الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
ما
يأتي على اثني عشر وجهًا
-
"ما"
النّوع الثامن: ما يأتي على اثني عشر وجهًا وهو (ما)، وقع في بعض النُّسخ وهي، فالتأنيث باعتبار الكلمة، فإنَّها أي الـ (ما) على ضربين:
اسميَّة: التأنيث باعتبار ذي الضَّرب، وهي كلمة (ما)، وأوجهها أي أوجه ما الاسمية سبعة، آثر التذكير لكون الجمع مؤنثًا غير حقيقي، فإن اعتبرت التأنيث فيه، فالتذكير لعدم وجوب. المطابقة، أو للاكتفاء بظاهر التأنيث.
معرفة بالرَّفع إمَّا على البدلية من سبعة، أو على أنَّها خبر مبتدأ محذوف، ويجوز النَّصب بتقدير: أعني.
وتامّة: صفتها، والمراد بها مالا يحتاج إلى الصلة، والعائد والصفة نحو:{فَنِعِمَّا هِيَ} أي: نِعمَ الشيء إبداؤها، [هذا] عند سيبوية والكسائي فـ (ما) فاعل نعم لكونه بمعنى ذي، اللام وهي مخصوصة بالمدح، وكناية عن الإبداء الذي دلَّ عليه فعله، وهو تُبدُوا.
وعند أبي علي الفارسي والفرّاء، فالتقدير: نعم شيئًا هي. لأنَّ (ما) نكرة تامَّة بمعنى الذَّي فاعل نِعْمَ، فتكون الصِّلَةُ بأجمعها محذوفة، لأنَّ (هي) مخصوصة، أي نعم الذي فَعَلَهُ هي أي: الصدّقات كما عرفت في (من هو في سِرٍّ وإعلان).
وذكر في بعض شروح تلك المتن أن (ما) مركبة مع الفعل لا موضع لها من الإعراب، والمرفوع بعدها هو الفاعل.
ومعرفة ناقصة أي محتاجة إلى الصِّلة، والعائد والصفة، وهي الموصولة أخَّرهَا عن التّامة مع أنَّ جميعَ الكتب عكس ذلك، إمّا بناءً على أنّ مفهومها عدميٌّ، والإعدام مقدَّم على الملكات، أو أنَّها أقدم مرتبة من النَّاقصة، ومَنْ جَعَلَ عكس ذلك يعتبر كون مفهوم النَّاقصة وجوديًّا، واستعمالها أكثريًّا، ولكلٍّ وجهةٌ هو موليها.
نحو {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ -أي الذي عند الله- خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ} و (ما) هذه تستعمل لما لا يَعْقِلُ غالبًا، وقد يستعمل من ذوي العلم كما في قوله تعالى:{وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} وشرطية نحو {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} أي: إن تفعلوا، فما شرطيَّة جازمة لتفعلوا، منتصبةٌ به على المفعولية، وجواب الشرط:(يعلمه الله).
ومِنْ خَيْرٍ في موضع نصب على التمييز، والمميَّز ما، والتقديرُ: أي شيء تفعلوا من خير ويجوز أن تكون (مِنْ) زائدة، وخير حالًا، والتقديرُ أي شيء تفعلوا قليلًا أو كثيرًا، ويجوز أن يكون موضع النَّصب لكونه صفةً لمصدرٍ محذوفٍ تقديره:
ما تفعلوا فعلًا من خير، وقيل: يجوز أن تكون مصدرية، ومِنْ خيرٍ: مفعولًا به، والتقديرُ: أي فعلهم مِنْ خيرٍ يعلمه الله.
واستفهاميّة وهي لا تختص بما لا يَعْقِل عند الإبهام. تقول لشيخٍ رفع لك من بعيد: ما ذاك؟ نحو: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ} فـ (ما) استفهاميَّة، وبيمينك: حال من معنى الإشارة. وقيل: صلة لتلك.
ويجب حذف ألفِها على الأجود: قال الشَّيخ الرضي: وتُحذفُ ألف (ما) الاستفهام في الأغلب، إذا كانت مجرورة بحرف الجر نحو:{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} فما مجرورة بـ من، وألِفُها محذوفة، فَوَجْهُهُ أنّ الاستفهام لمّا كان لها صدر الكلام لكونها استفهامًا، ولم يمكن تأخير الجار عنها، فقدّم عليها وركَّب معها حتَّى يصير ككلمة واحدة، موضوعة للاستفهام فلا يسقط الاستفهام عند رتبة الصَّدر فحذف ألفها ليكون دليلًا لتركيبها مع الجارّة، وإنَّما لم يحذف نون (من) الاستفهامية إذا كانت مجرورة لكونها حرفًا صحيحًا. كذا ذكره الشَّيخ الرضي.
ونحو قوله تعالى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} جميع النسخ التي صادفناها بغير العاطف، والظَّاهر أنَّه سَهْوٌ من قلم الناسخ، لأنَّ النُّحاة قالوا: إنَّ حذف المعطوف عليه كثير،
وحذف المعطوف مع حرف العطف قليل نحو: راكب طلحان أي: راكب البعير، والبعير طلحان، وأمَّا حذف حرف العطف مع ذكر المعطوف فَشَاذٌّ نادر.
ولهذا أي: لأجل وجوب حذف ألف (ما) الاستفهامية المركّبة بحرف الجرّ، ردَّ الكسائي على المفسِّرين قولَهم بالنَّصب مفعول ردَّ في:{بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} أنها استفهامية: مقول القول. حاصله: لمَّا كان حذف ألف (ما) الاستفهامية واجبًا عند دخول حرف الجرّ عليها يُثبِتُ أنّ (ما) في (بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي) ليست استفهامية لوجود ألف في (ما).
قال العلامة في "الكشَّاف" فإن قلت (هي ما في) قوله: بمَا غَفَرَ لي ربي أي الماءات [هي] قلت المصدرية أو الموصولة، أي بالَّذي غفر لي [ربّي، أَي] من الذنوب. ويحتمل أن تكون استفهامية، يعني: أيَّ شيء غفر لي ربيّ؟ فَطَرحُ الألف أجود، وإن كان إثباتها جائزًا انتهى.
فإذا فهمت ما تلونا عليك من كلام الرضي، والعلامة الزمخشري عرفت أن ردَّ الكسائي مردود، لأنَّ الحذف أكثري لا دائميَّ.
وإنَّما جاز نحو لماذا فعلتَ؟ هذا جواب عن سؤال مقدّر تقديره. ولمّا وجب سقوط ألف ما الاستفهامية بدخول حرف الجرّ على الأجود فلم يحذف في مثل: لماذا فعلتُ؟ مع أنَّه مركّب بالَّلام، فأجاب بقوله:
لأنَّ ألِفَها صارت حشوًا أي: وسطًا بالتركيب مع ذا، فتكون الألف في وسط الكلمة، والحذف في الوسط قليل لتحصنه مِنَ الحوادث فأشبهت (ما) الاستفهام بالموصولة في إثبات الألف، لأنّ (ذا) لمّا لم تثبت زيادتها، ولا كونها موصولة إلَّا مع (ما) الاستفهامية، لم تحذف
ألفها كألف (ما) الموصولية، ويجوز أن يكون معنى حشوًا أي زائدة غير منظور بالحذف والإثبات لتركيب (ما) مع (ذا) الذي يكون موصولًا بالتركيب فأشبهت الموصولة فكما أنّها إذا كانت موصولة لا تُحذف ألِفُها كذلك هنا.
وتعجبية نحو: مَا أحسَنَ زَيْدًا، فهذه الـ (ما) نكرة تامة بمعنى شيء عند سيبويه، وموصولة عند الأخفش، واستفهامية عند الفراء وابن درستويه.
وقال الشَّيخ: وهو قوي من حيث المعنى لأنَّه كان جُهِلَ سببه، فاستُفهم عنه. وضعّف شرّاح "المفصّل" هذا الوجه بأن قالوا: أمّا صيغ الاستفهام لم يثبت فيها نقل إلى إنشاء آخر بخلاف صيغ الأفعال، فإنَّها تنقل إلى إنشاء كثيرًا، وقالوا: الوجه ما صار إليه سيبويه، لأنّ التعجب من مواضع الإبهام والبعد عن الوضوح والبيان، والموصول معرفة بمعنى الذي، والموصوفة قريبة إلى المعرفة فلا يليقان بهذا الموضع.
وقيل أيضًا في تضعيف كونها موصولة أنّ (ما) إذا كانت بمعنى الذي، وأحْسَنَ: صلتها، لاحتاجت إلى تقدير الخبر وإن الموصول مع صلته مبتدأ، ونحن نقطع كلامًا من غير نظر إلى المحذوف، فما: مبتدأ على مذهب سيبويه والفرّاء، وما بعدها خبرها. وأمَّا عند الأخفش هي مع صلتها: مبتدأ، وخبرها محذوف.
قال ابن الحاجب في "الإيضاح" في باب المنادى: ما أحْسَنَ زيد أصله إمَّا خبر وإمَّا استفهام، ثم نقل إلى التعجب، فَعُلِمَ منه أن كونها قسمًا مستقلًا مبني (على الفتح) وعلى الظاهر.
ونكرة موصوفة نحو: مررتُ بما معجبٍ لك، فما: نكرة في محل الجرّ بالباء، موصوفة بمعجب، ولك: متعلّق به، أي بشيء معجب لك ومنه، أي من كون (ما) نكرة موصوفة بمعجب في قوله أي في قول بعض النُّحاة وهو الأخفش والزّجَّاج. نعم ما صنعت،
فما على هذا نكرة منصوبة لأنَّها مميّزة، وصنعت: صفتها، والمخصوص بالمدح محذوف، أي: نعم شيئًا صنعته. لعل وجه إيراد المثالين إشعار إلى جواز كونها موصوفة بمفردٍ وجملةٍ.
ونكرة موصوفة بها أي: تكون ما صفة للنكرة، إنَّما قال: نكرة موصوفة، ولم يقل موصوفة بها كما قال سائر النُّحاةِ إيذانًا في أوّل الأمر بأنّ موصوفها لا يكون إلا نكرة، لأنَّ النكرة لا تكون وصفًا للمعرفة.
نحو: {مَثَلًا مَا بَعُوضَةً} ، فما: إبهامية تزيد النكرة إبهامًا، ومثلًا في هذا الموضع يجوز أن يكون حالًا بمعنى ممثلًا، وأن يكون تمييزًا، وأن يكون منصوبًا على المصدرية، أي: أُمَثلُهُ مثلًا. ويُذكر إذا قصد التعميم والزّيادة.
وقولهِم أي: وهو قول العرب:
لأمْرٍ ما جَدَع قَصيرٌ أنْفَه.
قوله: أمْرٍ مجرور باللام، وما في محل الجر لكونها صفة لمجرور، والجَدْع بالدَّال المهملة: قطع الأنف واليد والأذن.
وقصير: اسم رجل، وأنفه، بدل اشتمال منه.
أي: مثلًا بالغًا في الحقارة ولأمر عظيم. هذا تفسير على وجه اللفّ والنشر على التَّرتيب.
قال بعض النُّحاة: إنّ (ما) إذا وقعت صفة تكون على ثلاثة أقسام:
- قسم يراد بها التحقير، و [قسم يراد بها] التعظيم.
- وقسم يراد بها التنويع نحو: ضربت ضربًا ما، فما على هذا التفسير اسم، وقيل إنّ هذه حرف لا موضع لها. ذكر شارح الألفية عن ابن مالك: أنّ (ما) في مثل هذه المواقع حرف زائد مبنيّة من وصف لائق بالمحلّ وهو أولى لأنَّ زيادتها عوضًا عن محذوف ثابت
في كلامهم، من ذلك: حيث ما يكن أكن. وليس في كلامهم نكرة موصوفة بها جامدة كمعهود (ما) إلَّا وهي مرادفة بمكمّل كقولهم: مررتُ برجلٍ أي رجل انتهى.
وحرفية بالرَّفع: عطف على اسمية.
وأوجهها أي أوجه (ما) الحرفية خمسة.
نافيةٌ بالرَّفع: إما بدل عن خمسة، أو خبر مبتدأ محذوف فتعمل في ظرف الجملة الاسمية، قيّد بالاسمية احترازًا عن الجملة الفعلية.
عمل ليس، وهو رفع الاسم ونصب الخبر، في لغة الحجازبين، وإنَّما قال في لغة الحجازيين لأن (ما) و (لا) المشبهتين بـ ليس لا تعملان عند بني تميم أصلًا لدخولهما على الاسم والفعل كما مرَّ تفصيله غير مرّةٍ.
وإن أردت الاطّلاع، فلتعد إليه.
نحو: {مَا هَذَا بَشَرًا} ، هذا في محل الرَّفع [اسم] ما الحجازيّة، وبشرًا بالنَّصب خبره.
ومصدرية غير ظرفية نحو: قوله تعالى {بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (فما) موصولة حرفيّة. هي وصلتها في محل الجر بالباء، أي بنسيانهم، فلا يحتاج إلى عائد، هذا مذهب سيبويه.
ومذهب الأخفش وابن السراج، إلى أنّ (ما) المصدرية اسم يحتاج إلى عائد هو مذهب مرجوح.
ومصدرية ظرفية، فتكون بمعنى المدّة نحو:{مَا دُمْتُ حَيًّا} أي: مدّة دوامي حيًّا. وكافّة عن العمل، هذا وجه رابع من وجوه (ما) الحرفية، لكن قال في "القاموس": وتكون (ما) زائدة، وهي نوعان: كافة وغير كافّة فَعُلِمَ من هذا أنّ (ما) الكافَّة قسم من الزائدة، لا قسم لها، لعلّ وجه عدّها مقابلُ الزّائدة مبنيٌّ على أن لها تأثيرًا قويًّا، وهو منع العامل
عن العمل، فكأنها ليست بزائدة وإن كانت قسمًا منها وهي ثلاثة أقسام:
- كافّة عن عمل الرَّفع كقوله، أي: كقول الشَّاعر:
صَدَدْتِ فَأطْوَلتِ الصّدُودَ وقَلّمَا
…
وِصالٌ عَلَى طُولِ الصُّدودِ يَدُوم [الطَّويل]
الصدود: الإعراض، يقال: صَدَّ عنه وتَصِدُّ صُدودًا، أي أعرض، كذا في "الصحاح".
فَقَلَّ: فعل ماض و (ما) المتّصلة بِقَلَّ كافّة له عن طلب الفاعل النّحويّ، لا عن طلب الفاعل حقيقةً لامتناع صدور الفعل إلَّا عن فاعل.
قال الشَّريف في "شرح المفتاح" في حاشية المعلّمة بـ منه حيث [قال]: وقَد طَالَ مَا جَالَ في صَدري.
اعلم أنّه يجوز أن تكون (ما) كافّة في إنَّما، فإنَّها تكفّ إنَّ عن العمل (كما تكفّ الفعلَ) عن العمل في الفاعل بحسب الظَّاهر، إنَّما قلت بحسب الظَّاهر لأنَّ المنع عن الفاعل حقيقة غير ممكن، لامتناع صدور الفعل إلَّا عن فاعل، والفعل هنا يتعلَّق بحسب المعنى إلى مصدر جال ودار، أي طال الجَوَلَانُ والدَّوَرَان، ويجوز أن تكون (ما) مصدرية، والمصدر فاعل طال. وعلى التَّقدير الأوَّل تكتب موصولة لأنها من تتّمة الفعل.
وعلى الثاني مفصولة، وذكر في موضع آخر أي: لا يطلب له فاعل في الترغيب، وإنْ فُهِمَ منه القليل والطويل انتهى.
فَعُلِمَ من كلامه أنَّ الفعل المكفوف يجوز أن يتعلَّق إلى مصدرِ فعل الذي تدخل عليه، ذلك الفعل المكفوف، ويجوز أن يتعلَّق إلى مصدرِ نفسه، وهو القليل والطويل والكثير، وعُلِمَ أيضًا (أن (ما) تكتب مفصولة إذا كانت مصدرية وموصولة إذا كانت كافّة لكونها من تتمّة الفعل، وإنمَّا قال: كافّة عن طلب الفاعل مع أن مدّعاهُ كونها كافّةً عن عمل الرَّفع، لأنَّ إعراب الفاعل مستقرٌّ للرفع.
ووصال: فاعل لفعل محذوف يفسّره الفعل المذكور، وهو يدوم، ولا يكون وصال: مبتدأ، ويَدُوم: خبره، وعلى أصول متعلّق بـ يدوم، لأنَّ الفعلَ المكفوفَ بـ (ما) الكافّة لا يدخل إلَّا على الجملة الفعلية، لأنَّه جرى مجرى حرف النَّفي.
وقولك: قلَّما يُضرب زيدٌ، بمعنى ما يُضرب زيدٌ، كذا قالوا. هذا الكلام ردّ على سيبويه حيث قال الشَّيخ الرَّضي: وهي عند سيبويه كافّة، وصالٌ: مبتدأ.
ولكن ذكر في "شرح الألفية": قال بعض النُّحاة إنَّ قلَّ إذا كُفّت بـ (ما) تدلّ على ندارة الشيء لا على نفيه، وقال أكثرهم: يراد النَّفي في الأشهر، فعلى هذا لِم لا يجوز دخولها على الجملة الاسمية؟ غاية الباب أن يخالفَ الأشهر، على أنّ قول سيبويه بمنزلة النَّصِّ في هذا الفنّ.
وقال بعضهم: إنَّ (ما) مصدريّة هي وصلتها، وهي فعل المحذوف وفاعل الفعل المكفوف أي: قَلَّ دوام الوصال. وقال بعضهم: ما زائدة، ووصال فاعل قلَّ، ذكره شارح "الكافية"، فمعنى البيت يختلف على هذا الاختلاف، فتكفّ في وجوهها.
ولم يُكفّ من الأفعال بـ (ما) الكافّة إلَّا قلَّ وطَالَ وكَثُر.
- وكافّة عن عمل النَّصب والرَّفع معًا. وجه التقديم على الثَّاني ظاهر، وأمّا وجه التأخير عن الأوَّل من الأوَّل كافّة عن طلب الفاعل، وذلك في إنَّ وأخواتها، وهو سائر حرف المشبهة بالفعل، فيكون ما بعدها مبتدأ وخبرًا.
اعلم أن الحروف المشبهة بالفعل تنصب الاسم وترفع الخبر خلافًا للكوفيين في قولهم إن الخبر باق على رفعه، "وبعض العرب ينصبُ بهذه الأحرف الجزأين معًا. وحكى قوم منهم ابن السّيد أنَّ ذلك لغة" ذكره شارح "الألفية"، فعلى هذا قول المصنف.
- وكافّة عن عمل النصب والرفع يكون على الأشهر، وأنَّ هذه الحروف تلحقها (ما) الكافّة وتمنع عن العمل في الأصحّ، وقد يجوز إعمالها، فذهب الزمخشريُّ إلى جواز إعمالها كلَّها،
والزَّجّاج في: ليت ولعلّ وكأنّ دون البقية لقوّة قرب هذه الثلاثة من معنى الفعل من حيث إنّ كأنّ بمعنى: شبّهتُ، وليت بمعنى: تمنّيتُ، ولعلّ بمعنى: ترجّيتُ مع تفسيرها معنى الكلام، وتأثيرها في مضمونه بخلاف إنَّ وأنّ ولكنّ، فإن معناها غير زائدة على الابتداء سوى التأكيد.
وذهب بعضهم إلى جواز النصب بـ ليت ولعلّ، فقال سيبويه والأخفش والفرّاء: لا يجوز النَّصب إلَّا في لَيْتَمَا، وصحّحه أكثر المغاربة، كذا ذكره ابن أمَّ قاسم، فهذه الحروف إذا كُفَّت بـ (ما) يجوز دخولها على الجملة الإسمية نحو:{إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وعلى الفعلية نحو: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ} .
- وكافّة عن عمل الجرّ في (رُبَّ) و (كاف) التشبيه، وفي (الباء).
وعند البعض قال صاحب "التسهيل": إن (ما) قد تكفّ عن العمل وتحدث معنى التقليل كقوله: (ربَّما قد تُرى وأنت خطيب). [الخفيف]
فربَّ إذا [اتصلت] بها (ما) الكافّة تدخل على الجملة الإسمية نحو: ربّما زيد قائم، وعلى الفعلية لكونها بمعنى حرف النّفي الداخلة على الفعل. لكن يجب أن يكون فِعْلُها ماضيًا لفظًا نحو ربَّما قام زيدٌ أو معنىً نحو:{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} فإن المستقبل هنا كالماضي، لأنَّ إخبارَ اللهِ في المستقبل يجري في (التحقيق مجرى) الماضي.
وقوله أي قول الشَّاعر، هذا مثال على كون الـ (ما) كافّة عن العمل:
أخٌ مَاجدٌ لم يَخْزُني يَومَ مَشهدٍ
المجد: الكرم، وقد مَجُدَ الرَّجُلُ بالضَّم فهو مجيد وماجد، والمشهد: محضر النَّاس. والمُراد هنا: الحرب.
كما سيف عمروٍ لم تَخُنْهُ مَضَارِبه [الطويل]
كما سيفُ عمروٍ بالضمّ: مبتدأ، لأنَّ (ما) تمنع الكاف عن العمل، ومضافٌ إلى عمرو.
لم تَخُنْهُ: خبره، وفاعله مستتر راجع إلى السيف، ومفعوله ضمير راجع إلى عمرو.
مضاربه: بالنصب مفعول فيه بتقدير في، وقد تستعمل تلك الكاف (في القرآن) وفي الوقوع نحو: كما حضر زيد قام عمرو، أي قارن القيام والحضور في الوقوع. وقيل: إنَّها لتأكيد الوجود كما في قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} : أَوْجِد رحمتهما إيجادًا متحققًا كما أوجدت تربيتهما إيجادًا محقّقًا، في زمان الماضي.
وزائدة، وهو قسم خامس من (ما) الحرفية وتسمى هي وغيرها أي ما وغيرها حال كونها من الحروف الزائدة، وهي ثمانية أحرف:
إنْ، أنْ، ومَا، ولَا، ومِنْ، والباء، واللام، والكاف بالندرة.
مرَّ تفصيلُ كل واحد منها في موضعه.
صلةً وتأكيدًا لأنَّها يُتوصل بها إلى زيادةِ فصاحة، واستقامةِ وزن، أو حُسْن سَجْعٍ، أو تزيين لفظ، وغير ذلك نحو:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} {وعَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} . فـ (ما) في الآيتين صلة ومؤكدة، ورحمه وقليل: مخفوض بـ (الباء) و (عن).
أي فبرحمة وعن قليل الأوَّل تفسير للأول، والثاني للثاني.