الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَنْطِقُ الْعَمَلِيُّ*
لسنا نعني بالمنطق العملي ذلك الشيء الذي دونت أصوله، ووضعت قواعده منذ أرسطو، وإنما نعني به كيفية ارتباط العمل بوسائله ومعانيه وذلك حتى لا نستسهل أو نستعصب شيئا، بغير مقياس يستمد معاييره من واقع الوسط الاجتماعي، وما يشتمل عليه من إمكانيات، انه ليس من الصعب على الفرد المسلم أن يصوغ مقياسا نظريا يستنتج به نتائج من مقدمات محددة، غير أنه من النادر جدا أن نعرف المنطق العملي، أي استخراج أقصى ما يمكن من الفائدة من وسائل معينة.
ونحن أحوج ما نكون إلى هذا المنطق العملي في حياتنا، لأن العقل المجرد متوفر في بلادنا، غير أن العقل التطبيقي الذي يتكون في جوهره من الإرادة والانتباه فشيء يكاد يكون معدوما.
فالمسلم يتصرف مثلاً في أربع وعشرين ساعة كل يوم: فكيف يتصرف فيها؟.
وقد يكون له نصيب من العلم، أو حظ من المال، فكيف ينفق ماله، ويستغل علمه؟.
وإذا أراد أن يتعلم علما أو حرفة، فكيف يستخدم إمكانياته في سبيل الوصول إلى ذلك العلم أو تلك الحرفة؟.
(*) لعل القارىء لا يجد كفاية من التفاصيل في هذا الفصل. فإذ أراد تحليلا اشمل فليراجع للمؤلف كتاب مشكلة الثقافة [ص:87]. حيث توسع في تحليل معنى المنطق العملي. وكذلك كتابه حديث في البناء الجديد [ص:62] وما بعدما.
إننا نرى في حياتنا اليومية جانبا كبيرا من (اللافاعلية) في أعمالنا إذ يذهب جزء كبير منها في العبث، والمحاولات الهازلة.
وإذا ما أردنا حصرا لهذه القضية فإننا نرى سببها الأصيل في افتقادنا الضابط الذي يربط بين عمل وهدفه، بين سياسة ووسائلها، بين ثقافة ومثلها، بين فكرة وتحقيقها: فسياستنا تجهل وسائلها، وثقافتنا لا تعرف مثلها العليا، وإن ذلك كله ليتكرر في كل عمل نعمله وفي كل خطوة نخطوها.
ولقد يقال: إن المجتمع الاسلامي يعيش طبقا لمبادىء القرآن، ومع ذلك فمن الأصوب أن نقول: إنه يتكلم تبعا لمبادىء القرآن، لعدم وجود المنطق العملي في سلوكه الاسلامي.
ونظرة إلى واقعنا لنرى الرجل الأوروبي والرجل المسلم: أيهما ذو نشاط وعزم وحركة دائبة؟.
ليس هو الرجل المسلم بكل أسف، الذي يأمره القرآن كما يعرف ذلك تماما- بقوله تعالى:(واقصد في مشيك) وقوله: (ولا تمش في الأرض مرحا). ألم نقل: إن الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكر؟. ولكن منطق العمل والحركة، فهو لا يفكر ليعمل، بل ليقول كلاما مجردا بل أكثر من ذلك. فهو أحيانا يبغض أولئك الذين يفكرون تفكيرا مؤثرا. ويقولون كلاما منطقيا من شأنه أن يتحول في الحال إلى عمل ونشاط.
ومن هنا يأتي عقمنا الاجتماعي، فنحن حالمون، يقصنا المنطق العملي، ولننظر إلى الأم التي تريد أن تربي ولدها، فهي إما أن تبلده بمعاملة أم متوحشة، وإما أن ترخي له العنان، وتتميع معه، فإذا أبدت إشارة أو أصدرت أمرا، شعر الطفل بتفاهة إرادتها، فلم يعبأ بها، إذ أن الوهن والسخف يطبعان منطق قولها، حتى في عين هذا الصبي المسكين.