الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الباب الرّابع][الإشارات إلى عبارات]
الباب الرابع في الإشارات أي: الإيماءات.
قال الجوهري: أشار إليه باليد: أومى.
وفي لفظ الإشارات إشعار إلى أن ذلك التفصيل إيماءٌ بالنسبة إلى ما يستحقه هذا المقام من البسط.
إلى عبارات. يقال: عبرت الرؤيا إذا فسرتها، وإنَّما سميتِ الألفاظ الدّالة عبارة لأنها تفسّرها في الضمير، أي في تعريفات.
محررة. تحرير الكتاب: تقويمه، والمراد هنا: كونها مهذبة أو مطهّرة من الزوائد بحيث لا دخل فيها ولا اعتراض عليها.
مستوفاة. استوفى حقه وتوفاه بمعنىً كذا في "الصحاح".
موجزة، يقال: أوجزت الكلام: قصرته، وفي الاصطلاح: أداء المقصود بأقل من عبارات المتعارف، أي عبارات تُعطى حقها بحيث لم يكن فيه طول كالتعريف المعهود، ولم يخلُ شيء من المقصود مع وضوح الحدّ عن حدّ المحدود.
وينبغي أن تقول، لمّا فَرَغَ من القواعد والأصول أراد أن يبين كيفية إجرائها على ما يناسبها، وإعراضها عمّا لا يناسبها، فقدّم ما يناسبها مع أن ذكر الإعراض عما لا يناسبها أهم من ذكر ما يناسبها، قصد إلى عدم الفصل بين القواعد والأجزاء.
في نحو ضُربَ. أي في الفعل الماضي المجهول. مِن ضُرِبَ زيدٌ. من جارة داخلة على الفعل على سبيل الحكاية، وإنَّما قال هذا ليكون توطئة لقوله: وأنْ تقول في نحو زيدٌ: نائب عن الفاعل.
إنهُ فعلٌ ماض مُنَوّنَيْن لم يُسَمَّ فاعله، ولا تقل مبني لما لم يُسم فاعله لما فيه أي: لشيء نفسي حصل في هذا التعريف. من التطويل، بيان لـ (ما) وهو زيادة حرف من التعريف الأول.
والخفاء: عطف على التطويل، وَجْهُ الخفاء أن (ما) في قوله: لـ (ما) عبارة عن المفعول، وضمير فاعله راجعٌ إليه، فلابُدَّ أن يوجهَ بأن يقال: إضافة الفاعل إليه لأدنى ملابسة، أو على حذف المضاف، أي فاعل فعل الواقع عليه.
وأن تقول في نحو زيد من ضُرِبَ زيد: نائب عن الفاعل لاختصاره وعدم صدقه على نحو دِرْهمًا، لكن يرد عليه أنهُ يصدق على المضاف إليه الذي يقوم مقام الفاعل المضاف المحذوف كالحساب في قوله تعالى:{يَوْمَ يَقُومُ} وعلى تقدير أن يكون الإسناد مجازيًا.
ولا تقل مفعول ما لم يُسَم فاعله لخفائه، وهو أن الغرض منه إعلام كونه نائبًا عن الفاعل، ومُعربًا بإعرابه ولم يُفْهم.
وطولهِ. نائب عن الفاعل. وصدقِهِ على نحو دِرهمًا كائنة من أعطيَ زيدٌ درهمًا، مع أن التعريف لازم أن يكون مانعًا عن أغياره، ويمكن أن يُجاب بأن يقال: إن من قال: مفعول ما لم يُسَم فاعله، قال: كل مفعول حُذف فاعله وأقيم مقامه فلا يصدق عليه.
نعم إذا قطع النظر عنه (يصدق عليه) لكنَّه مقدّر عند أرباب هذا الفنّ، وليس بأجنبي عن اصطلاحاته، وبهذا يندفع ما قال التفتازاني في شرحه للعزي: إنّ التّعريف ينتقض بالمبني للفاعل عند من جوّز حذف الفاعل.
وأن تقول في قد: حرف تقليل زمن الماضي أي: تقريبه، ولا يخفى حُسْنُ هذه العبارة لِمَنْ له أدنى مُسْكَةٍ في هذا الفن. وحدث المضارع أي: وقوعه. يقال: حدث أمر إذا وقع، كذا في "الصحاح".
أو لتحقيق حدثيهما أي: لتحقق وقوع الماضي والمضارع، وهذا التحقيق غير الذي حصل من صيغة الماضي.
وينبغي أن تقول في لن، وهي حرف برأسه عند سيبويه وهو الصَّحيح، لأنَّ الأصل في الحروف أن لا يحكم عليها بخلاف ظاهرها، لأنها بعيدة عن التصرف والتمسك بالأصل أولى وأحَق.
وعند الخليل مركبة أصلها: لأنْ حذفَت الهمزة تخفيفًا، وسقطت الألف لالتقاء الساكنين، ورده سيبويه بجواز تقديم معمولها نحو: زيدًا لن يضرب.
أجيب بأنه يجوز أن يحدث بعد التركيب ما لم يكن قبله، على أنَّه منع الأخفش [الصَّغير] ذلك التقديم، وعند الفراء نونها مُبْدَلَة من الألف، كما أُبْدِلت الألف من النون وهو ضعيف.
حرف نصب ينصب المضارع. وحكى بعضهم أن الجزم بـ لَنْ لغة بعض العرب، وأنَّ الجزم والرفع جائز عند البعض، ذكره "شارح الألفية".
ونفي استقبال ذكر في "شرح الألفية" أيضًا: أن (لن) حرف نفي ينصب المضارع ويخلصه للاستقبال، ويلزم أن يكون مؤبدًا خلافًا للزمخشري. ذكر ذلك في "أنموذجه" وقال في غيره أنّ (لن) لتأكيد ما تعطيه لا من نفي المستقبل.
قال ابن عصفور: وما ذهب إليه دعوى لا دليل عليها، بل قد يكون المنفي بـ (لا) آكد من المنفي بـ (لن)، لأنَّ المنفي بـ (لا) قد يكون جوابًا للقسم، والمنفي بـ (لن) لا يكون، ونفي الفعل إذا قُسم عليه آكد، وقال صاحب "الإقليد": والمراد بالتأكيد هو التصميم وإبرام العزيمة على ما خبر به من سلب وإيجاب عما هو يصدره وليس كما زعم بعضهم أنها للتأبيد، إذ التأبيد مناف للتحديد. وقد جاء التحديد معها في قوله تعالى:{فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} . وحتى لانتهاء الغاية.
وذهب قوم ومنهم ابن السَراج إلى أنه يجوز أن يكون الفعل بعدها دعاء. واختاره ابن عصفور، وجعلوا منه قوله تعالى {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} والصحيح أنَّه لم يستعمل من حروف النفي في الدعاء إلَّا (لا) خاصة.
وفي (لم) حرف جزم يدخل على المضارع، وقد تلغى فلا [يجزم بها]، قال في "شرح التسهيل"، حملًا على (لا) وفي "شرح الكافية" حملًا على (ما) قاله شارح الألفية، وهو أحسن.
لأنَّ (ما) يُنفى بها الماضي كثيرًا بخلاف (لا) وأنشد الأخفش على إهمالها:
لَوْلَا فَوَارسُ مِنْ ذُهْلٍ وأسرتهم
…
يَوْمَ الصَّليفِ لم يوُفُونَ بِالْجَارِ [البسيط]
قال بعض النحويين: إنه ضرورة، وقال بعضهم: إنَّه شاذ، وفي "التسهيل": وقد لا يُجزَمُ بها، فلم يخصه بالضرورة، وذكر في "شرحه" أن الرَّفع بها لغةُ قوم، ولا يجوز الفصل بينها وبين الفعل، وحذفه بعدها إلَّا في الضرورة.
لنفي المضارع، فيجوز أن يكون ذلك النفي منقطعًا عند الحال نحو قوله تعالى {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} ، ومتصلًا بها نحو:{وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} .
وقلبه ماضيًا: هذا صريح بأنها تدخل على المضارع، وتصرف معناه إلى الماضي، وهو مذهب [المبرد] وأكثر المتأخرين.
وقد ذهب أبو موسى ومن وافقه، وقد نُسب هذا القول [إلى] سيبويه إلى أنها تدخل على الماضي، وتصرف لفظه إلى المضارع. وقال ابن الحاجب: وإن لم يكن بين هاتين العبارتين خلاف في المعنى، لكن العبارة الثَّانية ليست بجيدة لأنَّ قولهم مما يوهم صحّة دخول (لم) على الماضي، وليس كذلك. ويوهم أيضًا بقاء المضارع على معناه، لأنّهم لم يقولوا: إنَّها تقلب لفظ الماضي إلى المضارع ولم يتعرض إلى كون معنى الماضي مُرادًا، فكان الأوَّل أَوْلى.
وفي أمّا المفتوحة المشدَّدة حرف شرط قال محشي الضوء: إن النُّحاة اختلفوا بعد اتفاقهم على أنها حرف، في أنها موضوعة للشرط، أو قائمة مقام ما وُضع للشرط.
فذهب ابنُ الحاجب إلى الأوَّل، قال في "الكافية": وحرف الشرط: إنْ ولَوْ وأمّا. وصاحب "الكشاف" إلى الثَّاني حيث قال في "مفصله": ومن أصناف الحروف حرفا الشرط وهما: إنْ ولو. ثم ذكر بعد عدّة فصول. (أما) كلمة فيها معنى الشرط والخلاف في أنها حرف أو اسم ليس بمشهور. انتهى
ولا يُلْزِم من تعبير صاحب الكشاف: "أما كلمة فيها معنى الشرط" كونها اسمًا، لأنَّ إطلاق الكلمة على الحرف جائز، وإنَّما عبَّر بالكلمة إشعارًا إلى خفاء حرفيتها، من حيث إنَّها عملت في الظروف النصب، وتضمنت معنى (مهما). وبعض الفضلاء تكلف في التوفيق بين ما قال ابن الحاجب والزمخشري بأن قال: يجوز أن يكون مراد ابن الحاجب (أمّا) المركبة التي أصلها (أن)(ما)، ومراد الزمخشري (أما) المفردة المتضمنة للشرط لأنَّ جميع شراح الكافية فسروها بمهما يكن، فلو كان مراد ابن الحاجب (أما) المركبة لما جاز التفسير به، والحقُّ أن النزاع في (أما) المفردة وإن التوفيق ما قاله: جلال الدين العجدواني، وهو أن صاحب "الكشاف" اعتبر ما كان خالصًا للشرط، وابن الحاجب ما فيه معنى الشرط.
وأدرج ماله معنى الشرط (في حرف الشرط)، فيكون جمعًا بين الحقيقة والمجاز. ومن هذا قال: إطلاق حرف الشرط على (أما) التفصيلية مجاز.
ولهذا فسر بعض شراح تلك الرسالة قوله: حرف شرط، أبي حرف مؤوّل باسم شرط وتفصيل. وذلك التفصيل قد يكون لمجمل سابق كقوله:
أنا أود وأقلى؛ أما من أوده فالعالم، وأمَّا من أقلاه فالجاهل. وقد يكون لتفصيل ما أجمَلَهُ في الذهن [ويكون] معلومًا للمخاطب بواسطة سبق ما يدل على المتعدد بوجه ما، كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ: مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا. .} .
وقد يجيء للإستئناف من غير أن يتقدمها ما يدل على المتعدد كـ (أما) الواقعة في أوائل الكلام المنقطع عما قبله، ومنها ما يأتي في أوائل الكتاب والرسالة، ومتى كان تفصيلًا لمجمل وجب تكرارها.
وقد يكتفى بذكر قسم واحد حيث يكون المذكور [ضد غير المذكور] لدلالة أحد الضدين على الآخر كقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ} . فإنَّ ما يقابل (أما) المذكورة ههنا غير مذكور لكنه مقدّر، يعني: فأما الذين [ليس] في قلوبهم زيغ فيتبعون المحكمات.
وتأكيد، لأنَّ تفصيلَ المجمل يدل على زيادة الاعتناء بشأن المذكور.
وفي أنْ المفتوحة المخففة حرف مصدري ينصب المضارع، مرّ تفصيله في الباب الثالث.
وفي الفاء التي بعد الشرط، إنما قال بعد الشرط، ولم يقل قبل الجواب مع أنَّها قد تقع بعد الفضلات المتعلقة بالشرط اكتفاء بقوله: رابطة لجواب الشرط لأنَّه يُعلم منه دخولها على الجواب.
ولا تقل جواب الشرط كما يقولون؛ أي: بعض المُعْرِبين. لأنَ الجوابَ الجملة بأسرها. هذا الكلام ظاهر في أنَّ الفاء داخل في الجواب، وهو مذهب أكثر النحاة، وقال بعضهم: إن الفاء خارج عن الجواب، لأنها رابطة [والرّابطة] غير المربوط.
لا الفاء وحدها. وارتكاب المجاز في مثل هذا المقام ليس ممَّا ينبغي.
وفي نحو زيد من قولك: جلست أمام زيدٍ، مخفوض بالإضافة أو بالمضاف قال الشَّيخ الرضي:
اعلم أن بينهم خلافًا في العامل في المضاف إليه؛ هو اللام المقدّر أو المضاف، فَمَن قالَ الحروف المُقدّرة نظر إلى معناه في الأصل المتقدم هو الموقع للإضافة بين الفعل والمضاف إذ أصلُ غلام زيدٍ، غلام جُعل لزيد، ومن قال: إن عامل الجر هو المضاف، وهو الأَوْلى، قال: إن