الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المحور الأول البصيرة فيما يدعو إليه]
[فصل فيما يدعو إليه الداعية]
المحور الأول
البصيرة فيما يدعو إليه
فصل
فيما يدعو إليه الداعية من البصيرة في الدعوة إلى الله تعالى: أن يكون الداعية (1) إلى الله على علم فيما يدعو إليه، فإن من دعا الناس بجهل فقد خالف أمر الله تعالى بالدعوة إليه على بصيرة وعلم.
قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108](2) .
ولقد سمى الله تعالى العلم بصيرة؛ لأنه يحصل به الصواب، ويتبين به الحق، وتقوم به الحجة، ويردع به الباطل، ولهذا كان أول ما نبئ به النبي صلى الله عليه وسلم هو قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ - خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ - اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ - الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ - عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5](3) .
فكانت هذه الآيات الكريمات المباركات أول اتصال بين السماء والأرض في الإسلام، لتُبين فضل العلم، وأنه لا نجاح ولا فلاح إلا بالعلم، وهي رحمة رحم الله بها عباده، ونعمة أنعم الله بها عليهم.
(1) الداعية والداعي لغة صحيحة، تقول العرب: رجل داعية، أي: يدعو إلى دين، وأدخلت الهاء فيه للمبالغة. انظر: لسان العرب (6 / 97) ، ومختار الصحاح (1 / 86) .
(2)
يوسف: 108.
(3)
العلق 1 - 5.
وفي هذه الآيات أيضا: التنبيه على أن من عظيم كرم الله تعالى وكبير منته على عباده: أن علم الإنسان ما لم يعلم، فشرَّفه وكرَّمه بهذا العلم، وميَّزه عن باقي خلقه، قال الله تعالى مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم:{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113](1) .
وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} [النحل: 78](2) .
والمقصود: أن أول ما بدأ الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالعلم قبل الدعوة والعمل الصالح المقرب إليه، فجعل العلم أصلا والعمل تابعا له.
ولمكانة هذا العلم وعظيم منزلته وجليل قدره عند الله تعالى وطيّب آثاره فإن الله تعالى حث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على حسن الاستماع إلى هذا العلم الذي نزل به جبريل عليه، وأمره بأخذه بعناية تامة، وأن يطلب المزيد منه، ولم يطلب المولى عز وجل الاستزادة من شيء إلا من العلم الشرعي، قال الله تعالى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ - إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ - فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ - ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 16 - 19](3) .
وقال الله تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114](4) .
قال ابن حجر رحمه الله: " والمراد بالعلم: العلم الشرعي الذي يُفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عبادته ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته، وما يجب له من القيام بأمره، وتنزيهه عن النقائص "(5) .
(1) النساء: 113.
(2)
النحل: 78.
(3)
القيامة: 16 - 19.
(4)
طه: 114.
(5)
فتح الباري: (1 / 274) .
وأمره تعالى بأن يعتني بأهم المهمات وأوجب الواجبات وهو التوحيد، وذلك بتحقيق كلمة لا إله إلا الله، ولا يتم تحقيقها إلا بالعلم، فقال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19](1) وقال جل شأنه: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم: 52](2) .
فقدم العلم على القول والعمل والدعوة؛ لأن تقدم العلم على العمل ضروري للعامل حتى يعلم ما يريده، ويقصد العمل للوصول إليه، وتكون عبادته صحيحة مقبولة.
والمراد بالعلم هو: ما قام عليه الدليل من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الأصول الكبرى التي يُدعى إليها: والداعية إلى الله تعالى إنما يدعو إلى دين الإسلام، فهو يدعو إلى التوحيد والسنة، ويحارب الشرك والبدعة، ويبين الأحكام الشرعية لأصول العبادات وفروعها، وينهى الناس عن الخطأ فيها، ويدعو إلى محاسن الأخلاق، وفضائل الآداب، وينهى عن ضدها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الدعوة إلى الله، هي: الدعوة إلى الإيمان به وما جاءت به رسله بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا "(3) .
وقال العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله: " الشيء الذي يدعى إليه، ويجب على الدعاة أن يوضحوه للناس كما أوضحه الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهو: الدعوة إلى صراط الله المستقيم، وهو: الإسلام، وهو
(1) محمد: 19.
(2)
إبراهيم: 52.
(3)
مجموع الفتاوى (15 / 157) .
دين الله الحق، هذا هو محل الدعوة كما قال سبحانه:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل: 125](1) .
وقد بيّن رحمه الله الأصول العامة والخطوط العريضة للإسلام والتي يجب على الداعية أن يدعو إليها فقال: " وعلى رأس الدعوة إلى الإسلام: الدعوة إلى العقيدة الصحيحة، إلى الإخلاص لله وتوحيده بالعبادة، والإيمان به وبرسله، والإيمان باليوم الآخر، وبكل ما أخبر الله به ورسوله، هذا هو الأساس الصراط المستقيم، وهو: الدعوة إلى شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.
ومعنى ذلك: الدعوة إلى توحيد الله والإخلاص له، والإيمان به وبرسله عليهم الصلاة والسلام.
ويدخل في ذلك الدعوة إلى الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسله مما كان وما يكون من أمر الآخرة، وأمر آخر الزمان، وغير ذلك. . .
ويدخل في ذلك أيضًا: الدعوة إلى ما أوجب الله من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، إلى غير ذلك.
ويدخل أيضا في ذلك: الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والأخذ بما شرع الله في الطهارة، والصلاة، والمعاملات، والنكاح، والطلاق، والجنايات، والنفقات، والحرب والسلم، وفي كل شيء؛ لأن دين الله عز وجل دين شامل، يشمل مصالح العباد في المعاش والمعاد، ويشمل كل ما يحتاج إليه الناس في أمر دينهم ودنياهم، ويدعو إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، وينهى عن سفاسف الأخلاق، وعن سيئ الأعمال. . . " (2) .
وهذه الأصول التي يقوم الداعية بالدعوة إليها لا بد فيها من العلم الشرعي المؤصل وإلا لو دعا إليها بجهل أو بنصف علم لأفسد أكثر مما أصلح.
(1) النحل: 125.
(2)
الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ص (40 - 42) .