الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال شارح الألفية: ولا يحسُنُ على هذا المذهب إلَّا التعبير بـ أل نحو: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ} .
فأيّ: اسم مفردٌ مبهم معرف بالنداء مبني على الضم. وها: حرف تنبيه عوض مما كانت (أيُّ) تضاف إليه.
والإنسانُ بالرفع: صفة أي. فعبارة المصنف تُؤذن أن أيّ لا تكون موصوفة إلا في حالة النداء، كما ذكر أكثر النحويين.
وللأخفش فيه خلاف، فإنه أجاز كونها موصوفة مطلقًا كما: مررت بأيٍّ معجب لك نصّ عليه في شرح الرضي.
واعلم أنَّ (أيا) هي لازمة الإضافة، فإذا كانت موصولة تضاف إلى المعرفة، وإن جوّز بعضهم إضافتها إلى النكرة، وإذا كانت دالة على الكمال تضاف [إلى النكرة] وإذا كانت شرطية أو استفهامية جازت إضافتها إلى المعرفة والنكرة. كذا في شرح الألفية.
واعلم أيضًا أن (أيا) معربة في الاستفهام والجزاء، ومبنية في الصفة، ومنقسمة في الصلة. وإن كانت صلتها تامة فالإعراب، وإن كانت محذوفةَ الصدرِ فالبناء أفصح.
وقد مر بعض البحث المتعلق بأي في المسألة الثانية في قوله تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى. . .} ، فليعد إليه ثانيًا.
"
لو
"
الثانية: لو [لها وجوه خمسة] آثر التذكير في الأول، والتأنيث في الثاني، مع جواز التذكير والتأنيث في الحرف إشعارًا إلى اسمية الأول وحرفية الثاني.
وأحد أوجهها أن يكون حرف شرط في الماضي. سواء كان دخل على الماضي أو المضارع وهذا هو أغلب أقسامها على رأي البعض، وإنما قلنا هكذا لأن بعض النحويين لا يطلقون عليها
حرف الشرط. ويقولون: الشرط إنَّما يكون في المستقبل، وذهب الشلوبين إلى أنها لمجرد الربط، وقال بعضهم: إنها كما تأتي للربط تأتي للقطع.
فيقال فيها أي في (لو) إذا كانت للشرط: حرف يقتضي امتناع ما يليه، وهو فعل الشرط واستلزامه [أي استلزام] فعل الشرط لتاليه، وهو فعل الجزاء.
وهذا التعريف مأخوذ من ابن مالك، حيث قال في "شرح الكافية": إنه يقتضي امتناع فعل الشرط، واستلزام ثبوته لثبوت الجواب، وإنما عرف بهذا، ولم يعرف بامتناع لامتناع، بناءً أنّ هذا لا يجري في بعض الصور على ما سيأتي في نحو: لو لم يخفِ الله لم يَعْصِهِ ، فأراد التعريف على وجه يعم الجميع نحو {لَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} . فلو هنا شرطية دالة على أمرين أحدهما أنَّ مشيئة الله تعالى لرفع هذا المُنْسَلِخ، بكسر اللّام أي المُعْرِض المكذب عن آيات الله.
منتفية، ويلزم من هذا أي من دلالة (لو) على انتفاء المشيئة لرفعه، أن يكون رفعه منفيًا لأن انتفاء الرفع لازم، وانتفاء المشيئة ملزوم، إذ لا سبب لرفعه إلَّا المشيئة وقد انتفت والسببية منحصرة فيلزم من انتفائها انتفاء المسبب وهو الرفع، وهذا، أي المذكور وهو: لو شئنا لرفعناه بخلاف: نِعْمَ العبدُ صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، فإنه لا يلزم من انتفاء لو لم يخف الله الذي هو سبب الشرط انتفاء لم يعص الذي هو الجواب حتى يكون، معنى الكلام أنّ صهيبًا قد خاف وعصى.
على أنّ حَمْلَ الحديث على هذا المعنى غير مستقيم، لأنّه منوط بالمدح.
وذلك أي بيان أنه لا يلزم من انتفاء لم ينجس انتفاء لم يعص، لأن انتفاء العصيان له سببان: أحدهما: خوف العقاب فعلى هذا التقدير يكون رفع خوف العقاب بالخبرية، ويجوز رفعه بالبدلية من (سببان). وهو أي: عدم العصيان من خوف العقاب طريق العوام، لأن طاعتهم وعدم عصيانهم للخوف.
والإجلال إما بالرفع عطف على خوف، أو بالجر عطف على العقاب، والإعظام عطف على الإجلال. وهو أي عدم العصيان من خوف الإجلال والإعظام طريق الخواص لأن طاعتهم وعدم عصيانهم لأجل الإجلال والرغبة.
والمراد أنَّ صهيبا من هذا القسم، أي من قسم الخواص، وأنه لو قدّر خُلُوّه من الخوف لم تقع منه معصية، فكيف تقع المعصية والخوف حاصل له.
والضمائر البارزات راجعة إلى صهيب. ولم يذكر المصنف كون هذا القول في حق صهيب حديثا. كما قال الفاضل التفتازاني في باب المسند إليه، وابن الحاجب في "الإيضاح"، أو قول عمر كما قال العلامة الزمخشري في تفسير سورة {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} بناءً على ما ذكره القاضي بهاء الدين: إنه لم يقف على أنه حديث أو قول عمر.
ومن هنا، أي لأجل كون جواب (لو) لا يكون منتفيًا إلا إذا كان له سبب واحد، تبين فساد قول المعربين أن (لو): حرف امتناع لامتناع. التنوين عوض عن المضاف إليه أي: امتناع الثاني لامتناع الأول، وهو المعنى المشهور عند النحويين.
والصّواب: الأحسن أن يقال: (الأولى تعريفهم) بامتناع الثاني لامتناع الأول مبني على أكثر استعمالها، أنها لا تعرض لها إلى امتناع الجواب ولا إلى ثبوته، أي لا يُتَعَرّض بلو إلى نفي الجواب، ولا إلى وجوده.
قال ابن مالك: ليس فيها تعرّض لوقوع الجواب وعدمه، [إلا أن الأكثر عدمه].
وإنَّما حصل لها تعرض لامتناع الشرط: [أي] لنفيه، فإن لم يكن للجواب أي للجزاء، من سبب سوى ذلك الشرط الذي دخلت عليه (لو) لزمَ من انتفائه انتفاؤه بالرفع فاعل لزم من انتفاء الشرط انتفاء الجواب نحو: لو كانت الشمس طالعة، فالنهار موجود.
فإنّ سبب وجود النهار لا يكون إلا طلوع الشمس. فيلزم من انتفائها انتفاء النهار. وإن كان له أي: للجواب، سبب آخر غير ما جعل شرطًا لها، لم يلزم من انتفائه، أي من انتفاء الشرط، انتفاء الجواب ولا ثبوته، نحو: لو كانت الشمس طالعة كان الضوء موجودًا فلا يلزم من انتفاء طلوع الشمس انتفاء الضوء، لأن الضوء كما يحصل من الشمس يحصل من غيرها من النار والكواكب.
ومنه: أي ومما كثرت أسبابه لو لم يخف الله لم يعصه كما عرفت فيما تقدم.
اعلم أن لو إذا كانت للشرط لها استعمالات ثلاثة:
أحدها: امتناع الثاني لامتناع الأول وهو المشهور.
والثاني: أن يكون للدلالة على لزوم وجود الجزاء دائمًا في قصد المتكلم حين كون الشرط مستبعدًا لاستلزام ذلك الجزاء، وكون نقيض ذلك الشرط أنسب باستلزام ذلك الجزاء،
فيستمر وجود الجزاء سواء وُجد الشرطُ أو فُقِد وسواء كانا مثبتين نحو: لو شتمتني لأثنيت عليك، ومن هذا القبيل قول علي رضي الله عنه: لو كُشفَ الغطاءُ عني ما ازددت يقينًا. ذكرهُ في شرط المفتاح.
أو منفيين كما: لو لم يخف الله لم يعصه.
أو مختلفين نحو {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} ويستعمل في هذا المعنى لولا نحو: لولا أكرمتك لأثنيتك.
والثالث: في مقام الاستدلال للدّلالة على أنّ العلم بانتفاء الثاني علة للعلم بانتفاء الأول من غير نظر إلى أن علة [انتفاء] الثاني في الخارج ما هي، كما في قوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ومن هذا عرّف ابن الحاجب بامتناع الأول لامتناع الثاني، وخطأ عكسه المشهور، ولم يدر أن هذا معنى قصد إليه مقام الاستدلال، كذا قالوا.
الأمر الثاني مما دلّت عليه (لو) في المثال المذكور، وهو قوله تعالى {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ} أن ثبوت المشيئة لرفعه مستلزم لثبوت الرفع، فثبوت المشيئة ملزوم، وثبوت الرفع لازم، والملازمة من السببية.
والمصنف أشار إليه بقوله: ضرورة أنّ المشيئة لرفعه سبب، والرفع مسبب، وهذان المعنيان المستفادان من الدّلالة الثبوتية والسلبية قد تضمنتهما العبارة المذكورة، أي اشتملت العبارة المذكورة عليهما وهي قوله: حرف يقتضي امتناع ما يليه، واستلزامه لتاليه. والثاني من وجوه استعمال لو: أن يكون حرف شرط في المستقبل، وهو مذهب الفراء.
فيقال فيها: حرف شرط مرادف لـ (إن) في هذا الوجه، إلا أنها لا تجزم، إلا في ضرورة الشعر في بعض اللغة، فتكون للاستقبال سواء دخلت على الماضي، كقوله تعالى:{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا} ، أي إن تركوا، أو على المضارع نحو قول الشاعر:
وَلَوْ تَلتقي أصدَاؤنا بَعْدَ مَوتنا [الطويل]
الأصداء جمع الصدى، الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها، أي أن تلتقي أصواتنا بعد موتنا لكان كذا.
اعلم أن النحاة قالوا: إنّ (لو) هذه لا يليها إلا فعل أو معمول فعل مضمر يفسره فعل ظاهر بعد الاسم.
وقال ابن عصفور: لا يليها فعل مضمر إلا في الضرورة أو بالندرة، والظاهر أنه ليس كذلك لوقوعه في أفصح الكلام كقوله تعالى:{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} .
الثالث: أن تكون (لو) حرفًا مصدريًا مرادفة لأن المصدرية، وهو مذهب الفراء وأبي علي الفارسي، وأبي البقاء، والتبريزي، وتبعهم ابن مالك والمصنف، فإن (لو) عندهم قد تكون مصدرية، فلا تحتاج إلى الجواب كما عرفت.
إلا أنها لا تنصب. كما أنّ (لو) مرادف (أن) لا يجزم، ولم يجزم هنا خلافًا كالجاري في جزمها.
وأكثر وقوع لو إذا كانت مصدرية بعد ودّ نحو {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ} . فلو هنا
مصدرية تقديرها: ودّوا أن تدهن، أي: الإدهان. أو يودِّ نحو: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} . أي: التعمير، وعلامتها أن يصلح في موضعها (أن) كذا في شرح الألفية، والمصنّف أورد مثالين إشعارًا إلى وقوعها بعد ماضي (ودّ) ومضارعه، وقيَّد بالأكثر [إشعارًا لجواز] وقوعها في غيره قليلًا كما سيجيء في {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} .
وأكثر النُّحاة لا يثبتون هذا القسم، ويخرّج الآية ونحوها ممَّا يدل ظاهرًا على أنها حرف مصدري على حذف مفعول الفعل الذي هو المذكور قبلها، والجواب بعدها، أي حذف الجواب بعد لو والمصنف فسّر تقدير الكلام بقوله أي: يودّ أحدهم التعمير لو يعمّر لسرّه ذلك، أي: التعمير.
الرابع من وجوه استعمالها أن تكون للتمنّي عند أكثر النُّحاة، ومنهم الزمخشري، وهو مذهب سيبويه، ووافقه أهل التحقيق في صناعة المعاني، لكن هل هي قسم برأسه أو راجعة إلى قسم آخر، فذهب ابن الصَّائغ وابن هشام الخضراوي إلى أنَّه قسم برأسه، فلا يجاب بجواب الامتناعيَّة وغيرها إلى أنَّها امتناعية أُشربت معنى التمنّي. قيل هو الصَّحيح، وقد جاء جوابها (باللَّام بعد جوابها) بالفاء، كذا ذكره شارح الألفية.
وذهب ابن مالك إلى أنها مصدرية أغنت عن التمنّي حيث قال في "التسهيل" بعد ذكر لو المصدرية: وتغني عن التمنّي لكونها لا تقع غالبًا إلَّا بعد مُفهم تَمَنٍّ، فينصب بعدها الفعل
مقرونًا بالفاء نحو {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} أي: فليت لنا كرّة.
قال القاضي في تفسير تمنّي الرجعة أو شرط حذف جوابه.
وذهب ابن مالك إلى أنها مصدرية واعتذر عن الجميع بأنَّ المصدرية بوجهين:
أحدهما: أن يقدّر الفعل بينهما.
والثاني: أن يكون من باب التأكيد.
قيل في إثبات كونها للتمنّي، وذكر القيل إشعارًا من أوّل الأمر إلى تضعيف الدليل. ولهذا لو نصب كلمة فيكون في جوابها كما انتصب كلمة فأفوز في جواب ليت في قوله تعالى:{يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ} .
حاصل الاستدلال أنْ يقال: إن إضمار أنْ بعد الفاء لا يكون إلَّا بعد أحد الأشياء الستة، فلو لم يحمل عليه لم يكن لنصبه وجه، والمناسب فيها أن يكون للتمني، وإذا عرفت ما تلونا عليك، وعلمت أن ردّ المصنف بقوله: ولا دليل فيها، ليس كما ينبغي لأنهم لم يقولوا أنها منحصرة للتمني حتَّى يردّوا بقوله:
لجواز أن يكون النّصب في فأفوزَ مثلَه بالنصب: خبر أن يكون، في قوله:
وَلُبسُ عبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عيني
…
أحَبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشَّفُوفِ [الوافر]
فَلُبْسُ: مبتدأ مضاف إلى عباءة، وتقرّ: منصوب لفظًا بتقدير أن المصدرية، ومرفوع محلًا على أنَّه معطوف على (لُبْسُ)، وأحَبُّ: خبره.
قال في "الصحاح": شفَّ يَشِفُّ شُفُوفًا، فالشَّفُّ بالفتح ستر دقيق.
وقوله تعالى بالجر: عطف على قوله: ولبس عباءة، وأخَّرَه لكونه حجة قاطعة.
{أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} فيرسل: منصوب بأن مقّدرة معطوف على (أن يكلمه) وكذا أفوز لجواز أن يكون منصوبًا بأنْ مُقدّرة معطوفًا على الضمير المتصل بـ كان لوجود الفصل، فلا يلزم من نصبِهِ أن يكون جوابًا للتمني، وقس عليه نصب فيكون.
الخامس أن يكون للعرض نحو: لو تنزلُ عندي بضمّ اللّام فتصيبَ راحةً. فإنَّها إذا لم تحمل على العرض لم يكن لنصب تصيبَ وجه.
ذكره ابن مالك في "التسهيل"، اسم كتاب من مؤلفات النحو، وذكر ابن هشام اللَّخمي.
اللَّخم: حيٌّ من اليمن وإلياس. معنىً آخر زائدة عما ذكره وهو أن يكون للتقليل، أي: يعطى في مدخولها معنى القلّة نحو قوله عليه السلام: (تَصَدَّقُوا وَلَوْ بِظِلْفِ شَاةٍ مُحَرَّق). فقال في "الصحاح": الظّلف للبقر والشاة والظبي، واستعاره عمرو بن معدي كرب للأفراس:
وخَيْلٍ تَطأكمْ بِأظْلَافِها [متقارب]
و (اتَّقوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمرَةٍ). هذا مثال آخر، فلو هنا مستفاد منها معنى التقليل. فمعناهما: لا تستقلّوا الصدقة، ولو كان شيئًا قليلًا، ذكر في بعض شروح ذلك المتن.