الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و
إن
تقدّمت (إن) على (ما) فهي شرطية، أي: شرطية، وما زائدة مؤكدّة نحو:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} أصله: إن ما، فإنْ حرف شرط، وما زائدة للتأكيد، أدغمت النون في الميم بعد قلبها ميما، ثم فُتِحت لدفع الالتباس بـ (إمّا) العاطفة مكسورة في المشهور، إن حُكِيَ عن قُطرب فتح همزتها، فصار إمّا.
وكذا عُدت زائدة في مثل: إنما زيد قائم، لكن الأوْلى أن [لا] تحكم بزيادتها. وتزاد أيضًا بعد إذا ومتى وأنى وأين وكيفما وإذما. إلَّا على قول من قال باسميتها، وبعد بعض حروف الجارة، وهي [الباء] من وعن والكاف، ويجوز زيادتها بعد لام التعليل ولام الفاصلة، وبين غير ومثل ومضافهما بالندرة.
وتزاد لتأكيد النكرة في شياعها كقولك: جئتُ لأمر ما.
أنْ
والثالثة: أن المفتوحة الخفيفة، وهي بفتح الهمزة وسكون النون، ثنائي الوضع فيقال فيها: حرف مصدري يؤول مع مدخولها بالمصدر، فلهذا وقعت مبتدأً وخبرًا تنصب المضارع، وتخلصه للاستقبال، مثلًا إذا قلت: أنْ تأتِني خيرٌ لك، لم تقصد إلا إتيانًا يقع في زمان الاستقبال. نصّ عليه الشيخ عبد القاهر الجرجاني في "شرح المائة". في نحو:{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} وبعض العرب يرفع الفعلَ بعدها. فلهذا رُوي عن مجاهد رفع
(يتمُّ) في قوله تعالى: {أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} .
اعلم أنّ (أنْ) المصدرية تدخل على الجملة الفعلية، فتجعلها في تأويل المصدر، سواء كان الفعل مضارعًا أو ماضيًا، فلهذا ذكر المصنف مثالين.
ونحو: أعجبني أنْ صُمْتَ، أي: صيامُكَ.
وزائدة في نحو: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} .
قال الجوهري: أنْ هنا مفسرة، وكذا حيث وقعت بعد لمَا، فإنها تُحذف كثيرًا بعد لمْا، وبين (لو) والقسم نحو: والله أنْ لو قام زيد قمت، وقليلًا مع الكاف [نحو]:
كأن ظبية تَعْطُو إلَى الناضر السَّلَمْ [الطويل].
على تقدير رواية الجر في ظبية، وأنْ هذه لا تعمل عند الجمهور خلافًا للأخفش.
واستدل بالسماع كقوله {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} . وبالقياس على حروف الجر، ولا حجة في ذلك لكونها في الآية مصدرية، ولكون الفرق بينها وبين حرف الجر، أنّ اختصاصه باقٍ مع الزيادة بخلاف أنْ، فإنها قد وليها الاسم. ومفسرة في نحو:{فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} ، فجملة: أنِ اصْنَع الفُلكَ: تفسير الوحي، وكذا حيث وقعت بعد جملة فيها معنى القول دون حرفه، أي غير حرف القول فأن المفسرة لا تقع بعد القول إلَّا إذا كان مؤولا.
دان يَدُون دُونًا بالضم: صار خسيسًا، وبالفتح مجتمع الصحف والكتاب الذي يكتب بها أهل الجيش، والجمع دواوين، والدون بالضم: نقيض فوق فيكون ظرفًا، وبمعنى أمام ووراء وفوق ضد تحت، وبمعنى غير، وتدخل على دون: مِن والباء قليلًا، كذا في القاموس.
قال مولانا سعد الدين في "شرح التلخيص": دون في الأصل: أدنى مكانًا من الشيء.
يقال: هذا دون ذلك إذا كان أحط منه قليلًا، ثم استعير للتفاوت في الأحوال والترتيب مثل: زيد دون عمرو في الشّرف. ثم اتبع فيه ما استعمل في كل تجاوز حد إلى حد، وتخطي حكم إلى حكم. وقوله في الأصل: ناضر إلى كونها نقيض فوق.
ولم يقترن عطف على وقعت بخافض، وإنما قيد بِهِ لأنها إذا قرنت خرجت من كونها مفسرة ستعرف، وليس منها. أي: وليس من (أنْ) التفسيرية في قوله تعالى: {آخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لأن المتقدّم عليها، أي على أنْ، غير جملة، لأنه مبتدأ لا خبر معه، فتكون أنْ مخفّفة من الثقيلة، واسمها محذوف، وهو ضمير الشأن، إذ لا يجوز أن تكون مصدرية، لأنها لا تدخل على الجملة الاسمية.
قال أبو سعيد السيرافي: إن التي تكون مفسرة تحتاج إلى ثلاثة أشياء:
أولها: أن يكون في الفعل الذي تفسره معنى القول، وليس بقول.
والثاني: أنّه لا يتصل به شيء من صلة الفعل الذي تفسره لأنه إذا اتّصل بـ شيء من صلة الفعل صار من جملة، ولم يكن تفسيرًا له.
والثالث: أن يكون ما قبلها كلامًا تامًّا، وما بعدها جملة تُفَسر جملة ما قبلها.
ولا نحو: كتبتُ إليه بأنِ افعل كذا؛ أي لا تكون أنْ مفسرة، لدخول الخافض عليها، فيكون من جملة صلة الفعل، فلا يكون تفسيرًا له، فإن أمّا مخففة من أن، واسمها محذوف وهو ضمير الشأن، أو مصدرية، وعلى التقديرين تكون الباء متعلقًا بكتبت، فيكون مدخوله مفعولًا غير صريح له.
وقول بعض العلماء في: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} .
فـ (قول): مبتدأ، ومفعول جملة (أنها مفسرة)، أي في أنِ اعبُدُوا الله مفسرة، وخبره إنْ حُمِل على أنها مفسرة لأمرتني دون قلت مُنِعَ: مبني للمفعول جزاء الشرط. منه الضمير راجع إلى مصدر فعل الشرط، أي من هذا الحمل لأنه لا يصح.
يقلل المنع: أن يكون أن اعبدوا الله ربي وربكم مقولا، خبر كان، لله تعالى، لأن الأمر مسند إليه، فلا يصح أن يقول: أنِ اعبدُوا الله ربي وربكم وهو ظاهر. أو على أنّها مفسرة لقلت أي: وإن حمل على أنها مفسرة لقلت فجملة.
فحروف القول جزاء الشرط، وإنَّما دخل عليه الفاء لكونه جملة اسمية، تأباه لما عرفت أنّ أنْ لا تكون مفسرة بعد القول، على أنه يجوز أن يحكى القول من غير أن يتوسط بينهما حرف التفسير، بأن يقول: ما قلتُ إلا اعبدوا الله ربي وربكم، وإنما قال: تأباه إشارة إلى أنه يجوز بالتأويل، وجوزه أي جوز كونها مفسِّرة الزمخشري إن أوّل قلت بأمرت. فكان المعنى: ما أمرت لهم إلَّا ما أمرتني به أن اعبدوا الله فتكون أن مفسرة لعدم وقوعها في الحقيقة بعد القول؟ وجوّز مصدريتها، أي جوز الزمخشري في هذه الآية كونها:
حرفًا مصدريًا، على أن المصدرية وهي العبادة التي هي حاصلة، أن اعبدوا الله: عطف بيان للهاء في به لا بدل لأنّ تقدير إسقاط الضمر يجعله مبدلًا منه يخلي الصلة، وهي جملة أمرتني، من ضمير، لأنّ المُبْدَل منه في حكم السقوط لأنّه غير مقصود، وذلك لا يجوز. والصواب العكس، أي عكس ما قال الزمخشري، وهو تصوير البدليه وتضعيف البيانية، لأن البيان كالصفة فلا يتبع الضمير.
هذا اختيار ابن مالك، لكن الحق أن الضمير الغائب غير ضمير الشأن يُعطف عليه بيان، نصّ عليه شارح اللبّ.
والعائد المقدر (يجوز حذفه)، هذا جواب عما قال الزمخشري، وهي إخلاء الصلة عن الضمير. موجود لا معدوم، فلا يلزم بقاء الصلة بلا ضمير، ولهذا جوّز البيضاوي الوجهين حيث قال: أنِ اعبد الله: عطف بيان للضمير في به، أو بدل منه انتهى وفي تفسير المصنف قصور لا يخفى على ذي مُسْكة، لأنّ النحاة فسّروا المحذوف بقولهم: هو الذي يقدره وجوده، بل الوجه أن يقال: ليس المراد من كون المبدل منه مقصودًا إهداره وإخراجه بالكلية، بل إيذان منهم باستقلال البدل بنفسه فلا يكون في حكم السقوط حتى يلزم إخلاء الصلة عن الضمير.
ولا يصحّ أن تبدل أن مع ما يتصل به إذا كانت مصدرية من (ما) في أمرتني لأن العبادة التي هي حاصل أن اعبدوا الله.
لا يعمل فيها فعل القول، لأن معمول القول لا يكون إلَّا جملة، وإضافة الفعل إلى القول بيانية يدل عليه قوله: وهو قلت.
هذا على رأي مَنْ قال: إن العامل في البدل هو العامل في المبدل منه لا غير، وأمّا على من جوز في عامل البدل كونه من جنس عامل المبدل منه، فلا محذور لجواز أن يكون العامل في العبادة هو أمر الذّي من جنس القول.
نعم إعلام المقدر، وتصديق لما في النفس، وهو هل يجوز كونها بدلًا فصدّقه قال: نعم يجوز، إن أوَّلَ قلْت بأمرتُ لزوال المحذور وهو أنْ العبادة لا تصحّ أن تكون معمولًا للقول. ولا يمتنع في:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي} أن تكون مفسرة، وجملة أن يكون مفسرة، فاعل يمنع.
مثلها، أي مثل هذه الآية أن تكون أن مفسرة، فمثل مبتدأ، وخبره: في {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} وإنما أوردها مع أن الكلام تقدم فيها إعلامًا على أن المانع يمنعُ كونها مفسرة في هذه الآية أيضًا، فقال: خلافًا لمن منع ذلك، أي كونها مفسرة.
والمانع هو الرّازي حيث قال: فالوحي هنا الإلهام بالاتفاق، وليس في الإلهام معنى القول، وإنما هي مصدرية [وذكر أبو البقاء أنها مصدرية] في الآيتين وتعليل مدعاه، وهو أن تكون أن مفسرة في الآيتين بقوله:
لأن الإلهام في معنى القول إشعار بأن إنكاره في مثابة إنكاره البديهي، لأن المشاجرة بين الخصمين لا تكون إلَّا في كون الإلهام بمعنى القول.
ومخفّفة من الثقيلة.
اعلم أنَّ (أنْ) تعمل في ضمير الشأن المقدر على سبيل الوجوب، وشذّ في غيره، وإن حكى بعض أهل اللغة في الضمير سعة مطلقًا، وجوّز بعض شيوخ المغاربة إعمالها من المُظْهَرِ مطلقا من غير ضعف، وبعضهم في الشعر على ضعف ضرورةً.
وعند سيبويه يجوز أن يكون ملغى لفظًا أو تقديرا، فتكون حرفًا مصدريا لا تعمل بشيء. في نحو:{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} ، فأنْ هنا مخففة، واسمها ضمير الشأن محذوفًا، وإنما قلنا مخففة لأنها للتحقيق، فيناسب العلم، بخلاف (أنْ) المصدرية فإنّها للطّمع والرّجاء، ومن هنا يُعلم أن (أنْ) كلّما وقعت بعد العِلْمِ تكون مخففة، وبعد الظن يحتمل الوجهين، ولهذا قيدَ {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} بقوله في قراءة الرفع، لأن الحسبان يجوز أن يكون بمعنى العلم، فتكون أنْ مخففة، وبمعنى الشك والظن، فتكون مصدريه.
وكذا أي: تكون أن مخففة كما في علم أن سيكون، حيث وقعت بعد علم أو ظن نزل منزلة العلم.
والحاصل أنَّ (أنْ) إذا وقعت بعد ظن تستعمل في معنى العلم تكون مخففة جزمًا وإذا وقعت بعد ظن تستعمل في معناه الحقيقي.
يجوز الوجهان لأن الظن باعتبار [رجحان الفعل شابه العلم وباعتبار] احتمال النقيض كان مخالفا للعلم. فالحق:
سائر الأفعال التي تقع بعدها مصدرية.
اعلم أن (أنْ) المخففة تدخل على الجمل الاسمية نحو:
أنْ هَالِك كُلُّ مَنْ يَحْفَى [ويَنتعِلُ][البسيط]
وعلى الجملة الفعلية الشرطية كقوله تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا} .
وعلى الفعل غير المتصرف نحو: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} .
ولا يحتاج إلى الفارق لأنّ (أنْ) المصدرية لا تدخل عليها، وتدخل على الفعل المتصرف، فيلزمها [السين] نحو:{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} أو سوف كقول الشاعر:
واعْلَمْ -فَعِلْمُ المرءِ يَنْفَعُهُ-
…
أنْ سوفَ يَأتي كل ما قُدِرا [السريع]
أو قد نحو: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} ولزوم هذه الأمور الثلاثة للفرق بين المخففة والمصدرية، وليكون عوضًا من النون المحذوفة.
أو حرف النفي نحو: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ} .
وليس لزوم حرف النفي إلَّا ليكون عوضًا عن النون، فإنَّه لا يجيء لمجرّد الفرق، لأنّه يجتمع مع كل واحد منهما فالفارق بينهما إمّا [من] حيث المعنى، لأنّه عنى به الاستقبال، فهي المخففة، وإلا فهي المصدرية، وإما من حيث اللَّفظُ، لأنَّه إن كان الفعل المنفي منصوبًا فهي المصدرية، وإلا فهي المخففة.