الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: وعظ من لا يعيرك سمعه ولا يشحذ وعظك طبعه كمن وضع مائدة لأهل القبور، ورام بخرقة تليين الصخور.
وقيل: من استثقل سماع الحق فهو للعمل به أكثر استثقالا.
وقد يكون من البصيرة أيضًا ترك من لا يتعظ بالموعظة ممن أشربت قلوبهم حب المعصية، وذلك خشية أن يتجاوز في بغية إلى مفاسد عظيمة كسب الدين، أو الإساءة للشريعة.
وقد قيل: لا ينجح الوعظ في القلوب القاسية كما لا يزكو البذر في الأرض الجاسية.
[الصورة الرابعة اللين في الموعظة]
4 -
الصورة الرابعة: اللين في الموعظة: فمن حسن الموعظة أن يستخدم الداعية في وعظه اللين في مكانه والشدة في مكانها؛ فالقاعدة العامة هي استعمال الرفق واللين مع المدعوين، وقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة في الأمر بلين القول، وحسن الخلق، والترفق مع الغير.
قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83](1) .
وقال تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: 44](2) .
قال تعالى: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23](3) .
قال تعالى: {فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء: 28](4) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا» (5) .
(1) البقرة: 83.
(2)
طه: 44.
(3)
الإسراء: 23.
(4)
الإسراء: 28.
(5)
أخرجه: البخاري (1 / 163) ، واللفظ له، ومسلم (12 / 42) .
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» (1) .
فينبغي على الداعية أن ينتقي ألين الكلمات وأرقها وألطفها ليصيد بها الموعوظ، وليأسر قلبه.
وقد قيل: من لانت كلمته وجبت محبته.
وقيل: البشاشة مصيدة المودة.
قال سفيان بن عيينة: طلاقة الوجه عنوان الضمير، بها يُستنزل الأمل البعيد.
والمستعمل لهذا الأسلوب، موفق بإذن الله تعالى، وفي حُمرة الخد ما يغني عن الخجل.
وقد يحتاج الداعية مع بعض الأشخاص إلى نوع غلظة وشدة في الموعظة، وهذا من الفقه والبصيرة التي ينبغي أن يسلكه الداعية، وهي الاجتهاد في حال الموعوظ.
ولذلك أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى تخصيص المحتضر بأحاديث الرجاء، وألا يذكر عنده شيء من الوعيد، وذلك لاقتضاء حاله، ولجعله يكون على حال من حسن الظن بالله، حتى يغفر الله تعالى له.
فعن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله» (2) .
وفي المقابل يجب الوعظ بنصوص الوعيد على من هو مقيم على معصيته، أو متلبس بكبيرة، أو مقيم عليها، فليس من الشرع ولا العقل ذكر أحاديث الرجاء لهذا الجنس من الناس، بل المناسب لحالهم نصوص الوعيد.
(1) أخرجه: مسلم (4 / 259) .
(2)
أخرجه: مسلم (17 / 209) .