الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنّ الاعتراض لا يجوز أكثر من جملة واحدة مستقلة، وما وقع في الآية ليس كذلك لأنها معطوفة على الجملة المتقدّمة، وهما في حكم واحد على ما صرّحوا ولو لم يكن مراده هذا لَمّا أنكرَ النصّ الصّريح، وعدم الاطّلاع عليه بعيد عن أمثال ذلك الفاضل، فيكون النّزاع لفطيًا.
[الجملة التفسيرية]
والرّابعة التفسيرية: الياء النسبية مع التاء أفادت معنى المصدر، فلو تركها كما ترك ابن الحاجب في قوله: والجرّ على الإضافة لكان أحسن، لأنّ التفسير مصدرٌ، فلا يحتاج إلى ما يفيد المصدريّة.
وهي الكاشفة -أي المبيّنة- لحقيقة ما يليه، (ما): موصولة، عبارة عن الشيء الموجود قبل المفسَّر، فالضمير المستتر في (تليه) راجع إلى الجملة التفسيرية، والضّمير البارز راجع إلى ما.
أي هي المبيّنة بحقيقة الشيء الَّذي يلي تلك الجملة ذلك الشيء [وليست عمدة] نحو قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} .
(أسرُّوا): فعل مع فاعله، (النجوى) مفعوله.
{الَّذِينَ ظَلَمُوا} وإعرابه على ثلاثة أوجه.
أحدها: الرفع وفيه وجوه: الأوّل: أن يكون بدلًا من الواو في {وَأَسَرُّوا} .
والثاني: أن يكون مبتدأ، والخبر إمّا جملة متقدّمة، أو جملة الاستفهام بتقدير القول، كما قال أبو البقاء، وإنّما قال: بتقدير القول، لأنّ الإنشاء لا يكون خبر الآية.
والثالث: أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوف أي: هم الذين ظلموا.
والرّابع: أن يكون فاعلًا لـ (أسَرُّوا) والواو علامة الجمع، وليس بضمير كما في: (أكَلُوني
الْبَرَاغيث). قال في "حاشية الضّوء": وهو لغة رديئة، قلّ وقوعها في الضرورات، فكيف وقوعها في القرآن المُعْجِز.
وقال شارح "الألفية" المشهور بابن [أم] قاسم ناقلًا عن "التسهيل" في كتب الأحاديث المرويّة الصحّاح ما يدل على كثرة هذه اللُّغة، وجودتها، وذكر آثارًا منها قوله عليه الصلاة والسلام:"يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ". وحكى بعض النّحويين: إنها لغة طيء، وبعضهم أنها لغة أزد شنوءة، ولا يُقبل قول من أنكرها.
أقول: كثرة أمثال هذا الكلام لا يدلُّ على جَوْدة هذه اللّغة، لجواز إعرابها بسائر الوجوه.
والوجه الثاني: النصب، إمّا على الذَّم أو إضمار أعني.
والوجه الثالث: الجرّ على أنها صفة للناس.
{هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} فجملة الاستفهام مفسرة للنجَّوى، فلا محلّ لها من الإعراب، هذا عند الجمهور، وأمّا على رأي الشّلوبين، فمحلها النّصب، لأنّ المفسِّر في إعراب عين المفسَّر، وإعرابه النَّصب لكونه مفعولًا لـ {أسرُّوا} .
وقيل: في محلّ النَّصب بدل منها، أي من النّجوى، بدل الكلّ من الكل،
أو بدل البعض، هذا هو الّراجح عند الزمخشري، حيث ذكره مقدّمًا على غير الوجه، ولم يذكر الوجه الأوّل أصلًا، ورأسًا، وقال:{هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} هذا الكلام في محلّ النصب بدلًا من (النجوى) أي: وأسروا هذا الحديث، ويجوز كونها مفعولًا لقول مقدّر، كما ذكر الزمخشري.
ويجوز أن يتعلّق بقالوا مضمرًا، والمصنّف ضعّفه، حيث ذكره بـ قيل لكنّ الأَوْلى ما قاله العلَّامة، نعم قد يكون التنكير إشارة إلى قلّة القائل، لا إلى ضعفِ المقول، لكن السّياق يأبى عنه.
ونحو قوله تعالى: {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} . فإنّه -أي المذكور- تفسير كمثل: {الَّذِينَ خَلَوْا} -أي مَضَوْا- {مِنْ قَبْلِكُمْ} ، حالهم التي هي مَثَلٌ في الشّدّة.
و (مسّتهم) بيان للمَثَل مع قطع النَّظر عن كونه استئنافًا أو بيانًا له على الاستئناف، كأنّه قيل: كيف مثلهم؟ وأجاب: مَسّتْهم البأساء والضّرّاء وإنّما قلنا مع قطع النّظر عن كونه استئنافًا؛ لأن المصنّف عدّ المستأنفة والتفسيريّة قسمين مستقلين من الجمل التي لا محل لها من الإعراب، وجعلها مثالًا للتَّفسيرية.
وقيل: حال من الذين، فتكون (قد) مقدّرة على القاعدة الممّهدة عند الأكثر، وهي أن الماضي لا يكون حالًا إلّا أن تكون (قد) ظاهرة أو مقدّرة، انتهى أي تمَّ الكلام، لعلّ هذا القيد إشارة إلى أنّ الإعراب لا يجوز عنده بغير ما ذكره بخلاف سائر المواضع [التي ترك] فإن الإعراب يجوز فيه بغير ما ذكره.
ونحو قوله تعالى: {كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} الآية.
شبّه عيسى عليه السلام بآدم عليه السلام من حيث أنّه خلقه من تراب، ولم يكن له أبٌ وأمٌ، فكذلك حال عيسى عليه السلام، حيث خُلق من غير أبٍ، ولا يلزم من هذا التشبيه كونه مشاركًا في جميع الوجوه، لأنّ المماثلة لا تقتضي المشاركة في جميع الأوصاف.
ويجوز أن يكون التَّشْبيه بينهما من حيث إنّهما وُجدا وجودًا خارجًا عن العادة المستمّرة، وهما في ذلك نظيران، أو من حيث إنّ الوجود من غير أب وأمّ أغرب وأخرق للعادة من الوجود من غير أب، فشبّه الغريبَ بالأغربِ ليكون أقطع للخصم، وأحسن للمادَّة.
فجملة خلقه تفسير لـ (كمثل)، وقيل موضوعها حال من آدم، و (قد) معها مقدّرة والعامل فيها معنى التشبيه، والهاء لازم، و (من) متعلق بـ (خلق)، ويضعُفُ أن يكون حالًا، لأنّه يصير تقديره: خلقه كائنًا من التُّراب، وليس المعنى عليه، كذا في "معرب" أبي البقاء.
ونحو قوله تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} بعد {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} .
قال أبو البقاء: (تؤمنون) تفسير للتّجارة، فيجوز أن يكون في موضع جرٍ على البدل، أو في موضع رفع على تقدير هي.
وقيل: مستأنفة بمعنى آمِنوا، وهو أعم من الصناعي والبيانّي، أما على تقدير كونه بيانيًا، فإنّهم قالوا: كيف نعمل؟ فقال: تؤمنون بالله بدليل: {يَغْفِرْ لَكُمْ} بالجزم، فَجَزْمُ (يَغْفِرُ) لكم دليل على الوجهين، فيكون الباء متعلقًا بهما.
والحاصل: إن جزم {يَغْفِرْ لَكُمْ}
إما جوابًا للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر، وإنّما جيء به إيذانًا بأنّ ذلك مما لا يترك به، أو لشرط.
قال القاضي البيضاوي: {يَغْفِرْ لَكُمْ} : جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر، أو لشرط تقديره: أن تؤمنوا، أو تجاهدوا، وقال أبو البقاء: في جزمه وجهان:
أحدهما: هو جواب لشرط محذوف دلّ عليه الكلام تقديره: وإن تؤمنوا يغفرْ لكم، و (تؤمنون) في معنى آمنوا، فعلى هذا تكون جملة (تؤمنون) مستأنفة، هذا أقرب إلى الحق حيث قال العلَّامة في الكشاف".
عن ابن عبَّاس -رضي الله تعالى عنه- إنّهم قالوا: لو نعلم أحبَّ الأعمال إلى الله تعالى لعملناها، فنزلت هذه الآية، فمكثوا ما شاء الله يقولون: ليتنا نعلم ما هي، فدلّهم الله تعالى عليها بقوله -تؤمنون- وهذا دليل على أنّ تؤمنون كلام مستأنف.
وثانيهما: أو لكونه جوابًا لاستفهام دلّ عليه الكلام، تقديره: هل تقبلون أنْ أدلَّكم؟ وقيل: جواب لهل المضمر بحيث المعنى، فتقديره: هل تُؤمنون بالله وتجاهدون؟ لأن الله تعالى قد بَيَّن التجارة بالإيمان والجهاد، فكأنّه قد لفظ بهما في موضع التّجارة.
وقيل: جواب لهل أدلّكم، وهو قول المصنّف، وعلى الأوّل [هو] جواب الاستفهام يعني على تقدير كون {تؤمنون} بيانًا وتفسيرًا، يكون {يَغْفِرْ لكم} بالجزم جواب الاستفهام على القاعدة الممهدة، وهي أنَّ الفعل المضارع يجزم بإن مضمرة إذا وقع جوابًا لأمر أو نهي أو استفهام أو تمنٍّ أو عرض.
تنزيلًا: يجوز نصبه على المفعول المطلق، أو على المدح أو [على] المفعول له حيث جعل جوابًا لمن، قال كيف يصحّ جعله جوابًا لهل أدلّكم مع أنّ دلالته لا توجب المغفرة، فأجاب بقوله (تنزيلًا)، أي يصحّ ذلك إقامةً لسبب السبب، وهو الدّلالة التي هي (سبب الامتثال)، منزله السبب، وهو الامتثال الَّذي سَبَّبَ المغفرة، إذ الدّلالة سبب الامتثال، فكأنها قامت مقام الامتثال، لأنّ الدّلالة على التّجارة المفسرة بالإيمان، سبب الامتثال الَّذي (هو سبب) المغفرة، فلا يبعد أن تكون الدّلالة المفسّرة بالإيمان سببًا للمغفرة، فعلى هذا يكون ردّ القاضي على القائل هذا القول بقوله:
ويبعد جعله جوابًا لهل أدلّكم؛ لأن مجرّد دلالته لا توجب المغفرة لما فيه اشتباه، ولا يخفى على الفَطِن؛ لأنّهم لم يقولوا مجرد الدّلالة توجب المغفرة بل الدّلالة المفسرة يؤمنون. انتهى أي تمَّ الكلام.
وقال الشَّلَوْبين، بفتح الشين واللام، وسكون الواو، وكسر الباء بنقطة، وسكون الياء المنقوطة بنقطتين، اسم لشيخ من الكوفيين، وفي بعض النسخ الشلوبون.
والشلو اسم بلدةِ ابن مالك، فيكون المراد منه النحويين المنسوبين إلى الشلو، هكذا ضبطنا من أستاذنا، التحقيق هذا صريح بأنّ ما ذكره أوّلًا ظواهر كلمات القوم، والتخصيص بعد التعميم، تحقيق قولهم فذكر أوّلًا كلمات القول وحقّق ثانيًا بقول الشَّلَوْبين.
إن الجملة المفسَّرة بحسب ما تفسره، وإعراب بحسب ما تفسره، كإعراب قوله بحقيقة ما تليه، فإن كان له أي لمفسَّره بفتح السين، محلّ فهي، أي الجملة المفسِّرة بكسر السين، كذلك أي مثل المفسّر في كونه محلًا من الإعراب وإلّا أي وإن لم يكن له محل فلا، أي لا يكون له محل من الإعراب.
والثاني أي المفسِّر الَّذي لا يكون لمفسِّره إعراب نحو: ضربتُهُ في نحو زيدًا ضربته، والتقدير: ضربتُ زيدًا ضربته، فلا محلّ للجملة المقدّرة وهي:
ضربتُ، لأنها مستأنفة فكذلك تفسيرها في أن لا يكون لها محل من الإعراب.
والأوّل: أي المفسِّر الَّذي يكون لمفسره إعراب إنّما آخذ معنى الثاني مع أنَّه وجودي، والوجودي يقتضى التّقديم في الأقسام والأحكام، لأنّ الكلام في القسم الثاني قليل، فلو قُدّم الأوّل لوقع الفصل بين القسمين بالكلام الكثير فيكون دغدغة. نحو {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} .
[والتقدير: إنّا خلقنا كلّ شيء خلقنا]، فخلقنا المذكورة مفسِّرة لخلقنا المقدّرة، أي: المضمرة، فالمقدّرة عام من المحذوف، والمضمر. وتلك أي: الجملة المقدّرة، في موضع رفع لأنّها خبر إنّ المتّصل بنا، وكذلك أي مثل المقدّرة المذكورة في كونها مرفوع المحلّ.
ومن ذلك، أي: من أمثلة الجملة المفسِّرة التي حكمها كحكم المفسَّر، وإنما قال من ذلك ولم يقل: نحو زيدٌ الخبزَ ويأكُلُهُ، رعايةً للأدب، فزيدٌ: مبتدأ، فيأكله: الفاء للتفسير في موضع رفع لأنّها مفسِّرة للجملة المحذوفة أي المضمرة، وإنما فسّرنا المحذوفة بالمضمرة لأنهم فرّقوا بين المضمر والمحذوف، وقالوا: المضمر هو المتروك، ويكون له قائمٌ مقامه، والمحذوف هو المتروك أصلًا، ولا يكون في القائم مقامه أثر، كذا في "شرح الألفية" وههنا القائم مقامه موجود وهو المفسَّر، والمصنّف تساهل وعبّر عن المضمر بالمحذوف، نعم بعض النحاة لم يذهب إلى الفرق، لكنّ التحقيق ما قلنا فيما سبق.
وهي أي: الجملة المضمرة، في محل الرفع على الخبرية لزيد، فتقديره: زيد يأكلُ الخبزَ يأكُلُه. فيأكله المقدّم في موضع رفع لانّه خبر زيد، وكذلك المؤخّر لأنّه مفسّره وإنما أورد المصنّف هذا المثال، ولم يكتف بالأوّل ليكون توطئة لقوله:
واستَدَلَّ على ذلك، أي على كون الجملة المفسّرة في حكم الجمله المفسَّرة في الإعراب. بعضهم أي: بعض النّحاة، بقول الشاعر، وفي ذِكْرِ البعض إشارة إلى ضعفِ الاستدلال
فَمَنْ نَحْنُ نُؤمِنْهُ يَبِتْ وَهْوَ آمِن [طويل]
فظهر الجزم في الفعل المفسِّر للفعل المحذوف، لأنّ هذا الاستدلال مبنيّ على ثبوت الجزم لكونها مفسِّرة للمجزوم، وذلك غير ثابت، على أن ذلك لا يقتضي أن يكون جميع المفسِّر مثل ذلك، لأنّ المطلوب هو القاعدة الكُلّيّة، والمثال الجزئى لا يشتبه، وتقدير الكلام، فمن [نؤمنه] نحن نؤمنه يبت وهو آمن.