المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سَرِيَّةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ إِلَى بَنِي قُضَاعَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ قَالَ - البداية والنهاية - ط السعادة - جـ ٤

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع]

- ‌سنة ثلاث من الهجرة

- ‌غَزْوَةُ الْفُرُعِ مِنْ بُحْرَانَ

- ‌خَبَرُ يهود بنى قينقاع مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ

- ‌سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ

- ‌مَقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيِّ

- ‌تَنْبِيهٌ:

- ‌تَنْبِيهٌ آخَرُ:

- ‌غزوة أحد فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ

- ‌مَقْتَلُ حَمْزَةَ رضي الله عنه

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا لَقِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ذِكْرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بعد الوقعة يَوْمَ أُحُدٍ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَى حَمْزَةَ وَقَتْلَى أُحُدٍ

- ‌‌‌فَصَلٌ

- ‌فَصَلٌ

- ‌ذِكْرُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بأصحابه على ملهم مِنَ الْقُرْحِ وَالْجِرَاحِ فِي أَثَرِ أَبِي سُفْيَانَ إِرْهَابًا لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ وَهِيَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا تَقَاوَلَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكُفَّارُ فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ مِنَ الْأَشْعَارِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌سنة اربع من الهجرة النبويّة

- ‌غَزْوَةُ الرَّجِيعِ

- ‌سَرِيَّةُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضمريّ عَلَى إِثْرِ مَقْتَلِ خُبَيْبٍ

- ‌سَرِيَّةُ بِئْرِ مَعُونَةَ

- ‌غَزْوَةُ بَنِي النضير

- ‌قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ سُعْدَى الْقُرَظِيِّ

- ‌غَزْوَةَ بَنِي لِحْيَانَ

- ‌غَزْوَةُ ذات الرقاع

- ‌قِصَّةُ غَوْرَثِ بْنِ الْحَارِثِ

- ‌قِصَّةُ الَّذِي أُصِيبَتِ امْرَأَتُهُ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ

- ‌قِصَّةُ جَمَلِ جَابِرٍ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ

- ‌غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ

- ‌فصل في جملة مِنَ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌سَنَةُ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ

- ‌غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا

- ‌غزوة الخندق وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَحْزَابِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي دُعَائِهِ عليه السلام عَلَى الْأَحْزَابِ

- ‌فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ

- ‌وفاة سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌فَصْلٌ فِيمَا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ

- ‌مقتل أبى رافع سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ الْيَهُودِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ

- ‌مقتل خالد بن سفيان بن نُبَيْحٍ الْهُذَلِيِّ

- ‌قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَعَ النَّجَاشِيِّ بَعْدَ وقعة الخندق وإسلامه

- ‌فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بأمّ حبيبة بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ

- ‌تزويجه عليه السلام بزينب بنت جحش

- ‌ذكر نزول الْحِجَابِ صَبِيحَةَ عُرْسِهَا

- ‌سَنَةُ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ النبويّة

- ‌غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ

- ‌غزوة بنى المصطلق من خزاعة

- ‌قِصَّةُ الْإِفْكِ

- ‌غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ

- ‌ذِكْرُ سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ لِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي ذِكْرِ السَّرَايَا وَالْبُعُوثِ الَّتِي كَانَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌سنة سبع من الهجرة

- ‌غَزْوَةُ خَيْبَرَ فِي أَوَّلِهَا

- ‌فصل

- ‌ذِكْرُ قِصَّةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ النضرية رضى الله عنها

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل في فتح حصونها وقسيمة أَرْضِهَا

- ‌فصل

- ‌ذِكْرُ قدوم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وَمَنْ كَانَ بَقِيَ بِالْحَبَشَةِ مِمَنْ هَاجَرَ إِلَيْهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمَنِ انْضَمَّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُخَيِّمٌ بِخَيْبَرَ

- ‌(ذِكْرُ قِصَّةِ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ وَمَا كَانَ مِنَ أمر البرهان الّذي ظهر عندها والحجة البالغة فيها)

- ‌فصل

- ‌فصل في ذكر من استشهد بخيبر من الصحابة رضى الله عنهم

- ‌خبر الحجاج بن علاط البهزي رضي الله عنه

- ‌فصل في مروره عليه السلام بوادي القرى ومحاصرته قوما من اليهود ومصالحته يهود على ما ذكره [الواقدي وغيره]

- ‌فصل

- ‌سَرِيَّةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى بَنِي فَزَارَةَ

- ‌سَرِيَّةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِلَى تربة من أرض هوازن وَرَاءَ مَكَّةَ بِأَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ

- ‌سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ إِلَى يُسَيْرِ [1] بْنِ رِزَامٍ الْيَهُودِيِّ

- ‌سَرِيَّةٌ أُخْرَى مَعَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ

- ‌سَرِيَّةُ أَبِي حَدْرَدٍ إِلَى الْغَابَةِ

- ‌السَرِيَّةُ الَّتِي قَتَلَ فِيهَا مُحَلِّمُ بْنُ جثامة عامر بن الأضبط

- ‌سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ

- ‌عمرة القضاء

- ‌وأما قصة تزويجه عليه السلام بِمَيْمُونَةَ

- ‌ذكر خروجه عليه السلام مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ عُمْرَتِهِ

- ‌فصل

- ‌سَنَةُ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ فَصْلٌ فِي إِسْلَامِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَخَالِدِ بن الوليد، وعثمان بن طلحة بن أبى طلحة رضى الله عنهم

- ‌طَرِيقُ إِسْلَامِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ

- ‌سَرِيَّةُ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ الْأَسَدِيِّ إِلَى نَفَرٍ مِنْ هَوَازِنَ

- ‌سَرِيَّةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ إِلَى بَنِي قُضَاعَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ

- ‌غزوة مؤتة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي فَضْلِ هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءِ الثَّلَاثَةِ زَيْدٍ وَجَعْفَرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم

- ‌فصل في ذكر مَنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ

- ‌ حَدِيثٌ فِيهِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لِأُمَرَاءِ هَذِهِ السَّرِيَّةِ [1]

- ‌فَصْلٌ فِيمَا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ

- ‌كِتَابُ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ وَكَتْبِهِ إِلَيْهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عز وجل وإلى الدخول في دين الإسلام

- ‌ذكر إرساله عليه السلام الى ملك العرب من النصارى الذين بِالشَّامِ

- ‌ذكر بعثه الى كسرى ملك الفرس

- ‌بعثه عليه السلام الى المقوقس صَاحِبِ مَدِينَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَاسْمُهُ جُرُيْجُ بْنُ مِينَا الْقِبْطِيُّ

- ‌غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلَاسِلِ

- ‌سرية أبى عبيدة إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ

- ‌غَزْوَةُ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ وَكَانَتْ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ

- ‌قِصَّةُ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي إِسْلَامِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة الْمَخْزُومِيِّ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَهِجْرَتِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَ

- ‌فصل

- ‌صفة دخوله عليه السلام مَكَّةَ

- ‌فصل

- ‌بعثه عليه السلام خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بَعْدَ الْفَتْحِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ مِنْ كِنَانَةَ

- ‌بَعْثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِهَدْمِ الْعُزَّى

- ‌فَصْلٌ فِي مُدَّةِ إِقَامَتِهِ عليه السلام بِمَكَّةَ

- ‌فصل ومما حكم عليه السلام بِمَكَّةَ مِنَ الْأَحْكَامِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌غزوة هوازن يوم حنين

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْوَقْعَةِ وَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مِنَ الْفِرَارِ ثُمَّ كَانَتِ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌غزوة أَوْطَاسٍ

- ‌فَصْلٌ فيمن استشهد يوم حنين وبسرية أَوْطَاسٍ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي غَزْوَةِ هَوَازِنَ

- ‌غَزْوَةُ الطَّائِفِ

- ‌فصل في مرجعه عليه السلام من الطَّائِفِ وَقِسْمَةِ غَنَائِمِ هَوَازِنَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ قَبْلَ دُخُولِهِ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا مِنَ الْجِعْرَانَةِ

- ‌ذِكْرُ قُدُومِ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النَّصْرِيِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر اعْتِرَاضُ بَعْضِ الْجَهَلَةِ مِنْ أَهْلِ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقِسْمَةِ الْعَادِلَةِ بِالِاتِّفَاقِ

- ‌ذِكْرُ مَجِيءِ أُخْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ الرضاعة وهو بالجعرانة واسمها الشياء

- ‌عمرة الجعرانة فِي ذِي الْقِعْدَةِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا كَانَ مِنَ الْحَوَادِثِ الْمَشْهُورَةِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَالْوَفَيَاتِ

الفصل: ‌ ‌سَرِيَّةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ إِلَى بَنِي قُضَاعَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ قَالَ

‌سَرِيَّةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ إِلَى بَنِي قُضَاعَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الله الزُّهْرِيِّ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَعْبَ بْنَ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيَّ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى ذَاتِ اطلاع مِنَ الشَّامِ، فَوَجَدُوا جَمْعًا مِنْ جَمْعِهِمْ كَثِيرًا فَدَعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَشَقُوهُمْ بِالنَّبْلِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاتَلُوهُمْ أَشَدَّ الْقِتَالِ حتى قتلوا، فارتث مِنْهُمْ رَجُلٌ جَرِيحٌ فِي الْقَتْلَى، فَلَمَّا أَنْ بَرَدَ عَلَيْهِ اللَّيْلُ تَحَامَلَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَهَمَّ بِالْبَعْثَةِ إِلَيْهِمْ فَبَلَغَهُ أَنَّهُمْ سَارُوا إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ.

‌غزوة مؤتة

وَهِيَ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي نَحْوٍ من ثلاثة آلاف الى ارض الْبَلْقَاءِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بَعْدَ قِصَّةِ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ. فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ، - وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجَّةَ الْمُشْرِكُونَ- وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرًا وَشَهْرَيْ رَبِيعٍ وَبَعَثَ فِي جُمَادَى الْأُولَى بَعْثَهُ إِلَى الشَّامِ الَّذِينَ أُصِيبُوا بِمُؤْتَةَ. فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْثَهُ إِلَى مُؤْتَةَ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَقَالَ «إِنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى النَّاسِ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ عَلَى النَّاسِ» فَتَجَهَّزَ النَّاسُ ثُمَّ تَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عثمان عن عمرو بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ النُّعْمَانُ ابن فُنْحُصٍ الْيَهُودِيُّ فَوَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ النَّاسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «زيد بن حَارِثَةَ أَمِيرُ النَّاسِ، فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَإِنْ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلْيَرْتَضِ الْمُسْلِمُونَ بَيْنَهُمْ رَجُلًا فَلْيَجْعَلُوهُ عَلَيْهِمْ» . فَقَالَ النُّعْمَانُ: أَبَا الْقَاسِمِ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَلَوْ سَمَّيْتَ مَنْ سَمَّيْتَ قَلِيلًا أَوْ كثيرا أصيبوا جميعا، ان الأنبياء في بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِذَا سَمَّوُا الرَّجُلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالُوا إِنْ أُصِيبَ فُلَانٌ فَفُلَانٌ، فَلَوْ سموا مائة أصيبوا جميعا، ثم جعل يَقُولُ لِزَيْدٍ اعْهَدْ فَإِنَّكَ لَا تَرْجِعُ أَبَدًا إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ نَبِيًّا، فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ صَادِقٌ بَارٌّ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا حَضَرَ خُرُوجُهُمْ وَدَّعَ النَّاسُ أُمَرَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمُوا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا وُدِّعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مَعَ مَنْ وُدِّعَ بَكَى، فَقَالُوا مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ؟ فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ مَا بِي حُبُّ الدُّنْيَا وَلَا صَبَابَةٌ بِكُمْ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ يَذْكُرُ فِيهَا النَّارَ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا 19: 71 فَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصَّدَرِ بَعْدَ الْوُرُودِ؟

فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمُ اللَّهُ وَدَفَعَ عَنْكُمْ وَرَدَّكُمْ إِلَيْنَا صَالِحِينَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ:

ص: 241

لكنني أسأل الرحمن مغفرة

وضربة ذات فرع تَقْذِفُ الزَّبَدَا

أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرَّانَ مُجْهِزَةً

بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الْأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا

حَتَّى يُقَالَ إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي

أَرْشَدَهُ اللَّهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ تَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ فَأَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَدَّعَهُ ثُمَّ قَالَ:

فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ

تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا

إِنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ نَافِلَةً

اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي ثَابِتُ الْبَصَرِ

أَنْتَ الرَّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمْ نَوَافِلَهُ

وَالْوَجْهَ مِنْهُ فَقَدْ أَزْرَى بِهِ الْقَدَرُ

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ الْقَوْمُ وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُشَيِّعُهُمْ حَتَّى إِذَا وَدَّعَهُمْ وَانْصَرَفَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ:

خَلَفَ السَّلَامُ عَلَى امْرِئٍ وَدَّعْتُهُ

فِي النَّخْلِ خَيْرِ مُشَيِّعٍ وَخَلِيلِ

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنِ الْحَجَّاجِ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَى مُؤْتَةَ فَاسْتَعْمَلَ زَيْدًا، فَإِنَّ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ فَإِنَّ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَابْنُ رَوَاحَةَ، فَتَخَلَّفَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَجَمَّعَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَآهُ فَقَالَ «مَا خَلَّفَكَ؟» فَقَالَ أُجَمِّعُ معك «قال الغدوة أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . وَقَالَ أَحْمَدُ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا الْحَجَّاجُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي سَرِيَّةٍ فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ فَقَدِمَ أَصْحَابَهُ وَقَالَ أَتَخَلَّفُ فَأُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَةَ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، قَالَ فلما صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَآهُ فَقَالَ «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَغْدُوَ مع أصحابك؟» فَقَالَ أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ مَعَكَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ ألحقهم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَدْرَكْتَ غَدْوَتَهُمْ» .

وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ- وَهُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ- ثُمَّ عَلَّلَهُ التِّرْمِذِيُّ بِمَا حَكَاهُ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَسْمَعِ الْحَكَمُ عَنْ مِقْسَمٍ إِلَّا خَمْسَةَ أَحَادِيثَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا.

قُلْتُ وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ فِي رِوَايَتِهِ نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ خُرُوجَ الْأُمَرَاءِ إِلَى مُؤْتَةَ كَانَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ مَضَوْا حَتَّى نَزَلُوا معانا مِنْ أَرْضِ الشَّامِ فَبَلَغَ النَّاسَ أَنَّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الرُّومِ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامٍ وَالْقَيْنِ وَبَهْرَاءَ وَبَلِيٍّ مِائَةُ أَلْفٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنَ بَلِيٍّ، ثُمَّ أَحَدُ اراشة يقال له مالك بن رافلة، وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَبَلَغَهُمْ أَنَّ هِرَقْلَ نَزَلَ بِمَآبَ فِي مِائَةِ أَلْفٍ من الروم ومائة ألف من المستعربة، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ أَقَامُوا

ص: 242

عَلَى مَعَانٍ لَيْلَتَيْنِ يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ، وَقَالُوا نَكْتُبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُخْبِرُهُ بِعَدَدِ عَدُّونَا، فَإِمَّا أَنْ يَمُدَّنَا بِالرِّجَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَنَا بِأَمْرِهِ فَنَمْضِيَ لَهُ، قَالَ فَشَجَّعَ النَّاسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَقَالَ: يَا قَوْمِ وَاللَّهِ إِنَّ الَّتِي تَكْرَهُونَ لَلَّتِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ الشَّهَادَةُ، وَمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ بِعَدَدٍ وَلَا قُوَّةٍ وَلَا كَثْرَةٍ، مَا نُقَاتِلُهُمْ إِلَّا بِهَذَا الدِّينِ الَّذِي أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِهِ، فَانْطَلِقُوا فَإِنَّمَا هِيَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، إِمَّا ظُهُورٌ وَإِمَّا شَهَادَةٌ، قَالَ فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ وَاللَّهِ صَدَقَ ابْنُ رَوَاحَةَ، فَمَضَى النَّاسُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي مَحْبِسِهِمْ ذَلِكَ:

جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ أَجَأٍ وَفَرْعٍ

تُغَرُّ مِنَ الْحَشِيشِ الى العكوم

حدوناها مِنَ الصَّوَّانِ سِبْتًا

أَزَلَّ كَأَنَّ صَفْحَتَهُ أَدِيمُ

أَقَامَتْ لَيْلَتَيْنِ عَلَى مَعَانٍ

فَأُعْقِبَ بَعْدَ فَتْرَتِهَا جُمُومُ

فَرُحْنَا وَالْجِيَادُ مُسَوَّمَاتٌ

تَنَفَّسُ فِي مَنَاخِرِهَا سموم

فَلَا وَأَبِي مَآبَ لَنَأْتِيَنْهَا

وَإِنْ كَانَتْ بِهَا عَرَبٌ وَرُومُ

فَعَبَّأْنَا أَعِنَّتَهَا فَجَاءَتْ

عَوَابِسَ وَالْغُبَارُ لها يريم

بذي لحب كَأَنَّ الْبِيضَ فِيهِ

إِذَا بَرَزَتْ قَوَانِسُهَا النُّجُومُ

فَرَاضِيَةُ الْمَعِيشَةِ طَلَّقَتْهَا

أَسِنَّتُنَا [1] فَتَنْكِحُ أَوْ تَئِيمُ

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ يَتِيمًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فِي حِجْرِهِ، فَخَرَجَ بِي فِي سَفَرِهِ ذلك مردفى على حقيبة رحله فو الله انه ليسير ليلتئذ سمعته وهو ينشد أبياته هذه:

إذا أدنيتنى وَحَمَلْتِ رَحْلِي

مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الْحِسَاءِ

فَشَأْنُكِ أَنْعُمٌ وَخَلَاكِ ذَمٌّ

وَلَا أَرْجِعْ إِلَى أَهْلِي ورائي

وجاء المسلمون وغادرونى

بأرض الشام مستنهى [2] الثَّوَاءِ

وَرَدَّكَ كُلُّ ذِي نَسَبٍ قَرِيبٍ

إِلَى الرَّحْمَنِ مُنْقَطِعَ الْإِخَاءِ

هُنَالِكَ لَا أُبَالِي طَلْعَ بَعْلٍ

وَلَا نَخْلٍ أَسَافِلُهَا رِوَاءِ

قَالَ فَلَمَّا سَمِعْتُهُنَّ مِنْهُ بَكَيْتُ، فَخَفَقَنِي بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: مَا عَلَيْكَ يَا لُكَعُ أَنْ يَرْزُقَنِي اللَّهُ الشَّهَادَةَ وَتَرْجِعَ بَيْنَ شُعْبَتَيِ الرَّحْلِ؟ ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي بَعْضِ سَفَرِهِ ذَلِكَ وَهُوَ يَرْتَجِزُ.

يَا زَيْدُ زَيْدَ الْيَعْمَلَاتِ الذُّبَّلِ

تطاول الليل هديت فانزل

[1] في ابن هشام: أسنتها.

[2]

قال السهيليّ: مستنهى الثواء مستفعل من النهاية والانتهاء أي حيث انتهى مثواه، ومن رواه مشتهى الثواء (كما في الأصل) أي لا أريد رجوعا.

ص: 243

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ مَضَى النَّاسُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِتُخُومِ الْبَلْقَاءِ لَقِيَتْهُمْ جُمُوعُ هِرَقْلَ مِنَ الرُّومِ وَالْعَرَبِ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ يُقَالُ لَهَا مَشَارِفُ، ثُمَّ دَنَا الْعَدُوُّ وَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا مُؤْتَةُ فَالتَقَى الناس عندها فتعبى لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ يُقَالُ لَهُ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ وَعَلَى مَيْسَرَتِهِمْ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عَبَايَةُ بْنُ مَالِكٍ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: شَهِدْتُ مُؤْتَةَ فَلَمَّا دَنَا مِنَّا الْمُشْرِكُونَ رأينا مالا قِبَلَ لِأَحَدٍ بِهِ مِنَ الْعُدَّةِ وَالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَالدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ، فَبَرِقَ بَصَرِي، فَقَالَ لِي ثابت بن أرقم: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كَأَنَّكَ تَرَى جُمُوعًا كَثِيرَةً؟ قلت نعم! قال إنك لم تشهد بدرا معنا، إِنَّا لَمْ نُنْصَرْ بِالْكَثْرَةِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ ثُمَّ الْتَقَى النَّاسُ فَاقْتَتَلُوا فَقَاتَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِرَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى شَاطَ فِي رِمَاحِ القوم، ثم أخذها جعفر فقاتل القوم حتى قتل، فكان جعفر أول الْمُسْلِمِينَ عَقَرَ فِي الْإِسْلَامِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ حَدَّثَنِي أَبِي الَّذِي أَرْضَعَنِي وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ قَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى جَعْفَرٍ حِينَ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ ثُمَّ عَقَرَهَا ثُمَّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ وَهُوَ يَقُولُ:

يَا حَبَّذَا الْجَنَّةُ وَاقْتِرَابُهَا

طَيِّبَةً وَبَارِدًا شَرَابُهَا

وَالرُّومُ رُومٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا

كَافِرَةٌ بَعِيدَةٌ أَنْسَابُهَا

عَلَيَّ إِنْ لَاقَيْتُهَا ضِرَابُهَا

وَهَذَا الْحَدِيثُ قد رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ ولم يذكر الشعر، وقد استدل من جواز قَتْلَ الْحَيَوَانِ خَشْيَةَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ الْعَدُوُّ كَمَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَغْنَامِ إِذَا لَمْ تَتْبَعْ فِي السَّيْرِ وَيُخْشَى مِنْ لُحُوقِ العدو وَانْتِفَاعِهِمْ بِهَا أَنَّهَا تُذْبَحُ وَتُحَرَّقُ لِيُحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ عَلَى جَعْفَرٍ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ إلا إذا أمن أَخْذُ الْعَدُوِّ لَهُ وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانِ عَبَثًا.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ العلم أن جعفر أَخَذَ اللِّوَاءِ بِيَمِينِهِ فَقُطِعَتْ، فَأَخَذَهُ بِشَمَالِهِ فَقُطِعَتْ، فَاحْتَضَنَهُ بِعَضُدَيْهِ حَتَّى قُتِلَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً فَأَثَابَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ جَنَاحَيْنِ فِي الجنة يطير بهما حيث يشاء، وَيُقَالُ: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الرُّومِ ضَرَبَهُ يَوْمَئِذٍ ضَرْبَةً فَقَطَعَهُ بِنِصْفَيْنِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي الَّذِي أَرْضَعَنِي وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: فَلَمَّا قُتِلَ جَعْفَرٌ أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ الرَّايَةَ ثُمَّ تَقَدَّمَ بِهَا وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ وَيَتَرَدَّدُ بعض التردد ويقول:

أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنَّهْ

لَتَنْزِلِنَّ أَوْ لَتُكْرَهِنَّهْ

إِنْ أَجْلَبَ النَّاسُ وَشَدُّوا الرَّنَّهْ

مَا لِي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّهْ

ص: 244

قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّهْ

هَلْ أَنْتِ إِلَّا نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ

وَقَالَ أَيْضًا:

يَا نَفْسُ إِنْ لَا تُقْتَلِي تَمُوتِي

هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيتِ

وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيتِ

إِنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيتِ

يُرِيدُ صَاحِبَيْهِ زَيْدًا وَجَعْفَرًا، ثُمَّ نَزَلَ فَلَمَّا نَزَلَ أَتَاهُ ابْنُ عَمٍّ لَهُ بِعَرْقٍ مِنْ لَحَمَ فَقَالَ شُدَّ بِهَذَا صُلْبَكَ فَإِنَّكَ قَدْ لَقِيتَ فِي أَيَّامِكَ هَذِهِ مَا لَقِيتَ، فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ فَانْتَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً. ثُمَّ سَمِعَ الْحَطْمَةَ فِي نَاحِيَةِ النَّاسِ فَقَالَ وَأَنْتَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ؟ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ رضي الله عنه.

قَالَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ. فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ، قَالُوا أَنْتَ قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، فَاصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَلَمَّا أَخَذَ الرَّايَةَ دَافَعَ الْقَوْمَ وخاشى [1] بهم ثم انحازوا نحيز عَنْهُ حَتَّى انْصَرَفَ بِالنَّاسِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ. وَلَمَّا أُصِيبَ الْقَوْمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَلَغَنِي- أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، قَالَ ثُمَّ صَمَتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الْأَنْصَارِ وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بَعْضُ مَا يَكْرَهُونَ، ثُمَّ قال أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ قَالَ لَقَدْ رُفِعُوا الى الْجَنَّةِ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ عَلَى سُرُرٍ مِنْ ذهب فرأيت في سرير عبد الله ابن رَوَاحَةَ ازْوِرَارًا عَنْ سَرِيرَيْ صَاحِبَيْهِ، فَقُلْتُ عَمَّ هَذَا؟ فَقِيلَ لِي مَضَيَا وَتَرَدَّدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَعْضَ التَّرَدُّدِ ثُمَّ مَضَى. هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ هَذَا مُنْقَطِعًا، وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خبر، فَقَالَ أَخْذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَالَ فِيهِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: وَمَا يَسُرُّهُمْ أَنَّهُمْ عِنْدَنَا وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بكير ثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ وَلَيْسَ بالحرامى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. قَالَ أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد ابن حَارِثَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنْتُ فِيهِمْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَوَجَدْنَاهُ فِي الْقَتْلَى ووجدنا في جسده بضعا وتسعين من ضربة وَرَمْيَةٍ تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أيضا حدثنا احمد ثنا ابن

[1] في السهيليّ: المخاشاة المحاجزة وهي مفاعلة من الخشية لانه خشي على المسلمين لقلة عددهم.

ثم قال: ومن رواه حاشى بالحاء المهملة فهو من الحشى وهي الناحية. وقيل حاشى بهم انحاز بهم.

ص: 245

وهب عن ابن عمرو عن أبى هلال- هو سعيد بن أبى هلال الليثي- قالا: وَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ قَتِيلٌ فَعَدَدْتُ بِهِ خَمْسِينَ بَيْنَ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي دُبُرِهِ، وَهَذَا أيضا من أفراد البخاري. ووجه الجميع بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ ابْنَ عمر اطَّلَعَ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ، وَغَيْرَهُ اطَّلَعَ عَلَى أكثر من ذلك، وان هَذِهِ فِي قُبُلِهِ أُصِيبَهَا قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ، فَلَمَّا صُرِعَ إِلَى الْأَرْضِ ضَرَبُوهُ أَيْضًا ضَرَبَاتٍ فِي ظَهْرِهِ، فَعَدَّ ابْنُ عُمَرَ مَا كَانَ في قبله وهو في فِي وُجُوهِ الْأَعْدَاءِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ رضي الله عنه. وَمِمَّا يَشْهَدُ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ مِنْ قَطْعِ يَمِينِهِ وَهِيَ مُمْسِكَةٌ اللِّوَاءَ ثُمَّ شِمَالِهِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عن إسماعيل بن أبى خلاد عَنْ عَامِرٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حىّ ابْنَ جَعْفَرٍ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا فِي الْمَنَاقِبِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن أبى خالد، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا سُفْيَانُ بن إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدْ دُقَّ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ فَمَا بقي في يدي الا صفحة يَمَانِيَةٌ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدْ دُقَّ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تسعة أسياف وصبرت في يدي صفحة يَمَانِيَةٌ انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بكر البيهقي ثنا ابو نصر بن قتادة ثنا أبو عمرو مَطَرٍ ثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ وكانت الأنصار تفقهه، فغشيه الناس فغشيته فيمن غشيه فقال أَبُو قَتَادَةَ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَيْشَ الْأُمَرَاءِ وَقَالَ عَلَيْكُمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَقَالَ إِنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، قَالَ فَوَثَبَ جَعْفَرٌ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنْتُ أَرْهَبُ أَنْ تَسْتَعْمِلَ زَيْدًا عَلَيَّ قَالَ امْضِ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّ ذَلِكَ خَيْرٌ، فَانْطَلَقُوا فَلَبِثُوا مَا شَاءَ اللَّهُ فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ فَأَمَرَ فَنُودِيَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أُخْبِرُكُمْ عَنْ جَيْشِكُمْ هَذَا، إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا فَلَقُوا الْعَدُوَّ فَقُتِلَ زَيْدٌ شَهِيدًا فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ جَعْفَرٌ فَشَدَّ عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا شَهِدَ لَهُ بِالشَّهَادَةِ وَاسْتَغْفَرَ له، ثم أخذ اللواء عبد الله ابن رَوَاحَةَ فَأَثْبَتَ قَدَمَيْهِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْأُمَرَاءِ هُوَ أَمَّرَ نَفْسَهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «اللَّهمّ انه سيف من سيوفك أنت تَنْصُرُهُ» فَمِنْ يَوْمَئِذٍ سُمِّيَ خَالِدٌ سَيْفَ اللَّهِ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ بِهِ نَحْوَهُ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لما اجتمع اليه الناس قال باب خير باب خير وذكر الحديث. وقال الواقد حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عِمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. قَالَ: لَمَّا الْتَقَى النَّاسُ بِمُؤْتَةَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَكَشَفَ اللَّهُ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ فَهُوَ يَنْظُرُ

ص: 246

إِلَى مُعْتَرَكِهِمْ، فَقَالَ أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَجَاءَ الشَّيْطَانُ فَحَبَّبَ إِلَيْهِ الْحَيَاةَ وَكَرَّهَ إِلَيْهِ الْمَوْتَ، وَحَبَّبَ إِلَيْهِ الدُّنْيَا فَقَالَ الْآنَ اسْتَحْكَمَ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ تُحَبِّبُ إِلَيَّ الدُّنْيَا، فَمَضَى قُدُمًا حَتَّى اسْتُشْهِدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ استغفروا له فقد دخل الجنة وهو شهيد. قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَمَّا قُتِلَ زَيْدٌ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَجَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَحَبَّبَ إِلَيْهِ الْحَيَاةَ وَكَرَّهَ إِلَيْهِ الْمَوْتَ وَمَنَّاهُ الدُّنْيَا فَقَالَ الْآنَ حِينَ استحكم الايمان في قلوب المؤمنين يمنيني الدُّنْيَا، ثُمَّ مَضَى قُدُمًا حَتَّى اسْتُشْهِدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ بِجَنَاحَيْنِ مِنْ يَاقُوتٍ حَيْثُ يشاء في الْجَنَّةِ، قَالَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَاسْتُشْهِدَ ثُمَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ مُعْتَرَضًا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْأَنْصَارِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا اعْتَرَضَهُ؟ قَالَ لَمَّا أَصَابَتْهُ الْجِرَاحُ نكل فعاتب نفسه فتشجع واستشهد ودخل الْجَنَّةَ فَسُرِّيَ عَنْ قَوْمِهِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا أَخَذَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّايَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ فَحَدَّثَنِي الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ لَمَّا قُتِلَ ابْنُ رَوَاحَةَ مَسَاءً بَاتَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا وَقَدْ جَعَلَ مُقَدِّمَتَهُ سَاقَتَهُ وَسَاقَتَهُ مُقَدِّمَتَهُ وَمَيْمَنَتَهُ مَيْسَرَتَهُ، قَالَ فَأَنْكَرُوا مَا كَانُوا يَعْرِفُونَ مِنْ رَايَاتِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ وَقَالُوا قَدْ جَاءَهُمْ مَدَدٌ، فَرُعِبُوا وَانْكَشَفُوا مُنْهَزِمِينَ، قَالَ فَقُتِلُوا مَقْتَلَةً لَمْ يُقْتَلْهَا قَوْمٌ. وَهَذَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ رحمه الله فِي مَغَازِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ صَدَرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَكَثَ بِهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ إِنَّهُ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى مُؤْتَةَ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَقَالَ إِنْ أُصِيبَ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُهُمْ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ أَمِيرُهُمْ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا لَقُوا ابْنَ أَبِي سَبْرَةَ الْغَسَّانِيَّ بِمُؤْتَةَ وَبِهَا جُمُوعٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَالرُّومِ بِهَا تَنُوخُ وَبَهْرَاءُ فَأَغْلَقَ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ الحصن ثلاثة أيام، ثم التقوا على زرع أَحْمَرَ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَأَخَذَ اللِّوَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَقُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهُ جَعْفَرٌ فَقُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقُتِلَ ثُمَّ اصْطَلَحَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ أُمَرَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيِّ فَهَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ وَأَظْهَرَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَبَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جُمَادَى الْأُولَى- يَعْنِي سَنَةَ ثَمَانٍ- قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَرَّ عَلَيَّ جَعْفَرٌ فِي الْمَلَائِكَةِ يَطِيرُ كَمَا يَطِيرُونَ وَلَهُ جَنَاحَانِ. قَالَ وَزَعَمُوا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَبَرِ أَهْلِ مُؤْتَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ شئت فأخبرني وان شئت أخبرك، قَالَ أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَأَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرَهُمْ كُلَّهُ وَوَصَفَهُ لَهُمْ، فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا تَرَكْتَ مِنْ حَدِيثِهِمْ حَرْفًا لَمْ تَذْكُرْهُ، وَإِنَّ أَمْرَهُمْ لَكَمَا ذَكَرْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ رَفَعَ لِيَ الْأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ مُعْتَرَكَهُمْ» فَهَذَا السِّيَاقُ فِيهِ فَوَائِدٌ كَثِيرَةٌ لَيْسَتْ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ أن خالد انما

ص: 247

حاش بِالْقَوْمِ حَتَّى تَخَلَّصُوا مِنَ الرُّومِ وَعَرَبِ النَّصَارَى فَقَطْ. وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَالْوَاقِدِيُّ مُصَرِّحَانِ بِأَنَّهُمْ هَزَمُوا جُمُوعَ الرُّومِ وَالْعَرَبِ الَّذِينَ مَعَهُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى يديه. ورواه الْبُخَارِيُّ وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ وَمَالَ إِلَيْهِ الحافظ البيهقي بعد حكاية القولين لما ذكر مِنَ الْحَدِيثِ.

قُلْتُ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَبَيْنِ قَوْلِ الْبَاقِينَ وَهُوَ أَنَّ خالد لما أخذ الراية حاش بِالْقَوْمِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى خَلَّصَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْكَافِرِينَ مِنَ الرُّومِ وَالْمُسْتَعْرِبَةِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَحَوَّلَ الْجَيْشَ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَمُقَدِّمَةً وَسَاقَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ تَوَهَّمَ الرُّومُ أَنَّ ذَلِكَ عَنْ مَدَدٍ جَاءَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا حَمَلَ عَلَيْهِمْ خَالِدٌ هَزَمُوهُمْ بأذن الله والله أعلم. وقد قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ لَمَّا أَقْبَلَ أَصْحَابُ مُؤْتَةَ تَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ [قَالَ وَلَقِيَهُمُ الصِّبْيَانُ يَشْتَدُّونَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقْبِلٌ مَعَ الْقَوْمِ عَلَى دَابَّةٍ فَقَالَ: خُذُوا الصِّبْيَانَ فَاحْمِلُوهُمْ وَأَعْطُونِي ابْنَ جَعْفَرٍ فَأُتِي بِعَبْدِ اللَّهِ فَأَخَذَهُ فحمله بين يديه] فجعلوا يَحْثُونَ عَلَيْهِمْ بِالتُّرَابِ وَيَقُولُونَ يَا فُرَّارُ فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسُوا بِالْفُرَّارِ وَلَكِنَّهُمُ الْكُرَّارُ إن شاء الله عز وجل» وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِيهِ غَرَابَةٌ، وَعِنْدِي أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ قَدْ وَهِمَ فِي هذا السياق فظن أن هذا الجمهور الْجَيْشِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلَّذِينِ فَرُّوا حِينَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، وَأَمَّا بَقِيَّتُهُمْ فَلَمْ يَفِرُّوا بَلْ نُصِرُوا كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم للمسلمين وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى يديه، فما كان المسلمون ليسمونهم فرارا بعد ذلك وإنما تلقوهم إكراما وَإِعْظَامًا، وَإِنَّمَا كَانَ التَّأْنِيبُ وَحَثْيُ التُّرَابِ لِلَّذِينِ فَرُّوا وَتَرَكُوهُمْ هُنَالِكَ، وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا حَسَنٌ ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ فِي سَرِيَّةٍ مِنْ سَرَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً وَكُنْتُ فِيمَنْ حَاصَ، فَقُلْنَا كَيْفَ نَصْنَعُ وَقَدْ فَرَرْنَا مِنَ الزَّحْفِ وَبُؤْنَا بالغضب؟ ثم قلنا لو دخلنا المدينة قتلنا، ثُمَّ قُلْنَا لَوْ عَرَضْنَا أَنْفُسَنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ كَانَتْ لَنَا تَوْبَةٌ وَإِلَّا ذَهَبْنَا، فَأَتَيْنَاهُ قَبْلَ صَلَاةِ الغداة، فخرج فقال من القوم؟ قال قلنا نحن فرارون، فقال لا بل أنتم الكرارون أَنَا فِئَتُكُمْ وَأَنَا فِئَةُ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ فَأَتَيْنَاهُ حتى قبلنا يده. ثم رواه غُنْدُرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فَفَرَرْنَا فَأَرَدْنَا أَنْ نَرْكَبَ الْبَحْرَ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ الْفَرَّارُونَ، فَقَالَ لَا بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى وَأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ

ص: 248

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَرِيَّةٍ، فَلَمَّا لَقِينَا الْعَدُوَّ انْهَزَمْنَا فِي أَوَّلِ غَادِيَةٍ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي نَفَرٍ لَيْلًا فَاخْتَفَيْنَا ثُمَّ قُلْنَا لَوْ خَرَجْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاعْتَذَرْنَا إِلَيْهِ، فَخَرَجْنَا إِلَيْهِ ثم التقيناه قُلْنَا نَحْنُ الْفَرَّارُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ وَأَنَا فِئَتُكُمْ» قَالَ الْأَسْوَدُ «وَأَنَا فِئَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ» وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ لِامْرَأَةِ سَلَمَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: مَا لِي لَا أَرَى سَلَمَةَ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَتْ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ كُلَّمَا خَرَجَ صَاحَ بِهِ النَّاسُ يَا فُرَّارُ فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حَتَّى قَعَدَ فِي بَيْتِهِ مَا يَخْرُجُ وَكَانَ فِي غَزَاةِ مُؤْتَةَ.

قُلْتُ: لَعَلَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ فَرُّوا لما عاينوا كثرة جموع الْعَدُوُّ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ مِائَتَيْ أَلْفٍ، وَمِثْلُ هَذَا يُسَوِّغُ الْفِرَارَ عَلَى مَا قَدْ تَقَرَّرَ، فَلَمَّا فَرَّ هَؤُلَاءِ ثَبَتَ بَاقِيهُمْ وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَتَخَلَّصُوا مِنْ أَيْدِي أُولَئِكَ وَقَتَّلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ مِنْ قَبْلِهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَيُشَاكِلُهُ بِالصِّحَّةِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ مَنْ خَرَجَ مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ من المسلمين في غزوة مؤتة، ومدوى مِنَ الْيَمَنِ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُ سَيْفِهِ فَنَحَرَ رجل من المسلمين جزورا فسأله المدوى طابقة مِنْ جِلْدِهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ فَاتَّخَذَهُ كَهَيْئَةِ الدَّرَقَةِ، وَمَضَيْنَا فَلَقِينَا جُمُوعَ الرُّومِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ لَهُ أَشْقَرَ عَلَيْهِ سَرْجٌ مُذَهَّبٌ وَسِلَاحٌ مذهب، فجعل الرومي يغزى بالمسلمين، وقعد له المدوى خلف صخرة فمر به الرومي فعرقبه فَخَرَّ وَعَلَاهُ فَقَتَلَهُ، وَحَازَ فَرَسَهُ وَسِلَاحَهُ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ بَعَثَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الوليد يأخذ من السَّلَبَ، قَالَ عَوْفٌ فَأَتَيْتَهُ فَقُلْتُ يَا خَالِدُ أَمَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ بَلَى ولكنى استكثر به، فقلت به؟ فَقُلْتُ لَتَرُدَّنَّهُ إِلَيْهِ أَوْ لَأُعَرِّفَنَّكَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ. قَالَ عَوْفٌ فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ قصة المدوى وَمَا فَعَلَ خَالِدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «يَا خَالِدُ رُدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذْتَ مِنْهُ» قَالَ عَوْفٌ فَقُلْتُ دُونَكَ يَا خَالِدُ أَلَمْ أَفِ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا ذَاكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ «يَا خَالِدُ لَا تَرُدَّ عَلَيْهِ هل أنتم تاركوا أُمَرَائِي لَكُمْ صِفْوَةُ أَمْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ كَدَرُهُ» قَالَ الْوَلِيدُ سَأَلْتُ ثَوْرًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِي عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عَوْفٍ بِنَحْوِهِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ بِهِ نَحْوَهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ غَنِمُوا مِنْهُمْ وَسَلَبُوا مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَقَتَلُوا مِنْ أُمَرَائِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّ خَالِدًا رضي الله عنه قَالَ انْدَقَّتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ وَمَا ثبت في يدي إلا صفحة يَمَانِيَةٌ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَثْخَنُوا فِيهِمْ قَتْلًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا قَدَرُوا عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُمْ، وَهَذَا وَحْدَهُ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا هُوَ

ص: 249