الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْكُمْ أُمُورًا فَانْظُرُوا فِيمَا أَرَدْتُ بِهَا؟ قَالُوا مَا هِيَ؟ قَالَ تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ أَنَّ هَذَا الرجل لنبي مرسل نجده نَعْرِفُهُ بِصِفَتِهِ الَّتِي وُصِفَ لَنَا فَهَلُمَّ فَلْنَتَّبِعْهُ فَتَسْلَمَ لَنَا دُنْيَانَا وَآخِرَتُنَا فَقَالُوا نَحْنُ نَكُونُ تَحْتَ أَيْدِي الْعَرَبِ وَنَحْنُ أَعْظَمُ النَّاسِ مُلْكًا، وأكثره رجالا. وأقصاه بَلَدًا؟! قَالَ فَهَلُمَّ أُعْطِيهِ الْجِزْيَةَ كُلَّ سَنَةٍ أكسر شَوْكَتَهُ وَأَسْتَرِيحُ مِنْ حَرْبِهِ بِمَا أُعْطِيهِ إِيَّاهُ، قَالُوا نَحْنُ نُعْطِي الْعَرَبَ الذُّلَّ وَالصَّغَارَ بِخَرْجٍ يأخذونه منا ونحن أكثر الناس عددا، وأعظمه ملكا، وأمنعه بَلَدًا، لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ هَذَا أَبَدًا، قَالَ فَهَلُمَّ فَلْأُصَالِحْهُ عَلَى أَنْ أُعْطِيَهُ أَرْضَ سُورِيَةَ وَيَدَعَنِي وَأَرْضَ الشَّامِ، قَالَ وَكَانَتْ أَرْضُ سُورِيَةَ، فِلَسْطِينَ وَالْأُرْدُنَّ وَدِمَشْقَ وَحِمْصَ وَمَا دُونَ الدرب سُورِيَةَ، وَمَا كَانَ وَرَاءَ الدَّرْبِ عِنْدَهُمْ فَهُوَ الشَّامُ. فَقَالُوا نَحْنُ نُعْطِيهِ أَرْضَ سُورِيَةَ وَقَدْ عرفت أنها أرض سورية الشَّامِ لَا نَفْعَلُ هَذَا أَبَدًا، فَلَمَّا أَبَوْا عَلَيْهِ قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَتَوَدُّنَّ أَنَّكُمْ قَدْ ظَفِرْتُمْ إِذَا امْتَنَعْتُمْ مِنْهُ فِي مَدِينَتِكُمْ. قَالَ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى بَغْلٍ لَهُ فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا أَشْرَفَ عَلَى الدَّرْبِ اسْتَقْبَلَ أَرْضَ الشَّامِ ثُمَّ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا أَرْضَ سُورِيَةَ تسليم الوداع، ثم ركض حتى دخل قسطنطينية والله أعلم.
ذكر إرساله عليه السلام الى ملك العرب من النصارى الذين بِالشَّامِ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ أَخَا بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ إِلَى المنذر ابن الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شَمِرٍ الْغَسَّانِيِّ صَاحِبِ دِمَشْقَ [1] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَتَبَ مَعَهُ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى وَآمَنَ بِهِ، وَأَدْعُوكَ إِلَى أَنْ تُؤْمِنَ باللَّه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ يَبْقَى لَكَ مُلْكُكَ. فَقَدِمَ شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: وَمَنْ يَنْتَزِعُ مُلْكِي؟ إِنِّي سَأَسِيرُ اليه.
ذكر بعثه الى كسرى ملك الفرس
وروى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بِكِتَابِهِ مَعَ رَجُلٍ إِلَى كِسْرَى وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى مَزَّقَهُ قَالَ فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عبد القاري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ خَطِيبًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ:«أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بَعْضَكُمْ إِلَى مُلُوكِ الْأَعَاجِمِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيَّ كَمَا اخْتَلَفَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى عِيسَى بن مَرْيَمَ» فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَا نَخْتَلِفُ عَلَيْكَ فِي شَيْءٍ أَبَدًا فَمُرْنَا وَابْعَثْنَا، فَبَعَثَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ إِلَى كِسْرَى فأمر كسرى بايوانه أن يزين
[1] كذا بالأصل، وفي ابن هشام: بعث شجاع بن وهب الأسدي الى الحارث بن شمر الغساني ملك تخوم الشام. ثم جاء برواية أخرى أنه بعثه الى جبلة بن الأيهم الغساني.
ثُمَّ أَذِنَ لِعُظَمَاءِ فَارِسَ، ثُمَّ أَذِنَ لِشُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ، فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَمَرَ كِسْرَى بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْبَضَ مِنْهُ، فَقَالَ شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ: لَا حَتَّى أَدْفَعَهُ أَنَا إِلَيْكَ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ كِسْرَى ادْنُهْ فَدَنَا فَنَاوَلَهُ الْكِتَابَ ثُمَّ دَعَا كَاتِبًا لَهُ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ فَقَرَأَهُ فإذا فيه، من محمد بن عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ. قَالَ فَأَغْضَبَهُ حِينَ بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ وَصَاحَ وَغَضِبَ وَمَزَّقَ الْكِتَابَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ بشجاع ابن وَهْبٍ فَأُخْرِجَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَعَدَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ سَارَ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أُبَالِي عَلَى أَيِّ الطَّرِيقَيْنِ أَكُونُ إِذْ أَدَّيْتُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ وَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ كِسْرَى سَوْرَةُ غَضَبِهِ بَعَثَ إِلَى شُجَاعٍ لِيَدْخُلَ عَلَيْهِ فَالْتُمِسَ فَلَمْ يُوجَدْ، فَطُلِبَ إِلَى الْحِيرَةِ فَسَبَقَ، فَلَمَّا قَدِمَ شُجَاعٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ كِسْرَى وَتَمْزِيقِهِ لِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَزَّقَ كِسْرَى مُلْكَهُ» وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي بكر عن أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى؟ فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَزَّقَ مُلْكَهُ» وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ [1] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حُمَيْدٍ ثَنَا سَلَمَةُ ثَنَا ابْنُ إسحاق عن زيد بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سعيد بْنِ سَهْمٍ إِلَى كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ مَلِكِ فَارِسَ وَكَتَبَ مَعَهُ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ الله إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَآمَنَ باللَّه وَرَسُولِهِ وَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَدْعُوكَ بِدُعَاءِ اللَّهِ فَإِنِّي أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً لِأُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ.
فَإِنْ تُسْلِمْ تَسْلَمْ وَإِنْ أَبَيْتَ فَإِنَّ إِثْمَ الْمَجُوسِ عَلَيْكَ. قَالَ فَلَمَّا قَرَأَهُ شَقَّهُ وَقَالَ: يَكْتُبُ إِلَيَّ بِهَذَا وَهُوَ عَبْدِي؟! قَالَ ثُمَّ كَتَبَ كِسْرَى إِلَى بَاذَامَ وَهُوَ نَائِبُهُ عَلَى الْيَمَنِ أَنِ ابْعَثْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ بِالْحِجَازِ رَجُلَيْنِ مِنْ عِنْدِكَ جَلْدَيْنِ فَلْيَأْتِيَانِي بِهِ، فَبَعَثَ بَاذَامُ قَهْرَمَانَهُ- وَكَانَ كَاتِبًا حَاسِبًا- بِكِتَابِ فَارِسَ وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَ الْفُرْسِ يُقَالُ لَهُ خُرْخَرَةُ، وَكَتَبَ مَعَهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُهُ أَنْ ينصرف معهما الى كسرى وقال: لأبا ذويه ايت بلاد هذا الرجل وكلمه وائتني بِخَبَرِهِ، فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا الطَّائِفَ فَوَجَدَا رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ فِي أَرْضِ الطَّائِفِ فَسَأَلُوهُ عَنْهُ فَقَالَ هُوَ بِالْمَدِينَةِ، وَاسْتَبْشَرَ أَهْلُ الطَّائِفِ- يَعْنِي وَقُرَيْشٌ بِهِمَا- وَفَرِحُوا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَبْشِرُوا فَقَدْ نَصَبَ لَهُ كِسْرَى مَلِكُ الْمُلُوكِ كُفِيتُمُ الرَّجُلَ، فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فكلمه أبا ذويه فَقَالَ: شَاهِنْشَاهُ مَلِكُ الْمُلُوكِ كِسْرَى قَدْ كَتَبَ إِلَى الْمَلِكِ بَاذَامَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْكَ مَنْ يَأْتِيهِ بِكَ وَقَدْ بَعَثَنِي إِلَيْكَ لِتَنْطَلِقَ معى، فان
[1] في ابن جرير اختلاف في الأسماء فإنه سمى باذام باذان وابا ذويه بابويه وخرخرة خرخسرة الى غير ذلك فراجعه في السنة السادسة.
فَعَلْتَ كَتَبَ لَكَ إِلَى مَلِكِ الْمُلُوكِ يَنْفَعُكَ وَيَكُفُّهُ عَنْكَ، وَإِنْ أَبَيْتَ فَهُوَ مَنْ قَدْ عَلِمْتَ فَهُوَ مُهْلِكُكَ وَمُهْلِكُ قَوْمِكَ وَمُخَرِّبُ بِلَادِكَ. وَدَخَلَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ حَلَقَا لِحَاهُمَا وَأَعْفَيَا شَوَارِبَهُمَا فَكَرِهَ النَّظَرَ إِلَيْهِمَا وَقَالَ «وَيْلَكُمَا مَنْ أَمَرَكُمَا بِهَذَا؟» قَالَا أَمَرَنَا رَبُّنَا- يَعْنِيَانِ كِسْرَى- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «وَلَكِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي بِإِعْفَاءِ لِحْيَتِي وَقَصِّ شَارِبِي» ثُمَّ قَالَ «ارْجِعَا حَتَّى تَأْتِيَانِي غَدًا» قَالَ وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ سَلَّطَ عَلَى كِسْرَى ابْنَهُ شِيرَوَيْهِ فَقَتَلَهُ فِي شَهْرِ كَذَا وَكَذَا فِي لَيْلَةِ كَذَا وَكَذَا مِنَ اللَّيْلِ سُلِّطَ عَلَيْهِ ابْنُهُ شِيرَوَيْهِ فَقَتَلَهُ. قَالَ فَدَعَاهُمَا فَأَخْبَرَهُمَا فَقَالَا هَلْ تَدْرِي مَا تَقُولُ؟ إِنَّا قَدْ نَقَمْنَا عَلَيْكَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ هَذَا فَنَكْتُبُ عَنْكَ بِهَذَا وَنُخْبِرُ الْمَلِكَ بَاذَامَ؟ قَالَ «نعم أخبراه ذاك عَنِّي وَقُولَا لَهُ إِنَّ دِينِي وَسُلْطَانِي سَيَبْلُغُ ما بلغ كسرى وينتهى الى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ، وَقُولَا لَهُ إِنْ أَسْلَمْتَ أَعْطَيْتُكَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ وَمَلَّكْتُكَ عَلَى قَوْمِكَ مِنَ الْأَبْنَاءِ» ثُمَّ أَعْطَى خُرْخَرَةَ مِنْطَقَةً فِيهَا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ كَانَ أَهْدَاهَا لَهُ بَعْضُ الْمُلُوكِ فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى قَدِمَا عَلَى بَاذَامَ فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا هَذَا بِكَلَامِ مَلِكٍ وَإِنِّي لَأَرَى الرَّجُلَ نَبِيًّا كَمَا يَقُولُ وَلَيَكُونَنَّ مَا قَدْ قَالَ، فَلَئِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا فهو نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَسَنَرَى فِيهِ رأيا. فَلَمْ يَنْشَبْ بَاذَامُ أَنْ قِدِمَ عَلَيْهِ كِتَابُ شِيرَوَيْهِ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ كِسْرَى وَلَمْ أَقْتُلْهُ إِلَّا غَضَبًا لِفَارِسَ لِمَا كَانَ اسْتَحَلَّ مِنْ قَتْلِ أَشْرَافِهِمْ وَنَحْرِهِمْ فِي ثُغُورِهِمْ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَخُذْ لِيَ الطَّاعَةَ مِمَنْ قِبَلَكَ، وَانْطَلِقْ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ كِسْرَى قَدْ كَتَبَ فِيهِ فَلَا تُهِجْهُ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي فِيهِ. فَلَمَّا انْتَهَى كِتَابُ شِيرَوَيْهِ إِلَى بَاذَامَ قَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَرَسُولٌ فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمَتِ الْأَبْنَاءُ مِنْ فَارِسَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ. قَالَ وَقَدْ قَالَ بَاذَوَيْهِ لِبَاذَامَ: مَا كَلَّمْتُ أَحَدًا أَهْيَبَ عِنْدِي مِنْهُ. فَقَالَ لَهُ بَاذَامُ هَلْ مَعَهُ شُرَطٌ؟ قَالَ لَا. قَالَ الْوَاقِدِيُّ رحمه الله: وَكَانَ قَتْلُ كِسْرَى عَلَى يَدَيِ ابْنِهِ شِيرَوَيْهِ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لِعَشْرِ ليال مضين من جمادى الآخرة مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ لِسِتِّ سَاعَاتٍ مَضَتْ مِنْهَا:
قُلْتُ: وَفِي شِعْرِ بَعْضِهِمْ مَا يرشد أن قتله كان في شهر الحرام وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ:
قَتَلُوا كِسْرَى بِلَيْلٍ مُحْرِمًا
…
فَتَوَلَّى لَمْ يُمَتَّعْ بِكَفَنْ
وَقَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ الْعَرَبِ:
وَكِسْرَى إِذْ تَقَاسَمُهُ بَنُوهُ
…
بِأَسْيَافٍ كَمَا اقْتُسِمَ اللِّحَامُ
تَمَخَّضَتِ الْمَنُونُ لَهُ بِيَوْمٍ
…
أتى وَلِكُلِّ حَامِلَةٍ تَمَامُ
وَرَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ فَارِسَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ اللَّيْلَةَ رَبَّكَ» قَالَ وَقِيلَ لَهُ- يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّهُ قَدِ اسْتَخْلَفَ ابْنَتَهُ فَقَالَ «لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ» . قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ فِي حَدِيثِ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ وَجَدَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رسل كِسْرَى، وَذَلِكَ أَنَّ كِسْرَى بَعَثَ يَتَوَعَّدُ صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَيَقُولُ لَهُ: أَلَا تَكْفِينِي أَمْرَ رَجُلٍ قَدْ ظَهَرَ بِأَرْضِكَ يَدْعُونِي إِلَى دِينِهِ، لَتَكْفِيَنَّهُ أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَقَالَ لِرُسُلِهِ «أَخْبِرُوهُ أَنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ رَبَّهُ اللَّيْلَةَ» فَوَجَدُوهُ كَمَا قَالَ. قَالَ وَرَوَى دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ نَحْوَ هَذَا. ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
أَقْبَلَ سَعْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ فِي وَجْهِ سَعْدٍ خَبَرًا «فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ كِسْرَى» فَقَالَ «لَعَنَ اللَّهُ كِسْرَى أَوَّلُ النَّاسِ هَلَاكًا فَارِسُ ثُمَّ الْعَرَبُ» . قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَلَاكِ كِسْرَى لِذَيْنِكَ الرَّجُلَيْنِ يَعْنِي الْأَمِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدِمَا مِنْ نَائِبِ الْيَمَنِ بَاذَامَ، فَلَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ بِوَفْقِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عليه الصلاة والسلام وَشَاعَ فِي الْبِلَادِ وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَوَّلَ مَنْ سَمِعَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِوَفْقِ إِخْبَارِهِ عليه السلام وَهَكَذَا بِنَحْوِ هَذَا التَّقْدِيرِ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله. ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ كِسْرَى بَيْنَمَا هُوَ فِي دَسْكَرَةِ مُلْكِهِ بُعِثَ لَهُ- أَوْ قُيِّضَ لَهُ- عَارِضٌ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْحَقَّ فَلَمْ يَفْجَأْ كِسْرَى إِلَّا بِرَجُلٍ يَمْشِي وَفِي يَدِهِ عَصًا فَقَالَ: يَا كِسْرَى هَلْ لَكَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ أَكْسِرَ هَذِهِ الْعَصَا؟ فَقَالَ كِسْرَى نَعَمْ لَا تَكْسِرْهَا، فَوَلَّى الرَّجُلُ فَلَمَّا ذَهَبَ أَرْسَلَ كِسْرَى إِلَى حُجَّابِهِ فَقَالَ مَنْ أَذِنَ لِهَذَا الرَّجُلِ عَلَيَّ؟ فَقَالُوا مَا دَخَلَ عَلَيْكَ أَحَدٌ، فَقَالَ كَذَبْتُمْ، قَالَ فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَتَهَدَّدَهُمْ ثُمَّ تَرَكَهُمْ. قَالَ فَلَمَّا كَانَ رَأْسُ الْحَوْلِ أَتَى ذَلِكَ الرَّجُلُ وَمَعَهُ الْعَصَا قَالَ يَا كِسْرَى هَلْ لَكَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ أَكْسِرَ هَذِهِ الْعَصَا؟ قَالَ نَعَمْ لَا تَكْسِرْهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُ دَعَا حُجَّابَهُ قَالَ لَهُمْ كَالْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُسْتَقْبَلُ أَتَاهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَعَهُ الْعَصَا فَقَالَ لَهُ هَلْ لَكَ يَا كِسْرَى فِي الإسلام قبل أن أكسر العصا فقال لا تكسرها لَا تَكْسِرْهَا فَكَسَرَهَا، فَأَهْلَكَ اللَّهُ كِسْرَى عِنْدَ ذلك. وقال الامام الشافعيّ: انبأ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فلا قيصر بعده، فو الّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لِتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ بِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَمَّا أُتِيَ كِسْرَى بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَزَّقَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «يمزق مُلْكُهُ» وَحَفِظْنَا أَنَّ قَيْصَرَ أَكْرَمَ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَضَعَهُ فِي مِسْكٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «ثَبَتَ مُلْكُهُ» قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَمَّا كَانَتِ الْعَرَبُ تَأْتِي الشَّامَ وَالْعِرَاقَ لِلتِّجَارَةِ فَأَسْلَمَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ شَكَوْا خَوْفَهُمْ مِنْ مَلِكَيِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فلا قيصر بعده» قال فباد ملك