المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌منهج الكتاب وأسلوبه - شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح

[ابن مالك]

فهرس الكتاب

- ‌المُقَدمَة

- ‌اسم الكتاب ونسبته إلى ابن مالك

- ‌دوافع تأليف الكتاب

- ‌زمن تاليف الكتاب

- ‌مادة الكتاب

- ‌منهج الكتاب وأسلوبه

- ‌الشواهد والاستشهاد في الكتاب

- ‌القرآن الكريم وقراءاته:

- ‌الحديث الشريف:

- ‌الشعر:

- ‌أقوال العرب ولغاتها:

- ‌المنهج العام للاستشهاد في الكتاب:

- ‌قيمة الكتاب

- ‌مآخذ على الكتاب

- ‌مخطوطات الكتاب المعتمدة

- ‌المخطوطة (أ):

- ‌المخطوطة "ب

- ‌المخطوطة "ج

- ‌المخطوطة "د

- ‌عملي في التحقيق

- ‌حذف حرف العطف

- ‌ وقوع جواب "لو" مضارعًا منفيا بـ "ما

- ‌ دخول" ما" على "جعل

- ‌ موافقة "علق" لـ "طفق

- ‌ إجراء فعل القول مجرى فعل الظن

- ‌ حذف المضاف وأقامة المضاف إليه مقامه:

- ‌ حذف همزة الإستفهام

- ‌حذف العائد على الموصول

- ‌ إجراء "رأى" البصرية مجرى "رأى" القلبية

- ‌ دخول لام الابتداء على خبر "كان

- ‌ وقوع الجملة القسمية خبرًا

- ‌ وقوع المضارع المثبت المستقبل جواب قسم غير مؤكد بالنون

- ‌ تلقي القسم بمبتدأ غير مقرون باللام

- ‌ الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه

- ‌ توسط القسم بين جزءي الجواب

- ‌لغة "أكلوني البراغيث

- ‌ إضافه الموصوف إلى الصفة

- ‌ استعمال "قط" غير مسبوقة بنفي

- ‌جمع "ضَيف" على "ضَعَفة

- ‌ إجراء "ما" الموصولة مجرى "ما" الاستفهامية في حذف ألفها

- ‌ حذف المجزوم بـ "لا" التي للنهى

- ‌ استعمال "على" اسمًا

- ‌ وقوع الجواب موافقًا للشرط لفظًا ومعنى

- ‌ إخلاء جواب "لو" المثبت من اللام

- ‌مهيم" اسم فعل بمعنى: أخبر

- ‌ استعمال "أحد" في الإيجاب

- ‌المصادر

الفصل: ‌منهج الكتاب وأسلوبه

‌مادة الكتاب

تبين مما تقدم أن ابن مالك كان يريد من وراء الكتاب في ظاهر الأمر الاحتجاج لما ورد من مشكلات في ألفاظ حديث "الجامع الصحيح" للبخاري والاستدلال على فصاحتها وموافقتها لكلام العرب، وتوجيه اعرابها على وفق القواعد النحوية.

وقد بلغ ما احتج له أو وجه إعرابه مئة وثمانين حديثًا. وهذا يعني أن مادة الكتاب تنحصر في موضوعات اللغة العربية، إذ بلغ ما ورد منها فيه حوالي مئة وستين مسألة ما عدا المكرر منها، وهو يزيد على العشر.

وتحظى مادة النحو بالنصيب الأوفر من الشرح، إذ لم تزد مسائل الصرف على السبع، وما يتعلق باللغة وتفسير اللفظ ورد في أربعة مواضع، وما عدا ذلك فهو يختص بالموضوعات النحوية.

فالكتاب إذن من مصادر الدراسةة النحوية المفيدة التي امتازت بجديتها، وتكمن اهميتها في الاستعانة بنصوص الحديث والاحتجاج به، والاعتماد عليه في بناء الأحكام اللغوية.

‌منهج الكتاب وأسلوبه

صدّر المؤلف كتابه بعبارة (هذا كتاب سميته شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح) من غير أن يضع له مقدمة يبين فيها منهجه وطريقته ودوافع تأليفه.

وإذا كان الكتاب يخلو من التبويب ومن تقسيم الموضوعات إلى الفصول أو ما يشبهها، فانى أرى أن عدد المجالس التي أتم بها المؤلف الأشراف على مقابلة مخطوطات "الجامع الصحيح" هي التي تركت أثرها في تقسيم الكتاب على واحد وسبعين بحثا تخلو كلها عن العنوانات ومن التسلسل العددي.

ولأجل التفريق بين كل بحث والذي يليه فقد كان المؤلف يفتتح كل بحث بلفظ "ومنها" ثم يأتي بنصوص "صحيح البخاري" التي يراها مشكلة، وبعدها يوجه إعرابها مبتدئًا كلامه بلفظ "قلت".

ص: 13

وهذه الطريقة -أعني "منها

" ثم "قلت

"- هي التي اطردت من أول الكتاب حتى آخر بحث فيه.

وبلغ ما اختاره من المشكل مئة وثمانين نصًا (9) منها سبعون حديثًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وتسعون من كلام الصحابة، وحديث واحد لعمر بن عبد العزيز من التابعين، وما بقي فهو من كلام ورقة بن نوفل وأبي جهل وهرقل وصاحبة المزادتين وغيرهم ممن عاصر النبي صلى الله عليه وسلم أوجاء بعده بقليل.

والجامع لهذه النصوص كلها ورودها في "صحيح البخاري" على أنها مشكلة في رأي ابن مالك (10)، سواء أكانت في رواية واحدة أم جاء إشكالها بسبب الاختلاف الواقع في روايات النسخ المخطوطة للجامع الصحيح. وكان المؤلف يذكر الاختلاف في الروايات أحيانًا، ويترك ذكره في أغلب الأحيان.

وطريقة البحث بجملتها تقوم على إثبات نص الحديث وتعيين محل الاشكال فيه، ثم يوجه المؤلف اعرابه مستعينا بالتمثيل والاحتجاج بالنصوص الفصيحة، مقدمًا شواهد النثر على النظم، وذلك واضح من طريقته وبعض اشاراته، كقوله (والجواز أصح من المنع، لضعف احتجاج المانعين وصحة استعماله نثرًا ونظمًا)(11) وقوله: (وحذف كان مع اسمها وبقاء خبرها كثير في نثر الكلام ونظمه، فمن النثر قول النبي صلى الله عليه وسلم

ومن النظم قول الشاعر

) (12).

وإذا تنوعت الشواهد على المسألة الواحدة نراه يقدم نصوص القرآن والقراءات على غيرها، ويقدم في الغالب شواهد الحديث على أقوال العرب والنظم، ويقدم أقوال العرب النثرية على شعرهم.

وربما يكتفي عند إلاحتجاج على مسالةٍ ما بالقرآن وحده، أو بالحديث دون غيره، أو بأقوال العرب، أو بأبيات من الشعر فقط. وسأفصل هذا الجانب في بحث "الاستشهاد" إن شاء الله.

(9) يضاف إلى هذا العدد ثلاثة أحاديث شرحها المؤلف في البحث الرابع والعشرين. وأعاد ذكرها سهوًا في البحث الثاني والخمسين من غير ان يعلق عليها.

(10)

جاء ضمن هذه النصوص التي يفترض ان تكون كلها من صحيح البخاري أربعة أحاديث تبين بعد التحقيق انها ليست منه، منها اثنان في البحث الثاني والخمسين، واثنان في البحث التاسع والستين.

(11)

شواهد التوضيح الورقة 9 و.

(12)

شواهد التوضيح الورقة 11 ظ.

ص: 14

ولا يستطيع القارئ أن يفهم المقصود من "المشكل" عند المؤلف، لأنه لم يبينه في الكتاب، وليس في المنهج الذي سارعليه ما يفسره.

واذا جاز أن اوضح معناه هنا، بعدما أبهم تعريفه، فاني أرى أنه النص الوارد على خلاف الاستعمال المطرد للاسلوب العربى، وجاء على وفق ما منعه النحاة أو حكموا على مثله بالضرورة أو الشذوذ، أو لم ينبهوا على وروده في الكلام.

وهذا المفهوم لا ينطبق على كل الأحاديث التي تصدى المؤلف لتوجيه إعرابها، وتصويب إشكالها، لأن كثيرًا منها ورد على وفق الاستعمال الصحيح المطرد عند العرب، ولم يختلف النحاة في استقامة اسلوبها.

وبسبب اغفال تحديد مفهوم "المشكل" وجدت المؤلف يسلك طرائق في التعامل مع الأحاديث التي صدر بها البحوث:

فهو تارة يتصدى لتصحيح توجيهات اعرابية فيها خلاف بين النحاة، متخذًا من نص البخاري وسيلة الى ذلك، مثل مناقشة اعراب "يا" في قول ورقة بن نوفل (يا ليتني)، أهي للنداء أم للتنبيه، وذلك في البحث الأول. والمعروف أن "يا ليتني" اسلوب عربى لا إشكال فيه، والخلاف بين النحاة فيه شكلي ليس غير.

وينسى أحيانا أن عمله هو الاحتجاج لما يورده مشكلًا من الحديث، فيعد الحديث الذي يثبته ابتداءً شاهدًا نحويًا، يجيز به ما يشبهه من أساليب، من غير أن يعضد ذلك الحديث بالشواهد الاخرى على حسب المنهج الذي يدل عليه عنوان الكتاب. ومن ذلك اتخاذ الحديث (ما إحبّ أنه يحوّل الى ذهبًا) شاهدًا على استعمال "حوّل" بمعنى "صيّر"(13).

وقد يتخذ من الأحاديث منطلقا الى بحث نحوي لم يجده تامًا في كتاب قبله، فيفصل الكلام عليه، ويناقش النحاة فيه، ويلوح هذا في البحث الرابع، وهو موضوع اتصال الضمائر وانفصالها، وليس فى أحاديثه التي عدها مشكلة ما يخالف الاستعمال الفصيح.

ويتصدى أحيانا اخرى لتفسير ألفاظ من الناحية اللغوية حسب، من غير أن يقدم الشواهد عليها، كما فعل في تفسير لفظ "أضيبع" في البحث السادس والخمسين، والفعل "صُرف" في البحث الخامس والستين.

وربما يتعرض لبيان الأوجه الاعرابية الجائزة في لفظ من ألفاظ الحديث بينما

(13) شواهد التوضيح، البحث رقم (19). وينظر أيضًا بعض مسائل البحثين (67) و (69).

ص: 15

المروي منها وجه واحدٌ أو وجهان. كما نجده في لفظ "يغتسل" في البحث السادس والخمسين، ولفظ "يحبسها" في البحث الستين.

وقد يتخذ من الحديث دليلًا على جواز بعض الاستعمالات التي منعها نحويون قصرت جهودهم عن الاستقراء الصحيح، فيقدم الأدلة على ذلك، مثل البحث الثاني "في وقوع الشرط مضارعًا والجواب ماضيًا". وربما يوجه اعراب بعض الأحاديث ويصحح إشكالها، ويحتج لها، وهو الهدف الذي وضع الكتاب من أجله، ودلّ عليه عنوانه.

* * * * *

استعرض ابن مالك مجموعة من آراء النحاة واللغوين، وناقش طائفة منها.

ويأتي في مقدمة الذين أخذ عنهم أو رد عليهم: سيبويه "ت 180 هـ" ذكره في اثني عشر موضعًا، والأخفش "ت 215 هـ" ذكره في عشرة مواضع وهما بصريان، يليهما الفراء "ت 207 هـ" ذكره في ستة مواضع. ثم الكسائي "ت 183 هـ" والمبرد "ت 282 هـ" ثم الفارسي "ت 377 هـ" وابن جني "ت 392 هـ" والزمخشري "ت 538 هـ".

وذكر مرة واحدة كلًا من ابى عمرو بن العلاء "ت 159 هـ" والخليل "ت 175 هـ" ويونس بن حبيب "ت 182 هـ" وقطرب "ت 256 هـ" والرماني "ت 384 هـ" وابن السيد البطليوسي "ت 521 هـ" وابن الشجري "ت 542 هـ" وابن خروف "ت 606 هـ".

وربما استعمل عبارات عامة، مثل "النحوين" و"أكثر النحوين" و"بعض النحويين" و"البصريين" و"الكوفيين" و"أكثر الناس"

وليس من شك في أن المؤلف استفاد من مصادر متنوعة في النحو واللغة والقراءات والتفسير والحديث وغيرها مما أعانه على النقاش والحجاج.

ولكنه لم يذكر من أسماء المصادر إلا القليل؛ لأنه اكتفى بذكر مؤلفها.

ويتفرد من مصادر النحو "كتاب سيبويه" الذي اعتاد أن يشير إليه باسم مؤلفه، أو يذكر عنوان الباب الذي يقتبس منه، زيادة في التثبت.

ومن كتب الحديث إضافة إلى "الجامع الصحيح" للبخاري يبرز "جامع المسانيد" لابن الجوزي "ت 597 هـ" الذي استعان بأحاديثه في عشرة مواضع، و

ص: 16

"غريب الحديث" الذي لم يذكر مؤلفه، اضافة إلى ذكره رواة الحديث كالدارمي "ت 255 هـ" وابن ماجة "ت 273 هـ" وأبي داود "ت 275 هـ" والترمذي "ت 279 هـ" الذين نقل عنهم قول النبي صلى الله عليه وسلم (يوشك الرجل متكئًا على أريكته يحدّث بحديث من حديثي

) (14).

ومن كتب التفسير ذكر "الكشاف" للزمخشري مرتين. وذكر من كتب القراءات "المحتسب في تبيين وجود شواذ القراءات" لابن جني مرتين أيضًا.

ولا يعني اعتماده على هذا العدد من "المؤلفين أن كتابه صار كدسًا لنصوص منقولة يملأ بها فراغًا عند التصنيف، وإنما كان يلخص الفكرة الواردة في الكتاب المتقدم، ويشير إليها إشارة دقيقة ومختصرة.

وصفحات الكتاب التي تتردد فيها الأسماء كلها شواهد على هذه الطريقة التي برزت من خلالها آراء ابن مالك معضدة بالأدلة والبراهين من كلام العرب. ولم يلجأ إلى النقل الحرفي -إذا استثنينا الشواهد- إلا في ثلاثة مواضع، أخذ في كل منها اسطرًا من كتاب سيبويه اقتضى المقام الاحتكام إلى كلامه حرفيًا. (15)

وعلي الرغم من أن الكتاب يختص بموضوعات اللغة العربية ألا أن المؤلف لم يضع منهجا معينا لدرس مسائلها، فلا هو جمع مسائل كل موضوع وخصص لها بحثا مستقلًا على وفق ما نجده في الكتب النحوية، ولا هو اقتفى أثر البخاري في تبويب "الجامع الصحيح" الذي هو محور الدراسة. وإنما كان يختار حديثًا مشكلا يشرحه في بحث مستقل أوحديثين أوثلاثة، ربما يصطفي عشرة أحاديث من أبواب متفرقة من "صحيح البخاري" ويدرجها في بحث واحد.

ومن هنا يتبين سبب التفاوت بين البحوث من حيث الطول. فبينما نجد بحثًا في صفحة واحدة، درست فيه مسألة واحدة، يلقانا بحث شغل ست صفحات أو سبعًا، تكلم فيه المؤلف على مسائل متعددة قد تبلغ العشرة أحيانًا، وتتضح هذه الظاهرة أكثر فيما بعد البحث الخمسين.

والمسائل المندرجة في البحث الواحد تفتقد في الغالب وحدة الموضوع الذي يجمعها، فهي أشتات من موضوعات نحوية جاءت نتيجة تنوع الأحاديث البخارية المختارة، وربما تجتمع مسائل اللغة والصرف والنحو معًا.

(14) شواهد التوضيح الورقة 22 و.

(15)

شواهد التوضيح الورقة "16 ظ" و"19 ظ".

ص: 17

وعلى سبيل المثال ضم البحث الخامس والستون سبع مسائل منها:

- استعمال "في" بمعنى باء المصاحبة،

- ومعنى الفعل "صُرَف" واشتقاقه.

- وحذف المجزوم بـ "لا" التي للنهى.

- ومجيء "مفعول" ولا فعل له.

وهذه مسائل في اللغة والصرف والنحو لا تربطها وشيجة، ولا تعود إلى باب واحد من أبواب العربية، بل ترجع إلى أبواب متعددة.

وأدى ذلك إلى تبعثر مسائل الموضوع الواحد، وتشتيت المادة النحوية في أبحاث عدة، فالناظر إلى المسائل الخاصة بحروف الجر ومعانيها يجد أنها درست في البحث الثامن عشر والحادي والثلاثين والسابع والثلاثين والثامن والأربعين والخامس والستين والسابع والستين والتاسع والستين.

وقل مثل هذا فيما يتعلق بموضوع الشرط والجواب والعطف والضمائر والاستثناء والأحرف المشبهة بالفعل، وغيرها مما تفرق بيانه في أبحاث الكتاب. (16)

وحاول المؤلف أن يربط بين موضوعات الكتاب، فكان يشير أحيانًا إلى المباحث المتقدمة دون أن يكرر ذكرها بقوله (وقد تقدم الكلام على هذا) أو بما يشبهه. (17) وهذه طريقة علمية كان يحسن أن يسير عليها باطراد لكي يحقق الغرض من الاختصار الذي توخاه في الكتاب (18).

ولكني وجدته في أحيانٍ عدة يكرر شرح مسائل كان الأولى تجنب إعادتها ثانية.

ومن أمثلة المكرر عنده:

- تأنيث الضمير العائد على مذكر. شرحه في البحثين السابع والعشرين والحادي والاربعين

- وحذف همزة الاستفهام. تضمنه البحثان الثامن والعشرون والحادي والأربعون.

- وإفراد المضاف إلى المثنىّ وتثنيته وجمعه. يضمه البحثان الرابع عشر والسادس والستون.

(16) شواهد التوضيح: الورقة "7 و" و"8 ظ" و"28 و".

(17)

شواهد التوضيح: الورقة 8 و.

(18)

ينظر وصف ابن مالك لكتابه بـ "المختصر" في الورقة 8 و.

ص: 18

- واخلاء جواب "لو" من اللام. ذكر في البحثين الستين والسبعين.

- واستعمال "في" للسببية، ورد في البحثين الثامن عشر والتاسع والستين.

وتقودنا ظاهرة التكرار إلى بيان سمة اخرى برزت من خلال الشرح، وهى استطراد المؤلف وخروجه من مسألة إلى اخرى بسبب الشبه بينهما، حتى ولو كان الحديث الذي ذكره مشكلًا لا يمت إلى الثانية بسبب. وهذا واحد من الأسباب التي وسعت حجم الكتاب.

فمن ذلك انتقاله إلى الكلام على استعمال "إذا" بمعنى "إذ" بعد أن شرح استعمال "إذ" دالة على الاستقبال بمعنى "إذا" في قول ورقة بن نوفل (يا ليتني أكون حيًا اذ يخرجك قومك)(19)

وعندما يشير إلى تقدير "كان" في الحديث (ما يسرني أن لا يمر علي ثلاث

) يقول بعد ذلك (واشبه شى بحذف "كان" قبل "يسرني" حذف "جعل"

). ثم يشرح الموضوع ويحتج له (20).

وتكون استطراداته أحيانًا مختصرة وسريعة، كإشارته وهو يذكر التضمين في قول أبي بكر رضي الله عنه (وما عسيتهم أن يفعلوا بى). فيقول (ونظير تضمين "عسى" معنى "حسب" تضمين "رحُب" معنى "وسع"، في قول من قال: "رحبكم الدخول في طاعة الكرماني"). (21)

ويتنبه أحيانًا على أنه خرج عن الموضوع المحدد، فيعتذر مستدركًا بأن المقام تطلب ذلك، كقوله وهو يشرح مسوغات الابتداء بالنكرة (وإنما ذكرت من القرائن ما يناسب "إذا" و"الواو" في كون النحويين لا يذكرونه، ولم أقصد استقصاءها، إذ لا حاجة إلى ذلك في هذا المختصر). (22)

* * * * *

أما لغة الكتاب فهي لغة سهلة، بعيدة عن التكلف والتعقيد، تمتاز بالدقة في التعبير، والسلامة اللغوية، مع الاحترازات المتكررة، وتجنب التعميم في الأحكام، كقوله في اجراء المعتل مجرى الصحيح (ومن هذا على الأظهر قول النبى صلى الله عليه وسلم: من أكل

(19) شواهد التوضيح: الورقة 2 و.

(20)

شواهد التوضيح: الورقة 11 ظ:

(21)

شواهد التوضيح: الورقة 22 ظ.

(22)

شواهد التوضيح: الورقة 8 و.

ص: 19

من هذه الشجرة فلا يغشانا). (23) وقوله وهو يتكلم على "ربَ"(والتصحيح أنّ معناها في الغالب التكثير). (24)

واستمع إليه وهو يقرر تعدي الفعل "شبه" إلى مشبه به ومشبه دون باء، فيقول (وقد كان بعض المعجبين بآرائهم يخطئ سيبويه وغيره من أئمة العربية في قولهم "شبه كذا بكذا" ويزعم أن هذا الاستعمال لحن، وأنه لا يوجد فى كلام من يوثق بعربيته، والواجب ترك الباء). ثم يقول (وليس الذي زعم صحيحًا، بل سقوط الباء وثبوتها جائزان. وسقوطها أشهر في كلام القدماء، وثبوتها لازم في عرف العلماء). (25)

وقد دلّ الاستقراء على صواب هذا الكلام، ودقة قائله.

وهذه الدقة في عبارات ابن مالك هي التي جعلتها تقترب أحيانًا الي القواعد العامة، والقوِانين في أصول العربية. ومن هذه العبارات ما يأتي:

- (ولأن الشيء انما يجوز حذفه مع صحة المعنى بدونه إذا كان الموضع الذي ادعى فيه حذفه مستعملا فيه ثبوته)(26)

- (جعل الكلام خبرًا بمعنى النهي جائز). (27)

- (أكثر ما يجري المعتل مجرى الصحيح فيما آخره ياء أو واو). (28)

- (إلا عدول عن الاتباع عند صحة السماع). (29)

- (العامل لا يحذف ويبقى عمله إلا إذا اطرد ثبوته). (30)

- (الحكم قد يستحق بجزء العلة)(31)

وخلاصة القول أن اسلوب المؤلف سليم واضح، ليس فيه غموض، ومسائله مفهومة في عرضها وأفكارها. ولكن الكتاب يفتقد المنهج العلمي الذي اعتدنا أن نلاحظه في كتب ابن مالك الأخرى، وليست كل مادته مطابقة لعنوانه "شواهد التوضح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح". وهو أقرب إلى "المجموع"

(23) شواهد التوضيح: الورقة. 4 و.

(24)

شواهد التوضيح: الورقة 16 ظ.

(25)

شواهد التوضيح: الورقة 15 ظ.

(26)

شواهد التوضيح: الورقة 1 ظ.

(27)

شواهد التوضيح: الورقة 4 و.

(28)

شواهد التوضيح: الورقة 4 و.

(29)

شواهد التوضيح: الورقة 14 ظ.

(30)

شواهد التوضيح: الورقة 16 و.

(31)

شواهد التوضيح: الورقة 27 ظ

ص: 20