الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عَبْدُهُ ورسولُهُ.
أما بعد:
وإنَّ كُلَّ مُنْصِفٍ واعٍ يَطَّلِعُ على هذا الواقع التعيس، ويتدبر ما قُدِّمَ في كتاب ((السبيل)) هذا من تحليلات شرعية لهذا الواقع يدرك أنه لا شفاء لهذه الأمة من أمراضها، ولا نجاة لها من مصائبها، ولا نصر لها على عدوها، ولا تمكين لها في أرض الله جميعًا إلا بالرجوع إلى دينها، شريطة التزام الضابط الذي يضبط لها الفهم الصحيح، والمنهج الذي ينير لها الدرب .. وحينئذ يوحَّد الفهم، ويتَّحد الطريق، فيكون الخير والفلاح.
وأَنَّ الله عز وجل لم يَدَعِ الأمر هملًا، كل يفهم دينه كما يرى، وكل يسير كما يجتهد، بل بَيَّنَ هذا الضابطَ بنفسه، ووضع هذا الميزان في كتابه؛ كي تقام الحجة، ويوحَّد المنهج.
وقد ثبت بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة، وكلام الأئمة، والعقل
السليم، والواقع المدروس على ضوء الكتاب والسنة وتحليلهما للأحداث؛ أن ضابط الفهم، وميزان العمل هو: ما كان عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- ومن تبعهم بإحسان في العقيدة، والمنهج، والشريعة، والسلوك، وأنهم الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية.
وأن لهذه الطائفة الوحيدة أصولًا، وقواعدَ، ومنهجًا، ومفاهيمَ، وأسسًا، وصفاتٍ تتميز بها عن الطوائف المخطئة، والفرق المنحرفة.
وأن كل من خرج عن هذه المفاهيم والأصول فقد أبعد الفهم، وضل السبيل، كذلك كانت الطوائف مِنْ قَبْلُ، وكذلك ستكون الطوائف مِنْ بَعْدُ، مهما كانت نِيَّاتُهُمْ، ومهما كانت تضحياتهم، ومهما كانت أدلتهم، وستبقى هذه الجماعات تعيش في تمزقها، وَتَرْسُفُ (1) في ضعفها، وتراوح في مكانها .. تلهث ولا تسير، تسقط ولا تنهض، تصرخ ولا تعمل .. تقوم من مصيبة لتقع في كارثة .. وتخرج من كيد لتسقط في فخ، وستبقى هكذا حتى تدرك هذا المنهج، وتسلك هذا السبيل، سبيلَ الطائفة المنصورة {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ} .
وإلا فستظل هذه الْفِرَقُ تتخبط في تِيهِهَا مهما بذلت، ومهما اجتهدت {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} .. إلى أن تدرك هذه الحقيقة، حقيقة اتباع منهج الفرقة الناجية، وعندئذ يتحقق وعد الله، ويتنزل نصره.
(1) رَسَفَ يَرْسُفُ ويَرْسِفُ: مَشَى مَشْيَ الْمُقَيَّدِ إِذا جاءَ يَتَحَامَلُ برِجْلِهِ مَعَ القَيْدِ. [هذه الحاشية في النسخة الإلكترونية فقط وليست بالمطبوع (مُعِدُّه للشاملة)]
وبناء على هذا؛ فاعلم أنه لا هداية للعبد دون السير على طريق أهل السنة والجماعة، وأنه لا سير صحيحًا إلا بعد معرفة ((السبيل)).
وأنه لا سبيل لتوحيد الأمة الإسلامية وتمكينها إلا بمعرفة معالم الطائفة المنصورة، والالتزام بها.
وفضلًا عَمَّا سبق فإنه لا نجاة للعبد من عذاب الله يوم القيامة، ولا فَوْزَ بالجنة إلا باعتقاد عقيدة الفرقة الناجية، والسير على منهاجها ..
وهاك ((السبيل)) بأجزائه خطوة جادة عملية وشرعية واقعية لرسم الطريق الأقوم لنهوض هذه الأمة من كبوتها، واستفاقتها من غفوتها؛ لتكون الأمة التي أرادها الله تعالى.
فليس المقصود بهذا الكتاب رجلًا معينًا، ولا جماعة مخصوصة، بقدر ما هو تشخيص حقيقي لواقع مؤلم، ومعالجة صحيحة لهذا الواقع، فضلًا عن أنه سَعْيٌ صادق، وخطوة منضبطة لتوجيه هذه الصحوة، وتأصيلها، وتوعية أفرادها، وتثبيتهم على الحق والمنهج المثمر، لا تربيتهم على العاطفة الجيَّاشة، والحماسة المؤقتة، اللتين تزولان بصيحة، وتنطفئان بنفخة
…
وهذا هو الذي يُفْرِحُ أعداءهم، إذ إليه يَصْبُونَ، ومنه يخترقون .. وبتأصيلهم وحسن تربيتهم يبقون ما بقي الحق، ويصمدون كما صمد الأنبياء، فينالون ما نالوا من التوفيق في الدنيا، والفوز في الآخرة.
ويكفينا عبرة ما حل بنا من كوارث، وما نصبت لنا من أفخاخ، وآن لنا أن ندرك الطريق المستقيم، ونسلك المحجة الواضحة.
وقد ذُكِرَ في الجزء الأول منه: الواقع المضطرب الذي يعيشه العالم، والحال المؤلمة التي يعيش فيها عالمنا الإسلامي، وَبُيِّنَ فيه الأسباب الحقيقية الكامنة
وراء هذا الضعف .. من جهل بحقيقة هذا الدين وأهدافه، وتفرق مُخْزٍ، وفقدان للإخلاص والذات، فضلًا عَمَّا يكيده أعداء الله بهذه الأمة، وما يتربصون بها.
كما ذُكِرَ فيه أخطاء التشخيص والمعالجة المرتجلة، وصور مؤلمة من صور التربية التي تمارسها بعض الجماعات الإسلامية، ثم ذُكِرَ طريق العلاج، وسبيل النجاة، وعواصم الحفظ.
وَوُضِّحَ في الجزء الثاني منه السبيل الأمثل والوحيد لضبط فهم الكتاب والسنة، والذي به يزول الخلاف، وتتوحد الأمة، وهو أصل أصول الطائفة المنصورة، ثم ذُكِرَ فيه أصلان من أصولها.
وَعُرِّجَ في الجزء الثالث على أصلٍ عظيمٍ من أصولِ الطائفةِ المنصورةِ، وسبيلٍ قَوِيمٍ من سُبُلِهَا يُبَيِّنُ سببَ الانحرافِ وَخُطُورَتَهُ، ومعنى الاتباع ووجوبه، ومعنى الابتداع وحرمته، وعلامات كل من أصحاب الطريقين، ثم خُتِمَ ببعض قواعد الإنصاف التي تضبط المسلم على الصراط، وَتَقِيهِ من الانحراف، مِنْ غَيْرِ جَفَاءٍ مُنَفِّرٍ، وَلَا غُلُوٍّ مَقِيتٍ، وَلَا تَسَاهُلٍ مُشِينٍ.
وفي الجزء الرابع: عُرِضَ الأصل الرابع: السمع والطاعة وحدودهما، وحال المسلمين منهما.
وَفُصِّلَ في الأصل الخامس موقفُ العقل من الشرع، وحكم تعارضهما، وموقف الطوائف الأخرى من هذا الأصل العظيم.
وَبُيِّنَ فيه أيضًا الأصلُ السادس: التوفيق بين النصوص، وطرقه، ووجوهه، وهذا الأصل هو فَصْلُ الخطاب بين الطائفة المنصورة وطوائف الضلال الذين يضربون النصوص بَعْضَهَا ببعض، فلا يدركون توفيقًا، ولا يحسنون جمعًا.
وَذُكِرَ فيه أمثلة مفيدة من الكتاب والسنة على ذلك، تُنِيرُ لطالب العلم
سبيلَ هذا الأصل، وَتُبَيِّنُ له أن أصل ضلال الطوائف الأخرى هو إعراضهم عن هذا الأصل العظيم.
وفي هذا الجزء:
ذُكِرَ ثلاث صفات من صفات الطائفة المنصورة، والتي يمكن للمرء أن يميز بها طائفة الحق عن طوائف الضلالة، وَضُرِبَتْ أمثلة واقعية؛ لتوضيح هذه الصفات، وفهمها.
كما ذُكِرَ ثلاثة مفاهيم من مفاهيم هذه الطائفة، تُجَلِّي حقيقةَ واقع المسلمين، والأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا الضعف الذي كان وراء هذا الذل الذي تعيشه أمتنا الإسلامية.
ثُمَّ ذُكِرَ إشكالات مهمة لبعض الجماعات الإسلامية، وَأَجَبْتُ عنها، مثل:((إلى متى نُرَبِّي؟ ))، ((نحن نُرَبِّي وهم يهدمون))، إلى غير ذلك من حديث الصحوة الإسلامية.
وسيتتابع السبيل -إن شاء الله- في أجزائه القادمة على ذِكْرِ بقية أصول الطائفة الناجية التي بالتزامها يزول الخلاف، وعلى ذِكْرِ صفاتها التي بها تتميز عن الطوائف الأخرى، ومفاهيمها التي بها يُوَضَّحُ طريقُ تَشْخِيصِ أمراضِ الأمةِ، وَسُبُلُ معالجتها، ثُمَّ النهوضِ بها.
وَمَنْ رَأَى فِي هَذَا الْكِتَابِ شَيْئًا فَلْيَتَدَبَّرْ قَبْلَ أَنْ يَتَعَجَّلَ، وَلْيَسْتَفْصِلْ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ، وَلْيَنْصَحْ قَبْلَ أَنْ يَفْضَحَ، وَمَنْ خَالَفَ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَقَدِ اتَّصَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ.
ولقد ذكرتُ سِرَّ كثرة استشهادي بأقوال الداعية سيد قطب رحمه الله في الجزء الأول، فَلْتُرَاجَعْ.
واللهَ أسألُ أن ينفع به، وأن يجعله خالصًا لوجهه .. وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان، وما كان من صواب فمن توفيق الرحمن، وصلى الله وسلم على النبي المختار، وعلى آله وصحبه البررة الأخيار، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم القرار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتبه
عدنان بن محمد آل عرعور
مباحث هذا الجزء
- المقدمة.
- من صفات الطائفة المنصورة.
الأولى: صفة الاستمرارية.
الثانية: صفة الاجتماع على التوحيد والمنهاج، والمفارقة عليها.
الثالثة: صفة الشمولية.
- من مفاهيم الطائفة المنصورة.
الأول: كل ما أصابنا فَبِمَا كسبتْ أيدينا.
الثاني: تغيير واقعنا إنما يكون بتغيير ما بنفوسنا.
الثالث: تربية الفرد ووحدة الصف قبل مناجزة العدو.
- خلاصة ما في الأجزاء السابقة.
مِنْ
صِفَاتِ الطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ النَّاجِيَةِ
اعلم -هداني الله وإياك- أنه كما للطائفة المنصورة أصول تتبناها، وقواعد تعمل بمقتضاها، فإن لها كذلك صفاتٍ تُعْرَفُ بها، وسماتٍ تُمَيِّزُهَا عن تلك الطوائف المنحرفة التي حَكَمَ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالضلال في الدنيا، والعذاب بالنار يوم القيامة، أعاذنا الله وإياكم منها.
وأهم هذه الصفات: