الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب- فتور خاص، فإذا أنكر المعلم عين السامع، أو وجده كثير الحركة والتململ، حاول استفهامه عن معنى حديثه، وماذا قال، فإن وجده قد أخلص له الاستماع شكره وأثنى عليه، وإن كان لاهيا عنه نبهه، وعرفه بسوء الاستماع والتقصير في حق المتحدث.
ولقد كان شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله يستعمل هذا الأسلوب مع الطلبة والحضور، بل يستعمله في المحاضرات العامة، فقد يكون مقدم المحاضرة مشغولا عنه، فإذا رأى انصرافه عن المحاضرة طرح عليه سؤالًا مما تقدم من قوله، ليرده إلى روضة العلم، ولينبهه إلى ضرورة الانتباه.
[من الحكمة كتمان بعض العلم للحاجة]
4 -
من الحكمة كتمان بعض العلم للحاجة: فمن الحكمة في أبواب العلم: كتمان العلم الذي قد يساء فهمه أو لا يحسن ذكره بحضور العامة، التي لا تتحمله عقولهم، أو قد يفتح بابا من التساهل وعدم المبالاة، فتقود إلى ما لا تحسن عقباه، ولذلك في حديث معاذ العظيم، والذي بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم «حق العباد على الله، وحق الله على العباد، وما لهم من الجزاء إن هم فعلوا ذلك، قال معاذ: أفلا أبشر الناس؟ قال: لا، فيتكلوا» ، وقد بوب البخاري في " صحيحه " بابا أسماه: باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية ألا يفهموا (1) .
وعن قزعة قال: أتيت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه وهو مكثور عليه، أي: عنده ناس كثيرون، فلما تفرق الناس عنه قلت: أسألك عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لك في ذلك من خير، فأعاد عليه فأجابه، وذكر الحديث.
قال النووي: معناه: أنك لا تستطيع الإتيان بمثلها، وإن تكلفت ذلك شق عليك ولم تحصله، فتكون قد علمت السنة وتركتها (2) .
(1) البخاري (1 / 225) .
(2)
شرح النووي على مسلم (4 / 176) .
وقال علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يُكَذَّب الله ورسوله؟ (1) .
ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة (2) .
قال ابن حجر رحمه الله: " وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب، ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم في حديث الجرابين، وأن المراد ما يقع من الفتن، ونحوه عن حذيفة، وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين؛ لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي، وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب "(3) .
قال المروذي رحمه الله: سألت أبا عبد الله عن شيء من أمر العدل، فقال: لا تسأل عن هذا فإنك لا تدركه.
قال ابن عقيل رحمه الله: حرام على عالم قوي الجوهر أدرك بجوهريته وصفاء نحيزته (4) علما أطاقه، فحمله أن يرشج به إلى ضعيف لا يحمله، ولا يحتمله، فإنه يفسده.
وقال ابن الجوزي رحمه الله: ولا ينبغي أن يُملي ما لا يحتمله عقول العوام.
وقال النضر بن شميل رحمه الله: سئل الخليل عن مسألة، فأبطأ بالجواب فيها، قال: فقلت: ما في هذه المسألة كل هذا النظر؟ قال:
(1) أخرجه البخاري (1 / 225) .
(2)
أخرجه مسلم (1 / 76) في المقدمة.
(3)
فتح الباري (1 / 424) .
(4)
نحيزة الرجل: طبيعته (لسان العرب مادة: نحز) .