الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الجوهريُّ: آض يئيضُ أيضًا، إذا عاد ورجع.
[الجملة الابتدائية]
إحداها: أي إحدى جمل السّبع. المبتدأة، وتُسمّى المستأنفةَ، بالنّصبِ مفعول ثان لتسمّى. أيضًا: أي كما تُسمّى مبتدأة.
اعلم أن الاستئناف عند أرباب المعاني ما يكون جوابًا عن سؤال مقدّر وأما عند أئمة النّحو فالمستأنفة، هي الجملة التي وقعت في الإبتداء، سواء كانت في الابتداء جوابًا لسؤال أوّلًا، ذكره المصنّف في "المغني".
نحو قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} .
اعلم أنّ أصل (إنّا) إنّنا، فحذفت الثانية لاجتماع الأمثال والتخفيف، وإن حكى بعض النحويين ثلاثة مذاهب:
الأوّل: حذف الأولى.
والثاني: حذف الثانية.
والثالث: حذف الثالثة.
لكن الصحيح هو المذهب الثاني، لأنَّ النون الأولى كالأصل، بدلالة حذف الثانية في (إنْ) إذا كانت مخفّفة، مع بقاء الأولى ساكنة، ولو كانت المحذوفة هى الأولى لبقيت الثانية متحرّكة، لكونها قبل الحذف كذلك.
ولا يجوز حذف الثالثة لأنّها ضميرٌ.
فـ (إنّ): حرف من حروف المشبّهة بالفعل، و (نا) منصوب المحلّ على أنّه اسم (إنّ). و (أعطى) فعل يتعدّى إلى المفعولين، ومسندٌ إلى الفاعل، وهو ضمير المتكلّم. و (الضمير المنصوب) كناية عن رسولنا صلى الله عليه وسلم مفعوله الأوّل.
و (الكوثر) مفعوله الثاني، وجملة (أعطيناك الكوثر) جملة فعلية في محلّ الرّفع.
خبر إنّ وجملة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} : جملة اسمية مستأنفة لا محل [لها] من الإعراب. ونحو قوله تعالى: {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} بعدّ بالنّصب إمّا تقدير من، أو أعني، أو بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف مضاف إلى الجملة، {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} بحسب الظاهر ولكن في الحقيقة مضاف إلى المفرد المقدّر فيكون تقدير الكلام بعد قوله تعالى، وإنما قلنا بكذا لأنّ الغايات لا تُضاف إلى الجملة، نصَّ عليه شارح "المفصّل".
و (إنّ): من حروف المشبهة و (العزّةَ): بالنصب اسمه و (لله): في محل الرفع خبره. و (جميعًا): يحتمل أن يكون حالًا من الضمير المستتر في الظرف، أي: مجتمعة، والعامل فيه شبه الفعل وهو الظرف، ويحتمل أن يكون تأكيدًا من إنّ العزَة لله، كما قال في "الصحاح"، وجميعًا يؤكّد به، يقال: جاؤوا جميعًا أي: كلّهم. انتهى.
فجميعًا تأكيد لضمير جاؤوا، وهو الواو. فَعُلِمَ من الكلام ظاهرٌ أنّ لفظة جميعًا بالنصب تأكيد، وإن كان المؤكّد مرفوعًا، بخلاف سائر ألفاظ التأكيد خذ هذا فإنه ينفعك في مواضع شتّى.
وجملة (إنّ العزّة لله جميعًا) لا محل لها من الإعراب مستأنفة، بمعنى التعليل في جواب: لِمَ لمْ أحزنْ؟
كأنّه قيل: لا تحزن بقولهم، أي بإشراكهم وتكذيبهم، ولا تبالِ بهم، لأنّ الغلبة لله جميعًا، لا يملك غيره شيئًا منها فهو يقهرهم فينصرك عليهم.
وليست جملة إنّ العزة لله جميعًا محكيَة بالقول، وهو قولهم. لفساد المعنى لأنّ هذا القول لا يجوز أن يكون مورّثًا للحزن له، إلّا إذا كان بطريق الاستهزاء، وهو احتمال مرجوحٌ لا يذهب
إليه وَهْمٌ، فلا يكون محكيًّا بالقول، بل هو قول الله تسلية للنبيّ عليه السلام، وكذا الحال في كونه بدلًا من قولهم، كما ذكر في "الكشاف".
ونحو قوله تعالى: {لَا يَسَّمَّعُونَ} بعدَ -إعرابُ (بعدُ) كإعراب ما سبق- {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} .
فـ (حفظًا) منصوبة بإضمار فعله، أي: حفظنا السَّماء حفظًا بالشُّهب و (من): متعلقة بمحذوف.
و (شيطان): على وزن فيعال، مأخوذ من [الشّطن]، وهو البعد.
وقيل: شيطان على وزن فعلان، مأخوذ من الشّيط، وهو الهلاك، فعلى الأوّل منصرف، وعلى الثاني غير منصرف.
و (مارد): أي متكبّر، متجاوز عن الحدّ في الطغيان، وخارج عن طاعة الرحمن وليست جملة لا يسّمّعون صفة للنكرة وهو شيطان لفساد المعنى لأنه يقتضي أن يكون الحفظ من غير شيطان، فلزم أن يكون جملة مبتدأة على ما اختاره صاحب "الكشّاف" والقاضي.
اعلم أن أرباب التفسير اختلفوا في هذه الآية.
قال أبو البقاء: (لا يسّمّعُون): جمع على معنى كلّ في موضع الصّفة، أو نصب على الحال، أو مستأنفة، وخطّأه أكثر المفسرين.
أما كونها صفةً، لأنّ حفظ السموات لأجل أنَّ الشَّياطين يطَّلعون عليها، ويسّمّعون أخبارها، ويُطلعون الكواهن، فإذا كانوا غير سامعين لا فائدة في حفظ السموات منهم.
وكذا في كونها حالًا في المعنى، لكونهما من وادٍ واحدٍ.
والمصنف لم يتعرّض إلى كونها حالًا، لأن الجملة الخبرية إذا وقعت بعد النكرة الموصوفة يجوز أن تكون صفة أو حالًا، لَكِن جَعْلُها صفةً أوْلى من أن تُجْعَلَ حالًا بناء على ظاهرها وإن كانت متخصصة.
ويختلج في صدري جواز جعلها:
صفةً، وعدم سماع الشيطان أن يكون بحسب الحفظ، فحاله عند الحفظ لا يسمع، فيصير موصوفًا في حالة الحفظ بذلك.
وكذا جعلها حالًا، لما عرفت أنّ الحال والصفة من وادٍ واحد.
وأمّا كونها مستأنفةً، لأن سائلًا لو سأل، لم تحفظ من الشيطان؟ فالجواب: بأنهم لا يسمعون لم يستقم، كذا قالوا.
ويمكن أن يُجعل الاستئناف أيضًا على تقدير تغيير السؤال، بأن يقال، لمّا قيل: وحفظًا من كل شيطان مارد.
سُئِل: وقيل: فماذا يكون إذن؟ فأجيب: لا يستمعون، ولا يجوز أن تكون علّة للحفظ على حذف اللام كما في: جئْتُكَ أنْ تُكرِمَني، ثم حذف أن وأهدرها كقوله:
ألَا أَيُّهَذَا الزَّاجِريّ أَحْضُرَ الْوَغَى [طويل].
فإن اجتماع ذلك منكر، ومن مُثُلها بضم الميم والثاء، جمع مثال كأمثلة، أي من أمثلة الجمل التي لا محل لها لكونها مستأنفة قوله، أي قول الشاعر وهو جرير إنّما غيّر أسلوب السابق، حيث لم يقل: وقوله رعايةً للأدب:
بِدْجلَةَ حَتّى ماءُ دجلةَ أشكل [طويل]
أوّل البيت:
وما زالتِ القَتْلَى تَمُجُّ دماءها
يقال: مجّ الشراب إذا رمى به، ووجهٌ أشكلُ إذا كان فيه بياضٌ وحمرةٌ كذا في "الصحاح"، والمعنى: ما زالت القتلى ترمي دماءها، حتَّى ماء دجلة اختلط الدّمُ ولم يفرق الماء من الدم.
حتَّى: حرف ابتداء، ماء: مبتدأ مضاف إلى دجلة، وجرُّ دجلة محمولٌ على نصبها لكونها غير منصرفٍ للتأنيث والعلم، وأشكل: خبره، الجملة الاسمية لا محل لها من الإعراب لكونها ابتدائية، ومثله قول الفرزدق:
فَوَا عَجَبًا حتَّى كُلَيْبُ يَسبُنّي [طويل]
وإنما أورد المصنف هذا البيت مع أنّ رعاية الأدب أشدّ في تركه ليكون توطئةً إلى قوله، وعن الزّجاج وابن دُرُسْتَويَه، ودُرُسْت لفظ أعجميٌّ مركّبٌ مع (ويه) كسيبويه، ثم جعل لقبًا له، فالأحسن أن يكون الجزآن مبنّيين، الأوّل على الفتح، والثاني على الكسر، وإن جاز فيه وجوه.
وفي "القاموس": كل اسم خُتم بـ (ويه) كسيبويه فيه لغات.