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ

- ‌غزوة مؤتة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي فَضْلِ هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءِ الثَّلَاثَةِ زَيْدٍ وَجَعْفَرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم

- ‌فصل في ذكر مَنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ

- ‌ حَدِيثٌ فِيهِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لِأُمَرَاءِ هَذِهِ السَّرِيَّةِ [1]

- ‌فَصْلٌ فِيمَا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ

- ‌كِتَابُ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ وَكَتْبِهِ إِلَيْهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عز وجل وإلى الدخول في دين الإسلام

- ‌ذكر إرساله عليه السلام الى ملك العرب من النصارى الذين بِالشَّامِ

- ‌ذكر بعثه الى كسرى ملك الفرس

- ‌بعثه عليه السلام الى المقوقس صَاحِبِ مَدِينَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَاسْمُهُ جُرُيْجُ بْنُ مِينَا الْقِبْطِيُّ

- ‌غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلَاسِلِ

- ‌سرية أبى عبيدة إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ

- ‌غَزْوَةُ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ وَكَانَتْ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ

- ‌قِصَّةُ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي إِسْلَامِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة الْمَخْزُومِيِّ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَهِجْرَتِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَ

- ‌فصل

- ‌صفة دخوله عليه السلام مَكَّةَ

- ‌فصل

- ‌بعثه عليه السلام خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بَعْدَ الْفَتْحِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ مِنْ كِنَانَةَ

- ‌بَعْثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِهَدْمِ الْعُزَّى

- ‌فَصْلٌ فِي مُدَّةِ إِقَامَتِهِ عليه السلام بِمَكَّةَ

- ‌فصل ومما حكم عليه السلام بِمَكَّةَ مِنَ الْأَحْكَامِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌غزوة هوازن يوم حنين

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْوَقْعَةِ وَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مِنَ الْفِرَارِ ثُمَّ كَانَتِ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌غزوة أَوْطَاسٍ

- ‌فَصْلٌ فيمن استشهد يوم حنين وبسرية أَوْطَاسٍ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي غَزْوَةِ هَوَازِنَ

- ‌غَزْوَةُ الطَّائِفِ

- ‌فصل في مرجعه عليه السلام من الطَّائِفِ وَقِسْمَةِ غَنَائِمِ هَوَازِنَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ قَبْلَ دُخُولِهِ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا مِنَ الْجِعْرَانَةِ

- ‌ذِكْرُ قُدُومِ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النَّصْرِيِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر اعْتِرَاضُ بَعْضِ الْجَهَلَةِ مِنْ أَهْلِ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقِسْمَةِ الْعَادِلَةِ بِالِاتِّفَاقِ

- ‌ذِكْرُ مَجِيءِ أُخْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ الرضاعة وهو بالجعرانة واسمها الشياء

- ‌عمرة الجعرانة فِي ذِي الْقِعْدَةِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا كَانَ مِنَ الْحَوَادِثِ الْمَشْهُورَةِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَالْوَفَيَاتِ

الفصل: اللَّهِ سُنَّ الْيَوْمَ وَغَيِّرْ غَدًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى

اللَّهِ سُنَّ الْيَوْمَ وَغَيِّرْ غَدًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى تَذُوقَ نِسَاؤُهُ مِنَ الثُّكْلِ مَا ذَاقَ نِسَائِي فَجَاءَ مُحَلِّمٌ فِي بُرْدَيْنِ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَسْتَغْفِرَ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ» فَقَامَ وَهُوَ يَتَلَقَّى دُمُوعَهُ بِبُرْدَيْهِ، فَمَا مَضَتْ لَهُ سَابِعَةٌ حَتَّى مَاتَ فَدَفَنُوهُ فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَجَاءُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال «إن الأرض لتقبل مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْ صَاحِبِكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يَعِظَكُمْ مِنْ حُرْمَتِكُمْ» ثُمَّ طَرَحُوهُ في جَبَلٍ فَأَلْقَوْا عَلَيْهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ الله فَتَبَيَّنُوا 4: 94 الْآيَةَ. وَقَدْ ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهُ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الله ابن وهب عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ مُحَلِّمَ بْنَ جَثَّامَةَ وَلَا عَامِرَ بْنَ الْأَضْبَطِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِنَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَقَالَ وَفِيهِ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا 4: 94 الْآيَةَ.

قُلْتُ: وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَعْنَاهَا فِي التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ

‌سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ

ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أبى عبد الرحمن الحبلى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى سَرِيَّةٍ بَعَثَهُمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا، قَالَ فَأَغْضَبُوهُ فِي شَيْءٍ فَقَالَ اجْمَعُوا لِي حَطَبًا فَجَمَعُوا فَقَالَ أَوْقِدُوا نَارًا فَأَوْقَدُوا ثُمَّ قَالَ أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَسْمَعُوا لِي وَتُطِيعُوا؟ قَالُوا بَلَى قَالَ فَادْخُلُوهَا قَالَ فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَقَالُوا إِنَّمَا فَرَرْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ النَّارِ، قَالَ فَسَكَنَ غَضَبُهُ وَطُفِئَتِ النَّارُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» وَهَذِهِ الْقِصَّةُ ثَابِتَةٌ أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذِهِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ فِي التَّفْسِيرِ وللَّه الْحَمْدُ والمنة

بسم الله الرحمن الرحيم

‌عمرة القضاء

وَيُقَالُ الْقِصَاصِ وَرَجَّحَهُ السُّهَيْلِيُّ وَيُقَالُ عُمْرَةُ الْقَضِيَّةِ فالأولى قَضَاءٌ عَمَّا كَانَ أُحْصِرَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالثَّانِي من قوله تعالى وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ 2: 194 وَالثَّالِثُ مِنَ الْمُقَاضَاةِ الَّتِي كَانَ قَاضَاهُمْ عَلَيْهَا عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُمْ عَامَهُ هَذَا ثُمَّ يَأْتِي فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَلَا يَدْخُلَ مَكَّةَ إِلَّا فِي جُلْبَانِ [1] السِّلَاحِ وَأَنْ لَا يُقِيمَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهَذِهِ الْعُمْرَةُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْفَتْحِ المباركة

[1] الجلبان بضم الجيم وسكون اللام شبه الجراب من الأدم يوضع فيه السيف وقيل القوس والسيف ونحوه.

ص: 226

لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ 48: 27 الآية وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا مُسْتَقْصًى فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَهِيَ الْمَوْعُودُ بِهَا فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ قَالَ لَهُ أَلَمْ تَكُنْ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ «بَلَى أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ عَامَكَ هَذَا؟» قَالَ لَا قَالَ «فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ» وَهِيَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ حِينَ دَخَلَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ يَوْمَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَهُوَ يَقُولُ:

خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ

اليوم نضربكم على تأويله

كما ضربنا كم عَلَى تَنْزِيلِهِ

أَيْ هَذَا تَأْوِيلُ الرُّؤْيَا الَّتِي كَانَ رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيْبَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَقَامَ بِهَا شَهْرَيْ رَبِيعٍ وَجُمَادَيَيْنَ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ وَشَوَّالًا يَبْعَثُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ سَرَايَاهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فِي الشَّهْرِ الَّذِي صَدَّهُ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ مُعْتَمِرًا عُمْرَةَ الْقَضَاءِ مَكَانَ عُمْرَتِهِ الَّتِي صَدُّوهُ عَنْهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُوَيْفَ بْنَ الْأَضْبَطِ الدُّئِلِيَّ وَيُقَالُ لَهَا عُمْرَةُ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُمْ صَدُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذِي الْقَعْدَةِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ فَاقْتَصَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمُ فَدَخَلَ مَكَّةَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ الَّذِي صَدُّوهُ فِيهِ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ، بَلَغَنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ 2: 194 وَقَالَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ فِي مَغَازِيهِ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيْبَرَ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ وَبَعَثَ سَرَايَاهُ حَتَّى اسْتَهَلَّ ذِي الْقِعْدَةِ فَنَادَى فِي الناس أن تجهزوا لِلْعُمْرَةِ فَتَجَهَّزُوا وَخَرَجُوا إِلَى مَكَّةَ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَخَرَجَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ مِمَّنْ كَانَ صُدَّ مَعَهُ فِي عُمْرَتِهِ تِلْكَ وَهِيَ سَنَةُ سَبْعٍ فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ خَرَجُوا عَنْهُ وتحدثت قريش بينها أن محمدا فِي عُسْرَةٍ وَجَهْدٍ وَشِدَّةٍ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:

فَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَفُّوا لَهُ عِنْدَ دَارِ النَّدْوَةِ لِيَنْظُرُوا إِلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ اضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ وَأَخْرَجَ عَضُدَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ قَالَ «رَحِمَ اللَّهُ امَرَأً أَرَاهُمُ الْيَوْمَ مِنْ نَفْسِهِ قوة» ثم استلم الركن ثم خرج يُهَرْوِلُ وَيُهَرْوِلُ أَصْحَابُهُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا وَارَاهُ الْبَيْتُ مِنْهُمْ وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ مَشَى حَتَّى يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ ثُمَّ هَرْوَلَ كَذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى سَائِرَهَا فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَظُنُّونَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا صَنَعَهَا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ لِلَّذِي بَلَغَهُ عَنْهُمْ حَتَّى حَجَّ حِجَّةَ الْوَدَاعِ فَلَزِمَهَا فَمَضَتِ السُّنَّةُ بِهَا. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا حَمَّادٌ- هُوَ ابْنُ زَيْدٍ- عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّهُ يقدم عليكم وقد وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ فَأَمْرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 227

أن يرملوا الأشواط الثلاث وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. قال أبو عبد الله ورواه أبو سَلَمَةَ- يَعْنِي حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ- عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَامِهِمُ الّذي استأمن قال «ارملوا ليرى [المشركون قوتكم» و] المشركين مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ طَرِيقَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا سُفْيَانُ ثنا إسماعيل بن أبى خالد سمع بن أبى أو في يَقُولُ: لَمَّا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَتَرْنَاهُ مِنْ غِلْمَانِ الْمُشْرِكِينَ وَمِنْهُمْ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ دَخَلَهَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ يَقُولُ:

خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ

خَلُّوا فَكُلُّ الْخَيْرِ فِي رَسُولِهِ

يَا رَبِّ إِنِّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ

أَعْرِفُ حَقَّ اللَّهِ في قبوله

نحن قتلنا كم عَلَى تَأْوِيلِهِ

كَمَا قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ

ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ

وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خليله

قال ابن هشام: نحن قتلنا كم عَلَى تَأْوِيلِهِ إِلَى آخَرِ الْأَبْيَاتِ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ- يَعْنِي يَوْمَ صِفِّينَ- قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ رَوَاحَةَ إِنَّمَا أَرَادَ المشركين والمشركون لم يقروا بالتنزيل وإنما يقاتل عَلَى التَّأْوِيلِ مَنْ أَقَرَّ بِالتَّنْزِيلِ، وَفِيمَا قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ نَظَرٌ فَإِنَّ الْحَافِظَ الْبَيْهَقِيَّ رَوَى مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ وَهُوَ آخِذٌ بِغَرْزِهِ وَهُوَ يَقُولُ:

خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ

قَدْ نَزَّلَ الْرَحْمَنُ فِي تَنْزِيلِهِ

بِأَنَّ خَيْرَ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِهِ

نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ

وَفِي رِوَايَةٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ:

خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ

الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ

ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ

وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ

يَا رَبِّ إِنِّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ

وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دخل عَامَ الْقَضِيَّةِ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ عَلَى نَاقَتِهِ واستلم الركن بمحجنه. قال ابن هشام من غير علة، والمسلمون

ص: 228

تشتدون حَوْلَهُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَقُولُ:

بِسْمِ الَّذِي لَا دِينَ إِلَّا دِينُهُ

بِسْمِ الَّذِي مُحَمَّدٌ رَسُولُهُ

خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ

قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ العام القابل مِنْ عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ مُعْتَمِرًا فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذِي صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ يَأْجَجَ وَضَعَ الْأَدَاةَ كُلَّهَا الْحَجَفَ وَالْمَجَانَّ وَالرِّمَاحَ وَالنَّبْلَ وَدَخَلُوا بِسِلَاحِ الرَّاكِبِ السُّيُوفِ وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ يَدَيْهِ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إِلَى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ العامرية فحطبها عَلَيْهِ فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْعَبَّاسِ وَكَانَ تَحْتَهُ أُخْتُهَا أُمُّ الْفَضْلِ بِنْتُ الْحَارِثِ فَزَوَّجَهَا الْعَبَّاسُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه قال «اكْشِفُوا عَنِ الْمَنَاكِبِ وَاسْعَوْا فِي الطَّوَافِ» لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ وَقُوَّتَهُمْ وَكَانَ يُكَايِدُهُمْ بِكُلِّ مَا اسْتَطَاعَ فَاسْتَكَفَّ أَهْلُ مَكَّةَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَنْظُرُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَرْتَجِزُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَشِّحًا بِالسَّيْفِ وَهُوَ يَقُولُ:

خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ

أَنَا الشَّهِيدُ أَنَّهُ رَسُولُهُ

قَدْ أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ فِي تَنْزِيلِهِ

فِي صُحُفٍ تُتْلَى عَلَى رَسُولِهِ

فَالْيَوْمَ نضربكم على تأويله

كما ضربنا كم عَلَى تَنْزِيلِهِ

ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ

وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ

قَالَ: وَتَغَيَّبَ رِجَالٌ مِنْ أَشْرَافِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْظًا وَحَنَقًا، وَنَفَاسَةً وَحَسَدًا، وَخَرَجُوا إِلَى الْخَنْدَمَةِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ وَأَقَامَ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْقَضِيَّةِ يَوْمَ الحديبيّة، فلما أتى الصبح مِنَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ أَتَاهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَجْلِسِ الْأَنْصَارِ يَتَحَدَّثُ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَصَاحَ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى: نُنَاشِدُكَ اللَّهَ وَالْعَقْدَ لَمَا خَرَجْتَ مِنْ أَرْضِنَا فَقَدْ مَضَتِ الثَّلَاثُ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ:

كَذَبْتَ لَا أُمَّ لَكَ لَيْسَ بِأَرْضِكَ وَلَا بِأَرْضِ آبَائِكَ وَاللَّهِ لَا يَخْرُجُ، ثُمَّ نَادَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُهَيْلًا وَحُوَيْطِبًا فَقَالَ:«إِنِّي قَدْ نَكَحْتُ فِيكُمُ امْرَأَةً فَمَا يَضُرُّكُمْ أَنْ أَمْكُثَ حَتَّى أَدْخُلَ بِهَا وَنَصْنَعَ الطَّعَامَ فَنَأْكُلُ وَتَأْكُلُونَ مَعَنَا» فَقَالُوا نُنَاشِدُكَ اللَّهَ وَالْعَقْدَ إِلَّا خَرَجْتَ عَنَّا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا رَافِعٍ فَأَذَّنَ بِالرَّحِيلِ، وَرَكِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نزل ببطن سَرِفٍ وَأَقَامَ الْمُسْلِمُونَ وَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا رَافِعٍ لِيَحْمِلَ مَيْمُونَةَ، وَأَقَامَ بِسَرِفٍ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ مَيْمُونَةُ وَقَدْ لَقِيَتْ مَيْمُونَةُ وَمَنْ مَعَهَا عَنَاءً

ص: 229

وَأَذًى مِنْ سُفَهَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَمِنْ صِبْيَانِهِمْ، فَقَدِمَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَرِفٍ فَبَنَى بِهَا ثُمَّ أَدْلَجَ فَسَارَ حَتَّى أتى الْمَدِينَةَ، وَقَدَّرَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ مَيْمُونَةَ بِسَرَفٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِحِينٍ، فَمَاتَتْ حَيْثُ بَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ ابْنَةِ حَمْزَةَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ 2: 194 فَاعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ الَّذِي صُدَّ فِيهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ نَحْوًا مِنْ هَذَا السِّيَاقِ، وَلِهَذَا السِّيَاقِ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ مِنْ أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأَسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ وَلَا يَحْمِلَ سِلَاحًا إِلَّا سُيُوفًا، وَلَا يُقِيمَ بِهَا إِلَّا مَا أَحَبُّوا، فَاعْتَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَنْ أَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمْ تَكُنْ هَذِهِ عُمْرَةَ قَضَاءٍ وَإِنَّمَا كَانَتْ شَرْطًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْتَمِرُوا مِنْ قَابِلٍ فِي الشَّهْرِ الَّذِي صَدَّهُمْ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ ثَنَا النُّفَيْلِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ سَمِعْتُ أَبَا حاضر الحميري يحدث أن مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ قَالَ: خَرَجْتُ مُعْتَمِرًا عَامَ حَاصَرَ أَهْلُ الشَّامِ ابْنَ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ وَبَعَثَ مَعِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي بِهَدْيٍ، قَالَ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى أَهْلِ الشَّامِ مَنَعُونَا أَنْ نَدْخُلَ الْحَرَمَ، قَالَ فَنَحَرْتُ الْهَدْيَ مَكَانِي ثُمَّ أَحْلَلْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ خرجت لا قضى عُمْرَتِي فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ:

أَبْدِلِ الْهَدْيَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُبْدِلُوا الْهَدْيَ الَّذِي نَحَرُوا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَاضِرٍ عُثْمَانَ بْنِ حَاضِرٍ الْحِمْيَرِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ.

وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَنَا الْحَاكِمُ أَنْبَأَنَا الْأَصَمُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ثَنَا يُونُسُ بْنُ بكير عن ابن إسحاق حدثني عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ: كَانَ أَبِي يَسْأَلُ كثيرا أهل كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبْدَلَ هَدْيَهُ الَّذِي نَحَرَ حِينَ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ؟ وَلَا يَجِدُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، حَتَّى سَمِعْتُهُ يَسْأَلُ أَبَا حَاضِرٍ الْحِمْيَرِيَّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، حَجَجْتُ عَامَ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْحَصْرِ الْأَوَّلِ فَأَهْدَيْتُ هَدْيًا فَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرْتُ فِي الْحَرَمِ وَرَجَعْتُ إِلَى الْيَمَنِ وَقُلْتُ لِي بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُسْوَةٌ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَجَجْتُ فَلَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَمَّا نَحَرْتُ عَلَيَّ بَدَلَهُ أَمْ لَا؟ قَالَ نَعَمْ فَأَبْدِلْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ قَدْ أَبْدَلُوا الْهَدْيَ الَّذِي نَحَرُوا عَامَ صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَأَبْدَلُوا ذَلِكَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، فَعَزَّتِ الْإِبِلُ عَلَيْهِمْ فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْبَقَرِ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي غَانِمُ بْنُ أَبِي غَانِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ناجية بن جندب الْأَسْلَمِيَّ عَلَى هَدْيِهِ يَسِيرُ بِالْهَدْيِ أَمَامَهُ يَطْلُبُ الرَّعْيَ فِي الشَّجَرِ مَعَهُ أَرْبَعَةُ

ص: 230

فِتْيَانٍ مِنْ أَسْلَمَ، وَقَدْ سَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ سِتِّينَ بَدَنَةً. فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ صَاحِبِ الْبُدْنِ أَسُوقُهَا. قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ يُلَبُّونَ، وَمَضَى مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بِالْخَيْلِ إِلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ فَيَجِدُ بِهَا نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَأَلُوا مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ؟ فَقَالَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَبِّحُ هَذَا الْمَنْزِلَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَرَأَوْا سِلَاحًا كَثِيرًا مَعَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ، فَخَرَجُوا سِرَاعًا حَتَّى أَتَوْا قُرَيْشًا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالَّذِي رَأَوْا مِنَ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ، فَفَزِعَتْ قُرَيْشٌ وَقَالُوا وَاللَّهِ مَا أَحْدَثْنَا حَدَثًا وَإِنَّا عَلَى كِتَابِنَا وَهُدْنَتِنَا فَفِيمَ يَغْزُونَا مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ؟ وَنَزَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ الظَّهْرَانِ، وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السِّلَاحَ إِلَى بَطْنِ يَأْجَجَ حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَى أَنْصَابِ الْحَرَمِ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ مِكْرَزَ بْنَ حَفْصِ بْنِ الْأَحْنَفِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى لَقُوهُ بِبَطْنِ يَأْجَجَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَصْحَابِهِ وَالْهَدْيِ وَالسِّلَاحِ قَدْ تَلَاحَقُوا، فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ مَا عُرِفْتَ صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا بِالْغَدْرِ، تَدْخُلُ بِالسِّلَاحِ فِي الْحَرَمِ عَلَى قَوْمِكَ وَقَدْ شَرَطْتَ لَهُمْ أَنْ لَا تَدْخُلَ إِلَّا بِسِلَاحِ الْمُسَافِرِ السُّيُوفِ فِي الْقُرُبِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إِنِّي لَا أُدْخِلُ عَلَيْهِمُ السِّلَاحَ» فَقَالَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ: هَذَا الَّذِي تُعْرَفُ بِهِ الْبِرُّ وَالْوَفَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ سَرِيعًا بِأَصْحَابِهِ إِلَى مَكَّةَ. فلما أن جاء مكرز بن حفص بخبر النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ وَخَلَّوْا مَكَّةَ وَقَالُوا لَا نَنْظُرُ إِلَيْهِ وَلَا إِلَى أَصْحَابِهِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْهَدْيِ أَمَامَهُ حَتَّى حُبِسَ بِذِي طُوًى، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ وَهُمْ مُحْدِقُونَ بِهِ يُلَبُّونَ وَهُمْ مُتَوَشِّحُونَ السُّيُوفَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى ذي طوى وقف على ناقته الْقَصْوَاءِ وَابْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِزِمَامِهَا وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِشِعْرِهِ وَيَقُولُ:

خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ

إِلَى آخِرِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ- يَعْنِي مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ- فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ قَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنتين، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الصباح ثنا إسماعيل بن زكريا عن عبد الله ابن عُثْمَانَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لما نزل مر الظهران من عُمْرَتِهِ بَلَغَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ قُرَيْشًا تَقُولُ: مَا يَتَبَاعَثُونَ مِنَ الْعَجَفِ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: لَوِ انْتَحَرْنَا مِنْ ظهرنا فأكلنا من لحومه وَحَسَوْنَا مِنْ مَرَقِهِ أَصْبَحْنَا غَدًا حِينَ نَدْخُلُ عَلَى الْقَوْمِ وَبِنَا جَمَامَةٌ، فَقَالَ «لَا تَفْعَلُوا وَلَكِنِ اجْمَعُوا لِي مِنْ أَزْوَادِكُمْ فَجَمَعُوا لَهُ وبسطوا الأنطاع فأكلوا حتى تركوا، وحشى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي جِرَابِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَعَدَتْ قُرَيْشٌ نَحْوَ الْحِجْرِ، فَاضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ «لَا يَرَى الْقَوْمُ فِيكُمْ غَمِيزَةً» فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ رَمَلَ حَتَّى إِذَا تَغَيَّبَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ مَشَى إِلَى الرُّكْنِ

ص: 231

الْأَسْوَدِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا يَرْضَوْنَ بِالْمَشْيِ أَمَا أنهم لينفرون نفر الظِّبَاءِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ فَكَانَتْ سُنَّةً. قَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ: وَأَخْبَرَنِي ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى ثَنَا حَمَّادٌ- يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ- أَنْبَأَنَا أَبُو عَاصِمٍ الْغَنَوِيُّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَمَلَ بِالْبَيْتِ وَأَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ؟

فَقَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا، قُلْتُ مَا صَدَقُوا وَمَا كَذَبُوا؟ قَالَ صَدَقُوا رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَذَبُوا لَيْسَ بِسُنَّةٍ، إِنَّ قُرَيْشًا زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَتْ دَعُوا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ حَتَّى يَمُوتُوا مَوْتَ النَّغَفِ، فَلَمَّا صَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَجِيئُوا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَيُقِيمُوا بِمَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ «ارْمُلُوا بِالْبَيْتِ ثَلَاثًا» قَالَ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبْجَرَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وائلة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ نَحْوَهُ. وَكَوْنُ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ سُنَّةً مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَلَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَفِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ أَيْضًا كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ. وَثَبَتَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ عليه السلام رَمَلَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فِي الطَّوَافِ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِيمَ الرَّمَلَانُ وَقَدْ أطال اللَّهُ الْإِسْلَامَ؟ وَمَعَ هَذَا لَا نَتْرُكُ شَيْئًا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَوْضِعُ تَقْرِيرِ هَذَا كِتَابُ الْأَحْكَامِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَا يَرَى ذَلِكَ سُنَّةً كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّمَا سَعَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْبَيْتِ وبالصفا وَالْمَرْوَةِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ. لَفْظُ الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُسُكَهُ فِي الْقَضَاءِ دَخَلَ الْبَيْتَ فَلَمْ يَزَلْ فِيهِ حَتَّى أَذَّنَ بِلَالٌ الظُّهْرَ فَوْقَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ: لَقَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ أَبَا الحكم حين لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْعَبْدَ يَقُولُ مَا يَقُولُ!! وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَذْهَبَ أَبِي قَبْلَ أَنْ يَرَى هَذَا. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ أَسِيدٍ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَمَاتَ أبى ولم يشهد هذا اليوم حتى يقوم بلال ينهق فوق البيت. وَأَمَّا سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَرِجَالٌ مَعَهُ لَمَّا سَمِعُوا بِذَلِكَ غَطَّوْا وُجُوهَهُمْ. قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: قَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ أَكْثَرَهُمْ بِالْإِسْلَامِ.

قُلْتُ: كَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ كان في عام الفتح والله أعلم.

ص: 232