الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد يكون من المناسب التغيظ على الموعوظ والخشونة معه، وذلك بعد الاجتهاد بحاله، مثل كون العمل الواقع فيه لا يليق بمثله، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لما تغيظ على عمر بن الخطاب حين رأى بيده ورقة من التوراة، فقال:«أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والله لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان أخي موسى حيًّا ما وسعه إلا اتباعي» ، فقال عمر: أتوب إلى الله (1) .
أو يكون الداعية إلى الله تعالى قد توصل بعد الاجتهاد إلى أن هذا الجنس من الناس لا يمكن أن ينتبه ولا يرعوي إلا بنوع غلظة وشدة، فإن الداعية إلى الله تعالى، أشبه حالا بالطبيب مع المريض، فقد يستعمل الطبيب أشياء مؤلمة كالقطع والبط وذلك لمصلحة المريض؛ فكذلك الداعية إلى الله تعالى، فقد يكون من المناسب له في بعض الأحوال مع بعض الأشخاص أن يستعمل معهم هذا النوع رحمة بهم، وتعبيرا عن خطر ما هم عليه، خروجا عن القاعدة العامة في هذا الباب، وهي اللين والرفق مع المدعوين، وما شرع الجهاد ولا الحدود والتعزير ولا هجر المبتدع وغيرها من الأحكام إلا لهذا الغرض.
[الصورة الخامسة استعمال السر والعلانية في الموعظة]
5 -
الصورة الخامسة: استعمال السر والعلانية في الموعظة: فإذا كانت الموعظة تتعلق بمجموع الأمة أو جماعتها فالأصلح فيها التعميم، ولكن من دون ذكر أسماء أو تجريح، أو ذكر كلام يفهم من أن المراد به فلان من الناس أو الجنس الفلاني، فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كره أمرا أحدثه بعض أصحابه يقول:«ما بال أقوام قالوا كذا وكذا» (2) .
من ذلك: ما بلغه عن بعض أصحابه تنزههم من أشياء فعلها
(1) صحيح أخرجه: أحمد (3 / 387) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وينظر: إرواء الغليل (6 / 34) .
(2)
أخرجه: مسلم (9 / 175) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
هو صلى الله عليه وسلم، فخطب فحمد الله ثم قال:«ما بال أقوام يتنزهون عن شيء أصنعه، فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية» (1) .
وأيضا بلغه أن أهل بريرة رضي الله عنها شرطوا أن الولاء لهم بعد بيعها، فقام فخطب الناس فقال:«ما بال أناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له، وإن شرط مائة مرة شرط الله أحق وأوثق» (2) .
وقد جرت عادة علمائنا ومشايخنا على ذكر النصائح العامة، وقد يستعمل في تبليغها وسائل الإعلام الحديثة، وفي الجزء التاسع من " الدرر السنية في الأجوبة النجدية " شيء عظيم من هذا. وأما الموعظة الفردية فيجب أن تكون خاصة، تراعى فيها السرية التامة لا سيما مع ولاة الأمور؛ حتى يتحقق الهدف منها، فعن عياض بن غنم الفهري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذه بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذلك، وإلا كان قد أدى الذي عليه» (3) .
وكانوا يعدون النصيحة بين الناس نوعا من الفضيحة.
وقال الشافعي: من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه.
وقال أبو الدرداء: من وعظ أخاه بالعلانية فقد شانه، ومن وعظه سرا فقد زانه.
يقول الشافعي:
تعمدني بنصحك في انفراد
…
وجنبني النصيحة في الجماعه
فإن النصح بين الناس نوع
…
من التوبيخ لا أرضى استماعه
(1) أخرجه: البخاري (10 / 513) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
أخرجه: البخاري (4 / 369) ، ومسلم (10 / 144) .
(3)
حديث صحيح: أخرجه: أحمد (3 / 403- 404) ، وابن أبي عاصم في السنة (2 / 521) .