الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
* الفُتْيا فَرْضُ عَيْنٍ: إِذا كَانَ فِي الْبَلَدِ مُفْتٍ وَاحِدٌ.
[وَفَرْضُ](1) كفَايَةٍ: إِذَا كَانَ فِيهِ (2) مُفْتِيَانِ فَأَكْثَرُ، سَوَاءٌ حَضَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ هُمَا، وَسُئِلَا مَعًا أَوْ لا (3).
والْوَرَعُ إِذًا: "التَّرْكُ لِلْخَطَرِ، وَالْخَوْفِ مَنِ التَّقْصِيرِ وَالْقُصُورِ".
* وَ
تَحرُمُ الْفَتْوَى عَلَى الْجَاهِلِ بِصَوَابِ الْجَوَابِ:
* لِقَوْلهِ - تَعَالى -: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} (4) الآيَةَ.
* وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أُفْتيَ بِفُتْيَا غَيْرِ ثَبْتٍ؛ [فَإِنَّمَا إِثْمُهُ] (5) الَّذِي أَفْتَا"(6). رَوَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
(1) في (ب): فرض.
(2)
من (أ) و (ف)، وفي (ب): في البلد.
(3)
يُنظر: (مقدمة المجموع): 1/ 101، و (الدر النضيد):328.
(4)
النحل: 116.
(5)
من (أ) و (ف)، وفي (ب): كان أثم ذلك.
(6)
أخرجه الإمام أحمد في (المسند) رقم: 8266، وابن ماجه في (السنن) رقم: 53، والدارمي في (السنن) رقم: 161، والحاكم في (المستدرك) رقم: 349، والبيهقي في (المدخل) (8) رقم: 789، وفي (السنن الكبرى) رقم: 20323، والخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم:1044.
وَفِي لَفْظٍ: "مَنْ أُفْتِيَ بفُتْيَا بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ [كَانَ إِثْمُ ذَلِكَ عَلَى الَّذِي أَفْتَاهُ"(1). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ.
* وَقَوْلُهُ: "مَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ ] (2) [لَعَنَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ، وَمَلَائِكَةُ الأَرْضِ] (3) "(4). ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "تَعْظِيمِ الْفَتْوَى"(5).
* وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (6): "إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا؛ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"(7). حَدِيثٌ حَسَنٌ (8)، [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ](9).
(1) أخرجه الإمام أحمد في (المسند): 8776، وأبو داود في (السنن) رقم: 3657، والحاكم في (المستدرك) رقم: 350، والبيهقي في (السنن الكبرى) رقم: 20353، وابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم) رقم:1889.
(2)
من (أ).
(3)
في (ب): لعَنَتْهُ ملائكة الأرض والسماء.
(4)
أخرجه ابن عساكر في (تاريخ دمشق): 52/ 20، وفي (معجم شيوخه) رقم: 676، والخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 1043، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم:58.
(5)
طبع بتحقيق الشيخ مشهور حسن، ونشرته الدار الأثرية/ عمَّان، ثم طبع بتحقيق الدكتور عبد الحكيم الأنيس، ونشرته دائرة الشئون الإسلامية/ دبي.
(6)
في (ب): عليه السلام.
(7)
متفقٌ عليه، أخرجه البخاري في (صحيحه) رقم: 100، ومسلم في (صحيحه) رقم:6974.
(8)
تعبير ابن حمدان بالحُسن هنا ليس متعلق بقوة أو ضعف الحديث، ولكن متعلق بمدلوله.
(9)
من (ب)، وفي (أ) كُتِب فوق (حسن): م خ. أي مسلم والبخاري.
* وَقَال الْبَرَاءُ (1): "لَقَدْ رَأَيْتُ ثَلَاثَمِائَةٍ مِنْ [أَصْحَابِ] (2) بَدْرٍ، مَا فِيهِمْ مِنْ أحَدٍ إِلَّا وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَكْفِيَهُ صَاحِبُهُ الفُتْيَا"(3).
* وَقَال ابْنُ أَبِي لَيْلَى: "أَدْرَكْتُ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ أحَدُهُمْ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَتردُّهَا هَذَا إِلَى هَذَا، وَهَذَا إِلَى هَذَا، حَتَّى تَرْجِعَ (4) إِلَى الأْوَّلِ"(5).
وَفِي رِوَايَةٍ: "مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ، أَوْ يُسْأَلُ عَنْهُ - وَفِي رِوَايَةٍ: "عَنْ (6) شَيءٍ" - إِلَّا وَدَّ أَنَّ أَخَاهُ كَفَاهُ [إِيَّاهُ، وَلَا يُسْتَفْتَى فِي شَيءٍ إِلَّا وَدَّ أَنَّ أَخَاهُ كَفَاهُ] (7) الفُتْيَا"(8).
(1) هو: الصحابي الجليل البرَاء بن عازب رضي الله عنه توفي سنة 72 هـ. تُنظر ترجمته في (سير أعلام النبلاء) رقم: 39، 3/ 194.
(2)
من (أ).
(3)
أخرجه الخطيب (الفقيه والمتفقه) رقم: 1076، وفي (تاريخ بغداد): 8/ 281، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم:8.
(4)
من (أ) و (د) و (ف)، وفي (ب): يرجع.
(5)
أخرجه البيهقي في (المدخل) رقم: 801، والخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 640، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم: 10، وذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 75، وابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 134، والسيوطي في (أدب الفتيا):63.
(6)
في (ب): أو.
(7)
من (أ).
(8)
أخرجه الآجري في (أخلاق العلماء) رقم: 83، والبيهقي في (المدخل) رقم: 800، وابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم) رقم: 2201، والخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 641، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم: 9، وزهير بن حرب في (العلم) رقم: 22، وذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 75، وابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 134.
* وقَال ابْنُ مَسْعُودٍ [رضي الله عنه](1): "مَنْ أَفْتَى النَّاسَ فِي كُلِّ مَا يَسْأَلُونَهُ [عَنْهُ]. (2) فَهُوَ مَجْنُونٌ"(3).
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رضي الله عنهما](4) نَحْوُهُ (5).
* وَقَال أَبُو حَصِينٍ (6) الأَسَدِيُّ: "إِنَّ أَحَدَكُم لَيُفْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ، لَوْ وَرَدَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، لَجَمَعَ لَهَا أَهْلَ بَدْرٍ"(7).
وَنَحْوُهُ عَنِ الْحَسَنِ (8) وَالشَّعْبِيِّ (9).
(1) من (ب).
(2)
من (أ).
(3)
أخرجه ابن بطة في (إبطال الحيل) رقم: 80، وزهير بن حرب في (العلم) رقم: 10، والبيهقي في (المدخل) رقم: 798، وابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم) رقم: 1590، والخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 1194، وذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 75، وابن مفلح في (الآداب الشرعية): 2/ 64، والسيوطي في (أدب الفتيا):71.
(4)
من (ب).
(5)
أخرجه البيهقي في (المدخل) رقم: 799، وابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم) رقم: 2204، وذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 75، وابن مفلح في (الآداب الشَّرعيّة): 2/ 64، والسيوطي في (أدب الفتيا):71.
(6)
من (أ) و (د)، وفي (ب) و (ف): الحصين.
(7)
أخرجه ابن بطة في (إبطال الحِيَل) رقم: 72، وابن عساكر في (تاريخ دمشق): 38/ 411، والبيهقي في (المدخل) رقم: 803، وذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 67، وابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 135، والشاطبي في (الموافقات): 5/ 326، والسيوطي في (أدب الفتيا):64.
(8)
هو: الإمام الحسن بن يسار البصري، مولى زيد بن ثابت، توفي سنة 110 هـ. تُنظر ترجمته في (سير أعلام النبلاء) رقم: 223، 4/ 563.
(9)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 76.
* وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ: "إِذَا أَغْفَلَ (1) الْعَالِمُ [قَوْلَ] (2): "لَا أَدْرِي" (3)، [فَقَدْ] (4) أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ (5) "(6).
وَنَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رضي الله عنه](7). (8)
(1) من (أ) و (د) و (ف)، وفي (ب): عقل.
(2)
من (ب).
(3)
قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى -: "وَلْيُعْلَمْ أَنَّ مُعْتَقَدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ قَوْلَ الْعَالِمِ: (لَا أَدْرِي) لَا يَضَعُ مَنْزِلَتَهُ، بَلْ هُوَ دَليلٌ عَلَى عِظَمِ مَحَلّهِ، وَتَقْوَاهُ، وَكَمَالِ مَعْرِفَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَكِّنَ لَا يَضُرُّهُ عَدَمُ مَعْرِفَتِهِ مَسَائِلَ مَعْدُودَة، بَلْ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ: (لَا أَدْرِي) عَلَى تَقْوَاهُ، وَأَنَّهُ لَا يُجَازِفُ فِي فَتْوَاهُ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ (لَا أَدْرِي) مَنْ قَلَّ عِلْمُهُ، وَقَصُرَتْ مَعْرِفتهُ، وَضَعُفَتْ تَقْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ لِقُصُورِهِ أَنْ يَسْقُطَ مِنْ أَعْيُنِ الْحَاضِرِينَ، وَهُوَ جَهَالةٌ مِنْهُ، فَإِنَّهُ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الْجَوَابِ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ يَبُوءُ بِالْإِثْمِ الْعَظِيمِ، وَلَا يَرْفَعُهُ ذَلِكَ عَمَّا عُرِفَ لَهُ مِنَ الْقُصُورِ، بَلْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى قُصُورِهِ؛ لِأَنَّا إِذَا رَأَيْنَا الْمُحَقِّقِينَ يَقُوُلونَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ (لَا أَدْرِي) وَهَذَا الْقَاصِرُ لَا يَقُوُلهَا أَبَدًا؛ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ يَتَوَرَّعُونَ لِعِلْمِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ، وَأَنَّهُ يُجَازِفُ لِجَهْلِهِ وَقِلَّةِ دِينِهِ، فَوَقَعَ فِيمَا فَرَّ عَنْهُ، وَاتَّصَفَ بِمَا احْترَزَ مِنْهُ؛ لِفَسَادِ نِيَّتِهِ وَسُوءِ طَوِيَّتِهِ"(المجموع): 1/ 80.
(4)
من (ب).
(5)
تصَحَّفت في (ب) إلى: مقالته.
(6)
أخرجه الآجري في (أخلاق العلماء) رقم: 108، والبيهقي في (المدخل) رقم: 812، وابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم) رقم: 1582، والخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 1113، وابن الصلاح في (أدب المُفتي): 77، وابن مفلح في (الآداب الشرعية): 2/ 65، والسيوطي في (أدب الفتيا):83.
(7)
من (ب).
(8)
أخرجه الآجري في (أخلاق العلماء) رقم: 107، والبيهقي في (المدخل) رقم: 813، وابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم) رقم: 1580، والخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم؛ 1112، وذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 70، وابن مفلح في (الآداب الشرعية): 2/ 61، والسيوطي في (أدب الفتيا):83.
* وَسُئِلَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ [الصِّدِّيقِ رضي الله عنهم](1) عَنْ شَيْءٍ، فَقَال:"لَا أُحْسِنُهُ" فَقَال السَّائِلُ: إِنِّي جِئْتُ إِلَيْكَ لَا أَعْرِفُ غَيْرَكَ! فَقَال الْقَاسمُ: "لَا تَنْظُرْ إِلَى طُولِ لِحْيَتِي، وَكَثْرَةِ النَّاسِ حَوْلِي، وَاللهِ مَا أُحْسِنُهُ" فَقَال شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ - جَالِسٌ إِلَى جَنْبِهِ -: يَابْنَ أَخِي، الْزَمْهَا، فَوَاللهِ مَا رَأْيتُكَ فِي مَجْلِسٍ أَنْبَلَ مِنْكَ الْيَوْمَ. فَقَال الْقَاسِمُ:"وَاللهِ لَأَنْ يُقْطَعَ لِسَانِي أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ أتَكَلَّمَ بِمَا لَا عِلْمَ لِي [بِهِ] (2) "(3).
* وَقَال سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَسُحْنُونُ بْنُ سَعِيدٍ - صَاحِبُ "الْمُدَوَّنَةِ" -:"أَجْسَرُ النَّاسِ عَلَى الفُتْيَا (4) أقَلُّهُمْ عِلْمًا"(5).
* وَسَأَل رَجُلٌ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ شَيْءٍ أَيَّامًا، فَقَال:"إِنِّي إِنَّمَا أَتَكَلَّمُ فِيمَا [أَحْتَسِبُ فِيهِ الْخَيْرَ، وَلَسْتُ] (6) أُحْسِنُ مَسْأَلتَكَ هَذِهِ"(7).
(1) من (ب).
(2)
من (ب).
(3)
أخرجه ابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم) رقم: 1571، وذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 78، وابن مفلح في (الآداب الشرعية): 2/ 65.
(4)
في (ب): الفتوى.
(5)
أخرجه ابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم) عن سفيان رقم: 1527، وعن سحنون رقم: 2211، وذكره القاضي عياض في (ترتيب المدارك): 4/ 75، وذكره ابن الصلاح عن الاثنين في (أدب المُفتي): 78، وابن مفلح في (الآداب الشرعية): 2/ 66.
(6)
من (أ) و (د) و (ف)، وفي (ب): أحسنت فيه الخبر وإني لا.
(7)
أخرجه أبو نعيم في (حلية الأولياء): 6/ 323، والبيهقي في (المدخل) رقم: 816، وذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 79، والسيوطي في (أدب الفتيا):72.
* وَقَال الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ: "شَهِدْتُ مَالِكًا سُئِلَ (1) عَنْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً، فَقَال فِي ثِنتيْنِ (2) وَثَلَاثِينَ مِنْهَا: لَا أَدْرِي"(3).
* وَقِيلَ: "رُبَّمَا كَانَ يُسْأَلُ عَنْ خَمْسِينَ مَسْأَلَةً، فَلَا يُجِيبُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا"(4).
* وَكَانَ يَقُولُ: "مَنْ أَجَابَ فِي مَسْأَلَةٍ، فَيَنْبَغِي [مِنْ] (5) قَبْلِ أَنْ يُجِيبَ فِيهَا؛ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَكَيْفَ يَكُونُ خَلَاصُهُ فِي الآخِرَةِ، ثُمَّ يُجِيبَ فِيهَا"(6).
* وَسُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَال: "لَا أَدْرِي". فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا مَسْألَة خَفِيفَةٌ سَهْلَةٌ! فَغَضِبَ وَقَال: "لَيْسَ فِي العِلْمِ [شَيْءٌ] (7) خَفِيفٌ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللهِ - تَعَالى -: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} (8)، فَالعِلْمُ كُلُّهُ ثَقِيلٌ، وَخَاصَّةً (9) مَا يُسأَلُ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ"(10).
(1) من (أ) و (د) و (ف)، وفي (ب): فسُئِل.
(2)
من (أ) و (ب)، و (د) و (ف): اثنتين.
(3)
أخرجه ابن عبد البرِّ في (الانتقاء): 1/ 38، وفي (التمهيد): 1/ 73، وأبو زرعة في (التاريخ): 1/ 422، وذكره القاضي عياض في (ترتيب المدارك): 1/ 181، وابن الصلاح في (أدب المُفتي): 79، والنَّووي في (مقدمة المجموع): 1/ 93.
(4)
ذكره القاضي عياض في (ترتيب المدارك): 1/ 178، وابن الصلاح في (أدب المُفتي): 79، والنووي في (مقدمة المجموع): 1/ 93.
(5)
من (أ).
(6)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 80، والقاضي عياض في (ترتيب المدارك): 1/ 178، والنووي في (مقدمة المجموع): 1/ 93، والشاطبي في (الموافقات): 5/ 324، وابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 132.
(7)
من (ب).
(8)
المزمِّل: 5.
(9)
في (ب): وخصاصة.
(10)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 75، والقاضي عياض في (ترتيب المدارك): 1/ 142، والنَّووي في (مقدمة المجموع): 1/ 73، والشاطبي في (الموافقات): 5/ 329، وابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 132.
* وَقَال: "مَا أَفْتَيْتُ حَتَّى شَهِدَ لِي سَبْعُونَ أَنِّي أَهْلٌ لِذَلِكَ"(1).
* وَقَال أَيْضًا: "لَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِشَيءٍ حَتَّى يَسْأَلَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَمَا أَفْتَيْتُ حَتَّى سَأَلْتُ رَبِيعَةَ (2) وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ فَأَمَرَانِي بِذَلِكَ، وَلَوْ نَهَيَانِي انْتَهَيْتُ"(3).
* وَقَال: "إِذَا كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَصْعُبُ عَلَيْهِمُ الْمَسَائِلُ، وَلَا يُجِيبُ (4) [أَحَدٌ مِنْهُمْ] (5) فِي مَسْأَلَةٍ حَتَّى يَأْخُذَ رَأْيَ صَاحِبِهِ، مَعَ مَا رُزِقُوا مِنَ السَّدَادِ وَالتَّوْفِيقِ مَعَ الطَّهَارَةِ، فكَيْفَ بِنَا الَّذِينَ غَطَّتِ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبُ قُلُوبَنَا! "(6).
* وَقِيلَ: "كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ كَأَنَّهُ وَاقِفٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ"(7).
* وَقَال عَطَاءٌ (8): "أَدْرَكْتُ أقْوَامًا إِنْ كَانَ أَحَدُهُم لَيُسْأَلُ عَنِ الشَّيءِ، فَيَتَكَلَّمُ
(1) أخرجه أبو نعيم في (حلية الأولياء): 6/ 316، والخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 1042، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم: 49، وابن مفلح في (الآداب الشرعية): 2/ 66، وابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 132.
(2)
هو: أبو عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن فَرُّوخَ القرشي التيمي، المشهور: بربيعة الرأي، توفي سنة 163 هـ. تُنظر ترجمته في (سير أعلام النبلاء) رقم:23. 6/ 89.
(3)
أخرجه أبو نعيم في (حلية الأولياء): 6/ 316، والبيهقي في (المدخل) رقم: 825، والخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 1042، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم:50.
(4)
من (أ) و (د) و (ف)، وفي (ب): يُجب.
(5)
من (ب) و (د)، وفي (أ) و (ف): أحدهم.
(6)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 80، وابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 132.
(7)
أخرجه الخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 1087، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم: 18، وذكره ابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 133، والشاطبي في (الموافقات): 5/ 324.
(8)
هو: الإمام عطاء بن السائب الثقفي، توفي سنة 136 هـ. تُنظر ترجمته في (سير أعلام النبلاء) رقم: 30، 6/ 110.
وَإِنَّهُ لَيَرْعُدُ" (1).
* وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْبِلَادِ شَرٌّ؟ فَقَال: "لا أدْرِي"، فَسَأَلَ جِبْرِيلَ [فَقَال: ] (2)" لا أَدْرِي"، فَسَأَلَ رَبَّهُ [عز وجل] (3) فَقَال: أَسْوَاقُهَا" (4).
ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "تَعْظِيمِ الْفُتْيَا"(5).
* وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ شَيْءٍ، فَقَال:"لَا أَدْرِي". فَقِيلَ: أَلَا تَسْتَحِي مِنْ قَوْلِكَ "لَا أَدْرِي"، وَأَنْتَ فَقِيهُ أَهْلِ الْعِرَاقِ" فَقَال:"لَكِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ تَسْتَحِ حِينَ قَالتْ: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} (6) "(7).
* وَقَال أَبُو نُعَيْمٍ (8): "مَا رَأَيْتُ عَالِمًا أَكْثَرَ قَوْلًا "لَا أَدْرِي" مِنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ"(9).
(1) أخرجه الخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 1085، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم: 16، وذكره ابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 133.
(2)
من (ب).
(3)
من (أ).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في (المسند) رقم: 16744، والحاكم في (المستدرك) رقم: 303، والطبراني في (المعجم الكبير) رقم: 1545، وأبو يعلى الموصلي في (المسند): 7403، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم: 22، والآجري في (أخلاق العلماء) رقم: 101، وابن عبد البر في (جامع بيان العلم) رقم:1550.
(5)
في (ب): الفتوى.
(6)
البقرة: 32.
(7)
أخرجه الخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 1123، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم: 26، وذكره ابن عبد البِّر في (جامع بيان العلم) رقم: 1558، وابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 134.
(8)
هو: الحافظ الكبير الفضل بن دكين التيمي، توفي سنة 218 هـ. تُنظر ترجمته من (سير أعلام النبلاء) رقم: 21، 10/ 142.
(9)
أخرجه ابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم: 30، وذكره ابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 134.
* وَقَال أَبُو (1) الذَّيَّالِ (2): "تَعَلَّمْ "لَا أَدْرِي"، فَإِنَّكَ إِنْ قُلْتَ "لَا أَدْرِي"؛ عَلَّمُوكَ حَتَّى تَدْرِيَ، وَإِنْ قُلْتَ "أَدْرِي"؛ سَأَلُوكَ حَتَّى لَا تَدْرِيَ"(3).
* وَسُئِلَ الشَّافِعِيُّ [رحمه الله](4) عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَسَكَتَ. فَقِيلَ: ألا تُجِيبُ؟ فَقَال: "حَتَّى أَدْرِيَ الفَضْلَ فِي سُكُوتِي، أَوْ فِي الْجَوَابِ"(5).
* وقَال الأَثْرَمُ: "سَمِعْتُ [الْإمَامَ] (6) أَحْمَدَ يُسْتَفْتَى، فَيُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "لا أَدْرِي"، وَذَلِكَ فِيمَا [قَدْ] (7) عَرَفَ فِيهِ الأْقَاوِيلَ (8) "(9).
* وَقَالَ: "مَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْفُتْيَا فَقَدْ عَرَّضَهَا لِأَمْرٍ عَظِيمٍ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ تُلْجِئُ الضَّرُورَةُ"(10).
(1) في (ب): ابن.
(2)
هو: زهير بن هُنيد العَدَوي، توفي سنة 180 هـ. تُنظر ترجمته من (تاريخ الإسلام) رقم: 98، 4/ 623.
(3)
أخرجه ابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم) رقم: 1589، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم: 32، وذكره ابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 134.
(4)
من (أ).
(5)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 79، والنووي في (مقدمة المجموع): 1/ 93، وابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 132.
(6)
من (أ).
(7)
من (ب).
(8)
من (أ) و (د) و (ف)، وفي (ب): الأقوال.
(9)
أخرجه الخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 1126، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم: 28، وفي (مناقب الإمام أحمد): 1/ 359، وذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 74، وابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 134.
(10)
أخرجه الخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 650، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم: 19، وذكره ابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 133.
* وَقِيلَ لَهُ: أَيُّمَا أَفْضَلُ؛ الْكَلَامُ أَوِ الْإِمْسَاكُ؟ فَقَال: "الْإِمْسَاكُ أَحَبُّ إِلَيَّ إِلَا لِضَرُورَةٍ"(1).
* وَقَال عُقْبَةُ (2) بْنُ مُسْلِمٍ: "صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ أَرْبَعَةً (3) وَثَلَاثِينَ شَهْرًا، وَكَانَ كَثِيرًا مَا يُسْأَلُ؛ فَيَقُوُل: "لَا أَدْرِي" (4).
* وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ لَا يَكَادُ يُفْتِي فُتْيَا، وَلَا يَقُولُ شَيْئًا إِلَّا قَال:"اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي، وَسَلِّمْ مِنِّي"(5).
* وَقَال سُحْنُونٌ - صَاحِبُ "الْمُدَوَّنَةِ" -: "أَشْقَى النَّاسِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ [بِدُنْيَاهُ، وَأَشْقَى مِنْهُ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ] (6) بِدُنْيَا غَيْرِهِ، فَفَكَّرْتُ فِيمَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ، فَوَجَدْتُهُ الْمُفْتِيَ، يَأْتِيهِ رَجُلٌ قَدْ حَنِثَ فِي امْرَأَتِهِ وَرَقِيقِهِ (7)، فَيَقُولُ [لَهُ] (8): "لَا شَيءَ عَلَيْكَ". فَيَذْهَبُ الْحَانِثُ فَيَتَمَتَّعُ بِامْرَأَتِهِ وَرَقِيقِهِ، وَقَدْ بَاعَ الْمُفْتِي دِينَهُ بِدُنْيَا هَذَا"(9).
(1) أخرجه الخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 650، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم:19.
(2)
تصحَّفت في (ب) إلى: عتبة.
(3)
من (أ) و (ف)، وفي (ب): أربعًا.
(4)
أخرجه ابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم) رقم: 1585، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم: 25، وذكره ابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 134.
(5)
أخرجه البيهقي في (المدخل) رقم: 824، وذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 80، وابن مفلح في (الآداب الشرعية): 2/ 66، وابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 134، والسيوطي في (أدب الفتيا):98.
(6)
من (أ).
(7)
من (1) و (د) و (ف)، وفي (ب): أو رقيقه.
(8)
من (أ).
(9)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 81.
* وَسَألَهُ رَجُلٌ مَسْأَلَةً، فَترَدَّدَ إِلَيْهِ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَقَال:"وَمَا أَصْنَعُ لَكَ يَا خَلِيلِي! وَمَسْأَلتُكَ هَذِهِ مُعْضِلَةٌ، وَفِيهَا أَقَاوِيلُ، وَأَنَا مُتَحَيِّرٌ فِي ذَلِكَ" فَقَال لَهُ: وَأَنْتَ أَصْلَحَكَ اللهُ لِكُلِّ مُعْضِلَةٍ! ، فَقَال لَهُ سُحْنُونٌ:"هَيْهَاتَ يَا ابْنَ أَخِي، لَيْسَ بِقَوْلِكَ هَذَا أَبْذُلُ لَكَ لَحْمِي وَدَمِي إِلَى النَّارِ"(1).
* كَانَ يُزْرِي عَلَى مَنْ يَعْجَلُ فِي الفَتْوَى، وَيَذْكُرُ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ عَنْ مُعَلِّمِيهِ القُدَمَاءِ (2).
* قَال: "إِنِّي لَأُسْأَلُ (3) عَنِ الْمَسْأَلةِ أَعْرِفُهَا، فَمَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْجَوَابِ إِلَّا كَرَاهَةُ (4) الْجُرْأَةِ بَعْدِي عَلَى الفَتْوَى (5) "(6).
* وَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ تُسْأَلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَوْ سُئِلَ عَنْهَا بَعْضُ أَصْحَابِكَ لَأَجَابَ (7)، فَتَتَوَقَّفُ فِيهَا! فَقَال:"فِتْنَةُ الْجَوَابِ بِالصَّوَابِ أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ"(8).
* وَقَال الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيُسأَلُ عَنِ الْمَسْأَلَةٍ وَيَعْجَلُ [فِي الْجَوَابِ] (9)، فَيُصِيبُ فَأَذُمُّهُ، ويُسْأَلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَيَتَثَبَّتُ فِي الْجَوَابِ، فَيُخْطِئُ فَأَحْمَدُهُ"(10).
(1) ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 81، والقاضي عياض في (ترتيب المدارك): 4/ 74.
(2)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 82.
(3)
من (أ) و (د) و (ف)، وفي (ب): لا أسأل.
(4)
من (أ) و (د) و (ف)، وفي (ب): كراهية.
(5)
من (أ) و (د) و (ف)، وفي (ب): الفتيا.
(6)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 82، والقاضي عياض في (ترتيب المدارك): 4/ 75.
(7)
من (ب) و (د)، وفي (أ) و (ف): أجاب.
(8)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 82، وابن مفلح في (الآداب الشرعية): 2/ 66، والقاضي عياض في (ترتيب المدارك): 4/ 76.
(9)
من (أ) و (د) و (ف)، وفي (ب): بالجواب.
(10)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 82.
* وَقَال أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَالصَّيْمَرِيُّ (1): "قَلَّ مَنْ حَرَصَ عَلَى الفَتْوَى، وَسَابَقَ إِلَيْهَا، وَثَابَرَ عَلَيْهَا؛ إِلَّا قَلَّ تَوْفِيقُهُ، وَاضْطَرَبَ فِي أَمْرِهِ، وَإِذَا كَانَ كارِهًا لِذَلِكَ غَيْرَ مُخْتَارٍ [لَهُ] (2)، مَا وَجَدَ مَنْدُوحَةً عَنْهُ، وَقَدَرَ أَنْ يُحِيلَ بِالأْمْرِ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ؛ كَانَتِ الْمَعُونَةُ لَهُ مِنَ اللهِ أَكْثَرَ، وَالْصَّلَاحُ فِي جَوَابِهِ وَفتاوِيهِ (3) أَغْلَبَ"(4).
* وَقَال بِشْرٌ الْحَافِي: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْأَلَ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسْأَل"(5).
* وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ لَيْسَ (6) شَيءٌ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنَ الْفَتْوَى (7). (8)
* وَقَال تَارَةً: "مَا ابْتُلِيَ أَحَدٌ بِمَا ابْتُلِيتُ بِهِ، أَفْتَيْتُ الْيَوْمَ فِي عَشْرِ مَسَائِلَ"(9).
* وَرَأَى رَجُلٌ رَبِيعَةَ بْنَ [أَبِي](10) عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَبْكِي، فَقَال: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَال:
(1) هو: شيخ الشافعية عبد الواحد بن الحسين الصَّيْمَرِيُّ، توفي سنة 405 هـ. تُنظر ترجمته في (تاريخ الإسلام) رقم: 178، 9/ 86.
(2)
من (أ).
(3)
من (ب) و (د)، وفي (أ) و (ف): فتياه.
(4)
قاله الخطيب في (الفقيه والمتفقه): 709، وذكره عنهما ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 84، والنووي في (مقدمة المجموع): 1/ 94.
(5)
أخرجه الخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 1084، وذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 84، وأخرجه الآجري في (أخلاق العلماء) رقم: 80 عن سفيان بن عيينة.
(6)
في (ب): يقول ليس.
(7)
من (ب) و (د)، وفي (أ): الفتيا.
(8)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 84.
(9)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 84.
(10)
ساقطة من (أ) و (ب)، والمثبت من المصادر.
"اسْتُفْتِيَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَظَهَرَ فِي الإِسْلَامِ أَمْر عَظِيمٌ"(1).
* وَقَال: "وَلَبَعْضُ مَنْ يُفْتِي هَاهُنَا أَحَقُّ بِالسِّجْنِ مِنَ السُّرَّاقِ"(2).
* قُلْتُ: "فكَيْفَ لَوْ رَأَى زَمَانَنَا، وَإِقْدَامَ مَنْ لا عِلْمَ عِنْدَهُ عَلَى الْفُتْيَا، مَعَ قِلَّةِ خِبْرَتِهِ، وَسُوءِ سِيرَتِهِ (3)، وَشُؤْمِ سَرِيرَتِهِ! وَإِنَّمَا قَصْدُهُ السُّمْعَةُ وَالرِّيَاءُ، وَمُمَاثَلَةُ الْفُضَلاءِ وَالنُّبَلَاءِ، وَالْمَشْهُورِينَ الْمَسْتُورِينَ، وَالْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ، وَالْمُتبَحِّرِينَ السَّابِقِينَ، وَمَعَ هَذَا، فَهُمْ يُنْهَوْنَ فَلا (4) يَنْتَهُونَ، [وَيُنْبَّهُونَ فَلَا يَنْتَبِهُونَ](5)، قَدْ أُمْلِيَ لَهُمْ بِانْعِكَافِ الْجُهَّالِ عَلَيْهِمْ، وَترَكُوا مَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَمَا عَلَيْهِمْ.
فَمَنْ أَقْدَمَ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ أَهْلًا مِنْ فُتْيَا، أَوْ قَضَاءٍ، أَوْ تَدْرِيسٍ؛ أَثِمَ.
فَإِنْ [كَانَ](6) أَكْثَرَ مِنْهُ، وَأَصَرَّ (7) وَاسْتَمَرَّ؛ فَسَقَ، وَلَمْ يَحِلَّ قَبُولُ قَوْلِهِ، وَلا فُتْيَاهُ، وَلا قَضَاؤُهُ.
هَذَا حُكْمُ دِينِ الإِسْلَامِ، [وَالسَّلامِ](8)، وَلا اعْتِبَارَ بِمَنْ خَالفَ هَذَا الصَّوَابَ،
(1) أخرجه ابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم) رقم: 2410، والخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 1039، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم: 46، وذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 85، وابن مفلح في (الآداب الشرعية): 2/ 67، وابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 118.
(2)
أخرجه ابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم) رقم: 2140، وذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 85، وابن مفلح في (الآداب الشرعية): 2/ 67، والمرداوي في (التحبير):4040.
(3)
في (ب): سريرته.
(4)
في (ب): ولا.
(5)
من (أ).
(6)
من (ب).
(7)
من (أ) و (ف)، وفي (ب): أو أصر.
(8)
من (أ).
فإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ".
* وَقَدْ قَال ابْنُ دَاوُدَ (1) وَغَيْرُهُ: "إِنَّ الشَّافِعِيَّ شَرَطَ فِي الْمُفْتِي وَالْقَاضِي شُرُوطًا لَا تُوجَدُ إِلَّا فِي الأَنْبِيَاءِ"(2).
* وَقَال بَعْضُ أَصْحَابِهِ: "شَرَطَ الشَّافِعِيُّ فِيهِمَا شُرُوطًا تَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ حَاكِمٌ"(3).
* وَكَتَبَ سَلْمَانُ (4) إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ: "بَلَغَنِي أَنَّكَ قَعَدْتَ طَبِيبًا؛ فَاحْذَرْ أَنْ تَقْتُلَ مُسْلِمًا"(5).
(1) هو: أبو بكر محمد بن داود بن محمد الدَّاودي، شارح (مختصر المُزني)، توفي نحو سنة 427 هـ. تُنظر ترجمته في (طبقات الشافعية الكبرى) رقم: 323، 4/ 148.
(2)
ذكره الأسيوطي في (جواهر العقود): 2/ 363.
(3)
أخرجه الخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 1048، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم: 5، قال الشافعي:"لا يَحلُّ لأحدٍ يُفْتي في دين الله عز وجل إِلَّا رَجُلًا عارفًا بكتابِ اللهِ: بنَاسِخِهِ ومَنسُوخِهِ، وبمُحْكَمه ومُتشابِههِ، وتأويلِهِ وتنزيلِهِ، ومكيِّه ومدنيِّهِ، وما أُريدَ به، وفيما أُنزل، ثم يكون بعد ذلك بَصيرًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالنَّاسِخِ والمنسُوخِ، ويَعْرِفُ من الحَديثِ مثل ما عُرف من القرآنِ، ويَكُون بصيرًا باللُّغَةِ، بصيرًا بالشِّعْرِ، وما يحتاجُ إليهِ للعِلْمِ والقُرْآنِ، ويَسْتَعمِلُ مع هذا الإنْصافَ، وقِلَّةَ الكلامِ، ويكونُ بعد هذا مُشرِفًا على اخْتِلافِ أهل الأمصارِ، ويكُونُ له قريحةٌ بَعْدَ هذا، وإذا كانَ هذا هكذا؛ فله أن يَتكلَّم ويُفْتي في الحلالِ والحرامِ، إذا لم يَكُن هكذا، فَلَهُ أَنْ يَتكلَّمَ في العِلْمِ ولا يُفْتي".
(4)
في (ب): سليمان.
(5)
أخرجه الإمام مالك في (الموطأ) رقم: 1459، وابن عساكر في (تاريخ دمشق): 1/ 150، وأبو نعيم في (حلية الأولياء): 1/ 205، والدينوري في (المجالسة) رقم: 1238، وذكره ابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 135.
* وَتَحْرُمُ الْفَتْوَى (1) عَلَى الْجَاهِل بمَا يَسْأَلُ عَنْهُ؛ لِمَا سَبَقَ مِنَ الْحَدِيثِ (2)، وَإِنْ كَانَ عَارِفًا بِغَيْرِهِ.
* وَقَال سُفْيَانُ (3): "أَدْرَكْتُ الْفُقَهَاءَ وَهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يُجِيبُوا فِي الْمَسَائِلِ وَالفُتْيَا، حَتَّى لَا يَجِدُوا بُدًّا مِنْ أَنْ يُفْتُوا"(4).
* وَقَال: "أَدْرَكْتُ الْعُلَمَاءَ وَالْفُقَهَاءَ يَترادُّونَ الْمَسَائِلَ، يَكْرَهُونَ أَنْ يُجِيبُوا فِيهَا، فَإِذَا أُعْفُوا (5) مِنْهَا كَانَ أحَبَّ إِلَيْهِمْ"(6).
* وَقَال: "أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْفُتيَا أَسْكَتُهُمْ عَنْهَا، وَأَجْهَلُهُمْ بِهَا أَنْطَقُهُمْ فِيهَا"(7).
* * *
(1) في (ب): الفتيا.
(2)
يُنظر صـ 129 و 130.
(3)
هو: إمام الحفاظ سفيان بن سعيد بن مسروق الثَّوري، توفي سنة 161 هـ. تُنظر ترجمته في (سير أعلام النبلاء) رقم: 82، 7/ 229.
(4)
أخرجه الآجري في (أخلاق العلماء) رقم: 84، والخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 649، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم: 13، وذكره ابن مفلح في (الآداب الشرعية): 2/ 66.
(5)
في (ب): عفوا.
(6)
أخرجه الآجري في (أخلاق العلماء) رقم: 84، والخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 649، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم:13.
(7)
أخرجه الخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 1079، وابن الجوزي في (تعظيم الفتيا) رقم: 15، وذكره ابن مفلح في (الآداب الشرعية): 2/ 66.