الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنّ (لوِ) هذه شرطية عندي، والجواب محذوف بعد لو م
قدَّ
ر دلَّ عليه كلام السابق. انتهى فالحق في ظني أن يجعل الجملة الشرطية حالًا، فينسلخ معنى الشرط، ولا يحتاج إلى الجواب.
اعلم أن جواب (لو) لا يكون إلا فعلًا ماضيًا مثبتًا، أو منفيًا بـ (ما)، أو مضارعًا مجزومًا بـ (لم).
والأكثر في الماضي المثبت اقترانه بـ اللام. وقد يحذف كقوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} وأمّا حذف اللام مع الجواب فكثير في كلام العرب.
-
ما يأتي على سبعة أوجه
-
"قد"
النوع السادس: ما يأتي على سبعة أوجه وهو قد فقط
وأحد أوجهها أن تكون اسمًا بمعنى حَسْبُ فيقال: قدي بالإضافة إلى ياء المتكلم، بغير نون الوقاية كما يقال حسبي.
ظاهر هذا الكلام يشعر اختيار المصنَّف مذهب الكوفيين حيث يقولون: إنّ قد إذا كان اسمًا بمعنى حسب يُضَاف إلى ياء المتكلم، ولا يلحقها نون الوقاية، لأنَّها تزاد في الأفعال فتكون معربة.
وأمّا عند البصريين يلحقها نون الوقاية على غير القياس، ويجوز حذفها فيقال:[قدي و] قدني، فعندهم تكون مبنية. كذا ذُكِرَ في "التسهيل" و"شرح الألفيَّة".
والثاني من أوجهها: أن تكون اسم فعل بمعنى يكفي، فالياء المتَّصلة بها في محل النّصب. فيلزمها نون الوقاية. فيقال: قدني بالنّون، كما يقال: يكفني. وقد تلحقها كاف الخطاب فتكون في محل النصب. فيقال: قدك، فعلى هذا يكون مبنيًا على السكون بالاتفاق.
والثالث من أوجهها: أن تكون حرف تحقيق، تقتضي تحقّق مدخولها، فتدخل على الماضي من غير اختلاف فيه، لكن هل هي للتحقيق المحض؟ وهو مذهب المنصور، أو للتحقيق مع التوقّع كما مذهب الخليل حيث قال في "الصحاح": زعم الخليل أن هذا لِمَن ينتظر الخبر، يقول: مات فلان، ولو أخبره وهو لا ينتظره لم يقل: قد مات، ولكن يقول: مات انتهى.
والعنوان بالزّعم يدل على ردّ مذهبه، لأنها تجيء للتحقيق المحض في الماضي كما عُلِمَ من موارد الاستعال نحو:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} . فقد هنا تدخل على الماضي لتحقّق الفلاح.
وعلى المضارع عند البعض. قال ابن مالك في "التسهيل": وقد التي للتحقيق تدخل عليها نحو: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} . فقال بعض النُّحاة: إنّ قد التحقيقية إذا دخلت على المضارع ولم يمكن التوقع فيه كان المضارع بمعنى الماضي.
والرابع من أوجهها: أن تكون حرف توقّع أي: انتظار، يقال: توقعت واستوقعت، أو انتظرت فتدخل عليهما، أي على الماضي والمضارع أيضًا. أي كما تدخل عليهما إذا كانت للتحقيق. قول: قد يخرج زيد، فتدلّ (قد) على أن الخروج منتظر متوقّع.
والمصنّف لم يذكر هنا مثالًا للماضي لكون الاختلاف في دخول حرف التوقّع عليه، فذكر بعد إثباته بالدليل، وظاهر هذا الكلام يشعر أن يكون التوقّع مقابلًا للتحقيق في الحقيقة، وليس كذلك.
تدل عليه عبارة "الكافية": حرف التوقّع (قد)، وشرحها الشَّيخ الرضي: فإنَّه عام إلى التحقيق والتقريب إلى الحال مع التوقع. قد تكون للتحقيق مع التقريب بدون التّوقع، وقد تكون للتحقيق المحض، فإذن لها ثلاثة معان. انتهى.
وزعم بعضهم: لا تكون قد للتوقع مع الماضي، لأنَّ التوقُّع انتظار الوقوع والحال أنّ الماضي قد وقع، فإنّ جواز دخولها يلزم الجمع بين المتنافيين.
وقال الذين أثبتوه، أي: التوقّع مع الماضي: إنَّها تدلَّ على أنَّه أي قد يدلّ أنّ الفعل كان منتظرًا قبل وقوعه. [لأنَّه] متوقع بعد وقوع الفعل، فلزوم اجتماع المتنافيين مرفوع بالحمل على اختلاف الزَّمانين، تقول: قد ركب الأمير لِقَوْم ينتظرون هذا الخبر، وإنَّما قيَّد به لانَّه إذا قلت: هذا الجر لقوم لا ينتظرون، يكون للتحقيق مع التقريب من غير توقّع، ويتوقعون الفعل.
حاصله: ما ذكره في "شرح اللّبّ": لأنَّه كان يتوقع ثم صار ماضيًا نحو: قد قامت الصَّلاة لقوم قاموا خلف الإمام ينتظرون قول المؤذن: قد قامت الصَّلاة، فعلى هذا: قد لانتظار الإخبار بخبر يعتقد المتكلم به، يتوقع منه المخاطب. انتهى.
فيكون التوقّع في الأصل لفعل الذي لا يوجد بالفعل، فَينتظر إلى وقوع الفعل، فيقع ويخبر بعد ذلك، ولو كان مراد الزَّاعم أنَّها لا تكون للتوقّع في الماضي الذي هو الخالص للمُضيِّ من غير نظر إلى زمان الاستقبال، يكون كلامه حقًّا، ولكن النُّحاة قالوا: قد للتوقّع بمعنى المذكور.
الخامس: تقريب الماضي من الحال ولهذا، أي لأجل كونها للتقريب. تلزم مع الماضي المثبت إذا لم تكن واقعًا بعد إلَّا الواقع حالًا عند البصريين بخلاف مذهب الكوفيين، فإنَّهم لا يوجبونها (قد) ظاهرة ولا مقدّرة، ووافقهم ابن مالك حيث قال: هذه دعوى مجرّدة لا تقوم عليها حجة إمّا.
ظاهرة نحو: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} .
أو مقدّرة نحو: {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} . أي: قد رُدَّت إلينا.
ونحو قوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أي: قد حصرت صدورهم، وذلك لاستقباحهم في الظَّاهر الجمع بين الحال والمضيّ، وأنّ حالية الماضي بالنسبة إلى زمان عامله، وهو زمان المتكلم.
ولفظة (قد) تقرَّب الماضي من ذلك الزمان، فتكون المقاربة [بمنزلة المقارنة] هذا بخلاف مذهب سيبويه والمبرَّد، فإنهما لا يجوّزان حذف (قد)، وسيبويه يؤوّل قوله تعالى: قد حصرت صدورهم بقلَّة ما حصرت صدورهم، فتكون جملة (حصرت) صفةُ موصوف محذوف. وهو الحال. والمبرَّد يجعله جملة دعائية.
وقال ابن عصفور: إذا أجيب القسم بماض مثبت متصرّف. قيّد بالمثبت والمتصرّف تحرّزًا من المنفي غير المتصرّف، لما عرفت أن المنفي لم يشرط ذلك، وأمّا غير المتصرف، كـ نِعْمَ وبِئس وعَسَى ولَيْسَ. فلا تدخل قد عليها لأنها ليست بمعنى الماضي حتَّى يقرَّب إلى الحال، بل يدخل اللّام فقط نحو: لنِعْمَ السَّيِّد. كذا في الرضي.
فإن كان الفعل قريبًا من الحال جئتَ بجواب مقرون باللَّام وقد نحو: بالله لقد قام زيد، فقد هنا دالة على التقريب، فمعلوميَّة القرب بالنسبة إلى المتكلم، والدَّلالة بالنسبة إلى المخاطب، وإن كان زمان الفعل بعيدًا، جئت باللَّام فقط، اسم فعل بمعنى انته، وكثيرًا ما يصدّر بالفاء تزيينًا للفظه. كان: جزاء شرط محذوف، والحال في دخول ياء المتكلم عليها، ونون الوقاية وكاف الخطاب كالحال في قد إذا كان اسم فعل. كقوله: أي: قول الشاعر؛ أي امرئ القيس:
خَلَفْتُ لَها بِاللهِ حِلْفَةَ فَاجِر
أي: أقسمت بالله لاطمئنان المرأة المعشوقة حلفة كاذب أو عاهر، أي: زانٍ. يقال: فجر فجورًا، أي: فسق وفجر أي كذب، أصله المَيْل، والفاجر: المائل، كذا ذكر في "الصحاح"
لناموا فما إن من حديث ولا صال. [الطَّويل]
و (اللام) في لناموا جواب القسم، واكتفى بها إشعارًا لمخاطبه بأنّ زمان نومهم بعيد، أي نام الرقباء ولا ينظرون إلى حالنا، والفاء في (فما) تفسيرية و (ما) نافية، و (إن) زائدة مؤكدة للنفي، ويبطل عمل (ما) بزيادة (إن) بعد (ما) عند البصريين.
فـ (من) زائدة للاستغراق، فيكون المعنى نفي هذا الجنس من واحد إلى ما يتناهى.
(الحديث): الخبر، يأتي على القليل والكثير، ويُجمع على أحاديث على غير القياس، أي: فما إن من ذي حديث.
ويجوز أن يكون الحديث بمعنى المحادث. و (لا) في قوله (ولا صال): زائدة.
يقال: صال البعير إذا حمل. أي: ذي صال، وحاصل المعنى: المرأة تخاف من الرّقباء فأؤمنّها من مراقبتهم، كذا في "الإقليد".
وزعم الزَّمخشري، وفيه إشارة إلى ردّ صاحب "الكشاف"، عندما تكلم على قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا} في (سورة الأعراف)، أن (قد) للتوقع. وجملة (أنّ قد للتوقّع) في محل النصب على أنَّه مفعول زعم، لأنَّ السَّامع؛ تعليل من جانب الزمخشري، أي السَّامع ذلك الجواب المصدّر باللّام، وقد يتوقّع الخبرَ عند سماع المقسم به، وهو لفظة الله، وأمثاله ممّا يُقسم به.
اعلم أن عبارة الزمخشري في تعليل الجمع بين (اللام) و (قد) هكذا، لأنّ الجملة القسميّة لا تُساق إلا تأكيدًا للجملة المقسم عليها، التي هي جوابها، فكانت مظنّة لمعنى التوقّع الذي هو معنى (قد) عند سماع المخاطب كلمة القسم. فَمِنْ تأمُّل كلامه عُلِمَ أنَّ تعبير المصنف لا يخلو عن الفتور، وأنْ يُعَنْوِنَ كلامَهُ بالزَّعم مبنيٌّ على القُصور.
والسادس التقليل وهو ضربان:
تقليل بالرَّفع: بدل عن (الضربان) مضاف إلى وقوع الفعل الذي هو مدخولها نحو: قد يَصْدُق الكذوب، وقد يجود البخيل. فقد في المثالين يدلّ على قلّة وقوع الصّدق. من الكذوب، وقلّة وقوع الجود من البخيل.
وتقليل متعلِّقة أي: تقليل متعلّق الفعل من غير نظر إلى قلَّة وقوع الفعل أو كثرته، نحو:{قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} . فإنّ (قد) ها تحقيقية باعتبار وقوع الفعل، وتقليلية باعتبار متعلّقة. أي: ما أنتم عليه هو أقلّ معلوماته، وفي هذا التفسير إشارة إلى أن (ما) موصولة مبتدأ، صلته: أنتم عليه، وخبره محذوف، وهو أقل معلوماته، قال الشَّيخ الرضي: إنّ المادح قد يستعمل الكثير. من المدائح، لأنَّ الكثير منها كأنّه قليل بالنسبة إلى الممدوح، وذلك أبلغ في المدح، ومن هذا القبيل قوله تعالى:{قَد يَعْلَمُ} لأنَّ (قد) لتقليل المضارع في الأصل.
وزعم بعضهم، وَجَّهَ العنوانَ بالزَّعم إنكاره على كونها للتقليل، والأليق ذكره المصنّف هذا فيما قبلُ مثالًا للتحقيق: إنَّها في ذلك أي [قد] في {قد يعلم} للتحقيق كما تقدَّم في القسم الثالث، لا للتقليل، وإنّ التقليل في المثالين الأوّلين، وإن كان متحقّقًا لكنه لم يستفد من قد، بل من قولك: البخيلُ يجودُ، والكذوبُ يصدقُ مع قطع النَّظر عنها.
فإنَّه: الفاء بمعنى لام التعليل، أي لأنَّ الكلام إن لم يُحمل على أن صدور ذلك أي الجود والصدق من البخيل والكذوب قليلٌ بالرَّفع خبر إن. كان ذلك في جزاء الشرط أي كان الكلام كذبًا متناقضًا لأنَّ آخر الكلام، وهو البخيل والكذوب يدفع أوَّلَه وهو يصدق ويجود، لأنَّ البخيل والكذوب صيغة المبالغة، فيدلّ على كثرة البخل والكذب، فلو لم يَحْمل يَصدق ويَكْذب على القلّة للزم التَّدافع، ولك أن تمنع هذا الكلام بعد تسليم لزوم التَّدافع في المثالين على إنكار كونها للتقليل غير مقبول، لأنَّه كثير الاستعمال.
السابع: التكثير قاله، أي: كونُها للتَّكثير سيبويه في قوله:
قَدْ أتركُ القِرْنَ مُصفَرًّا أناملُهُ
وآخر البيت: كأن أثْوابهُ مُجَّتُ بفِرْ صاد [البسيط]
أي: أترك كثيرًا ما مماثلي في الحرب، حال كون أنامله ملوّنًا بالصّفر، قال الجوهري: وقد يكون بمعنى ربَّما. وأنشد هذا البيت، ولا يظن أنّه مخالف لما قال المصنف حيث قال الزمخشري في آخر سورة النور: "إنَّ (قد) إذا دخلت على المضارع كانت بمعنى ربَّما فوافقت ربَّما في خروجها إلى معنى التكثير.
وذكر صاحب "التسهيل": أن ربَّما ليست للتقليل، بل هي حرف تكثير، والتقليل نادر، ووقع في بعض شروح "الكافية": وهذا الذي ذُكر من التقليل أصلها، ثم تستعمل في معنى التكثير كالحقيقة، وفي التقليل كالمجاز المحتاج إلى القرينة".
وقاله، أي: اختار الزمخشري كونها للتكثير في قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} فالكثرة في الآية باعتبار متعلِّق الفعل، وهو تقلّب وجه الرسول عليه السلام لا في وقوع الفعل وهو الرؤية، وفي البيت في وقوع الفعل مع [قطع] النظر عن متعلّقه، المصنف لم يذكر كون التكثير متنوّعًا اعتمادًا على ذكر المثالين، واكتفى بما سبق.
اعلم أن (قد) التي للتحقيق والتكثير والتوقّع قد تجتمع، وقد يستعمل كل واحد منها مجرّدًا عن الآخر. والتقليلية تجتمع مع التحقيقية، لكن لا تجتمع مع التكثيرية، هكذا فُهم من الرضيّ.