المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مشكلة المرأة ليست مشكلة المرأة شيئا نبحثه منفردا عن مشكلة الرجل، - شروط النهضة

[مالك بن نبي]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةُ الطَّبْعَةِ الْفِرَنْسِيَّةِ

- ‌مُقَدِّمَةُ الطَّبْعَةِ الْعَرَبِيَّةِ

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُالْحَاضِرُ وَالتَّارِيخُ

- ‌أُنْشُوْدَةٌ رَمَزَيَّةٌ

- ‌دَوْرُ الْأَبْطَالِ

- ‌دَوْرُ السِّيَاسَةِ وَالْفِكْرَةِ

- ‌الْبَابُ الثَّانِيَالْمُسْتَقْبَلُ

- ‌أُنْشُوْدَةٌ رَمَزَيَّةٌ

- ‌مِنَ التَّكْدِيسِ إِلَى الْبِنَاءِ

- ‌الدَّوْرَةُ الخَالِدَةُ

- ‌الْعُدَّةُ الدَّائِمَةُ

- ‌أَثَرُ الْفِكْرَةِ الدِّينِيَّةِ فِي تَكْوِينِ الْحَضَارَةِ

- ‌الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: الْإِنْسَانُ

- ‌فِكْرَةُ التَّوْجِيهِ

- ‌تَوْجِيهُ الثَّقَافَةِ

- ‌التوجيه الأخلاقي

- ‌التَّوْجِيهُ الْجَمَالِيُّ

- ‌الْمَنْطِقُ الْعَمَلِيُّ*

- ‌الصِّنَاعَةُ

- ‌الْمَبْدَأُ الْأَخْلَاقِيُّ وَالذَّوْقُ الْجَمَالِيُّ فِي بِنَاءِ الْحَضَارَةِ

- ‌تَوْجِيهُ الْعَمَلِ

- ‌تَوْجِيهُ رَأْسِ الْمَالِ

- ‌مشكلة المرأة

- ‌مُشْكِلَةُ الزَّيِّ

- ‌الْفُنُونُ الْجَمِيلَةِ

- ‌الْعُنْصُرُ الثَّانِيَ: التُّرَابُ

- ‌الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: الْوَقْتُ

- ‌الْإِسْتِعْمَارُ وَالشُّعُوبُ الْمُسْتَعْمَرَةِ

- ‌الْمُعَامِلُ الإِسْتِعْمَارِيْ

- ‌مُعَامِلُ الْقَابِلِيَّةِ لِلِاسْتِعْمَارِ

- ‌مُشْكِلَةُ الْتَّكَيُّفِ

الفصل: ‌ ‌مشكلة المرأة ليست مشكلة المرأة شيئا نبحثه منفردا عن مشكلة الرجل،

‌مشكلة المرأة

ليست مشكلة المرأة شيئا نبحثه منفردا عن مشكلة الرجل، فهما يشكلان في حقيقتهما مشكلة واحدة هي مشكلة الفرد في المجتمع.

وإِنه ليجدر بنا بادىء الأمر أن نستبعد من دائرة بحثنا تلك الأقاويل التي يقولها بدافع من عواطفم أولئك الذين نصبوا من أنفسهم ذادة عن حقوق المرأة من كتاب الشرق أو الغرب.

وليس بمجد أن نعقد مقارنة بين الرجل والمرأة، ثم نخرج منها بنتائج كمية تشير إلى قيمة المرأة في المجتمع، وإنها أكبر أو أصغر من قيمة الرجل، أو تساويها، فليست هذه الأحكام إِلا افتئاتا على حقيقة الأمر، ومحض افتراء.

ولسنا نرى في الأقاويل التي تقولها على حقوق المرأة أدعياء تحريرها، أو الذين يطالبون بإبعادها من المجتمع إلا تعبيرا عن نزعات جنسية لا شعورية.

ولتوضيح هذه الحقيقة يجدر بنا أن ننظر إلى الدوافع النفسية العميقة التي تدفع كلا الطرفين إلى القول بآرائه، وحينئذ لن يصعب علينا معرفة هذه الدوافع على حقيقتها، وأنها جميعها تصدر عن شيء واحد هو: دافع الغريزة الجنسية طبقا لتحليل فرويد.

فهذه النقطة كانت مبدأ الانطلاق لكلا الفريقين، غير أنهما سارا بعد ذلك في طريقين مختلفين.

ص: 114

ولقد يكون هذا التعليل ظاهرا بالنسبة لأولئك الذين يطالبون بخروج المرأة في زينة فاتنة، إذ في ذلك ما يوقظ غرائزهم، أو يرضي شهواتم.

غير أن أولئك المتمسكين بإبعاد المرأة عن المجتمع، والمؤمنين بضرورة إِبقائها في سجنها التقليدي- قد يبدو، في تعليل الدافع النفسي لموقفهم بأنه جنسي، بعض الغرابة، بيد أنَّ هذه الغرابة لا تلبث أن تزول حينما نعلم أن ليس لتفكيرهم من مبرر منطقي، إلى ما يتعللون به من الحفاظ على الأخلاق، الذي يختفي وراءه مغزى التمسك بالأنثى، فالغريزة هنا تكلمت بلسان آخر.

ولقد يكون كلام الغريزة واضحا في رأي من يريد المرأة في صورة تلفت إليها الغرائز، أما عند من يرى أن تخرج في هيئة يقبلها الخلق فإنه من العسير أن نرى دور الغريزة في مثل ذلك التفكير، ولكن قد يكون في منعها من الخروج مبرر خفي مما يستقر في نفس الرجل من دافع جنسي من الخوف على أنثاه أن يشاركه فيها غيره، وإذن فهو يدافع عن أنثاه، وهنا يظهر جلياً ذلك الاعتبار الجنسي في تفكيره.

وهكذا نرى أن كلا الفريقين قد يصدر رأيه عن اعتبار واحد هو الغريزة، ولا أمل لنا في أن نجد في آرائهما حلا لمشكلة المرأة.

وإذن فهذه المشكلة ينبغي أن تصفى أولا من مثل هذه النزعات، ثم تُحل حلا يكون الاعتبار الأول فيه لمصلحة المجتمع، فالمرأة والرجل يكونان الفرد في المجتمع: فهي شِقُّ الفرد، كما أن الرجل شقه الآخر.

ولا غرو فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " النساء شقائق الرجال ".

والله تعالى خلقهما من نفس واحدة. وأخبر عن ذلك بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} .

فالمرأة والرجل قطبا الإنسانية، ولا معنى لأحدهما بغير الآخر، فلئن كان

ص: 115

الرجل قد أتى في مجال الفن والعلم بالمعجزات، فإن المرأة قد كونت نوابغ الرجال. ونحن نرى لزاما علينا أن يكون تناولنا للموضوع بعيدا عن تلك الأناشيد الشعرية، التي تدعو إلى تحرير المرأة، فالمشكلة لا تتحدد في الجنس اللطيف فحسب، أو في بنات المدن، أو بنات الأسر الراقية، بل هي فوق ذلك تتعلق بتقدم المجتمع وتحديد مستقبله وحضارته.

وإذا تساءلنا هل يجب نزع الحجاب؟ أو هل يسوغ للمرأة التدخين؟ أو التصويت في الانتخابات؟ أو هل يجب عليها أن تتعلم؟ فينبغي ألا يكون جوابنا عن هذه الأسئلة بدافع من مصلحة المرأة وحدها، بل بدافع من حاجة المجتمع وتقدمه الحضاري، إذ ليست الغاية من البحث في اشتراكها في هذا المجتمع إِلا الإفادة منها في رفع مستوى المرأة ذاتها، وإذن فليس من المفيد لنا أن ننظر إلى مشكلتها بغير هذا المنظار.

ولقد نعلم أنه يضيق صدر بعض ذوي الأذواق الرقيقة بما نقول. فيحتجون علينا بأن مثل هذا الموقف يذيب المرأة في المجتمع، ولكننا نقول لهم: إن إعطاء حقوق المرأة على حساب المجتمع معناه تدهور المجتمع، وبالتالي تدهورها، أليست هي عضوا فيه؟ فالقضية ليست قضية فرد، وإنما هي قضية مجتمع.

لقد بدأت المرأة المسلمة التي كانت إلى زمن قريب تلبس (الملاية) في إفراط - تسلك في سيرها الاجتماعي الطريق الذي رسمته أوربا لنسائها، متخيلة أن في ذلك حلا لمشكلتها الاجتماعية.

ونحن نأسف أن يكون نساء الشرق بهذه الدرجة من البساطة، حين يرين مشكلتهن قد حُلت بمثل هذا التقليد لنساء أوربا، فإن مشكلة المرأة مشكلة إنسانية يتوقف على حلها تقدم المدنية، فلا يكون حلها إذن بمجرد تقليد ظاهري لأفعال المرأة الأوربية، دون ما نظر إلى الاسس التي بنت عليها المرأة الأوربية سيرها. ونحن إذ نحاول في هذا الفصل أن نحدد مهمة المرأة في المجتمع ينبغي أن ننظر إلى هذه المشكلة، وهي تسير منسجمة مع المشكلات الاجتماعية الأخرى،

ص: 116

في سبيل تقدم المدنية، فلا وجود لهذه المشكلة بغير هذا الإطار، وهو ما نريد تأكيده في هذا الفصل.

والآن نسأل أنفسنا: هل من المفيد للمرأة المسلمة أن نجعلها في مركز تشبه فيه أختها الأوربية؟ .. لقد اتبعت هذه الطريق بعض البلاد الإسلامية، وهي تمثل في نظرها حركة التجديد في حياة المرأة، التي ما زال يدعو إليها المجددون، ولكننا بشيء من النظر نرى أن انتقالنا بالمرأة من امرأة متحجبة إلى امرأة سافرة، تطالع الصحف وتنتخب، وتعمل في المصنع لم يحل المشكلة، فهي لا تزال قائمة، وكل الذي فعلناه أننا نقلنا المرأة من حالة إلى حالة، وسنرى عما قريب أن انتقالنا هذا عقد المشكلة بعد أن كانت بسيطة، فليست حالة المرأة الأوربية بالتي تحسد عليها، فظهور المرأة الأوربية في مظهر لا يخاطب في نفس الفرد إِلا غريزته أثار أخطارا جديدة، كنا نود أن يكون المجتمع بمنجاة منها، فمشكلة النسل في البلاد الأوربية وصلت إلى حالة تدعو أحيانا إلى الرثاء، إذ أنها فقدت تنظيمها الاجتماعي، بحيث جعلت المجتمع الأوربي- وقد امحت منه معاني التقديس للعلاقات الجنسية- يعتبر هذه العلاقات تسلية للنفوس المتعطلة؛ وبذلك فقدت وظيفتها من حيث هي وسيلة لحفظ الأسرة، وبقاء المجتمع.

ومن هنا نجد نذيرا جديدا للذين يجعلون من أوربا مثلهم الأعلى في كل تجديد؛ فإن مشكلة المرأة الأوربية مازالت خطيرة، خطيرة حتى في ذهن المرأة ذاتها، وفي تصورها لنفسها، كيف تتحقق كمثل أعلى خلقي وجمالي لحضارة.

ويمكن أن نرى خطورة هذه المسألة في أحد مظاهر حياتها في أوربا، أعني " المودة " فالزي الذي تختاره المرأة لنفسها دليل واضح على الدور الذي تريد تمثيله في المجتمع وتمثله فعلا، فقد كانت المرأة الأوربية إلى عهد قريب تلبس اللباس اللطيف من (الدانتلا)، تستر به مع أنوثتها سرها المكتوم حتى أخمص قدميها، وتتخذ من حيائها حاجزا يمنعها من التردي في الرذيلة، فكانت بردائها هذا خير مثل للرقة والأدب في المجتمع، إذ كانت السيدة الجديرة بكل احترام.

ص: 117

الزوجة الصالحة التي تمسح بيديها الرقيقتين عن نفس الزوج متاعب العمل.

غير أنها أصبحت اليوم تلبس اللباس الفتان المثير، الذي لا يكشف عن معنى الأنوثة، بل عن عورة الأنثى، فهو يؤكد المعنى الجسدي الذي يتمسك به مجتمع ساده الغرام باللذة العاجلة.

وعلى نقيض هذا نجد امرأتنا المسلمة تلبس (الملاية)، فتسرف في ستر جسدها بشكل شاذ في بعض أنحاء بلادنا معبرة عما يطبع مجتمعاتنا من الميل إلى الركود والتخلف، وهي من ناحية أخرى تعبر عما يراود نفوسنا أحيانا من رياء أو نفاق.

فالأمر يجري في كلتا الحالين بين تفريط وإفراط، ومن الواجب أن توضع المرأة هنا وهناك حيث تؤدي دورها خادمةً للحضارة، وملهمة لذوق الجمال وروح الأخلاق، ذلك الدور الذي بعثها الله فيه أما، وزوجةً للرجل.

وحبذا لو أن نساءنا عقدن مؤتمرا عاما يحددن فيه مهمة المرأة بالنسبة لصالح المجتمع، حتى لا تكون ضحية جهلها، وجهل الرجل بطبيعة دورها، فإِن ذلك أجدى علينا من كلمات جوفاء ليس لها في منطق العلم مدلول.

ذلك أني لا أرى مشكلة المرأة بالشيء الذي يحله قلم كاتب في مقال أو في كتاب. ولكني أرى أن هذه المشكلة متعددة الجوانب، ولها في كل ناحية من نواحي المجتمع نصيب؛ فالمرأة كإنسان تشترك في كل نتاج إنساني أو هكذا يجب أن تكون. ولن يكون تخطيط حياتها في المجتمع مفيدا إلا إذا نظرنا إلى هذا المؤتمر بعين الاهتمام، بشرظ أن يضم الوسائل الكفيلة بتناول المشكلة من جميع أطرافها، فيجب مثلا أن يضم علماء النفس، وعلماء التربية، والأطباء. وعلماء الاجتماع وعلماء الشريعة، وغيرهم. وحينئذ نستطيع أن نقول: إننا وضعنا المنهج الأسلم لحياة المرأة، ولسوف يكون هذا التخطيط حتما في صالح المجتمع، لأن علماءه والمفكرين فيه هم الذين وضعوه.

ص: 118

وتحديدنا لعمل المرأة في المجتمع جدير بالاعتبار، فمن المعلوم أن المرأة الأوربية كانت ضحية هذا الاعتبار، لأن المجتمع الذي حررها قذف بها إلى أتون المصنع، وإلى المكتب، وقال لها:" عليك أن تأكلي من عرق جبينك ". في بيئة مليئة بالأخطار على أخلاقها، وتركها في حرية مشئومة، ليس لها ولا للمجتمع فيها نفع، ففقدت- وهي مخزن العواطف الإنسانية- الشعور بالعاطفة نحو الأسرة، وأصبحت بما ألقي عليها من متاعب العمل صورة مشوهة للرجل، دون أن تبقى المرأة.

وهكذا حُرم المجتمع من هذا العنصر الهام في بناء الأسرة، وهو العنصر الأساسي فيها، وجنت أوربا ثمار هذه الأسرة المنحلة مشكلات من نوع جديد. وهناك شيء جدير بالإثارة في هذا الفصل، هو مسألة تعدد الزوجات: هل لعدد الزوجات أفضل من الاقتصار على امرأة واحدة؟ أم العكس؟

ونحن نرى أننا لا نستطيع أن نبحث هذه المشكلة أيضا بعيدا عن واقع المجتمع، بحيث نغفل تفوق عدد النساء على الرجال في غالب الظروف، وما يجر ذلك على المجتمع من مشكلات.

إن دارس الاجتماعيّات لا يدرس الأشياء كما هي فحسب، يل هو يحاول أن يدرك ما سوف تؤول إليه أيضا .. ولذلك فحين نرى المرأة المسلمة تسير متطورة في زيها ومسلكها نتساءل: إلى أي وجهة تسير؟ ..

إننا لا نعلم حتى الآن طريقها، ولا ندرك هدفها، لأن مجتمعنا يسير مستسلما للحوادث والأيام.

نعم إننا نرى المرأة في تطور، ولكننا لم نشرع بعد في التخطيط الدقيق لجميع أطوارها، فنحن نراها في مظاهرها الجديدة فتاة في المدرسة، وفي حركة كشفية، وفي تسابق في الحياة العامة، عاملةً، ومولدة، وطبيبة ومدرسة، وعاملة في المصنع والأتوبيس، ونائبةً أخيراً

ص: 119

ومهما يكن عجزنا كبيرا عن تخطيط مراحل تطور الفتاة المسلمة، فإنه يلزمنا عند أي تخطيط ألا نغفل بعض القضايا الجوهرية، كقضية " الحضور "، أعني حضور المرأة في المجتمع حضورا محسًّا بيِّناً.

نعم إن امرأتنا عندما لا تحضر في هذا المجتمع، ولا تدرك أحداثه التي تجري فيه، ولا تطوراته التي سوف يصير إليها، تدع المجال لامرأة أخرى تخلفها حتى في البيت الذي تعتكف فيه، إننا نرى الآن " مودة " التزوج بالأجنبيات تنمو عند شبابنا، وهي نتيجة تباعد المرأة العربية عن المجتمع. لقد بدأت الأجنبية تضع طابعها في حياتنا فعلا.

ونحن لا ندري أي مكان هام تشغله الآن المرأة الأوربية في لا شعورنا، لأن المرأة التي تحضر في مجتمعها وتعني بشئونه توجه كل الاستعدادات الخفية في الرجل، فإذا به يخضع لسلطانها من حيث لا يشعر.

ونستطيع القول: إن المرأة الأوربية قد أصبحت اليوم في الجزائر مثلا -من حيث لا تشعر هي نفسها- تقود خيال شبابنا الشعري، واتجاهاته في ذوق الجمال، بل وربما في مثله الأخلاقية، ولقد أصبحت تؤلف من حيث لا يشعر مآسيه الكبيرة، أو الصغيرة، التي تظهر في حياته، اليومية، أو تتخفى وتستتر (1). ومن الواضح أن الأوربية لا تتمتع بهذه الميزة إِلا لأن المرأة عندنا لا تقوم بدورها أحيانا.

فكيف؟ وبأي أسلوب يمكن للمرأة المسلمة أن تقوم بدورها؟ .. إن علماءنا ومثقفينا ونساءنا أنفسهن، جميعا مسئولون عن هذا الجواب. وربما كان القارىء ينتظر من المؤلف أن يتجاوز الإشارة إلى عقد المؤتمر المقترح آنفاً إلى الإجابة عن هذا السؤال نفسه، وعرض حل معين له.

إن مثل هذا الموقف يدل على أننا لا نفرق في المشكلة بين الجانب الفني

(1) عندما يصبح نفوذ الأجنبية في سياستنا مثلا.

ص: 120

كمشكلة رأس المال مثلاً، والتراب الذي يعالجه الفني بإعطاء نظرته الخاصة فيه، وبين الجانب الاجتماعي الذي لا تكفي لحله، النظرة الخاصة، مهما كانت قيمتها من الناحية الفنية، لأن الحل هنا يتطلب التنفيذ، أي الوصول إلى وسائل عملية أكثر من التحليل والبحث، الذي يحدد الوجوه النظرية.

فالقضية إذن من حيث إنها تتطلب التنفيذ هي في النهاية موقوفة على من بيده وسائل التنفيذ. ولا شك أن مؤتمراً يحدث فيه ما يسميه الفقهاء بالإجماع هو الكفيل بهذا، فالقضية تتطلب بالضبط (إجماعاً) لا إخصائيين، تتطلب حلاً جماعياً، لا وجهة نظر فرد، مهما كانت قيمتها.

والإجماع يكون إما بطريق مسايرة الظروف (1)، وإما بتسيير الظروف نفسها، فأما الطريق الأولى فهي الطريق التي يتبعها العالم الاسلامي اليوم، لا بالنسبة لمشكلة المرأة فحسب، بل لكل مشكلاته.

وأما الطريق الثانية فإنه يكون بِدَرْس المشكلات، وتعيين وسائل حلها، فوسائل حل مشكلة المرأة يجب أن تقرر في مؤتمر عام، تصبح مقرراته دستوراً لتطور المرأة في العالم الاسلامي.

(1) هذا الاستسلام للظروت نجده حتى عند أكابر كتابنا، فقد كتب الأستاذ الكبير محمد زكي عبد القادر تعليقا على منع أحد الموظفين دخول النساء وزارة الأوقاف، يقرل:"لعلني من أنصار حظر دخول النساء مكاتب الموظفين، ولكن ماذا نصنع في حكم الزمن والتطور؟ إنه أقوى مني، وأقوى منه".

ص: 121