المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تَوْجِيهُ الْعَمَلِ   ((مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ - شروط النهضة

[مالك بن نبي]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةُ الطَّبْعَةِ الْفِرَنْسِيَّةِ

- ‌مُقَدِّمَةُ الطَّبْعَةِ الْعَرَبِيَّةِ

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُالْحَاضِرُ وَالتَّارِيخُ

- ‌أُنْشُوْدَةٌ رَمَزَيَّةٌ

- ‌دَوْرُ الْأَبْطَالِ

- ‌دَوْرُ السِّيَاسَةِ وَالْفِكْرَةِ

- ‌الْبَابُ الثَّانِيَالْمُسْتَقْبَلُ

- ‌أُنْشُوْدَةٌ رَمَزَيَّةٌ

- ‌مِنَ التَّكْدِيسِ إِلَى الْبِنَاءِ

- ‌الدَّوْرَةُ الخَالِدَةُ

- ‌الْعُدَّةُ الدَّائِمَةُ

- ‌أَثَرُ الْفِكْرَةِ الدِّينِيَّةِ فِي تَكْوِينِ الْحَضَارَةِ

- ‌الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: الْإِنْسَانُ

- ‌فِكْرَةُ التَّوْجِيهِ

- ‌تَوْجِيهُ الثَّقَافَةِ

- ‌التوجيه الأخلاقي

- ‌التَّوْجِيهُ الْجَمَالِيُّ

- ‌الْمَنْطِقُ الْعَمَلِيُّ*

- ‌الصِّنَاعَةُ

- ‌الْمَبْدَأُ الْأَخْلَاقِيُّ وَالذَّوْقُ الْجَمَالِيُّ فِي بِنَاءِ الْحَضَارَةِ

- ‌تَوْجِيهُ الْعَمَلِ

- ‌تَوْجِيهُ رَأْسِ الْمَالِ

- ‌مشكلة المرأة

- ‌مُشْكِلَةُ الزَّيِّ

- ‌الْفُنُونُ الْجَمِيلَةِ

- ‌الْعُنْصُرُ الثَّانِيَ: التُّرَابُ

- ‌الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: الْوَقْتُ

- ‌الْإِسْتِعْمَارُ وَالشُّعُوبُ الْمُسْتَعْمَرَةِ

- ‌الْمُعَامِلُ الإِسْتِعْمَارِيْ

- ‌مُعَامِلُ الْقَابِلِيَّةِ لِلِاسْتِعْمَارِ

- ‌مُشْكِلَةُ الْتَّكَيُّفِ

الفصل: ‌ ‌تَوْجِيهُ الْعَمَلِ   ((مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ

‌تَوْجِيهُ الْعَمَلِ

((مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عليه السلام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ))

((حديث شريف))

قلنا إن حل مشكلة الإنسان يتكامل في ثلاثة عناصر أساسية هي: توجيه الثقافة، وتوجيه العمل، وتوجيه رأس المال.

وقد انتهينا في الفصل السابق من دراسة توجيه الثقافة، والآن نبدأ في دراسة توجيه العمل، وهو الحلقة الثانية من مشكلة الإنسان.

ولقد يظهر بعض الغرابة، عندما نلاحظ درجة النمو الاجتماعي في البلاد الإسلامية، في الحديث عن توجيه شيء يكاد يكون لا وجود له!!

إن الشبح المألوف للمتعطل في هذه البلاد- ذلك المسكين الذي يقتل وقته بلا شعور فيما لا يجدي- قد أصبح هذا الشبح نقطة استفهام مقلقة تحت عنوان هذا الفصل.

ولكن ألم نتحدث عن توجيه الثقافة؟ فهل هناك ثقافة في بلادنا؟ لا بأس على كل حال من أن نتحدث عن توجيه شيء لا وجود له، فحديثنا نفسه محاولة لخلقه، وإسهام في تكوينه.

ونقطة الاستفهام هذه لا تسد الطريق إلا على من ينظر إلى الأشياء في وضعها لا في مصيرها.

والعمل وحده هو الذي يخط مصير الأشياء في الإطار الاجتماعي. ورغم

ص: 106

أنه ليس عنصرا أساسيا كالإنسان والزمن والتراب، إلا أنه يتولد من هذه العناصر الثلاثة، لا من الخطب الانتخابية أو الوعظية.

فعندما كان المسلمون الأُوَل يشيدون مسجدهم الأول بالمدينة، كان هذا أول ساحة للعمل صنعت فيها الحضارة الإسلامية.

فلو أننا نظرنا إلى هذه الساحة في بساطتها، وقلة شأنها في ذلك الوقت لدعانا المشهد إلى الابتسام، ولكن، أليس هنالك قد تلقى بناءو الحضارة الإسلامية دروس العمل؟؟!!

أو ليسوا هنالك قد قبضوا لأول مرة على عصا التاريخ؟

إن الشيء الذي يهمنا في المجتمع الناشىء هو الناحية التربوية في عملنا، لا الناحية الكسبية، إذ أن الناحية الكسبية لا تظهر إلا في المرحلة التي تطابق عند علماء الاجتماع "تقسيم العمل": وأي خلط بين هذين المظهرين يدفع المجتمع الناشىء إلى إهمال شطر من إمكاناته واثقال كاهله بالأعباء، التي لا يمكن تحملها إِلا لمجتمع تطور فعلا، وأصبح شعاره:" كل جهد يستحق أجراً".

أما في المجتمع الناشىء، فإن كلمة " أجر" تفقد معناها، لأن العامل لا علاقة له بصاحب عمل، ولكن بجماعة أو عشيرة يشاطرها بؤسها ونعماها.

إن توجيه العمل في مرحلة التكوين الاجتماعي بعامة يعني سير الجهود الجماعية في اتجاه واحد، بما في ذلك جهد السائل، والراعي، وصاحب الحرفة، والتاجر، والطالب، والعالم، والمرأة، والمثقف، والفلاح، لكي يضع كل منهم في كل يوم لبنة جديدة في البناء.

فإعطاء ثلاثة حروف من الأبجدية عمل، وتقبل هذه الحروف عمل، وإزالة أذى عن الطريق عمل، وإِسداء نصح عن النظافة أو الجمال- دون أن يغضب الناصح حين لا يصغى لنصحه- عمل، وغرس شجرة هنا عمل، واستغلال أوقات فراغنا في مساعدة الآخرين عمل، وهكذا ..

ص: 107

فنحن نعمل ما دمنا نعطي أو نأخذ بصورة تؤثر في التاريخ.

فتوجيه العمل هو تأليف كل هذه الجهود لتغيير وضع الإنسان، وخلق بيئته الجديدة، ومن هذه البيئة يشتق العمل معناه الآخر:(كسب العيش لكل فرد).

والواقع أنه يجب أن يكون التوجيه المنهجي للحمل شرطا عاما أولا، ثم وسيلة خاصة لكسب الحياة بعد ذلك، لأن هذا التوجيه- حين يتحد مع توجيه الثقافة، وتوجيه رأس المال- يفتح مجالات جديدة للعمل.

وعلى قدر ما يصبح في البلاد من فنيين وفنون وحرف، تتجه أحوال معيشة الفرد إلى وضعها الطبيعي حتما، ولا يمكن أن يحدث هذا دون ذلك، لأنه كلما تقدم التوجيه المثلث للإنسان تغير وجه الحياة حتما، فيكتمل ويحتل مستوى أرفع دائما.

والحق أن كل عمل الإنسان قد صدر أولاً عن يده، فهي التي شقت الطريق لفكره في عالم الأشياء التي صنعتها، وكأنها كانت بذلك تخلق فكره، وتعد مهده، وإطاره، والمحيط الملائم لتطوره.

فلنكرم اليد التي تمسك بالمبرد (والفارة)، فمنها ستنبثق المعجزات التي ننتظرها.

ولقد انبثقت المعجزة فعلاً حين، تحركت اليد، فأمسكت الآلة، أو قلبت التراب.

وهكذا نجد أن توجيه الثقافة مع توجيه العمل يعدان- دون أدنى شك- للابسي الأسمال، وللعاطلين، مكانهم في المجتمع، في ظل وارف من الكرامة والرفاهية.

ص: 108