المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مفاسد مخالفة هذا المفهوم: - صفات الطائفة المنصورة ومفاهمها

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الصفة الأولى من صفات الطائفة المنصورة:صفة الاستمرارية

- ‌ودليل هذا قوله تعالى:

- ‌من السنة:

- ‌الصفة الثانية للطائفة المنصورة:الاجتماع على التوحيد والمنهاج، والمفارقة عليهما

- ‌آصرة التجمع:

- ‌ثم ماذا

- ‌التوازن المطلوب:

- ‌عِلَّةٌ موهومة:

- ‌لا تفرق على سنة أو واجب:

- ‌وجوب المفارقة:

- ‌من هي الجماعة التي اتصفت بهذه الصفة

- ‌من صفات المخالفين:

- ‌وباختصار:

- ‌الصفة الثالثة:الشمولية الدعوية

- ‌من أدلة ذلك:

- ‌الصد عن العلم سبيل الضالين:

- ‌لا تَسْوِيغَ مع النص:

- ‌وأخيرًا:

- ‌من مفاهيم الطافة المنصورة

- ‌المفهوم الأول:كل ما أصابنا فبما كسبت أيدينا

- ‌كيف يكون الجزاء

- ‌التحليل الصحيح:

- ‌لوازم هذا المفهوم:

- ‌هل للمعاصي أثر خفي:

- ‌المفهوم المنسي:

- ‌هو مفهوم فطري:

- ‌مَثَلُنَا وَمَثَلُهُمْ:

- ‌مفاسد مخالفة هذا المفهوم:

- ‌ثمرات الإيمان بهذا المفهوم:

- ‌الإعداد والحذر شيء، والاستخفاف بهم شيء آخر:

- ‌وأخيرًا:

- ‌المفهوم الثاني:تغيير واقعنا إنما يكون بتغيير بنفوسنا أولا

- ‌ما هو التغيير

- ‌هل غَيَّرْنَا يا عباد الله

- ‌عقوبة المخالفين:

- ‌وخلاصة هذا المفهوم:

- ‌المفهوم الثالث:تربية الفرد، ووحدة الصف، قبل مناجزة العدو

- ‌واقع المسلمين:

- ‌صبر النبي صلى الله عليه وسلم في مكة كان تثبيطًا أم حكمة

- ‌الأسباب الكامنة وراء حكمتهم وصبرهم:

- ‌موعظة للعقلاء فقط:

- ‌ما هي التربية

- ‌وباختصار:

- ‌آثار التربية ومفاسد هجرها

- ‌وأما وحدة الصف:

- ‌من أركان العمل الجماعي:

- ‌أَرْبَعٌ مِنْ أَسْبَابِ نَكْبَتِنَا:

- ‌شبهة شائعة:إلى متى نربي

- ‌وبناء على هذا يقولون:

- ‌والجواب من وجوه:

- ‌وبعبارة أخرى:

- ‌خلاصة هذا المفهوم:

- ‌مراحل طلب العلم

- ‌المرحلة الأولى:

- ‌المرحلة الثانية:

- ‌المرحلة الثالثة:

- ‌خلاصة الأجزاء السابقة

- ‌الأولى:معرفة ما كانت عليه الجماعة الأولى:

- ‌الثانية:تربية النشء على ذلك

- ‌الثالثة:دراسة مشكلاتنا الراهنة

- ‌الرابعة:إخضاع واقعنا المعاصر بما فيه من علم دنيوي

- ‌الخامسة:التركيز بالقدوة على الْخُلُقِ، والعلم، والعمل

- ‌السادسة:التركيز على التعاون على البر مع المسلمين جميعًا

- ‌السابعة:الأصل في تجمع الجماعة الإسلامية هو التوحيد، والمنهاج

- ‌الثامنة:إحياء الأخوة الإسلامية التي كادت تندثر

- ‌التاسعة:الحذر من الانصباغ بصبغة معينة، أو حزبية ضيقة

- ‌العاشرة:الحذر من خلط الأوراق:

- ‌الحادية عشرة:الأخلاق…وما أدراك ما الأخلاق

- ‌وأخيرًا:إن هذا كله لَمِنَ المعروفِ والْمُسَلَّمَاتِ عند المسلمين

الفصل: ‌مفاسد مخالفة هذا المفهوم:

وأما الآخرون .. فقاموا يتحدثون عن قوة السَّيْلِ، وعن ارتفاع الماء ومصدره، وعن قوة تدميره، وَعَمَّا فَعَلَ بالقرية المجاورة .. وعن .. وعن .. فأشغلهم ذلك عن أهليهم، وبيوتهم.

فَأَيُّ الفريقين أَحَقُّ بالأمن إن كنتم تعقلون؟ ؟ ! !

نعم، لو كان بينهم تعاون، وترتيب، وتناصح، وتخطيط، لكان هذا هو الْمَرَامُ، وفيه الخير، وأما كل حزب بما لديهم فرحون، فهي -والله- الرزية، والْبَلِيَّةُ.

‌مفاسد مخالفة هذا المفهوم:

ورغم النصوص الواضحات، والحوادث البينات، في تحميل أنفسنا ما يصيبها، فلا يزال كثير من الدعاة يلقون تبعة ما يصيب المسلمين على أعدائهم .. وفضلًا عن أن هذا مخالف للمنهج الرباني، والهدي النبوي، فإن فيه مفاسدَ عظيمة، ومضارَ بالغة، منها:

أولًا: مخالفته للكتاب والسنة في تحليل الوقائع.

فالله سبحانه ألقى تبعة أُحُدٍ وَحُنَيْنٍ على المسلمين أَنْفُسِهِمْ، لا على الكفار الذين فعلوا ما فعلوا.

قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165].

ص: 44

بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا شرع في القنوت بلعن الكفار، أنزل الله قوله:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] .. فتدبر.

و((المتأمل لهذه الآية: {ليس لك من الأمر شيء}، لا يجد فيها نهيًا صريحًا، وإنما يجد أدبًا رفيعًا، ومنهجًا قويمًا، في معالجة قضية النصر والهزيمة، فإن الآية نزلت في سياق أُحد، وما حصل في أحد، فتأثر المسلمون لما حصل تأثرًا بليغًا، وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن بعض الكافرين، ويقول: ((كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم؟ )) وكأنه صلى الله عليه وسلم قطع طريق الهداية على أولئك النفر الذين فعلوا ما فعلوا، وخشية أن يعتقد المسلمون أن السبب الأول والرئيس للهزيمة، هو: هؤلاء الملعونون، وليس مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم والتنازع؛ أنزل الله:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128].

ثم ذكر الله بعد ذلك الأسباب الحقيقة الكامنة وراء الهزيمة.

فقال سبحانه:

{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ

}.

فهذه هي الأسباب الحقيقية وراء هزيمتكم، فلا ينفعكم لعن فلان لجلب نصرٍ، ولا استبعاد الهداية عن فلان لدفع هزيمة)) (1).

ولو كان النصر بكثرة الكلام عن الكفار ولعنهم، لكان المسلمون المعاصرون أكثر الناس قوة، وأكثرهم نصرًا.

ثانيًا: فيه تعظيم للكفار في نفوس المسلمين، وأنهم وراء كل مصيبة تحل بالمؤمنين، مما يزيد هيبةَ الكفار في نفوس المسلمين رهقًا.

(1) من كتاب ((أحكام القنوت)) ص 67 للمؤلف.

ص: 45

وبعبارة أخرى:

فيه إضعاف الروح المعنوية للمسلمين

كقول بعض الخطباء:

((أمريكا تفعل ما تشاء، ونحن لا نقدر أن نفعل شيئًا))! !

((أعداء الإسلام يلعبون بمقدراتنا، ويتحكمون بمصائرنا))! !

إنها -والله- لكلمة كبيرة تهتز من هَوْلِهَا السماوات والأرض .. لا يَجِدُ العاقل تعليقًا عليها أفضل من قوله تعالى:

{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5].

فإن الذي يتحكم بمصيرنا هو الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الأمر، وله الحكم، وإليه ترجع الأمور كلها، لا إلى غيره.

فنعوذ بالله ممن ركب منابر المسلمين -أو أُركب- وهو لا يجيد سوى تفخيم العبارات، وتمطيط الكلمات، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ثالثًا: دَبُّ الوهن، واليأس، والقنوط، في قلوب المسلمين، فضلًا عَمَّا هُمْ عليه من وهن، ويأس، وضعف في الإيمان.

مما يزيد الأمر وهنًا على وهنٍ.

رابعًا: إضعافُ الإيمانِ بالله تعالى، والثقةِ به، والتوكلِ عليه، وأنه القادر على كل شيء، وأنه القاهر فوق كل شيء.

خامسًا: فيه تزكية للنفس .. بمعنى: أننا قد استكملنا شروط النصر، واستحققنا التمكين، ولكن غُلِبْنَا بقوة الكفار، وشدة بأسهم، لا بسبب ضعفنا

ص: 46

وتقصيرنا في حق ربنا .. الأمر الذي يدفعنا إلى الأمر التالي، وهو:

سادسًا: إهمال تربية أنفسنا، ومراجعة حساباتنا؛ لأننا اعتقدنا -خطأ- أن المصائب ليست بسببنا، بل هي بسبب الكفار الذين عجزنا عن مقاومتهم .. وإذن فلا نلتفت إلى أنفسنا، ولا نصلح أعمالنا، ولا نسد ثغراتنا، ولا يزداد قربنا من الله الذي بيده النصر والتمكين.

قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].

سابعًا: سوء الظن بالله العلي القدير، وأنه لم يُوَفِّ بوعده في نصر المؤمنين.

إن الاعتقاد بأن الكفار يفعلون كل شيء، وأنهم وراء كل شيء، وأن بيدهم كل شيء، وأننا لم نقصر في شيء، يدفع الناس -إذن- إلى التساؤل:

أين الله؟ !

أين نَصْرُهُ الذي وَعَدَ؟ ! ؟

وأين قدرته التي لا تُغْلَبُ؟ !

وإذا كنا نستحق النصر .. فلماذا لا ننتصر؟ ؟ ! !

وإذا كنا نستحق النصر ولم ننصر:

فإما أن الله أخلف وعده، أو أنه عجز عن نصرنا، وعن رَدِّ قوة الكافرين وبأسهم عَنَّا ..

ص: 47

وهذا هو سوء الظن الذي وقع فيه ضعاف الإيمان في غزوة أُحُدٍ.

{يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: 154].

ولم يكن سوء الظن هذا بمقالهم، فمن أساء الظن بالله فقد كفر، ولكنه كان بلسان حالهم، ولازم أفعالهم وأقوالهم، إذ قالوا:{هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} ، فرد الله عليهم بقوله:{قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} .

فأمر النصر بيده .. وأمر الهزيمة بيده .. وأمر القتل بيده .. وأمر المؤمنين بيده .. وأمر الكفار بيده .. وأمر الكون كله بيده .. فلا تظنوا بالله ظن السوء ..

وأنه أخلف وعده، ولم ينصر رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنكم أنتم الذين أخلفتم وعده، ونقضتم ميثاقه، بدليل نصرته لكم أَوَّلَ المعركة.

قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152].

وقال الله لأمثال هؤلاء الذين يظنون أن الكفار يغلبون، وأن الله لا ينصر رسوله:{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج: 15].

أي: من كان يظن أن لن ينصر الله دينه، ولن يؤيد رسوله، فليشنق نفسه حقدًا وغيظًا، ثم لينظر هل فعله هذا يشفي ما في نفسه من الحقد والغيظ؟ !

وهو نوع من أنواع التهكم والسخرية بهم (1).

(1) انظر تفسير ابن كثير (3/ 221)، والقرطبي (12/ 21)، وغيرهم.

ص: 48

ولهذا؛ فإن إلقاء تبعة كل ما يحصل بالمسلمين على الكفار إنما هو من سوء الظن بالله عز وجل.

قال ابن القيم في ((الزاد)) (3/ 235):

((فَلْيَعْتَنِ اللبيبُ الناصحُ لنفسه بهذا الموضوع، وَلْيَتُبْ إلى الله تعالى، وليستغفره كُلَّ وقت من ظنه بربه ظن السوء، وليظن السوء بنفسه التي هي مأوى كل سوء، ومنبع كل شر، المركَّبة على الجهل والظلم، فهي أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين، وأفعاله كذلك، كلها حكمة، ومصلحة، ورحمة، وعدل)).

قال سيد في ظلال هذه الآية (1/ 490):

((ومن الظن غير الحق بالله أن يتصوروا أنه سبحانه مضيعهم في هذه المعركة التي ليس لهم من أمرها شيء، والله لا ينصرهم، ولا ينقذهم، إنما يدعهم فريسة لأعدائهم)).

وهو القائل سبحانه:

{وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122].

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [فاطر: 44].

وقال سبحانه: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} [الأنفال: 59].

قال سيد رحمه الله في ((الظلال)) (3/ 1543):

ص: 49