الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل البصيرة في حال المدعوين وكيفية دعوتهم]
فصل
البصيرة في حال
المدعوين وكيفية دعوتهم من البصيرة في الدعوة إلى الله تعالى: أن يكون الداعية على علم بحال المدعوين، فلا يمكن أن يكون خطاب الداعية إلى الله تعالى واحدا لجميع المدعوين، فالناس فيهم الكبير والصغير، والحاكم والمحكوم، والذكر والأنثى، والكافر والمسلم، والعاصي والمؤمن، والأعجمي والعربي، والمثقف والعامي، وهؤلاء يتفاوتون بلا شك من جهات شتى، فيحتاج كل واحد منهم إلى خطاب يخصه به، وقد يجمع الموفق في الخطاب الواحد ما يناسب الجميع.
وأيضا من البصيرة في حال المدعوين دراسة البيئة المحيطة بهم، ومحاولة ترتيب الأولويات التي ينبغي البدء بها، ومعرفة عادات الناس، وهذه الاهتمامات لا يوفق إليها إلا النابه من الدعاة، الذي يتلمس النجاح لدعوته عن طريق استيعاب هذه الأشياء.
ولذلك علمنا ربنا سبحانه وتعالى كيف ندعو إليه، مبينا لنا أصناف المدعوين والفوارق البينية بينهم في قوله سبحانه وتعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125](1) ويؤكد هذا
(1) النحل: 125.
النبي صلى الله عليه وسلم تأكيدا بينا واضحا بقوله وبفعله، ففي بعثه لمعاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن علمه كيف يدعو القوم هنالك بعد أن أعلمه بحالهم وجنسهم وثقافتهم، فقال عليه الصلاة والسلام:«إنك تأتي قوما أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة» (1) .
وقد سجلت لنا السيرة مواقف عظيمة في استعمال النبي صلى الله عليه وسلم أساليب ووسائل متنوعة في دعوة الآخرين بناء على اختلاف أجناسهم، وأفهامهم، وهيئاتهم، وسيمر معنا شيءٌ من هذا في ثنايا هذا القسم من الرسالة.
فإذا امتلك الداعية إلى الله هذا النوع من البصيرة تجاه المدعوين؛ فهذا يعني بالضرورة أنه قادر على التكيف والانسجام، والتعامل بوضوح مع الحقائق، ولديه الاستطاعة على ترتيب الأولويات، في مخاطبة الجمهور والأفراد.
ولنعد إلى الآية الكريمة التي أمرت بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، فهي تشير في الحقيقة إلى أصناف المدعوين الذين يواجههم الداعية في ميدان دعوته، وهم ثلاثة أصناف:
صنف يدعى بالحكمة.
صنف يدعى بالموعظة الحسنة.
وصنف يجادل بالتي هي أحسن.
وقد بين شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله هذه الأصناف الثلاثة بقوله: " الناس ثلاثة أقسام، إما أن يعترف بالحق ويتبعه، فهذا صاحب الحكمة، وإما أن يعترف به لكن لا يعمل به، فهذا يوعظ حتى
(1) أخرجه: البخاري (3 / 261) ، ومسلم (1 / 196) .
يعمل، وإما ألا يعترف به، فهذا يجادل بالتي هي أحسن؛ لأن الجدال فيه مظنة الإغضاب، فإذا كان بالتي هي أحسن حصلت منفعته بغاية الإمكان كدفع الصائل " (1) .
ولنشرع في ذكر ذلك على سبيل التفصيل:
(1) مجموع الفتاوى (2 / 45) .