المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقدمة الطبعة الفرنسية - شروط النهضة

[مالك بن نبي]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةُ الطَّبْعَةِ الْفِرَنْسِيَّةِ

- ‌مُقَدِّمَةُ الطَّبْعَةِ الْعَرَبِيَّةِ

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُالْحَاضِرُ وَالتَّارِيخُ

- ‌أُنْشُوْدَةٌ رَمَزَيَّةٌ

- ‌دَوْرُ الْأَبْطَالِ

- ‌دَوْرُ السِّيَاسَةِ وَالْفِكْرَةِ

- ‌الْبَابُ الثَّانِيَالْمُسْتَقْبَلُ

- ‌أُنْشُوْدَةٌ رَمَزَيَّةٌ

- ‌مِنَ التَّكْدِيسِ إِلَى الْبِنَاءِ

- ‌الدَّوْرَةُ الخَالِدَةُ

- ‌الْعُدَّةُ الدَّائِمَةُ

- ‌أَثَرُ الْفِكْرَةِ الدِّينِيَّةِ فِي تَكْوِينِ الْحَضَارَةِ

- ‌الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: الْإِنْسَانُ

- ‌فِكْرَةُ التَّوْجِيهِ

- ‌تَوْجِيهُ الثَّقَافَةِ

- ‌التوجيه الأخلاقي

- ‌التَّوْجِيهُ الْجَمَالِيُّ

- ‌الْمَنْطِقُ الْعَمَلِيُّ*

- ‌الصِّنَاعَةُ

- ‌الْمَبْدَأُ الْأَخْلَاقِيُّ وَالذَّوْقُ الْجَمَالِيُّ فِي بِنَاءِ الْحَضَارَةِ

- ‌تَوْجِيهُ الْعَمَلِ

- ‌تَوْجِيهُ رَأْسِ الْمَالِ

- ‌مشكلة المرأة

- ‌مُشْكِلَةُ الزَّيِّ

- ‌الْفُنُونُ الْجَمِيلَةِ

- ‌الْعُنْصُرُ الثَّانِيَ: التُّرَابُ

- ‌الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: الْوَقْتُ

- ‌الْإِسْتِعْمَارُ وَالشُّعُوبُ الْمُسْتَعْمَرَةِ

- ‌الْمُعَامِلُ الإِسْتِعْمَارِيْ

- ‌مُعَامِلُ الْقَابِلِيَّةِ لِلِاسْتِعْمَارِ

- ‌مُشْكِلَةُ الْتَّكَيُّفِ

الفصل: ‌مقدمة الطبعة الفرنسية

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مُقَدِّمَةُ الطَّبْعَةِ الْفِرَنْسِيَّةِ

بِقَلم الدكتور عَبْد العَزِيز الخَالِدي

لكي أقوم بتقديم هذه الدراسة أجد بين يدي سيرة عاصفة مؤثرة أعرفها في الجزائر، ولكني ملزم بأن أدع الحديث عنها، لأن المؤلف قد منعني صراحة من مجرد الإشارة إليها، وأحتفط مع ذلك بحقي في الحديث عن العمل الذي تحتل فيه هذه الدراسة مكانا هاما، منتهيا إلى بيان الطابع الخاص، والقيمة الاجتماعية التي نجدها حتى في كتابه (لبيك)(1) الذي اعتبره بعض القراء غريبا عن الأفق الوضاء الذي خطه كتاب (الظاهرة القرآنية).

ويلفت انتباهنا في كتاب (الظاهرة) هذا، ذلك الحشد من المشاكل التي يثيرها مدخله، وطريقته الجديدة التي طبقها المؤلف للمرة الأولى على تفسير القرآن.

وأيا ما كان، فلقد تأثر المؤلف في كتاب (الظاهرة) بمشهد شباب الإسلام الذين استهوتهم المناقشة الخطيرة بين العلم والدين، فاستخلص من هذه المناقشات نتائج وثيقة أراد تبليغها للضمائر الأخرى.

ولكن دقة النقد، وعمق التحليل، وصرامة المنطق الذي يقود إلى هذه النتيجة، كل هذه الأمور ثانوية في عمل ينبع تأليفه والهدف منه من المغزى الدرامي للمشكلة أكثر من أن ينشأ عن المغزى العقلي.

وبن نبي في الواقع ليس كاتبا محترفا، أو عاملا في مكتب مكبا على أشياء

(1) هي القصة الوحيدة التي كتبها المؤلف، وقد اتجه فيها اتجاها أدبيا.

ص: 7

خامدة من الورق والكلمات، ولكنه رجل شعر في حياته الخاصة بمعنى الإنسان في صورتيه الخلقية والاجتماعية. وتلك هي المأساة التي شعر بها بن نبي بكل ما فيها من شدة، وبكل ما صادف في تجاربه الشخصية النادرة من قساوة. وهي التي تقدم المادة الأساسية لمؤلفاته سواء (الظاهرة القرآنية) أو الدراسة التي يقدمها اليوم كأنشودة بهيجة يحي بها (كوكب المثالية) الذي يسجل فجر الحضارات منذ العصور المظلمة.

ولكن هذه الأنشودة ثمرة عقل يحاول فتح آفاق عملية للنهضة العربية والإسلامية، التي يطالبنا بها في الجزائر، وهو يكشف لنا عن مفهومها الأليم.

فإذا كان دقيقاً حساسا إلى هذه الدرجة، فليس معنى ذلك أنه رجل عقل مغرم بالتجريد، أو أنه أديب فنان مولع بصور الجمال، فإن الذي يأسره ويستولي عليه إنما هو الرعشة الإنسانية

الألم

الجوع

الأسمال

الجهل

فهل من يفكر من أول وهلة في مواجهة هذه المشكلات يكون غير فقيه؟

لقد عاش بن نبي هذه المشكلات تماما كالآخرين الذين اتخذوا منها معارج انتخابية، يتحدثون منها عن البؤس حتى درجة الإشباع التي تناسب جميع صنوف الدجل والاستغلال، ونحن نعلم اليوم ما يؤدي إليه مثل هذه الحالة من الاختلال والقحط والفوضى.

ولكن التجربة الشخصية تعني عند بن نبي شيئا آخر: فهي سبب لتأمل في الدواء، ومن هذا التأمل تبدأ المأساة في أن تصبح عنده مشكلة فنية، فهو يقودنا بتحليله الدقيق الوثيق في أركان التاريخ لكي يكشف لنا عن (الدورة الخالدة) التي ألهمته الأنشودة الجميلة التي صدّر بها هذه الدراسة.

ولكن قبل اقتراح الحل. يجب أن تزول تماما الأنقاض من الفناء الغاص ببقايا انحطاطنا. ورواسب الفوضى التي عشنا فيها سنين عديدة.

وهذا الكتاب قد استطاع في فصوله الأولى أن يلقي الضوء على تلك الحقبة

ص: 8

الهامدة، والتي حركتها بصعوبة (التقاليد البطولية) ثم أعقبتها مرحلة (الفكرة).

ولكن تراثا وثنيا قد تبقى في أعماق الضمير الشعبي الذي شكلته القرون المليئة بخرافات الدراويش.

فإذا كان غول الدراويش قد صرعه الإصلاح، فإن غولا جديدا يمكن أن يظهر أيضا. وهو لا يشترط وجود أولياء أو أحجبة وحروز، ولكن أوثان سياسية، وبطاقات للتصويت.

هذا هو الصراع بين الفكرة والوثن، الذي أصبح طابعا جديدا للمأساة الجزائرية، وبدهي أن الإدارة الاستعمارية لم تكن غافلة وهي تعرف كيف تستغل هذا الوضع لكي يتفرق الشعب الجزائري، وتتبعثر قواه. وأكثر من ذلك فإن المشكلة التي نحن بصددها قد أسيء تكييفها سواء عند دعاة الإصلاح أو رجال السياسة.

إن الاستعمار ليس مجرد عارض، بل هو نتيجة حتمية لانحطاطنا: هذه هي المشكلة، ولا جدوى من فكرة لا تسلم بهذا المسلّم الأساسي الذي يبرزه بن نبي وهو يؤكد أنه " لكيلا نكون مستعمَرين يجب أن نتخلص من القابلية للاستعمار" هذه الجملة البسيطة هي، فيما أعتقد، الإشعاع النوراني الأول، الذي استرسل لينير حلبة الصراع لنا، ولقد أضاءها من قبل نور تلك الآية المذكورة هنا كأساس للنظرية كلها {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} .

ومع ذلك فإن المؤلف يرى من المفيد أن يقدم أيضا التبرير التاريخي، والنقدي، والعقلي، لهذا الأساس الرباني، الذي قد يفزع العقل الديكارتي.

وهو يعتبر هذا التبرير- الذي يكشف في بعض الصفحات عن أصول فلسفته- من القوانين التي تحكم أطراد الحضارات، وهنا ينبثق حل المشكلة كنتيجة حتمية لهذا الدرس التاريخي.

ص: 9

والنظرية تتكون جزءا فجزءا، بطريقة منطقية، طبقا للتكوين الأساسي لكل حضارة، حيث تتكون من الإنسان والتراب والوقت.

فإذا طبقت هذه النظرية على بلاد العروبة مثلا، فإنها تستوجب تكييفا للانسان الأمي، والتراب البائر، والوقت الضائع.

والمؤلف يبدأ نظريته هذه في ذلك الرمز الذي صدر به الباب الثاني والذي صاغه في كناية بارعة، وجمال أدبي فذ، وإلهام اجتماعي عميق.

وخطوة خطوة يكشف لنا عن العناصر التي تبدو في نظرنا ثانوية لا تستحق التفكير، والتي تنال هنا اهتماما رئيسيا، لأن اتصالها الحقيقي بتطورنا وحياتنا يظهر أمامنا فجأة، ولقد قال فاليري:" كل سياسة تقتضي (وهي عموما تجهل أنها تقتضي) فكرة معينة للإنسان ورأيا عن مصير النوع الإنساني، فكرة غيبية تذهب من المادة البحتة إلى التصوف الشاطح ".

فهل فكر أحد في مشكلة الرجل والتراب والوقت والمرأة والزي والتكيف والثقافة، التي هي جوهر المشكلة الإنسانية كلها؟

وتكوين المؤلف كمهندس قد ساعده دون شك في التصوير الفني للأشياء، ولكن ثقافته المزدوجة تسمح له بأن يصل هذا التصور بالخطة الإنسانية، بنفس الثقة التي تطبع خاتمته المؤثرة. ونضيف هنا أن الأمر لا يتعلق بعمل مفيد للجزائر فحسب، لأن هذه الدراسة تتعدى بعبقريتها حدود الجزائر، لكي تضم مجال العالم الإسلامي كله، حيث أنها تتضمن المشكلة الإنسانية في سائر عناصرها.

ونظريه بن نبي تلقي ضوءا على التجديد الإسلامي الذي يتجلى فيه قطبا النهضة: الروح والفن.

وهو حين يقدم في النطاق العقلي والخلقي مثله الباهر، فإنما يعطي لهذين القطبين منتهى الوضوح.

ص: 10

ونحن نأمل أن تخدم هذه الدراسة سير النهضة في العالم العربي وفي العالم الإسلامي، اللذين يجب أن تتوافق صحوة ضميرهما مع ضابط النغم في الضمير العالمي، الذي يبحث بصورة مؤثرة عن وسائل طمأنينته في طريق السلام والديمقراطية.

ونحن نريد أيضا أن تتقبل الدول الكبرى هذه الصحوة لا " كخطر إسلامي"، ولكن كنهضة لمئات الملايين من الناس الذين جاؤوا بدورهم ليساهموا في الجهود الخلقية والعقلية للإنسانية.

فهل تستطيع الشبيبة العربية والإسلامية التي وجدت في ظروف مواتية أن تحرك هذه النهضة، التي يعتبر بن نبي داعيا وحاديها؟

وأنا لا أريد هنا أن أخالفه، فأبدي له تقديري الشخصي كأخ لي وكأستاذ.

نوفمبر 1948

دكتور عبد العزيز الخالدي

ص: 11