الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
الحرف الزائد من القُرآن
-
وينبغي أن يتجنَّب المُعرِبُ؛ فاعل ينبغي؛ أي اجتناب المُعْرب أن يقول في حرفٍ الذي ثبت في كتاب الله تعالى أنَّه، الضمير راجع إلى الحرف من غير تأويل الكلمة زائد، بل يقولون: إنَّه صلة أو مؤكَدٌ لأنَّه يسبق إلى الأذهان عند إطلاق الزَّائد أنَّه هو معرب الَّذي لا معنى له أصلًا، وكلام الله تعالى منزه عن ذلك أي: عن الزَّائد الذي لا معنى له، وقد وقع هذا الوهم، أي كون المراد من الزائد ما لا معنى له، للإمام العلامة المحقّق فخر الدّين الرّازي فقال الإمام:
المحقّقون على أنّ المهمل لا يقع في كلام الله تعالى، والجملة محكي القول. وأمّا في قوله:{فَبِمَا رَحْمَةٍ} فيمكن أن تكون استفهامية للتعجّب، والتقدير فبأي رحمة انتهى.
هذا الكلام يجوز أن يكون من طرف الإمام تصحيحًا لقول المحقّقين، ويجوز أن يكون من طرفهم تصحيحًا لما يدّعيه برفع سؤال مقدّر وهو أنَّ الباء في: فبما رحمة: زائدة. فأجاب بهذا، فإن قلت: لِمَ لا يجوز أن مراد الإمام أن يمنع إطلاق الزّائد على حرف من كتاب الله تعالى، لما فيه حرف حجاب الهيبة، ومخالفة باب الأدب.
نعم يجوز هذا التّوجيه إذا كان الجواب عن طرف المحقّقين، وأمَّا إذا كان عن طرفه وهو المتبادر، فهذا التّوجيه سخيف جدًا.
و
الزَّائد عند النّحويّين
، جواب عمَّا قال المحقّقون، معناه الذي لم يؤت به إلا لمجرد التَّقوية والتَّأكيد، لا المهمل، على أنّ كون الشيء مفيدًا لمعنىً لا ينافي تسميته بالزَّائد، فإنَّ النَّحويين يسمّون كان في: كان زيدٌ فاضلٌ زائدة، وإن كانت مفيدة بمعنًى وهو المضيِّ والانقطاع، وذكر في "المغني" أنَّهم قد يريدون بالزَّائد المعترض بين الشيئين مُطَالِبين، وإن لم
يصحّ أصل المعنى بإسقاطه، كما في مسألة [لا في نحو:] (جئتُ بلا زاد)، وغضب من لا شيء، فإنَّهم لا يسمّون (لا) المعترضة بين الخافض والمخفوض زائدة انتهى.
فَعُلِمَ ممَا ذُكر أن إطلاق الزَّائد ليس فيه شيء سوى ترك ما ينبغي قوله.
والزائد: مبتدأ، وعند ظرف متعلّقٌ به مضاف إلى النَّحويين، ومعناه مبتدأ ثان والموصول مع صلته خبره، والمبتدأ الثَّاني مع خبره خبر الأوَّل.
والتَّوجيه المذكور في الآية من طرف الإمام باطل لأمرين:
أحدهما أنّ (ما) الاستفهاميّة إذا خفضت بحرف جرٍّ وجب حذف ألفها نحو قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} يمكن [ردُّ] هذا الوجه بأن يقال: إنّ بعضَ المفسرين جوّزوا إثبات ألفها على أصلها عند الخفض كما عرفت في النّوع الثامن.
والثاني: أي ثاني الأمرين: أنَّ خفض رحمةٍ حينئذٍ، من أسماء الزّمان، وهي مضاف إلى الجملة، فحذف المضاف إليه، وعوّضت التنوين، فالتقى السَّاكنان، الذَّال والتّنوين فحُرّكَت الذَّال بالكسر؛ لأنَّ الساكن إذا حُرِّك بالكسر، وذُكر فيه وجهٌ آخر وهو أنَّهم لمَّا حذفوا المضاف إليه، وحقّه أن يكون مجرورًا منوّنًا، طرحوا جرّه وتنوينه على المضاف ليكون بمنزلة استغنائه بعد ذهابه.
وما قاله الأخفش: إنَّه مجرور بالإضافة فليس بجيّد.
وقال بعضهم: بالفتح لكونها أخفّ الحركات، وتكرير اسم الزّمان بمنزلة التَّكرير في يا تيم تيم عديّ، ووجهه أنْ يراد الكسرة على الذّال ممَّا يمجّ السمع، وينفر عنه الطبع لكون السّكون أصلًا في المبنيَّات فأدخل الاسم الأوَّل على الثَّاني ليوهم إدخاله عليه
الإضافة، ويرتفع بذلك الاستكراه والنّفرة، كذا قيل وهذا لا يجيء إلَّا بعدما تقدَّم حصته ليكون تقدّمها قرينته، تدل على خصوصيَّة ذلك المضاف إليه، فتقديره: أنّ خفض (رحمة) حين إذا كان ما وجّهت.
يُشْكِلُ لأنَّه أي لأنَّ جرّ رحمة، لا يكون إلَّا بالإضافة، إذ ليس في أسماء الاستفهام ما يُضاف. قيَّد به لأنَّها [لا] يجوز أن تكون مضافًا إليه، فيحذف ألفها فرقًا بين (ما) الاستفهاميَّة والخبرية كذا في الجاربردي.
إلّا أي عند الجميع، أي عند جميع النُّحاة، فإنَّ معنى أي أن يكون بعضًا من كل وحقه لذلك أن يكون مضافًا أبدًا.
قال في "الإقليد" يمكن أن يكون أصل أي أوي لأنَّه أبدًا بعض ما يضاف إليه، وبعض الشيء يأوي إليه كلّه إلّا أنَّ الواو قلبت ياءً.
وكم عند الزَّجّاج.
اعلم أنّ (كم) كناية عن العدد فيستعمل على وجهين:
خبرية واستفهامية.
فالخبريّة تجرّ مميّزها مفردًا أو مجموعًا كمميّز الثلاثة والمئة نحو: كم رجلٍ، وكم رجالٍ عندي.
والمفرد أكثر من المجموع لأنَّ (كم) للتكثير، فجعل مميّزها كمميّز العدد الكثير وهو المائة وألف، وإنَّما جاز الجمع فيه ولم يجز في العدد الصريح [لأنّ العدد الكثير يدلّ على الكثرة صريحًا فاستغنى به عن الجمع] بخلاف (كم) فإنَّها كناية عن العدد الكثير، وليس في لفظها ما يدلُّ على الكثير صريحًا، فيجوز ذكر مميّزها جمعًا صريحًا لكثرته.
وهذا الجرّ بالإضافة عند غير الفرَّاء حملًا على العدد الكثير وعند الفراء بـ (مِنْ) مقدّرة، وجوّز [عمل] الجار هنا، وإن كان مقدّرًا لكثرة دخول (مِنْ) على مميّز الخبرية. والشيء إذا عُرف في موضع جاز تركه لدلالة الموضع عليه، هذا إذا لم يُفْصَل بين كم
ومميّزها بجملة أو ظرف. وإنْ فُصِل فالمختار النَّصب حملًا على الاستفهامية.
والاستفهامية تنصب مميّزها مفردًا كمميّز أحد عشر لأنَّ [المُسْتَفْهِم لا يتحقق عنده في الأغلب كثرة العدد] المُسْتَفْهَم عنه ولا قلته، بل المستفهَم عنه يحتمل الأمرين، فحملت على المرتبة المتوسطة، ولأنَّها كعدد مقرون بهمزة الاستفهام فأشبهت العدد المركب. فأجريت مجراه في كون مميّزها منصوبًا مفردًا، ولا يجوز جرّ مميزها إلَّا إذا انجرّت هي، فإنَّه يجوز جرّ مميّزها لفقد تطابُقِ (كم) ومميّزها في الإعراب، وذلك الانجرار بتقدير (مِنْ) مع بقاء عملها عند الخليل وسيبويه، وبإضافة (كم) عن الزَّجَّاج.
هذا ولك أن تقول: لم لا يجوز تضمين ما يُضاف بالاتّفاق وهو أي؟
ويرشدك إليه ما قاله الإمام، والتقدير: فَبِأيِّ رَحْمَةٍ.
نعم. للاستفهام مميّز مشترك. لكن الكلام ليس فيه، بل فيما صارت (أي) في الاستفهام مميَّزة به عن غيرها.
ولا يكون خبر رحمة بالإبدال من (ما)، لأنَّ المبدَل من اسم الاستفهام لابد أي لا جرم أن يقترن بهمزة الاستفهام نحو: كيف أنت أصحيح أم سقيم؟ هذا مذكور في أكثر كتب النَّحو.
قال شارح "الألفيَّة": هذا مذهب البصريين، وذهب كثير من الكوفيين إلى أنَّ المبدل يجوز (ممَّا) الاستفهامية، والصحيح مذهب البصريين. انتهى.
ودليلهم أنّ المبدل منه في حكم السقوط، فلابد من بقاء ما يدلّ على الاستفهام لكونه مرادًا يمكن أن يجاب عنهم في طرف الكوفيين، بأن يقول ليس المراد في قولهم:"إنَّه في حكم التنحية الأوَّل إيذانٌ منهم باستقلاله بنفسه، ومفارقته للتأكيد والصفة في كونهما متممتين لما يتبعانه لا إهداره بالكليَّة على ما نصَّ عليه الزمخشري في "مفصله" حتَّى يلزم إبقاء ما يدلّ على الاستفهام".
ولا تكون رحمة صفة، ويجوز بالجرّ عطف بالإبدال و (لا) زائدة بعد حرف العطف، لكن لا يحتمل رسم الخط في قوله: ولا بيانًا لأنَّه وُجِدَ بالألف في جميع النسخ التي صادفناها لأنّ ما أي: لفظة (ما) لا يوصف إذا كانت شرطية أو استفهاميَّة كما عرفت فيما سبق أن كلا منهما قسم مستقلٌ ولا بيانًا لأن ما أي لأنَّ الشيء الذي لا يوصف. ولا يعطف عليه بيان كالمضمرات.
ظاهر هذا الكلام يُشعر أن جميع المضمرات لا يعطف عليها عطف بيان [والحق أن المضمرات التي غير ضمير الشّأن يعطف عليها عطف بيان] ما ذكره صاحب "اللّب" وفيه ما فيه الكليَّة. ممنوعة في المقيس عليه على أن كلام الإمام ينبو عن هذا لتَّوجيهات حيث قال: والتقدير: فبأي رحمة.
وكثير من النُّحاة المتقدّمين يسمّون الزائدة صلة، لأنّه يتوصّل به إلى زيادة فصاحةٍ أو استقامة وزن أو حُسنِ سجعٍ، أو تزيين لفظ وغير ذلك.
وبعضهم أي: بعض النُّحاة المتقدّمين وهو الأظهر، ويجوز أن يكون الضمير كناية عن النُّحاة مطلقًا.
قال الجوهري: بعضُ الشيء واحدُ أبعَاضِهِ.
وقال شارح "الألفية": والبعض عند البصريين يقع على أكثر الشيء وعلى نصفه وعلى أقلّه. وعند الكسائي وهشام: إن بعض الشيء لا يقع إلَّا ما دون نصفه انتهى.
وما ذُكِرَ في بعض شروح المتن أن إطلاق المؤكَّد ضعيف يدلّ عليه لفظ الـ (بعض) فليس بشيء لأنَّه على تقدير تسليم إطلاق البعض على ما دون النصف تمنع استلزام قلّة القائل ضعفَ القول.
ويُسَمّيه مؤكدًا لا تأكيدًا لإيصال الثابت، والمراد من هذا الكلام تأكيد ودليلٌ لقوله: وينبغي أن يجتنب المعرب بقوله المتقَدِّمين.
تمت. تمت. تمت. 1163 هـ.
[تمَّ كتاب شرح قواعد الإعراب، والحمد على من هو سبب الأسباب، والصلاة على من له النعم والشراب، وعلى الذين هم أولي العلوم والألباب. ربِّ اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم الحساب في وقت العصر في يوم الإثنين من شهر ذى القعدة سنة ستة وعشرين وألف 1026 هـ كتبها عبد الكافي بن عبد السَّلام المرعشي].