الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعبارة أخرى:
لو كان تأسيسنا تأسيسًا صحيحًا ثابتًا، لكان بناؤنا قويًّا، وَلَمَا استطاعوا أن ينالوا منه شيئًا.
وهذه سنة الله فيمن بنى بنيانًا صحيحًا ثابتًا .. أن يحفظه سبحانه، وأن يتولى بنفسه رَدَّ الكيد عنه.
{ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} [الأنبياء: 18].
فقد تكالب الأعداء على الأنبياء أكثر مِنْ تكالبهم علينا .. ومع ذلك استمروا في البنيان.
لأن البناء القوي لا تُؤَثِّرُ فيه العواصف .. ولا تُزلزله الزلازل.
ولذلك ما استطاع أعداؤهم أن يهدموا ما بَنَوْهُ؛ وذلك لقوته، ومتانته .. وذلك بحفظ الله له ..
قال سبحانه: {وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)} [النحل: 127 - 128].
وأما نحن، فنظن أننا نبني .. والحقيقة أن بنياننا أوهى من بيوت العنكبوت.
ولا أدل على ذلك من أن صيحةً واحدةً في مئات من الألوف من المسلمين تجعلهم لا يلوون على شيء.
الخامس: إن العداوة للحق سنة كونية، ما دام على الأرض حق، وليست العداوة أمرًا محدثًا حتى نُحْدِثَ لها طرقًا وقائية، أو نخترع أساليب جديدة في المواجهة، فلا تغيير، ولا تبديل، لا في العداوة، ولا في مواجهتها، وحفوف
الطريق بالمكاره ليس سنة جديدة، ولا أمرًا مُحْدَثًا، حتى يُعَالَجَ بِطُرُقٍ مُحْدَثَةٍ، بل لا بُدَّ أن نعالج بمثل ما عالج الأنبياء، ولا نضع له دواء مخترعًا من عند أنفسنا.
السادس: إن العاقل إذا أراد أن يبني بناء قويًّا متينًا؛ بناه تحت ظروف صعبة، وأجواء متباينة؛ لكي يكون ملائمًا كافة الظروف، مُتَوَقِّعًا له كافة الاحتمالات، وعليه -والحال هذه- أن يبنيه في الصيف والشتاء، فتظهر له العيوب فيصلحها، وتبين له الثغرات فيسدها.
وإذا ما بنى بيته في فصل واحد، ظهر له من العيوب في الفصل الآخر ما لم يظهر في الفصل الذي بنى فيه.
وكذلك تُدَرَّبُ الجيوش على أقسى أنواع التدريبات، وتحت مختلف الأجواء، ويُوضع لها أبشع الاحتمالات، وأسوأ التوقعات، ويُرسم لها أشد الخطط وأصعبها، حتى إذا ما واجهتها لم تفاجأ بها، وأحسنتِ التصرفَ حِيَالَهَا.
ولهذا مَرَّ على الذين رَبَّاهُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة ظروف قاسية، وأحداث مفجعة، عالجها رسول الله صلى الله عليه وسلم معالجةً تربوية صحيحة، أخرجت رجالًا هان عليهم ما جرى عليهم -بعد ذلك- من أحداث جِسَامٍ.
السابع: إن في هذه المقولة:
((نحن نبني، وغيرنا يهدم، وإذن علينا أن نتحول إلى المواجهة))
اعترافًا ضمنيًّا أن البناء لم يكتمل بَعْدُ، وأن الطلاب لم يتربوا، ولم ينضجوا،
وإذا كان الأمر كذلك:
فكيف نتحول إلى المواجهة التي هي أخطر وأشد -على الآخرين- من الدعوة، وإذن سيكون انتقامهم أشد وأعنف، وسينعكس هذا على الدعوة، لتكون النتائج أَوْخَمَ وأنكى.
إن الذين لا يصبرون في المجال الدعوي أعجزُ من أن يصبروا في ساحات المواجهة.
وإنه لمن السذاجة، أو الخيانة، أو الغش لهذه الصحوة أن نُوَاجِهَ ببناء غير تام، وبأناس لم تتوفر فيهم عوامل النصر، وأهلية التمكين، من صبر، وأخوة، وتضحية، وإيثار.
فتأمل هذا فهو -والله- نافع لمن أراد الإنصافَ، والانتفاع.
إن عدم إدراك هذه القضية مِنْ قِبَلِ كثير من الجماعات، أَوْرَدَهَا الْمَهَالِكَ.
فهل من معتبر؟ !
الثامن: إن حقيقة هذه الشبهة -عند إمعان النظر فيها- تفضي إلى الاستعجال، والتضجر، وليس إلى التأني والتصبر.
قال سيد رحمه الله (2/ 712):
((كما أنها -أي: الحماسة والاندفاع- قد تكون منبعثة عن قِلَّةِ الاحتمال، والأذى، والهزيمة، فتدفعهم قِلَّةُ الاحتمال إلى طلب الحركة، والدفع، والانتصار، بأي شكل، دون تقدير لتكاليف الحركة، والدفع، والانتصار)).
فأنبئونا -أيها الإخوة- بعد كلام هذا الداعية الْمُجَرِّبِ، والخرِّيت الصادق، على أَيِّ طريق تسيرون؟ وفي أي اتجاه تسلكون؟ !
التاسع: إن التاريخ، والأحداث، والواقع، يشهدون -بإنصاف- على بطلان هذه المقولة، وفساد مضمونها، وشؤم مقتضاها.
بل إن الواقع القريب، والأحداث المتتالية، يشهدان شهادة منصفة -والله- لا زور فيها، ولا تمويه، أن هذه المقولة التي رُبِّيَ عليها كثير من الشباب، هي التي كانت سببًا في اندفاعهم، وتهورهم، وهي التي كانت وراء كثير من البلايا، والرزايا، والنكبات التي حَلَّتْ بساحة المسلمين .. فهل من معتبر؟ !
العاشر: إن هذه المقولة ليس عليها دليل من كتاب، أو سنة، أو سيرة سَلَفٍ ..
بل هي من بنات أفكار من لم ينضج علميًّا، ومن عواطف من لم يصبر دعويًّا
…
فضلًا عن أنها تخالف ما كان عليه الأنبياء .. وحسبك بهذا دليلًا على بطلانها! !
ويحتج إخواننا على ذلك بقول الشاعر:
متى يبلغ البنيان يومًا تمامه ..... إذا كنت تبني وغيرك يهدم
وَمَنْ كان حجته الشعر .. يُرَدَّ بالشعر.
قال الشاعر الإسلامي محمد الجبالي -حفظه الله- بشيء من التصرف: