الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مراحل طلب العلم
كنتُ قد ذكرتُ في المختصر -الطبعة الأولى- مراحلُ طَلَبِ العلم ..
وليس لها ههنا مناسبة، ولكن تلبية لرغبة بعض الأفاضل ذكرتُها في آخر هذا الجزء، لعل الله عز وجل ينفع بها، وإلا فمحلها:((التربية .. سبيلها .. وأنواعها)).
يمكن تقسيم مراحل طلب العلم -تجاوزًا- إلى ثلاث مراحل؛ كي يسهل على الطالب طلبَ هذا العلم الشريف؛ وكيما تنضبط أصوله، وتظهر معالمه، ويؤتي ثماره.
المرحلة الأولى:
وهي مرحلة: توجيه وتصفية .. وبناء وتربية .. وتأصيل وتحلية .. وتعليم وتقوية .. بناء لعقله، وفكره .. وتربية لنفسه، وخلقه .. وتوجيه لاندفاعاته، وطموحاته، وآماله
…
وتصفية لأفكاره، ومعتقداته .. وتأصيل لعقيدته، ومعالم دينه .. وتقوية لإيمانه .. واعتزازه بإسلامه .. واتباع سلفه .. وتعليمه أحكام عبادته، وقواعد معرفة الحق .. وتدريبه على تطبيق قواعد الإنصاف، وأدب الخلاف، وحسن الأخلاق.
ومرحلة البناء هذه تكون هادئة هادفة ..
تتميز -هذه المرحلة- بالسعي نحو التمكين، تمكينِ الإيمان في النفوس، والعلم في الصدور، والتوحيد في القلوب، وتؤصل فيها طاعة الله عز وجل، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، واتباع السلف ..
وتتصف بالسهولة واليسر على الناشئين، وتكون أبعد ما يمكن عن الحماسة والعاطفة؛ لأن ما في نفس الشاب من حماسة وعاطفة كافيتان لعمله وحركته.
وليس من الحكمة في شيء أن نزيد حماسة الشاب حماسة، وعاطفته عاطفة، فيحصل من الثوران ما لا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ.
ولا أدل على ذلك من هذا الواقع.
وفي حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وأعدائه في مكة عِبْرَةٌ لمن أراد الرشاد، ودروسٌ لمن أراد السداد.
والواجب ضَبْطُ هذه الحماسة، وتوجيه هذه العاطفة، لا إثارتها قبل التربية، والعلم، والتوجيه، والحلم.
كما يُرَكَّزُ في هذه المرحلة على التعاون، والأخوة، والإخلاص، والتقوى، والمحبة، والتضحية، وعلى أن هدفنا النجاةُ من النار، والفوز بالجنة.
كما يجب إرشاد المتعلم إلى أهمية القيام بالواجبات الشخصية، لِمَا لها مِنْ نَفْعٍ في توطيد الإيمان، وإمداد النفس، وحملها على المتابعة والاستمرار.
والخلاصة أنه يُرَكَّزُ في هذه المرحلة على:
- الإيمان ومعناه، والتوحيد ومقتضاه، والشرك وأقسامه.
- الاتباع وضرورته، والاختلاف وضوابطه، والدليل ومضاداته.
- مراقبة الله وحده، وحسن الخلق وأهميته، وسبل تحقيقه وترجمته.
لأن في بيان حقيقة الإيمان، وصحة العقيدة، حفظًا له من الانتكاس، وسلامة له من الارتكاس في تيارات المعادين للإسلام.
ولأن في بيان حقيقة الاتباع صيانة له عن الانحراف في الطرائق الضالة عن الإسلام، والجماعات المنحرفة.
ولأن في بيان أهمية مراقبة الله، وحسن الأخلاق، وقاية له من سوء الخلق والجفاء، والانزلاق في مهاوي الرذيلة، والسقوط في حمأة الفاحشة.
ولهذا لا بُدَّ أن تكون العملية التربوية متكاملة، حتى تتحقق نتائجها الْمُؤَمَّلَةُ، وتُؤتي ثِمَارَهَا اليانعة
…
وَإِلَّا، فإن من سوء التربية أن [تُلَقَّنَ العقيدةُ، وَتُحْفَظُ مُتُونُهَا] أو يُرَكَّزُ على الاتباعِ، وحفظِ روايات السلف .. وَتُهْمَلُ تقوى الله، ومراقبته، وحسن الخلق ..
كما يحصل في بعض الجامعات، فيخرج جيلٌ يَحْفَظُ ولا يَفْقَهُ .. يَعْلَمُ ولا يَعْمَلُ .. وفي بعضهم من ضعف الإيمان، وَقِلَّةِ التقوى، وسوء الخلق، ما يَكْمَدُ النفوسَ حسرةً، وَيُفَطِّرُ الأكبادَ أسفًا.
ومن سوء التربية أيضًا: أن يُرَبَّى الناسُ على الترغيب والترهيب، وَالْحَثِّ على تقوى الله تعالى، وحسن الخلق، دون تمسك بالعقيدة، واتباعٍ للسنة والسلف، وإذا رأيتَهم تعجبك أخلاقَهم، وإن يقولوا تدهشك فصاحتَهم، كأنهم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ، مِنْ قِلَّةِ الفقه، وضحالة العلم، وَجَهْلِ العقيدة.