الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسم اللهِ الرحمِن الرَحيِم.
المُقَدمَة
أشهر النحاة الذين عرفهم تاريخ النحو العربي في القرن السابع للهجرة وما بعده أبو عبد الله جمال الدين محمد بن مالك الطائي، المولود في الأندلس سنة ست مئة للهجرة، والمتوفى في دمشق سنهَ اثنتن وسبعين وست مئة للهجرة، بعدما ترك مصنفات في العربية ونحوها، نالت شهرة عريضة، وشغل بها الدارسون من بعده، وظلت أساسًا لأكثر الدراسات النحوية الى اليوم.
وكّتابه "شواهد التوضيح والتصحيع لمشكلات الجامع الصحيح" من خيرة الكتب التي تكشف عن اسلوبه في النقاش، وتبين سعهَ افقه واحاطته بشواهد اللغة. وهو من أبرز الاصول في موضوع الاحتجاج بالحديث الشريف فِى الدراسات النحوية، ولا يستغني عن الرجوع اليه باحث في هذا الجانب من لغة القران الكريم.
طبع الكتاب لأول مرة في إله آباد بالهند عام 1319 هـ. ثم نشره عن هذه النسخة المرحوم محمد فؤاد عبد الباقي بعدما خرّج نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف ومجموعة من شواهد الشعر وضبطها.
وخلال مطالعتي للكتاب أحسست وأنا أنعم النظر في بحوثه بأنَ ثمة نصوصًا ناقصة وألفاظًا محرفة، وتصحيفات شوهت آراء مؤلفه، وأوقعته في مَظِنّة ارتكاب الخطا. فدفعني هذا الى معارضة المطبوع على بعض مخطوطاته، وخلصت بعد المقابلة الى صحة ما رأيت، فرحت اسجل ما وجدته يخدم الكتاب من التقويم والاصلاح، حتى تجمعت ملاحظات أستطيع تلخيصها في الامور الآتية:
الأمر الأول- سقوط ألفاظ وعبارات بسبب انتقال البصر أو رداءة الأصل أو عدم الدقة في النقل.
والثاني- وقوع أخطاء تتصل برسم الحروف وشكلها، وتحريف كلمات شوهت المتن.
والثالث- ورود شواهد على غير جهتها التي هي مراد المؤلف في الاحتجاج، على الرغم مما بذله المحقق في تخريجها.
والأمر الرابع- إثبات المحقق زيادات في المتن من غير أن ينبه عليها. وظهرت أكثرها في عنوانات الأبحاث وتسلسلها؛ لأن ابن مالك لم يضع شيئًا منها لكتابه كما دلت المخطوطات. وكانت العنوانات غير دقيقة أحيانا؛ لأنها لم تنبى عن حقيقة البحوث، ولم تحددها بصورةٍ جامعة. وهي إلى ذلك تضمنت أخطاءً علمية ولغوية، مع اضطراب ترتيبها أحيانًا، وعدم جريانها على سنن واحد في البحوث من حيث الطول ومن حيث المادة.
وقد نبهت على أكثر ما وقع في المطبوعة من التحريف والوهم في مقال لي (1) كانت الغاية منه خدمة الكتاب، وبيان حقيقة نشرته، ليكون الباحثون على بينة من الأمر، ولكيلا يقعوا في أخطاء ليسوا عارفين بها، ولا ينسبوا إلى ابن مالك مالا يرتضيه من آراء (2).
فالنص الصحيح والاستنباط الدقيق متلازمان في البحث العلمي تلازم الروح والجسد، لا يستغني أحدهما عن الآخر. وكم من رأي ضعيف نُسب إلى عالم بسبب الاعتماد على كتاب لم تتوفر له الخدمة عند التحقيق والطبع.
ومن هنا وجدت الأسباب داعية إلى اعادة تحقيق هذا السفر النفيس بعدما توفر من مخطوطاته مايوجب القيام بالعمل. ودفعني إلى ذلك أكثر انقضاء ما يزيد على ربع قرن على صدور نشرة المرحوم محمَّد فؤاد عبد الباقي. وخلال هذه الفترة طبعت جملة من مصنفات ابن مالك، وظهرت أصول جديدة، ومراجع متعددة في الدرس النحوي وشواهده، يمكن الركون إليها في تخريج الآراء والنصوص، وضبط الشواهد، لكي يخرج النص بالمنزلة التي تليق به.
قدمت بين يدي" شواهد التوضيح" دراسةً ابتدأتها بتحقيق اسم الكتاب،
(1) نشر في مجلة المجمع العلمي العراقي- (المجلد الثالث والثلاثون- الجزءان الثاني والثالث) عام 1982. وزادت التنبيهات فيه على اكثر من مئة وعشرين موضعًا من المطبوعة. ثم وجدت بعد الفراغ من التحقيق امورًا كثير اخرى لم أدرجها في ذلك البحث. ولعل مقابلة سريعة بين النص الذي اقدمه محققًا وتلك المطبوعة سيجلي رداءة الطبعة. وذلك وحده أوجب اعادة تحقيق الكتاب.
(2)
ناقش باحثون بعض آراء ابن مالك. ونُسبت إليه بسبب الاعتماد على مطبوعة "شواهد التوضيح" المشوهة أقوال لا تصح له. ولزياده الإيضاح يراجع بحثي "في أصول التحقيق العلمي وطبع النصوص" المنشور في مجلة (المورد) البغدادية: المجلد الثاني عشر - العدد الأول- سنة 1983.
ونسبته إلى ابن مالك، ثم بينت دوافع تأليفه وزمنه ومادته، وتكلمت على منهج الكتاب واسلوبه، ودرست شواهده وطريقة الاستشهاد فيه. ووضحت بعد ذلك قيمة الكتاب، وأبديت بعض المآحْذ عليه. ثم ختمت الدراسة بوصف المخطوطات المعتمدة، وطريقتي في التحقيق
وخلصت من ذلك الى ايراد النص محققًا ومقابلًا على أربع مخطوطات، متبعًا الطريقة العلمية، ومستفيدًا من تجربتي في هذا الميدان. وقصرت تعليقاتي على ما يخدم المتن من الإيضاح دون إثقاله بحواش لايفيد منها الباحث أو القارئ.
ولم أجد بي حاجة إلى التعريف بمؤلفُ الكتاب "جمال الدين بن مالك". فهو صاحب "الألفية" و"التسهيل". وشهرته تغنى عن التعريف به. ولا اريد أن اكرر ما ذكره الباحثون قبلي، وبسطوا القول فيه؛ فقدْ عَرَّفوا بحياته وبآثاره في مقدمة كتبه التي قاموا بتحقيقها.
وبعد:
فهذا كتاب "شواهد التوضيح والتصحيح" اقدمه إلى القارئ الكريم بثوب جديد. وقد بذلت في سبيل اخراجه اخراجًا صحيحًا ما يحتمله جهدي، وأعطيته الوقت ما ملكت، ولم أضن عليه بالاخلاص والصبر والوقت. وأملي كبير في ان أكون قد وفقت إلى اسكمال ما كان في طبعته السابقة من نقص أو قصور.
ولا يفوتني في الختام ان ازجي خالص شكري، وجزيل ثنائي إلى أخي الأستاذ الدكتور حسين تورال، الذي أرسل الىّ مخطوطتين من "شواهد التوضيح" كتبت إحداهما عام ثمان وستين وست مئة، في عصر المؤلف ابن مالك. وقد تجشم عناء تصويرهما من مكتبات تركيا. فرفع فى مبادرته هذه الحرج الذي كان يخامرنى حين انهيت التحقيق على المخطوطتين العراقيتين، وجعلني أطمئن إلى ان ما اعتمدت عليه من المخطوطات الأربع يكفي لاخراج النص اخراجًا صحيحًا.
ومن الله استمد التوفيق والرشاد.
الدكتور طه محسن عبد الرحمن
بغداد - وزارة التربية