الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذِّكْرَى}. (44) وقراءة حفص ({لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} (45)
ولم يعتمد المؤلف على السبعة فحسب، بل أخذ بقراءة غيرهم، أمثال طلحة بن مُصرف وأبي العالية وابن محيصن وأبي رجاء العطاردى. وربما أورد القراءة وهي شاذة محتجا لما ذهب إليه ومدعيا القياس عليها.
ومن ذلك تاييده بقراءة الأعمشى {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرَ} (46) بالنصب جواز النصب على اضمار "أنْ". (47) وتجويزه حذف همزة الاستفهام في غير الشعر إذا كان معنى ما حذفت منه لا يستقيم إلا بتقديرها خلافًا لسيبويه. (48) وأستدل على ذلك بنصوص، منها قراءة ابن محيصن {سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم} . (49) بهمزة واحدة.
إن ما ذكرته كان فى معرض التمثيل ليس غير، لبيان أنه كان يحتج بالقراءات حتى ولو خالفت المشهور من آراء العلماء من غير تأويل في الغالب.
وعلى كثرة ما أورد منها لا نجده يضعفها أو يرد شيئًا منها كما هو مذهب أهل البصرة، ،وانما أخذ بها، سواء منها ما كان صادرًا من القراء السبعة أم العشرة أم كان من الشواذ، فهي مصدر من مصادر الشواهد النحوية، يسشهد بها في تأييد مذهبه ويقيس عليها، باستثناء موضعين. (50) ولم يتردد في اتباع ما يقضي به المنطق المعقول (من التعويل على اللفظة الواحدة تاتى في القرآن ظاهرها جواز ما يمنعه النحاة، فيعول عليها في الجواز ومخالفة الأئمة. وربما رجح ذلك بأبيات مشهورة). (51)
الحديث الشريف:
يعد ابن مالك في طليعة النحاة الذين استندوا إلى الحديث الشريف في تاييد.
(44) سورة عبس 80/ 3 - 4.
(45)
غافر40/ 36 - 37 وينظر: شواهد التوضيح: الورقة 23 و.
(46)
المدثر 6/ 74.،
(47)
شواهد التوضيح: الورقة 26 ظ.
(48)
الكتاب 3/ 174 والجنى الدانى ص 105.
(49)
سورة البقرة 2/ 6. وينظر: شواهد التوضيح: البحث رقم 28.
(50)
ينظر: شواهد التوضيح: الورقة "17 ظ" و"24 و".
(51)
اللغة والنحويين القديم والحديث، عباس حسن ص 100.
القواعد النحوية، بل هو أول من توسع في الاستشهاد به، حتى صار من مميزات مذهبه النحوي. ومن ثم اقيم عليه النكير، ورمي بالخروج عن سنن النحوينِ المتقدمين. (52)
وليس هذا مجال البحث عن اختلاف العلماء في الاستشهاد بالحديث، ولا هو مجال الكلام على موقف النحاة ومناقشتهم فيما قبلوه منه وما رفضوا الأخذ به، فقد سجلت فيه البحوث والمصنفات. (53)، ولكن المقصود بيان موقف ابن مالك منه في "شواهد التوضيح".
إن عنوان الكتاب يشير قبل كل شيء إلى أنه شواهد لنصوص في "صحيح البخاري" أراد المؤلف أن يوجه إعرابها، وينظر لها بكلام العرب الفصحاء. فكان من هذه النظائر الحديث الشريف.
وبلغ ما استشهد به منه اثنين وثمانين حديثًا. (54) عزا المؤلف اثني عشر منها إلى مواضعه من كتب الحديث التي يأتي في مقدمتها "جامع المسانيد" لابنٍ الجوزي، وروى ابن مالك واحدًا منها بسنده، واستطعت إرجاع ستين نصًا إلى صحيح البخاري، واثني عشر نصًا وجدتها في كتب الحديث الأخرى. مثل "المسند" لأحمد بن حنبل، و"الموطأ" لمالك، وصحيح مسلم والترمذي وسنن ابن ماجة وأبي داود، وغيرها مما هو مبين في الحواشي.
وبقي حديثان لم أتمكن من الوقوف عليهما في كتب الحديث المتيسرة:
أولهما- (فإن الله ملككم إياهم، ولو شاء لملكهم إياكم)(55).
(52) كان أول المنكرين عليه وأشدهم أبا حيان النحوي ت 745 هـ. تنظر مقالته في "الاقتراح" للسيوطي ص 23. وناقش كلمة أبي حيان غير واحد من الباحثين. والتفصيل في كتاب "الشواهد والاستشهاد في النحو" للاستاذ عبد الجبار علوان ص 309 وما بعدها.
(53)
منها: "الاستشهاد بالحديث" لمحمد الخضر حسين (مجلة مجمع اللغة العرية 3/ 199). و "في أصول النحو" لسيد الأفغاني ص 42 وما بعدها. و "الشواهد والاستشهاد في النحو" ص 312 وما بعدها. و"الحديث النبوي في الدراسات اللغوية والنحوية" لمحمد ضاري حمادي. و "في الحديث الشريف والنحو" للدكتور خليل بنيان الحسون (مجلة الأستاذ العدد 2 - بغداد 979). و"موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث الشريف، للدكتورة خديجة الحديثي.
(54)
يضاف إليها ثلاثة أحاديث مكررة.
(55)
شواهد التوضيح: الورقة 5 ظ.
والثاني- (المرء مجزيَ بعمله، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر). (56)
ولسيبويه نص شبيه بهذا منقول عن العرب. وهو الوارد فى قوله: (وذلك قولك: الناس مجزيون بأعمالهم، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر). (57) ولعل ابن مالك يقصد هذه العبارة فنسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم سهوًا.
إنّ الأحاديث المشكلة عنده هي في الوقت ذاته نصوص فصيحة يمكن الاعتماد عليها في الاحتجاج. لذلك وجدت المؤلف يستند إليها في مواطن عدة لتقرير قواعد نحوية خالف بها بعض المتقدمين من النحاة. (58)
ومن هنا أستطيع أن أضيف الىٍ عدد الأحاديث الشواهد كل الأحاديث المشكلة؛ لأنها عنده فصيحة لغةً ونحوًا.
لقد كان موقف ابن مالك هذا فريدًا بالقياس إلى من سبقه، وكان يكرر التصريح باهمية اتخاذ الأحاديث شواهد لدعم الآراء النحوية. لذلك وجدنا في الكتاب تصريحًا متكررًا بفصاحة الحديث وصحة لغته. ومن عباراته في هذا الباب:
- قوله وهو يرجح اتصال الضمير في نحو "كنته"(وأما مخالفة السماع فمن قبل أن الاتصال ثابت في أفصح الكلام المنثور كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: إن يكنه فلن تسلط عليه، وان لا يكنه فلا خير لك في قتله). (59)
- وقوله في وقوع خبر "كاد" مقرونًا بـ (أن)(فإذا انضم إلى هذا التعليل استعمال فصيح ونقل صحيح كما في الأحاديث المذكورة تأكد الدليل، ولم يوجد لمخالفته سبيل). (60)
وهذه النظرة في الاحتجاج بالحديث مكنته من أن يعرض آراءه بدقة، يرجح ويتخير، ويتخذ لنفسه موقفًا خاصًا على وفق ما يمليه عليه اجتهاده، ويهديه إليه تفكيره، مستهديا بما ارتضاه من شواهد، بلا تعصب لمذهب معين، فهو مع الشاهد أينما يكن.
ومن الأمثلة التي كان فيها الحديث حكمه الفيصل:
(56) شواهد التوضيح: الورقه 11 ظ.
(57)
كتاب سيبوبه 1/ 258.
(58)
ينظر البحثان 15 و 16.
(59)
شواهد التوضيح: الورقة 5 و.
(60)
شواهد التوضيح: الورقة 16 و.
- جواز ثبوت الخبر بعد "لولا"(وهو ما خفي على النحويين إلا الرماني وابن الشجري)(61)
- وجواز حذف الموصول لدلالة صلته أو بعضها عليه، وهو (مما انفرد به الكوفيون ووافقهم الأخفش. وهم في ذلك مصيبون .. وأحسن ما يستدل به علىٍ هذا الحكم قوله صلى الله عليه وسلم: مَثل المهجر كالذي يهدي بَدَنة، ثم كالذي يَّهدي بقرة، ثم كبشًا ثم دجاجة، ثم بيضةً". (62)
- و (صحة العطف على ضمير الرفع المتصل غير مفصول بتوكيد أو غيره، وهو مما لا يجيزه النحويون فى النثر إِلا على ضعف، ويزعمون أن بابه الشعر، والصحيح جوازه نظمًا ونثرًا، فمن النثر ما تقدم من قول علي وعمر رضي الله عنهما
…
). (63)
هذه أمثلة من فيض الآراء التي بثها في الكتاب، واحتج لكل منها بحديث أو أكثر مرتضيا القَياس عليها، وما لم يقس عليه- مع ندرته- فهو مؤول غالبًا، كقوله صلى الله عليه وسلم في صفة الدجال (وإن بين عينيه مكتوب كافرً) وفي رواية رفع (مكتوب) أوله على حذْف اسم "إِن" وما بعد ذلك جملة في موضع رفع خبرها. (64)
ومهما يكن من شيء، فابن مالك انفرد عمن سبقه من النحاة حين احتج لمجموعة مسائل بأكثر من مئتين وستين حديثًا، متوسعا في هذا الشأن توسعًا نفس فيه عن العربية بعض الشيء.
وكان مجمع اللغة العربية معضدًا لهذا المذهب، إِذ جاء ضمن أبحاثه في الموضوع ما يأتي (وخلاصة البحث أنا نرى الاستشهاد بألفاظ ما يُروى في كتب الحديث المدونة في الصدر الأول، وإن اختلفت فيها الرواية، ولا يُستثنى إِلا الألفاظ التي تجيء في رواية شاذة أويغمزها بعض المحدثين بالغلط أو التصحيف غمزًا لا مرد له). (65)
(61) شواهد التوضيح: الورقة 10 ظ.
(62)
شواهد التوضيح: الورقة "12و" و"12 ظ".
(63)
شواهد التوضيح: الورقة 18 و.
(64)
شواهد التوضيح: الورقة 22 و.
(65)
من بحث عنوانه "الاستشهاد بالحديث" لمحمد الخضر حسين في جملة مجمع اللغة العربيه بالقاهرة (ج 3 ص 208 سنة 936). وقرار المجمع بجواز الاحتجاج بالحديث في (ج ص 7 سنة 937). ينظر: الشواهد والاستشهاد في النحو ص337.