الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن كثير رحمه الله عند قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} : ((الوصية في إبلاغ العلم بين شريفهم وخادمهم)).
قلتُ: وفي هذا تنبيه عظيم على أن لا ينشغل المسلم بدعوة الكفار إلى الإسلام عن تعليم أدنى المسلمين، وتربيتهم.
فكيف بالذي ينشغل بالكلام عن الكفار عن تربية المسلمين، وتعليمهم، بل يستهزئ، ويصد الناس عن ذلك؟ !
ولا يعني هذا عدم معرفة سبيل المجرمين .. فهذا شيء، والانشغال عن تربية المسلمين بالكفار شيء آخر.
قال القرطبي: (({وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى}: يطلب العلم لله)).
ولذلك قال سبحانه بعدها: ((كلَّا)).
أي: لا تَعُدْ إلى هذا مرة أخرى، ولا تفرق بين الناس في شأن الدعوة والتبليغ.
ومنه تعلم خطأ الذين يتقوقعون بعضهم على بعض، ويغلقون الأبواب على أنفسهم، مخالفين بذلك هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم.
الصد عن العلم سبيل الضالين:
وعلى هذا؛ فالذين يصدون الناس عن طلب العلم، وحضور مجالس العلماء، أو يشغلونهم عن ذلك بما لا ينفعهم في دينهم، ودنياهم، وآخرتهم، ليسوا في هذا من الطائفة المنصورة في شيء، بل هم أعداء لها.
فليحذر المسلم أن يكون في صفوفهم؛ حتى لا يصيبه وعيد الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} .
قال القرطبي: (({كلَّا}: كلمة ردع وزجر، أي: لا تَفْعَلْ بعدها مثلها)) (1).
وإذا تأمل العاقلُ حَالَنَا عَرَفَ:
كم نعبس في وجوه إخوان لنا من العلماء والدعاة الأتقياء، ولا ذنب لهم إلا أنهم ليسوا في حزبنا، ولم ينتسبوا إلى طائفتنا، ويا ليت المسألة تنتهي إلى حد العبوس، إذن لهان الخطب، وسهل الأمر، ولكنها تجاوزت حد البهتان والافتراء.
وكم نحن نخص دعوتنا بأناس دون أناس، وبطبقة دون طبقة، مخالفين بذلك كتاب ربنا، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28].
وما نعلم نبيًّا من أنبياء الله خَصَّصَ دعوته، أو علمه، بأناس من قومه دون آخرين، ولا فَعَلَ هذا أصحابه -رضوان الله عليهم- عندما فتحوا البلاد، وهدى الله على أيديهم العباد، وَلَمَّا طلب كفار قريش تخصيصَ مجلس لهم دون المساكين، أنزل الله تعالى:
{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52].
وفي صحيح مسلم: أن أبا الطفيل قال: ((كنت عند علي بن أبي طالب،
(1)((قواعد معرفة الحق))، قاعدة: الحق مقدم على المصالح. وهو كتاب لنا نسأل الله عز وجل أن ييسر إتمامه.