الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع أنه لا يعني بالضرورة ألا يمتثل الناس إلا ممن يعمل بعلمه، أو كان مطبقا للمأمور، مجتنبا للمنهي عنه، لكن هذا من دواعي القبول، وسرعة التأثير.
قال بعض أهل العلم: لا يمنعكم سوء ما تعلمون منا أن تعملوا بأحسن ما تسمعون منا.
وقال بعضهم: لا تنظر إلى عمل العالم ولكن اسأله يصدقك.
ووقف رجلٌ - يظهر أنه حاسد - على ابن عيينة وهو يعظ الناس فأنشد:
وغير تقي يأمر الناس بالتقى
…
طبيب يداوي الناس وهو مريض
فأنشده ابن عيينة:
اعمل بعلمي وإن قصرتُ في عملي
…
ينفعك علمي ولا يضرُرْك تقصيري
والمستقرئ لكتب السنَّة يجد كيف كشفت لنا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم التطبيق النموذجي لتأثيره على الناس، من خلال الخلق العظيم والأدب السامي الذي كان يتصف به صلى الله عليه وسلم، فكان يزور الناس، ويغشاهم في أسواقهم ومجامعهم، وكان يكلمهم ويدعوهم إلى الحق وإلى صراط مستقيم، وكان يستقبل الوفود، ويعفو عمن ظلمه، ويحلم على من أساء إليه، وكان دائم الذكر والفكر، وغيرها كثير، مما يجعلنا نُفعِّل هذا الجانب، ونُعْمِله في واقع دعوتنا.
[كلمة جامعة عن آداب الداعية]
كلمة جامعة عن آداب الداعية: فينبغي على الداعية أن يكون صالحا في نفسه بأن يكون تقيًّا، ورعا، زاهدا، صادقا، مراقبًا، مؤديا الفرائض والأركان والنوافل، متتبعا السنة، يشهد الجمعة والجماعة، تاليا للقرآن، ممتثلا معنى العبودية لله تعالى، مصاحبا للأخيار، مجتنبًا الأشرار.
وأن يكون بارا بوالديه، وبرهما خفض الجناح، ولين الكلام، وألا ينظر إليهما إلا بعين المحبة والإجلال والتقدير، ولا يعلو عليهما في مقال ولا حال؛ إلا أن يريد إسماعهما، ويبسط أيديهما في نعمته، ولا يستأثر عليهما في مطعمه ولا مشربه، ولا يتقدم أباه إذا مشى معه، ولا يتقدمه في القول في مجلسه، ويتوقى سخطهما بجهده، ويسعى في مسرتهما بمبلغ طاقته، وإدخال الفرح عليهما من أفضل أعمال البر.
وعليه أن يمتثل الآداب الشرعية والأخلاق الإسلامية من إفشاء السلام، وإطعام الطعام، وعيادة المريض، وشهود الجنازة، وأن يدل على الخير، ويرشد إليه، وأن يتعاهد النصح للناس، وأن ييسر ولا يعسر، وعليه أن يعتزل شرور الناس، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وأن يحسن الظن، ولا يتجسس، ولا يغتاب، ولا ينم، ولا يكذب، ولا يظلم، ولا يبهت، ولا يسخر من أحد، ويجتنب قول الزور، ولا يغش، ولا يخدع، ولا يغدر، ولا يخلف في الوعد، وليحذر من الجدال والمراء والمزاح الذي فيه كذب، أو أذية لأحد، وعليه أن يتواضع ولا يتكبر، ويحلم ويعفو، ولا يظلم ويحمق، وأن يجل الكبير، ويعطف على الصغير، ويسعى بالصلح بين المسلمين، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويتجنب ما يقدح في المروءة، ولو كان من المباحات.
وعليه أن يتعاهد نظافته ومظهره، فلا يجعل الناس يروا أو يشموا منه ما ينفرهم عنه، ويتعاهد السنة في ذلك من نتف الإبطين، أو حلقهما، ويقص شاربه حتى يبدو الإطار، ويقلم أظفاره، وأن يكون طاهر الفم على الدوام، فيستعمل السواك، أو ما يقوم مقامه، والسواك أفضل؛ لأنه مطهرة للفم، مرضاة للرب.
وعليه أن يتأدب بآداب الإسلام مع الآخرين، فيحسن إلى جيرانه، ويكرم ضيفه، وينصر أخاه ظالما أو مظلوما، وإذا دخل مجلسا فليظهر التواضع الذي عليه المسلم، فيجلس حيث تناهى به المجلس، ولا يفرق بين متصافيين، أو أب وابن، أو أخوين، إلا أن يفسحا له، وإذا أكل أو
شرب فليأكل بيمينه، وليشرب بيمينه، ولا يأكل ولا يشرب بشماله؛ إلا من عذر أو ضرورة، وإذا أكل فليأكل مما يليه، إن كان الطعام جنسا واحدا، وأما إن كان مختلفا فلا بأس أن تجول يده في الصحفة، ولا يجوز له إذا أكل مع غيره أن يقرن بين تمرتين، ولا تينتين ونحو ذلك، وحق الطعام أن يسمي الله تبارك وتعالى آكله عند ابتدائه، ويحمده عند فراغه، ويبدأ باليمنى في الانتعال أيضا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في أمره كله.
وينبغي عليه التقيد بجميع آداب الإسلام، فإذا تثاءب فيكظم ما استطاع، ويضع يده على فيه، وإذا عطس فليغض من صوته ما أمكنه، ويعلن بعدها حمده لله تعالى، ويُسمع من يليه، فإذا قال له من سمعه: يرحمك الله فليرد عليه بـ: يهديكم الله ويصلح بالكم كما ورد.
ومن حسن الأدب إذا تجشأ أن يخفي صوته ما استطاع، ويكره له أن يتناجى مع آخر ومعهما ثالث، وغيرها من الآداب التي لا تخفى.