الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
* لَيْسَ لِمَنِ انْتَسَبَ إِلَى مَذْهَبِ إِمَامٍ فِي مَسْأَلةٍ ذَاتِ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ؛ أَنْ يَتَخَيَّرَ فَيَعْمَلَ أَوْ يُفْتِيَ بَأَيِّهمَا شَاءَ
.
[بَلْ](1) إِنْ عَلِمَ تَارِيخَ الْقَوْلَيْنِ، عَمِلَ بِالْمُتَأَخِّرِ، إِنْ صَرَّحَ قَائِلُهُمَا بِرُجُوعِهِ عَنِ الْأوّلِ، وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
وَكَذَا: إِنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ.
وَقِيلَ: "يَجُوزُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا إِذَا تَرَجَّحَ عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبٌ لِقَائِلِهِمَا -كَمَا يَأْتِي-؛ لِأَنَّ كَلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالهُ بِدَلِيلٍ".
* وَإِنْ ذَكَرَهُمَا [قَائِلُهُمَا](2) مَعًا، وَرَجَّحَ أَحَدَهُمَا؛ تَعَيَّنَ.
* وَإِنْ لَمْ يُرَجِّحْ أَحَدَهُمَا، أَوْ جَهِلَ الْحَال، هَلْ قَالهُمَا مَعًا أَمْ لَا؟ عَمِلَ بِالأرْجَحِ -عَلَى (3) الأْصَحِّ- الأْشْبَهِ بِقَوَاعِدِ الإْمَامِ وَأُصُولِهِ كَمَا يَأْتِي.
هَذَا إِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِهِ أَهْلًا لِلتَّرْجِيحِ.
* وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا؛ فَلْيَأْخُذْهُ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ.
* فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ، تَوَقَّفَ.
(1) من (أ).
(2)
من (أ).
(3)
في (ب): في. مكشوط عليها.
* وَلَابُدَّ فِي الْوَجْهَيْنِ مِنْ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا، وَمَعْرِفَةِ أَصَحِّهِمَا عِنْدَ الْفَتْوَى وَالْعَمَلِ بِمِثْلِ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّاخّرِ، وَسَوَاءٌ وَقَعَا مَعًا أَوْ لَا، مِنْ إِمَامٍ أَوْ إِمَامَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا نُسِبَا إِلَى الْمَذْهَبِ نِسْبَةً وَاحِدَةً، وَتَقَدُّمُ أَحَدِهِمَا لَا يَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ تَقَدُّمِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ.
وَلَيْسَ (1) ذَلكَ [أَيْضًا](2) مِنْ قَبيل اخْتِلَافِ الْمُفْتِينَ عَلَى الْمُسْتَفْتِى، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ رَاجعٌ إِلَى شَخصٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ؟ فَلْيَلْتَحِقُ (3) بِاخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِأَصَحِّهِمَا عَنْهُ وَأَصْرَحِهِمَا وَأَوْضَحِهِمَا.
* وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الرَّأْيَيْنِ (4) مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَالآخَرُ مُخَرَّجًا؛ فَالظَّاهرُ أَنَّ الَّذي نَصَّ عَلَيْه منْهُمَا يُقَدَّمُ، كَمَا يُقَدَّمُ مَا يُرَجِّحُهُ منَ الْقَوْلَيْن الْمَنْصُوصَيْنِ عَلَى الْآخَرِ؛ لأَنَّهُ أَقْوَى نِسْبَةً إِلَيْهِ مِنْهُ، إِلَّا إِذَا كَانَ الْقَوْلُ الْمُخَرَّجُ مُخَرَّجًا مِنْ نَصٍّ آخَرَ؛ لِتَعَذُّرِ الْفَارِقِ.
* وَمَنْ يَكْتَفِي بأَنْ يَكُونَ فِي فُتْيَاهُ (5) أَوْ عَمَلِهِ مُوَافِقًا لِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ فِي المَسْألةِ، وَيَعْمَل بِمَا شاءُ مِنَ الأقوَالِ أوِ (6) الأوْجُهِ، مِنْ غيْرِ نَظيرٍ فِي التَّرْجِيحِ وَلَا تَقَيُّدٍ بِهِ؛ فَقَدْ جَهِلَ وَخَرَقَ الإِجْمَاعَ.
(1) من (ب) و (د)، وفي (أ): ولأن.
(2)
من (أ).
(3)
من (أ)، وفي (ب): فيلحق.
(4)
من (أ) و (د)، وفي (ب): القولين.
(5)
من (أ) و (د)، وفي (ب): فتواه.
(6)
من (أ) و (د)، وفي (ب): و.
وَقَدْ حُكِيَ [عَنْ](1) بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، أنَّهُ قَال:"الَّذِي عَلَيَّ لِصَدِيقِي إِذَا وَقَعَتْ لَهَ حُكُومَةٌ، أَنْ أُفْتِيَهُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي تُوَافِقُهُ".
وَوَقَعَتْ لِرَجُلٍ وَاقِعَةٌ فَأَفْتَى (2) فِيهَا جَمَاعَةٌ بِمَا يَضُرُّهُ، فَلَمَّا عَادَ وَسَأَلهُمْ قَالوا:"مَا عَلِمْنَا أَنها لَكَ! " وَأَفْتَوْه بالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي تُوَافِقُهُ (3).
وَذَلِكَ يَفْعَلُونَهُ لِقِلَّةِ خَيْرِهِمْ، وَكثْرَةِ نِفَاقِهِمْ، وَلا خِلافَ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.
وَقَدْ قَال مَالِكٌ: "لَيْسَ كَلُّ مَا فِيهِ [تَوْسِعَةٌ] (4) قُلْتُ: لَا تَوْسِعَةَ فِيهِ"(5).
يَعْني أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلِاجْتِهَادِ مَجَالًا فِيمَا بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ يُقْطَعُ فِيهِ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ مُتَعَيِّنٍ، لَا مَجَال لِلِاجْتِهَادِ فِي خِلَافِهِ.
وَقَال فِي اخْتِلافِ الصَّحَابَةِ: "مِنْهُمْ مُخْطِئٌ وَمُصِيبٌ، فَعَلَيْكَ بِالاِجْتِهَادِ"(6).
قُلْتُ (7): "وَيتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِالأْرْجَحِ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِي كُلِّ مَسْأَلةٍ اخْتَلَفُوا
(1) من (أ).
(2)
من (أ) و (د)، وفي (ب): فأفتاه.
(3)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 125، وابن مفلح في (أصول الفقه): 4/ 1564، وابن تيمية في (المسودة): 2/ 953، وابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 124، والشاطبي في (الموافقات): 5/ 90 وعزاه لكتاب (التبيين لسُنن المهتدين) لأبي الوليد الباجي.
(4)
من (أ).
(5)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 125، وابن فرحون في (تبصرة الحكام): 1/ 58.
(6)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 125، وابن حزم في (الأحكام): 6/ 179، وابن فرحون في (تبصرة الحكام): 1/ 58، وابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 124.
(7)
في (ب): قال المصنف.
فِيهَا، وَمَا فِيهَا قَوْلٌ [وَاحِدٌ](1) لَأِحَدِهِمْ وَلَمْ يَشْتَهِرْ بَيْنَهُمْ؛ أَخَذَ بِهِ مَنْ يَرَى تَقْلِيدَهُمْ.
وَإِنْ اشْتَهَرَ فَلَمْ (2) يُنْكَرْ؛ فَبِطَرِيقِ الأْوْلَى، وَهُوَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا إِجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ، وَفِيهِ لِبَقِيَّةِ الْعُلَمَاءِ خِلَافٌ (3) مَشْهُورٌ (4).
* * *
(1) من (أ).
(2)
في (ب): ولم.
(3)
في (ب): اختلاف.
(4)
يُنظر: (أدب المُفتي) لابن الصلاح: 123، و (الدر النضيد):336.
فَصْلٌ
* إِذَا اعْتَدَلَ عِنْدَ الْمُفْتِي قَوْلَانِ، وَقُلْنَا:"يَجُوزُ ذَلِكَ":
- فَقَدْ قَال الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: "لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِأَيَّهِمَا شَاءَ، كَمَا يجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ الْمُفْتِي بِأَيِّ الْقَوْلَيْنِ شَاءَ"(1).
- وَقِيلَ: "إِنَّهُ يُخَيِّرُ الْمُسْتَفْتِيَ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُفْتِيهِ (2) بِمَا يَرَاهُ، وَالَّذِي يَرَاهُ [هُوَ] (3) التَّخْيِيرُ، عَلَى قَوْلِ مَنْ قَال بِالتَّخْيِيرِ".
- وَإِنْ قُلْنَا: "يَمْتَنِعُ (4) تَعَارُضُ الأْمَارَاتِ (5) وَتَعَادُلُهَا"، تَعَيَّنَ الأحْوَطُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ.
- وَإِنْ أَفْتَاهُ بِقَوْلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، لَمْ يُخَيِّرْه فِي الْقَبُولِ مِنْهُ.
- وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ، خَيَّرَهُ بَيْنَ الْقَبُولِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ.
-[أَمَّا إِنْ قُلْنَا: "كَلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ"؛ فَظَاهِرٌ.
- وَ] (6) أَمَّا إِنْ قُلْنَا: "الْمُصِيبُ وَاحِدٌ" فَلَأِنَّهُ غَيْرُ مُتعَيِّنٌ (7) مِنْهُمَا؛
(1) ذكره ابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 167، ومرعي الكرمي في (غاية المنتهى): 2/ 566.
(2)
في (ب): يفتي.
(3)
من (ب).
(4)
في (ب): يمنع.
(5)
في (ب): للإمارة.
(6)
من (أ).
(7)
في (ب): معين.
كَتَخْيِيرِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه (1) مَنْ أَفْتَاهُ بِالطَّلَاقِ بَيْنَ قَوْلِهِ لَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ مَنْ يُفْتِيهِ بِخِلَافِهِ؛ فَلا (2) يَلْزَمُهُ أَنْ يُخَيَّرَهُ صَرِيحًا بِذَلِكَ (3).
* * *
(1) من (ب).
(2)
في (ب): ولا.
(3)
يُنظر: (إعلام الموقعين): 6/ 167.
فَصْلٌ
* إِذَا وَجَدَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّخْرِيجِ وَالتَّرْجِيحِ بالدَّلِيلِ، اخْتِلَافًا بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ فِي الْأصَحِّ مِنَ القَوْلَيْنِ أوِ الوَجْهَيْنِ؛ فَيَنْبَغِي أنْ يَرْجِعَ فِي التّرْجِيحِ إِلَى صِفَاتِهِمُ الْمُوجِبَةِ لِزِيَادَةِ الثِّقَةِ بِآرَائِهِمْ، فَيَعْمَلَ بَقَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَالْأَعْلَمِ، وَالْأَوْرَعِ.
* فَإِذَا اخْتَصَّ [وَاحِدٌ مِنْهُمْ](1) بِصِفَةٍ مِنْهَا، وَالآخَرُ بِصِفَةٍ أُخْرَى؛ قَدَّمَ الَّذِي هُوَ أَحْرَى مِنْهُمَا بِالْإِصَابَةِ (2)، فَالأعْلَمُ الْوَرعُ (3) مُقَدَّمٌ عَلَى الأوْرَعِ الْعَالِمِ، كَمَا قُلْنَا فِي التَّرْجِيحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَخْبَارِ فِي صِفَاتِ الرُّوَاةِ.
* وَكَذَلِكَ: إِذَا وَجَدَ قَوْلَيْنِ أوْ وَجْهَيْنِ، لَمْ يَبْلُغْهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِهِ بَيَانُ الْأَصَحِّ مِنْهُمَا؛ اعْتَبَرَ أَوْصَافَ نَاقِلِيهِمَا وَقَائِلِيهِمَا، وَيُرَجِّحُ مَا وَافَقَ مِنْهُمَا أَئِمَّةَ أَكْثَرِ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعَةِ، أَوْ أَكْثَرَ الْعُلَماءِ.
* وَقَدْ قَال الْقَاضِي حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّد الشَّافِعِيُّ: إِذَا اخْتَلَفَ قَوْلَا الشَّافِعِيِّ -مَثَلًا- فِي مَسْأَلَةٍ، وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ مُوَافِقٌ مَذْهَبَ (4) أبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا ظَاهِرًا بِشَيْءٍ، فَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِالْفَتْوَى؟
(1) من (أ) و (د)، وفي (ب): أحدهما.
(2)
من (أ) و (د)، وفي (ب): بالصواب.
(3)
من (ب) و (د) و (ص)، وفي (أ): الأورع.
(4)
من (أ) و (د)، وفي (ب): لمذهب.
فَقِيلَ (1): "الْمُخَالِفُ؛ لَأِنَّهُ إِنَّمَا خَالفَهُ لِمَعْنًى خَفِيَ عَلَيْنَا".
وَقِيلَ (2): "بَلِ الْمُوَافِقُ؛ لِلتَّعَاضُدِ وَالْمُوَافَقَةِ فِي الاِجْتِهَادِ وَدَلِيلِهِ".
وَقِيلَ (3): "الأْوْلَى التَّرْجِيحُ بِالْمَعْنَى لَا بِمُوَافَمة وَلَا بِمُخَالفَةٍ"(4).
وَهَذ التَّرَاجَيحُ مُعْتبرةٌ بِالنِّسْبِةِ (5) إِلَى أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ.
وَمَا رَجَّحَهُ الدَّلِيلُ مُقَدَّمٌ عِنْدَهُمْ (6). وَهُوَ أَوْلَى.
* * *
(1) القائل هو: أبو حامد الغزالي.
(2)
القائل هو: القفَّال.
(3)
القائل هو: القاضي حسين بن محمد.
(4)
(أدب المُفتي): 127، و (مقدمة المجموع): 1/ 110.
(5)
تصحَّفت في (ب) إلى: النية.
(6)
يُنظر: (أدب المُفتي): 126.
فَصْلٌ
* كُلُّ مَسْأَلةٍ [فِيهَا لِإمَامٍ رِوَايَتَانِ](1) أَوْ قَوْلَانِ، جَدِيدٌ وَقَدِيمٌ؛ فَالْفَتْوَى مِنْ أَتْبَاعِهِ عَلَى الْجَدِيدِ الْمُتَأَخِّرِ -عَلَى الأصَحِّ-.
* إِلَّا فِي عِشْرِينَ مَسْأَلةً لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ الْفَتْوَى فِيهَا عَلَى الْقَدِيمِ (2)، مِنْهَا: مَسْأَلةُ التَّثْوِيبِ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ، [وَمَسْأَلةُ التَّبَاعُدِ عَنِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ](3)، وَأنَّه لَا يُسْتَحَبُّ قِرَاة السُّورَةِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ (4)؛ فَيَكُونُ اخْتِيَارُهُمْ لِلْقَدِيمِ كَاخْتِيَارِهِمْ لِمَذْهَبِ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ إِذَا أَدَّاهُمْ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُمْ؛ إِذِ الْقَدِيمُ لَمْ يَبْقَ مَذْهَبًا لَهُ لِرُجُوعِهِ عَنْهُ لِمَا سَبَقَ، وَبَلْ أَوْلَى؛ لِكَوْنِ الْقَدِيمِ قَدْ كَانَ قَوْلًا مَنْصُوصًا.
* وَيَلْتَحِقُ بِذَلِكَ: مَا إِذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمُ الْقَوْلَ الْمُخَرَّجَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَنْصُوصِ، أَوِ اخْتَارَ مِنَ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ (5) رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ أَحَدَهُمَا عَلَى غَيْرِ مَا رَجَّحَهُ، وَبَلْ أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ الْقَدِيمِ، ثُمَّ حَكَمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ (6) أَهْلًا
(1) في (ب): لإمام فيها روايتان.
(2)
المسائل القديمة المختارة اختلف في عددها، قيل:(14)، وقيل:(20)، قال عبد العزيز عبد القادر قاضي زاده في رسالته لنيل درجة الماجستير بعنوان (الإمام الشّافعي والمسائل التي اعتمدت من قوله القديم):"والحق أنها (31) مسألة".
(3)
من (أ) و (د)، وفي (ب): مسألة التباعد في الماء الكثير عن النجاسة.
(4)
من (أ) و (د)، وفي (ب): الأولتين.
(5)
في (ب): الذي.
(6)
في (ب): يمكن.
لِلتَّخْرِيجِ مِنَ الْمُتَّبِعِينَ لِمَذْهَب الشَّافِعِيِّ -مَثَلًا-؛ أَلا تتَّبعَ شَيْئًا مِنَ اخْتِيَارَاتِهِمْ هَذِه الْمَذْكُورةِ؛ لِأنَّهُمْ مُقَلِّدُونَ لِلشَّافِعِيِّ دُونَ مَنْ خَالفَهُ (1).
وَكَذَا الْكَلَامُ بَيْنَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ [وَبَيْنَ](2) أَصْحَابِهِ، إِنْ قُلْنَا:"أَوَّلُ قَوْلَيْهِ فِي مَسْألةٍ لَيْسَ مَذْهَبًا لَهُ"، وَإِلَّا فَلَا.
* * *
(1) يُنظر (أدب المُفتي): 128 و 130.
(2)
في (أ): و.
فصل
* إِذَا اقْتَصَرَ الْمُفْتِي فِي جَوَابِهِ عَلَى ذكْرِ الْخِلَافِ، وَقَال (1):"فِيهَا قول المفتى فيها قولان أو روايتان رِوَايَتَانِ" أَوْ: "قَوْلانِ" أَوْ: "وَجْهَانِ" أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ الْأَرْجَحَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُفْتِ فِيهَا بِشَيْءٍ.
* وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا؛ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، إِذا حَصَلَ غَرَضُ السَّائِلِ مِنَ الْجَوَابِ بِنَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ.
* وَإِنْ سَأَلهُ عَنِ الْخِلَافِ؛ ذَكرَهُ، فَرُبَّمَا أَرَادَ [أَنْ](2) يَعْلَمَ أَنهُ [لَا إِجْمَاعَ](3) فِي ذَلِكَ؛ لِيُمْكِنَ تَقْلِيدُ غَيْرِ إِمَامِهِ (4).
* * *
(1) في (ب): أو قال.
(2)
من (ب).
(3)
في (ب): الإجماع.
(4)
يُنظر: (أدب المُفتي): 130، و (مقدمة المجموع): 1/ 105، و (الدر النضيد): 338، و (منار أصول الفتوى):315.
فصلٌ
* لَيسَ لَهُ أَنْ يفْتِيَ فِي شَيءٍ مِنْ مَسَائِلِ الْكَلامِ مُفَصِّلًا، بَلْ يَمْنَعُ السَّائِلَ وَسَائِرَ الْعَامَّةِ مِنَ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، وَيَأْمُرُهُمْ بِأَنْ (1) يَقْتَصِرُوا فِيهَا عَلَى الْإِيمَانِ الْمُجْمَلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ (2).
* وَأَنْ يَقُولُوا فِيهَا وَفِيمَا وَرَدَ مِنَ الآيَاتِ وَالأخْبَارِ الْمُتَشَابِهَةِ: "إِنَّ الثَّابِتَ فِيهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كُلُّ مَا هُوَ [اللَّائِقُ فِيهَا بِاللهِ -تَعَالى-، وَبِكَمَالِهِ] (3)، وَعَظَمَتِهِ، وَجَلَالِهِ، وَتَقْدِيسِهِ، مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ، وَلَا تَجْسِيمٍ، وَلَا تكْيِيفٍ، وَلَا تَأْوِيل، وَلَا تَفْسِيرٍ، وَلَا تَعْطِيل، وَلَيْسَ عَلَيْنَا تَفْصِيلُ الْمُرَادِ وَتَعْيِينُهُ، وَلَيْسَ الْبَحْث عَنْهُ مِنْ شَأْنِنَا -فِي الأكثَرِ [وَالْأَشْهَرِ] (4) -، بَلْ نَكِلُ عِلْمَ تَفْصِيلِهِ إِلَى اللهِ -تَعَالى-، وَنَصْرِفُ عَنِ الْخَوْضِ فِيهِ قُلُوبَنَا وَألْسِنَتَنَا".
فَهَذَا وَنَحْوُهُ [هُوَ](5) الصَّوَابُ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى، وَهُوَ سَبِيلُ (6) السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَأَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْمُعْتبرةِ، وَأَكَابِرِ [الْفُقَهَاءِ وَ](7) الْعُلَمَاءِ، مِنَّا وَمنْ غَيْرِنَا.
(1) من (أ) و (د)، وفي (ب): أن.
(2)
يُنظر: (الفقيه والمتفقه): 748، و (الإحكام) للقرافي: 264، و (أدب المُفتي): 153، و (مقدمة المجموع): 1/ 115، و (الدر النضيد):358.
(3)
في (ب): اللائق منها لله تعالى ولكماله.
(4)
من (ب).
(5)
من (أ).
(6)
من (ب) و (د)، وفي (أ): مذهب.
(7)
من (ب).
وَهُوَ أَصْوَبُ وَأَسلَمُ لِلعَامَّةِ وَأَشبَاهِهِمْ، مِمَّنْ يُدْغِلُ قَلْبَهُ بِالْخَوضِ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَدِ اعْتَقَدَ اعْتِقَادًا بَاطِلًا مُفَصَّلًا، فَفِي إِلْزَامِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ؛ صَرْفٌ لَهُ عَنْ ذَلِكَ الاِعْتِقَادِ [الْبَاطِلِ](1) بِمَا هُوَ أَهْوَنُ وَأَيْسَرُ وَأَسلَمُ.
* وَإِذَا عَزَّرَ وَلِيُّ الْأَمْرِ مَنْ حَادَ مِنْهُمْ عَنْ هَذِهِ الطَّريقَةِ؛ فَقَدْ تَأَسَّى بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي تَعْزِيرِ [صَبِيغَ بْنَ عِسْلٍ](2) الَّذِي كَانَ يَسْأل عَنِ الْمُتَشَابِهَاتِ عَلَى ذَلِكَ.
وَالْمُتكَلِّمُونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مُعْتَرِفُونَ بِصَحَّةِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَأَنهَا أَسْلَمُ لِمَنْ سَلِمَتْ لَهُ (3).
حَتَّى الْغَزَالِيُّ -أَخِيرًا- فَإِنَّهُ قَال: "كُلُّ مَنْ يَدْعُو الْعَوَامَّ إِلَى الْخَوضِ فِي هَذَا؛ فَلَيْسَ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ، بَلْ مِنَ الْمُضِلِّينَ، وَهُوَ كَمَنْ يَدْعُو صَبِيًّا يَجْهَلُ السِّبَاحَةَ إِلَى خَوْضِ الْبَحْرِ"(4).
وَقَال: "الصَّوَابُ لِلخَلْقِ إِلَّا النَّادِرَ سُلُوكُ مَسْلَكِ السَّلَفِ (5) فِي الإْيمَانِ الْمُرْسَلِ، وَالتَّصْدِيقِ الْمُجْمَلِ، وَمَا قَالهُ اللهُ [- تَعَالى-](6) أَوْ (7) رَسُولُهُ [صلى الله عليه وسلم](8)
(1) من (أ).
(2)
في (ب): صبيع بن عسيل، وكُتِبَ فوقها (كذا)، وفي (د): ضبيع بن عسل.
(3)
انظر: (أدب المُفتي): 155.
(4)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 156.
(5)
ونقل ابن الصلاح العبارة عن الغزالي بصيغة مختلفة وهي: "الصواب للخلق كلهم إلا الشاذ النادر الذي لا تكاد تسمح الأعصار بواحد منهم سلوك ..... " ولا أدري لما هذا الاستثناء؟
(6)
من (أ).
(7)
في (ب): و.
(8)
من (أ).
بِلَا بَحْثٍ وَتَفْتِيشٍ" (1).
قَال: "وَفِي الاشْتِغَالِ [بِالتَّقْوَى] (2) شُغُلٌ شَاغِلٌ"(3).
وَقَال فِي "التَّفْرِقَةِ"(4) فِي حَقِّ عَوَامِّ الْخَلْقِ: "إِنَّ الْحَقَّ فِيهِ الاتِّبَاعُ، وَالْكَفُّ عَنْ تَغْيِيرِ [الظَّوَاهِرِ](5) رَأْسًا، [وَالْحَذَرُ](6) عَنْ إِبْدَاعِ (7) تَأْوِيلَاتٍ لَمْ تُصَرِّحْ (8) بِهَا الصَّحَابَةُ، وَحَسْمُ بَابِ السُّؤَالِ رَأْسًا، وَالزَّجْرُ عَنِ الْخَوْضِ فِي الْكَلَامِ وَالْبَحْثِ، وَاتِّبَاعِ مَا تَشَابَهَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
[الثَّانِي: ](9) بَيْنَ النُّظَّارِ الَّذِينَ (10) اضْطَرَبَتْ عَقَائِدُهُمُ الْمَأْثُورَةُ الْمَشْهُورَةُ الْمَوْرُوثَةُ، وينْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَحْثُهُمْ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، وَتَرْكُهُمُ الظَّاهِرَ (11) لِضَرُورَةِ الْبرهَانِ الْقَاطِعِ" (12).
وَقَال فِيهَا أَيْضًا: "مِنَ النَّاسِ مَنْ يُبَادِرُ إِلَى التَّأوِيلِ ظَنًّا لَا قَطْعًا، فَإِنْ كَانَ فَتْحُ
(1) ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 156، وابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 183.
(2)
تصحَّفت في (أ) و (ب) إلى: الفتوى، والمثبت موافق لـ (د).
(3)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 278، والنَّووي في (مقدمة المجموع): 1/ 116.
(4)
هو (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة) طبع بأكثر من تحقيق.
(5)
من (أ) و (ل)، وفي (ب): الظا هر.
(6)
تصحَّفت في (ب) إلى: والجوز، وفي (أ) إلى: والجور، والمثبت موافق لـ (ل) و (إعلام الموعين).
(7)
من (أ) و (ل)، وفي (ب): ابتداع.
(8)
من (ب) و (ل)، وفي (أ): يصرح.
(9)
تصحَّفت في (أ) إلى: الثائر، وفي (ب) إلى: السائر، والمثبت موافق لـ (ل).
(10)
في (أ): الذي.
(11)
من (ب) و (ل)، وفي (أ): للظاهر.
(12)
(فيصل التفرقة): 48.
هَذَا الْبَابِ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ يُؤَدِّي إِلَى تَشْوِيشِ قُلُوبِ الْعَوَامِّ؛ بُدِّعَ بِهِ صَاحِبُهُ، وَكَلُّ مَا لمْ يُؤْثَرْ عَنِ السَّلَفِ ذِكْرُهُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ بِأُصُولِ الْعَقَائِدِ الْمُهِمَّةِ؛ فَيَجِبُ تَكْفِيرُ مَنْ يُغَيِّرُ الظَّاهِرَ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ قَاطِعٍ" (1).
وَقَال فِيهَا أَيْضًا: "كَلُّ مَا [لَا] (2) يَحْتَمِلُ التَّأوِيلَ فِي نَفْسِهِ، وَتَوَاتَرَ نَقْلُهُ، وَلَمْ يُتَصَوَّرْ أَنْ يَقُومَ عَلَى خِلَافِهِ بُرْهَانٌ؛ فَمُخَالفَتُهُ تَكْذِيبٌ مَحْضٌ، وَمَا (3) تَطرَّقَ إِلَيْهِ احْتِمَال تَأْوِيل وَلَوْ بِمَجَازٍ (4) بَعِيدٍ، فَإِنْ كَانَ بُرْهَانهُ قَاطِعًا؛ وَجَبَ الْقَول بِهِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ فِي إِظْهَارِهِ مَعَ الْعَوَامِّ ضَرَرٌ لِقُصُورِ أَفْهَامِهِمْ؛ فَإِظْهَارُهُ بِدْعَةٌ، وَإِنْ كَانَ البرهَانُ يُفيدُ ظَنًّا غَالِبًا وَلَا يَعْظُمُ ضَرَرُهُ فِي الدِّينِ؛ فَهُوَ بِدْعَةٌ، وَإِنْ عَظُمَ ضَرَرُهُ؛ فَهُوَ كفْرٌ"(5). وَفِيهِ اِحْتِمَالٌ.
قَال: "وَلَمْ تَجْرِ عَادَةُ (6) السَّلَفِ بِالدَّعْوَةِ بِهَذِه الْمُجَادَلَاتِ، بَلْ شَدَّدُوا الْقَوْلَ عَلَى مَنْ يَخُوضُ فِي الْكَلَامِ، ويشْتَغِلُ بِالْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ"(7).
وَقَال فِيهَا أَيْضًا: "الْإِيمَانُ الْمُسْتَفَادُ مِنَ الْكَلَامِ ضَعِيفٌ، وَالْإِيمَانُ الرَّاسِخُ إِيمَانُ الْعَوَامِّ الْحَاصِلُ فِي قُلُوبِهِمْ فِي (8) الصِّبَا بِتَوَاتُرِ السَّمَاعِ، وَبَعْدَ الْبُلُوغِ بِقَرَائِنَ يَتَعَذَّرُ (9)
(1)(فيصل التفرقة): 55.
(2)
في (ل): لم، وليست في (أ).
(3)
من (أ) و (ل)، وفي (ب): ولما.
(4)
من (ب) و (ل)، وفي (أ): بمجال.
(5)
(فيصل التفرقة): 64.
(6)
في (ب): عادة بعادة.
(7)
(فيصل التفرقة): 78.
(8)
من (أ) ونسخة من (ل)، وفي (ب): من ونسخة من (ل).
(9)
في (ب): يبعد، وفي (ل): لا يمكن.
التَّعْبِيرُ عَنْهَا، ويؤَكِّدُهُ مُلَازَمَةُ الْعِبَادَةِ وَالذِّكْرِ، فَإِنَّ كَلَامَ الْمُتكلِّمِينَ يُشْعِرُ السَّامِعُ أَنَّ فِيهِ صَنْعَة (1) يَعْجِزُ عَنْهَا الْعَامِّيُّ، [لَا أنَّهُ](2) حَقٌّ، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَبَبُ عِنَادِهِ" (3).
وَقَال شَيْخُةُ (4) أَبو الْمَعَالِي: "يَحْرِصُ الإْمَامُ مَا أَمْكَنَهُ عَلَى جَمْعِ عَامَّةِ الْخَلْقِ عَلَى سُلُوكِ سَبِيلِ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ"(5).
وَقَال الصَّيْمَرِيُّ: "أَجْمَعَ أَهْلُ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ مَنْ عُرِفَ بِهَا؛ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ خَطَّهُ بفَتْوَى فِي مَسْأَلةِ كَلَامٍ، كَالْقَضَاءِ وَالْقَدْرِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْتَتِمُّ قِرَاءَةَ مِثْلِ هَذِهِ الرُّقْعَةِ"(6).
وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الامْتِنَاعَ مِنَ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ عَنِ الْفُقَهَاءِ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى وَالْحَدِيثِ، قَال:"وَإِنَّمَا خَالفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْبِدَعِ"(7).
وَقِيلَ (8): "إِنْ كَانَتِ الْمَسْأَلةُ مِمَّا يُؤْمَنُ فِي تَفْصِيلِ جَوَابِهَا مِنْ ضَرَرِ الْخَوْضِ الْمَذْكُورِ؛ جَازَ الْجَوَابُ مُفْصَّلا (9)، بِأَنْ يَكُونَ جَوَابُهَا مُخْتَصَرًا مَفْهُومًا، فِيمَا لَيْسَ لَهُ أَطْرَافٌ يَتَجَاذَبُهَا [إِلَيْهَا](10) الْمُتَنَازِعُونَ، وَالسُّؤال عَنْهُ صَادِرٌ مِنْ مُسْتَرْشِدٍ خَاصٍّ
(1) من (أ) و (ل)، وفي (ب): صيغة.
(2)
في (ب): لأنه، وفي (ل): لا لكونه.
(3)
(فيصل التفرقة): 79.
(4)
في (ب) و (إعلام الموقعين): شيخنا.
(5)
يُنظر: (الغياثي): ص 333 الفقرة 280.
(6)
ذكره ابن الصلاح في (أدب المُفتي): 156.
(7)
يُنظر: (جامع بيان العلم وفضله): 2/ 127.
(8)
القائل هو: ابن الصلاح، يُنظر (أدب المُفتي):157.
(9)
تصحَّفت في (أ) إلى: مفضلًا.
(10)
من (أ).
مُنْقَادٍ، أَوْ مِنْ عَامَّةٍ قَلِيلَةِ التّنَازُعِ وَالْمُمَارَاةِ، وَالْمُفتِي مِمَّنْ يَنْقَادُونَ لِفُتْيَاهُ، وَنَحْوُ هَذَا".
وَعَلَى هَذَا وَنَحْوِهِ يُخَرَّجُ مَا جَاءَ عَنْ [بَعْضِ](1) السَّلَفِ مِنَ الْفَتْوَى (2) فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْكَلامِيَّةِ، وَذَلِكَ مِنْهُمْ قَلِيلٌ نَادِرٌ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَمِّ الْكَلَامِ عَنِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ شَيءٌ كَثِيرٌ مَشْهُورٌ، حَتَّى إِنَّ شَيْخَ الإسْلَامِ الأنْصَارِيَّ جَمَعَ مِنْ (3) ذَلِكَ مُجلَّدًا (4).
وَقَدْ قَال أَحْمَدُ: "لَسْتُ بِصَاحِبِ كَلَامٍ، وَلَا أَرَى الْكَلَامَ فِي شَيْءٍ، إِلَّا مَا كَانَ فِي كِتَابِ اللهِ [-تَعَالى-] (5) أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ [صلى الله عليه وسلم] (6) "(7).
وَقَال: "كُنَّا نَأْمُرُ بِالسُّكُوتِ، فَلَمَّا دُعِينَا إِلَى الْكَلَامِ تَكَلَّمْنَا"(8).
يَعْني زَمَنَ الْمِحْنَةِ؛ لِلضَّرُورَةِ فِي دَفْعِ شُبَهِهِمْ، لَمَّا ألجِئَ إِلَى ذَلِكَ.
وَقَال: "لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى يَدَعَ الْجِدَال، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ السُّنَّةَ"(9).
(1) من (أ).
(2)
في (ب): الفتيا.
(3)
في (ب): في.
(4)
أسماه "ذم الكلام وأهله" وله أكثر من طبعة.
(5)
من (ب).
(6)
من (ب).
(7)
ذكره صالح في (سيرة الإمام أحمد): 117، وأبو نعيم في (حلية الأولياء): 9/ 218، وإسماعيل بن محمد الأنصاري في (الحجة في بيان المحجة): 1/ 224، والذهبيّ في (سير أعلام النبلاء): 11/ 286.
(8)
ذكره القاضي أبو يعلى في (العدة): 4/ 1280، وابن مفلح في (الآداب الشرعية): 1/ 224.
(9)
أخرجه ابن الجوزي في (مناقب الإمام أحمد): 1/ 210، وذكره ابن مفلح في (الآداب الشرعية): 1/ 221، والذهبيّ في (تاريخ الإسلام): 5/ 1030.
وَقَال: "مَنِ ارْتَدَى بِالْكَلَامِ لَمْ يُفْلحْ"(1).
وَقَال: "لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْكَلَامِ وَإِنْ ذَبُّوا عَنِ السُّنَّةِ"(2).
وَقَال مَالِكٌ: "لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تُجَادِلَ عَنِ السُّنَّةِ، بَلِ السُّنَّةُ أَنْ تُخْبِرَ بِهَا، فَإِنْ سُمِعَتْ مِنْكَ، وَإِلَّا سَكَتَّ"(3).
وَإِذَا كانَ هَذَا حَال مُتكلِّمِي (4) الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فكَيْفَ نَحْنُ وَمَنْ يَتِّبعُ الآثَارَ؟
وَقَال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: "النَّاسُ يَكْتبونَ أحْسَنَ مَا يَسْمَعُونَ، وَيَحْفَظُونَ أَحْسَنَ مَا يَكْتبونَ، وَيَتَحَدَّثُونَ بِأَحْسَنِ مَا يَحْفَظُونَ"(5).
وَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا -أَوْ إِثْمًا- أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ"(6).
(1) أخرجه ابن بطة في (الإبانة) رقم: 674، وذكره ابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم): رقم 1796، وابن البنا في (الرد على المبتدعة): 168، وابن مفلح في (الآداب الشرعية): 1/ 219.
(2)
أخرجه ابن بطة في (الإبانة) رقم: 679، وابن الجوزي في (مناقب الإمام أحمد): 1/ 210، وذكره ابن البنا في (الرد على المبتدعة): 169، وابن مفلح في (الآداب الشرعية): 1/ 223.
(3)
أخرجه ابن عبد البرِّ (جامع بيان العلم): رقم 1784، وذكره القاضي عياض في (ترتيب المدارك): 2/ 39، وابن الحاج في (المدخل): 1/ 301.
(4)
في (أ): متكلم.
(5)
قاله يحيى بن خالد. (المجالسة وجواهر العلم): رقم 1888 و 3045/ 2.
(6)
أخرجه مسلم في (صحيحه) رقم: 7، وأبو داود في (السُّنن) رقم: 4992، وابن المُبارك في (الزُّهد والرقائق) رقم: 686، وفي (المسند) رقم: 19، وابن أبي شيبة في (المصنف) رقم: 26131، والإمام أحمد في (الزُّهد) رقم: 248، والحاكم في (المستدرك) رقم: 381، والشهاب في (المسند) رقم: 1415، وابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم) رقم: 1928، والخطيب في (الجامع لأخلاق الرَّاوي) رقم:1356.
فَمَا كَانَ يَعْلَمُهُ الإِنْسَانُ يَنْبَغِي أَلَّا يُعْلِمَ بِهِ [مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ](1)، وَلَا يَأْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ ضَرَرٍ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ بِسَبَبِهِ.
وَأَكثر أَهْلِ السُّنَّةِ يَعْرِفُونَ الْيَسِيرَ مِنْهُ، وَلا يَنتمُونَ إِلَيْهِ، وَلا يُدِلُّونَ النَّاسَ عَلَيْهِ، وَلا يَدْعُونَهُمْ إلَيْهِ.
وَقَدْ قَال الشَّافِعِيُّ: "حُكْمِي فِي أَصْحَابِ الْكَلَامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ، ويُطَافَ بِهِمْ فِي الْعَشَائِرِ، ويقَال: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَاشْتَغَلَ بِالْكَلَامِ"(2) أَوْ مَعْنَى ذَلِكَ.
وَقَال: "لَقَدِ اطَّلَعْتُ مِنْ أَهْل (3) الْكَلَامِ عَلَى شَيءٍ؛ لَأَنْ يُبْتَلَى الْمَرْءُ بِكُلِّ شَيءٍ نُهِيَ عَنْهُ -غَيْرَ الْكُفْرِ- أَهْوَن مِنْ أَنْ يُبْتَلَى بِهِ"(4) أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.
* وَعِلْمُ الْكَلامِ الْمَذْمُومِ: هُوَ أُصُولُ الدِّينِ إِذَا تُكُلِّمَ فِيهِ بِالْمَعْقُولِ الْمَحْضِ، أَوِ الْمُخَالِفِ لِلْمَنْقُولِ الصَّرِيحِ [الصَّحِيحِ](5).
فَإِنْ تُكُلِّمَ فِيهِ بِالنَّقْلِ فَقَطْ، أَوْ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ الْمُوَافِقِ لَهُ؛ فَهُوَ أُصُولُ
(1) في (ب): من ليس له أهلًا.
(2)
أخرجه الخطيب في (شرف أصحاب الحديث): 87، وابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم): رقم 1794، وذكره ابن البنا في (الرد على المبتدعة): 173، وابن مفلح في (الآداب الشرعية): 1/ 221، وابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 184.
(3)
في (ب): أصحاب.
(4)
أخرجه أبو نعيم في (حلية الأولياء): 9/ 111، والهروي في (ذم الكلام): 1137، وابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم) رقم: 1789، وفي (الانتقاء): 78، والأصبهاني في (الحجة في بيان المحجة): 1/ 104، وذكره ابن القيِّم في (إعلام الموقعين): 6/ 184، وابن حجر في (توالي التأسيس):169.
(5)
من (ب).
الدِّينِ، وَطَرِيقَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ، [وَعَلَمُ السّنَّةِ](1) وَأَهْلِهَا.
* وَاجْتِنَابُ الْجَوَابِ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ لِغَيْرِ [الْمُتَمَيِّزِ](2) الْمُسْتَرْشِدِ أَوْلَى وَأَسْلَمُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ -إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى-؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي أُصُولِ الدِّينِ إِمَّا كُفْرٌ أَوْ فِسْقٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ هَيِّنًا.
وَقَدْ قَال الْغَزَالِيُّ -أَخِيرًا-: "الْخَوْضُ فِي الْكَلَامِ حَرَامٌ؛ لِكَثْرَةِ الْآفَةِ فِيهِ، إِلَّا لِرَجُل وَقَعَتْ لَهُ شُبْهَةٌ لَيْسَتْ تزولُ بِكَلَامٍ أقَرِيبٍ، (3) وَعْظِي، وَلَا بِحَدِيثٍ نَقْلِيٍّ؛ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَول الْمُرَتَّبُ الْكَلامِيُّ رَافِعًا شُبْهَتَهُ، وَدَوَاءً لَهُ مِنْ مَرَضِهِ، فَيُسْتَعْمَلَ مَعَهُ، ويحْرَسَ عَنْهُ (4) سَمْعُ الصَّحِيحِ الَّذِي لَيْسَ كَذَلِكَ، أَوْ لِرَجُلٍ كَامِل الْعَقْلِ، رَاسِخِ الْقَدَمِ فِي الدِّينِ، ثَابِتِ الإيمَانِ بِأَنْوَارِ (5) الْيقِينِ، يُرِيدُ أَنْ يُحَصِّلَ هَذَا الْعِلْمَ؛ لِيُدَاوِيَ بِهِ مَرِيضًا إِذَا وَقَعَتْ لَهُ شُبْهَةٌ، ويفْحِمَ بِهِ مُبْتَدِعًا إِذَا نبَغَ، وَلِيَحْرُسَ بِهِ مُعْتَقَدَهُ إِذَا قَصَدَ مُبْتَدِعٌ أَنْ يُغْوِيَهُ، فتعَلُّمُ ذَلِكَ لِهَذَا الْغَرَضِ؛ فيرْضُ كفَايَةٍ، وَتَعَلُّمُ قَدْرِ مَا يُزِيلُ بِهِ الشَّكَّ وَالشُّبْهَةَ فِي حَقِّ الْمُتَشَكِّكِ؛ فرْضُ عَيْنٍ، إِذَا لَمْ يُمْكِنْ إِعَادَةُ اعْتِقَادِهِ الْمَجْزُومِ بِطَرِيقٍ آخَرَ سِوَاهُ، فَمَنْ وَقَعَتْ لَهُ شُبْهَةٌ؛ جَازَ جَوَابُهُ، إِذَا أُمِنَ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِه مِنَ التَّشْوِيشِ"(6).
* * *
(1) من (أ).
(2)
من (ب).
(3)
من (أ).
(4)
من (أ) و (ل)، وفي (ب): معه.
(5)
من (ب) و (ل)، وفي (أ): كأنوار.
(6)
(فيصل التفرقة): 78.
فصلٌ
* لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيمَا يُطْلَبُ فِيهِ الْجَزْمُ، وَلَا إِثْبَاتُهُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِمَا (1).
فَلا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ [- سُبْحَانَهُ وَ](2) تَعَالى-، وَتَوْحِيدِهِ، وَصِفَاتِهِ، وَلَا فِي نُبُوَّةِ رُسُلِهِ وَتَصْدِيقهِمْ فِيمَا أَتوْا بِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَرِكُ فِي وُجُوبِ مَعْرِفَتِهِ كُلُّ مُكَلَّفٍ قَبْلَ النَّظَرِ فِي الْمُعْجِزَةِ وَثُبُوتِ النُّبُوَّةِ بِهَا.
قَالهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى (3) وَأَصْحَابهُ كلُّهُمْ -كأَبِي الْخَطَّابِ (4) وَابْنِ عَقِيلٍ (5) وَغَيْرِهِمَا (6) - وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَسَائِرُ الْمُتَمَيِّزِينَ، مِنَّا وَمنْ غَيْرِنَا.
وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُورُ (7) عِنْدَ الأصْحَابِ وَغَيْرهمْ؛ لأنَّهُ قَدْ لَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ إِلَّا بِالْعَقْلِ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُكَلَّفُونَ، فَيَصِيرَ كُلُّ مُكَلِّفٍ مُجْتَهِدًا فِي ذَلِكَ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْعَقْلِ الَّذِي تُعْرَفُ بِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَغَيْرُهَا؛ فَلَمْ يَجُزْ لِبَعْضِهِمْ تَقْلِيدُ بَعْضٍ، [كَالْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ لِبَعْضِهِمْ تَقْلِيدُ بَعْضٍ](8)؛
(1) يُنظر: (نهاية المبتدئين) للمؤلف: 71، و (المسودة): 2/ 846.
(2)
من (ب).
(3)
يُنظر: (العُدة): 4/ 1217.
(4)
يُنظر: (التمهيد): 4/ 396.
(5)
يُنظر: (الواضح): 5/ 237.
(6)
يُنظر: (روضة الناظر): 3/ 1017، و (المسودة): 2/ 844، و (أصول ابن مفلح): 4/ 1533.
(7)
في (ب): المنصوص.
(8)
من (أ).
لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي آلَةِ الاجْتِهَادِ.
* وَالتَّقْلِيدُ هُوَ: "الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ مُلْزِمَةٍ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حُجَّةٌ؛ فَلَيْسَ الْأَخْذُ بِهِ تَقْلِيدًا".
قَالهُ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ [الْمَقْدِسِيُّ رَحَمَهُ آللَّهُ](1) وَغَيْرُهُ (2).
* وَإِذَا ثَبَتَتِ النُّبُوَّةُ بِالْمُعْجِزَةِ؛ وَجَبَ [اتِّتَاعُ الرَّسُولِ](3) وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ؛ لِقِيَامِ الدَّلِيِلِ عَلَى [وُجُوبِ](4) ذَلِكَ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
* وَقَدْ قَال أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: "إِنَّ الْمُعْلُومَ (5) إِمَّا أَنْ يُعْلَمَ بِالشَّرْعِ أَوْ بِالْعَقْلِ (6) أَوْ بِهِمَا، فَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّرْعُ؛ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْعِ، بَلْ يُعْلَمُ بِدُونِهِ".
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ وَتَحْرِيرُهُ وَتَقْرِيرُهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَالدِّينِ (7).
* * *
(1)(من (أ).
(2)
يُنظر: (روضة الناظر): 3/ 1017، و (المسودة): 2/ 850.
(3)
في (ب): الإيمان بالرسول.
(4)
من (أ).
(5)
في (ب): المعلق.
(6)
في (أ): العقل.
(7)
يُنظر (العدة) لأبي يعلى: 1/ 76، و (نهاية المبتدئين) للمؤلف:72.
فصلٌ
* وَأَدِلَّةُ مَنْعِ التَّقْلِيدِ بِوُجُوبِ النَّظَرِ فِي الْكِتَابِ كثِيرَةٌ:
وَقَدْ قَال ابْنُ مَسْعُودٍ: "أَلَا لَا يُقَلِّدَنَّ أَحَدُكُمْ دِينَهُ رَجُلًا، إِنْ آمَنَ آمَنَ، وَإِنْ كَفَرَ كَفَرَ"(1).
وَقَال: "أَلَا لَا يُوَطِّنَنَّ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ إِنْ كَفَرَ النَّاسُ أَنْ يَكْفُرَ"(2).
وَقَال: "لَا يَكُنْ (3) أَحَدُكُمْ إِمَّعَةً؛ يَقُولُ: إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ، إِنْ ضَلُّوا ضَلَلْتُ، وَإِنِ اهْتَدَوْا اهْتَدَيْتُ! ، [أَلَا لَا يُوَطِّنَنَّ نَفْسَهُ إِنْ كَفَرَ النَّاسُ أَنْ يَكْفُرَ] (4) "(5).
وَقَال أَحْمَدُ: "مِنْ ضِيقِ عِلْمِ الرَّجُلِ أَنْ يُقَلِّدَ فِي اعْتِقَادِهِ"(6).
(1) أخرجه أبو نعيم في (حلية الأولياء): 1/ 136، والطبرانيّ في (المعجم الكبير) رقم: 8764، والبيهقيّ في (السُّنن الكبرى) رقم: 20349، والمخَلِّص في (المخلصيات) رقم: 1605، وابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم) رقم: 1882، واللالكائي في (شرح أصول السنة): 1/ 104، والشاطبي في (الاعتصام): 3/ 333.
(2)
أخرجه أبو نعيم في (حلية الأولياء): 1/ 137، والطبرانيّ في (المعجم الكبير) رقم: 8679، وابن بطة في (الإبانة الكبرى): 1/ 193، وذكره ابن حزم في (الإحكام): 6/ 147، والغزالي في (المستصفى): 1/ 193.
(3)
في (ب): يكون.
(4)
من (أ).
(5)
نفس التخريج السابق.
(6)
ذكره ابن أبي يعلى في (طبقات الحنابلة): 2/ 102، وابن الجوزي في (تلبيس إبليس): 1/ 484، والطوفي في (شرح مختصر الروضة): 2/ 662، والمرداوي في (التحبير): 8/ 4112.
وَقَال لِرَجُلٍ: "لَا تُقَلِّدْ دِينَكَ أَحَدًا، وَعَلَيْكَ بِالْأَثَرِ"(1).
وَقَال [لِلْفَضْلِ](2) بْنِ زِيَادٍ: "لَا تُقَلِّدَ دِينَكَ الرِّجَال، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْلَمُوا أَنْ يَغْلَطُوا"(3).
وَلِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى [أَنَّ الْمُكَلَّفَ](4) لَا بُدَّ لَهُ مِنَ اعْتِقَادٍ جَازِمٍ، وَالتَّقْلِيدُ لَا يُفيدُهُ كَمَا سَبَقَ.
وَقَدِ اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ [وَغَيْرِه](5) فِي "الْمُرْتَضَى" وَغَيْرِه.
* * *
(1) الرواية رواها أبو داود في (مسائله): رقم 1793، وذكرها أبو يعلى في (العدة): 1229، والكلوذاني في (التمهيد): 4/ 408، وابن تيمية في (المسودة): 2/ 860.
(2)
تصحَّفت في (أ) إلى: المفضل، وفي (ب) إلى: الفضل، والمثبت هو الصواب إن شاء الله.
(3)
الرواية ذكرها أبو يعلى في (العدة): 1229، والكلوذاني في (التمهيد): 4/ 408، وابن تيمية في (المسودة): 2/ 860، وابن مفلح فِي (الفروع): 11/ 135.
(4)
في (ب): أن كل مكلف.
(5)
من (ب).
فَصْلٌ
* وَيَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيمَا يُطْلَبُ فِيهِ الظَّنُّ مِنَ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِثْبَاتِهَا بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ.
* وَكُلُّ حُكْمٍ يَثْبُتُ بِدَلِيل ظَنِّيٍّ فَهُوَ اجْتِهَادِيٌّ، إِذْ [لَا](1) اجْتِهَادَ مَعَ الْقَطْعِ، فَإِنَّ الاجْتِهَادَ: بَذْلُ الْوُسْعِ فِي طَلَبِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِدَلِيلِهِ (2).
وَقِيلَ: "يَجِبُ التَّقْلِيدُ فِي الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفُرُوعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالدَّلِيلِ، إِذَا لَمْ يُعْلَمْ بِالضَّرُورَةِ أَنهَا مِنَ الدِّينِ، وَمَا عَلِمْنَا بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ مِنَ الدِّينِ؛ فَلَا تَقْلِيدَ فِيهِ -كَمَا سَبَقَ- وَإِنْ كَانَ مِنَ الْفُرُوعِ".
* وَدَلِيلُ وُجُوبِ التَّقْلِيدِ فِيهَا:
- قَوْلُهُ -تَعَالى-: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (3).
- وَقَول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ جَابِرٍ -فِي الَّذِي أَصَابَتْهُ الشَّجَّةُ وَهُوَ جُنُبٌ، فَسَأَل أَصْحَابَهُ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً؟ فَقَالوا: لَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ. فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ (4) - "قَتَلُوهُ
(1) ليست في (أ) و (ب)، والمعنى يقتضيها.
(2)
يُنظر: (روضة الناظر): 3/ 959، و (شرح مختصر الروضة): 3/ 576، و (التحبير): 8/ 3865.
(3)
النحل: 43.
(4)
من (أ)، وفي (ب): فقال.
قَاتَلَهُمُ الله -أَوْ "قَتَلَهُمُ اللهُ "-أَلا سَأَلوا إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا، إِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَال" (1) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْر.
- إِذْ لَوْ مُنِعَ (2) كُلُّ النَّاسِ مِنَ التَّقْلِيدِ، وَكُلِّفُوا مَعْرِفَةَ الأْحْكَامِ بِدِلِيلٍ؛ تَعَيَّنَ فَرْضُ الْعِلْمِ عَلَى الْكَافَّةِ، وَتَعَطَّلَتِ الْمَعَايِشُ، وَفَسَدَ النِّظَامُ، وَالْجِهَادُ، وَكَثِير مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا.
* وَقَدْ دَلَّ عَلَى أنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ:
- قَوْلُهُ -تَعَالى-: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (3).
- وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ عُسْرًا وَحَرَجًا يَنتفِيَانِ بِقَوْلِهِ -تَعَالى-: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (4)، وَقَوْلِهِ [-تَعَالى-] (5):{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر (6)، وَقَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} (7).
(1) أخرجه الإمام أحمد في (المسند) رقم: 3056، والدارمي في (السُّنن) رقم: 779، وابن ماجه في (السُّنن) رقم: 572، وأبو داود في (السُّنن) رقم: 336، والدارقطني في (السُّنن) رقم: 729، والحاكم في (المستدرك) رقم: 587، والبيهقيّ في (السُّنن الكبرى) رقم: 1074، وابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم) رقم: 526، والخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم:759.
(2)
في (ب): امتنع.
(3)
التوبة: 122.
(4)
الحج: 78.
(5)
من (أ).
(6)
البقرة: 185.
(7)
النساء: 28.
- وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (1): "لا ضَرَرَ وَلا إِضْرَارَ فِي الإْسْلامِ"(2) رَوَاه مَالِكٌ وَغَيْرُه.
- وَلَوْ جَازَ لِلْكُلِّ (3) التَّقْلِيدُ؛ بَطَلَ (4) الاجْتِهَادُ، وَسَقَطَ فَرْضُ التَّعَلُمِ وَالتَّعْلِيمِ، وَانْدَرَسَ الْعِلْمُ.
وَإِنَّمَا طَلَبُ الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفُرُوعِيَّةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لِيَكُونَ الْبَاقُونَ تَبَعًا وَمُقَلِّدِينَ لَهُ، وَالآيَةُ الْمَذْكُورَةُ لَمْ تُسْقِطِ الاجْتِهَادَ عَنِ الْكُلِّ، وَلَا أَوْجَبَتْهُ (5) عَلَى الْكُلِّ، بَلْ عَلَى الْبَعْضِ، [وَهَذَا](6) هُوَ الْمُدَّعَى.
* * *
(1) في (ب): عليه السلام.
(2)
أخرجه الإمام مالك في (الموطأ) رقم: 1429، والإمام أحمد في (المسند) رقم: 2865، والدارقطني في (السُّنن) رقم: 3079، وابن ماجه في (السُّنن) رقم: 2341، والحاكم في (المستدرك) رقم: 2400، والبيهقيّ في (السُّنن الكبرى) رقم:11384.
(3)
في (ب): لكل.
(4)
في (ب): لبطل.
(5)
في (ب): أوجبت.
(6)
في (أ): هذا.
فَصْلٌ
* يَجِبُ اتِّبَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا شَرَعَهُ، وَأَمَرَ بِهِ، وَنَهَى عَنْهُ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبرَ بِهِ؛ لِثبوتِ عِصْمَتِهِ وَصِدْقِهِ، وَلزوم طَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِهِ فِيمَا (1) عُرِفَ فِي أَمَاكِنِهِ مِنَ الأْصُولِ وَغَيْرِهَا.
وَقَال الشَّيْخُ أَبو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ:"لَيْسَ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ عليه السلام (2) تَقْلِيدًا؛ لَأِنَّ قَوْلَهُ [صلى الله عليه وسلم] (3) حُجَّةٌ"؛ لِمَا سَبَقَ وَعُرِفَ فِي مَوَاضِعِهِ.
وَالتَّقْلِيدُ: "أَخْذُ السَّائِلِ بِقَوْلِ مَنْ قَلَّدَهُ، بِلَا حُجَّةٍ مُلْزِمَةٍ [لَهُ] (4) يَعْرِفُهَا" كَمَا سَبَقَ.
* وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ أَهْلِ الإِجْمَاعِ فِيهِ، بَلْ يَجبُ (5).
ويُمْكِنُ أَنْ يُقَال: "الْأَخْذُ بِهِ لَيْسَ تَقْلِيدًا"؛ لأَنَّهُ حُجَّةٌ، كَمَا قُلْنَا (6) فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
* وَأَمَّا أَقْوَال الصَّحَابَةِ وَمَذَاهِبُهُمْ (7):
(1) في (ب): بما.
(2)
في (ب): عليه السلام.
(3)
من (ب).
(4)
من (أ).
(5)
يُنظر: (المسودة): 2/ 850.
(6)
في (ب): سبق.
(7)
يُنظر: (المسودة): 2/ 850.
فَفِيهَا (1) مَذْهَبَانِ:
أَصَحُّهُمَا: أَنَّهَا (2) حُجَّةٌ يَجُوزُ اتِّبَاعُهُمْ فِيهَا.
وَقِيلَ: "وَإِنْ (3) خَالفَتِ الْقِيَاسَ".
- وَهَلْ [يَكُونُ تَقْلِيدًا -عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ-؟
وَالظَّاهِرُ: أَنهُ] (4) تَقْلِيدٌ مِمَّنْ دُونَهُمْ.
إِنْ قُلْنَا: "لَيْسَا بِحُجَّةٍ"؛ فَلا (5) يُقَلِّدُونَ. وَهُوَ بَعِيدٌ.
- وَللْجَاهِلِ تَقْلِيدُهُمْ بِشَرْطِهِ، كَبَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ.
وَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْغَزَالِيِّ فِي "الْمَنْخُولِ"(6): "يَجِبُ تَقْلِيدُ الشَّافِعِيِّ، وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ أَبِي بَكْرٍ وَعَمَرَ [رضي الله عنه] (7) ".
لِقَوْلِهِ عليه السلام: ["اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ"(8).
(1) في (أ): ففيه.
(2)
في (أ): أنه.
(3)
في (أ): إذا
(4)
في (ب): يجوز.
(5)
في (ب): ولا.
(6)
يُنظر (المنخول): 488.
(7)
من (ب).
(8)
أخرجه الإمام أحمد في (المسند) رقم: 23245، وفي (فضائل الصَّحابة) رقم: 198، والترمذي في (السُّنن) رقم: 3991، والآجري في (الشريعة) رقم: 1341، والحاكم في (المستدرك) رقم: 4516، والبيهقي في (السُّنن الكبرى) رقم: 10056، وفي (المدخل) رقم: 61، والخطيب في (الفقيه والمتفقه) رقم: 467، وابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم وفضله) رقم:2306.
وَقَوْلهِ] (1)[صلى الله عليه وسلم](2): "عَلَيكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّوَاجِذِ" الْحَدِيثِ (3).
وَقَوْلهِ صلى الله عليه وسلم (4): "أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ؛ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ"(5).
* وَيَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي الأخْبَارِ لِمَنْ (6) هُوَ [مِنْ](7) أَهْلِ الرِّوَايَةِ وَالثِّقَةِ (8) وَالْخِبْرَةِ.
وَلَا تَكْفِي (9) عَدَالتُهُ وَلَا عَدَالةُ الْمُفْتِي، بَلْ لَابُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ أَهْلِيَّتهِمَا لِذَلِكَ.
وَقِيلَ: "يَجِبُ التَّقْلِيدُ فِي الْأَخْبَارِ لِلصَّدُوقِ (10) مِنْ أَهْلِ الرِّوَايَةِ [وَالْخِبْرَةِ](11)
(1) من (أ).
(2)
من (ب).
(3)
أخرجه الإمام أحمد في (المسند) رقم: 17144، وابن ماجه في (السُّنن) رقم: 42، وأبو داود في (السُّنن) رقم: 4607، والترمذي في (السُّنن) رقم: 2870، والدارمي في (السُّنن) رقم: 96، والآجري في (الشريعة) رقم: 86، وابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم وفضله) رقم:2310.
(4)
في (ب): عليه السلام.
(5)
أخرجه ابن بطة في (الإبانة الكبرى) رقم: 702، وابن عبد البرِّ في (جامع بيان العلم) رقم: 1760، وقال:"هذا إسناد لا تقوم به حجة؛ لأن الحارث بن غصين مجهول". قال ابن حجر في (لسان الميزان) 2/ 524: "قلت: وذكره الطوسي في (رجال الشيعة) وقال: روى عن جعفر الصادق، وسمى جده ونسبه، فقال: الحارث بن عصين بن هنب الثقفي الكوفي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: روى عنه حسين بن علي الجعفي ".
(6)
في (ب): ممن.
(7)
من (أ).
(8)
تصحَّفت في (أ) إلى: الفقه.
(9)
في (ب): يكفي، وغير منقوطة في (أ).
(10)
في (ب): الصدوق.
(11)
من (أ).
لِدَعْوَى (1) الْحَاجَةِ إلَيْهِ فِيمَا غَابَ عَنَّا؛ لِعَدَمِ الدَّلَالةِ [عَلَيْهِ](2)، إِذْ عَدَالةُ الْمُخْبِرِ [لَيْسَتْ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْخَبَرِ، كَمَا أَنَّ عَدَالةَ الْعَالِمِ](3) لَيْسَتْ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ فُتْيَاهُ".
وَإِنَّمَا الدَّلِيلُ: [مَا](4) اخْتَصَّ بِالْقَوْلِ الْمَنْقُولِ مِنْ حُكْمٍ أَوْ خَبَرٍ، لَا مَا اخْتَصَّ بِالْقَائِلِ مِنْ عَدَالةٍ وَصِدْقٍ.
* وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ وَإِمْكَانِ سُؤَالِهِ (5).
وَقِيلَ: "لَا يَجُوزُ".
فَلَوِ اسْتَفْتَى فَقِيهًا، فَلَمْ تَسْكُنْ نَفْسُهُ إِلَيْهِ؛ سَأَل ثَانِيًا وَثَالِثًا حَتَّى تَسْكُنَ نَفْسُهُ.
وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكْفِي الْأَوَّلُ.
وَالأوْلَى: الوُقُوفُ مَعَ سُكُونِ النَّفْسِ؛ لِقَوْلهِ صلى الله عليه وسلم (6): "اسْتَفْتِ نَفْسَكَ وَإِنْ أَفْتَوْكَ وَأَفْتَوْكَ وَأَفْتَوْكَ"(7).
وَقَوْلِهِ: "دع مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ"(8).
(1) في (ب): كدعوى.
(2)
من (أ).
(3)
من (أ).
(4)
من (ب).
(5)
يُنظر: (إعلام الموقعين): 6/ 193، و (أصول ابن مفلح): 6/ 1559، و (منار أصول الفتوى):211.
(6)
في (ب): عليه السلام.
(7)
أخرجه الإمام أحمد في (المسند) رقم: 18001، والدارمي في (السُّنن) رقم: 2575 بلفظ قريب.
(8)
أخرجه الإمام أحمد في (المسند) رقم: 1723، والترمذي في (السُّنن) رقم: 2687، والدارمي في (السُّنن) رقم: 2574، والنسائي في (السُّنن الكبرى) رقم: 5201، وابن خزيمة في (صحيحه) رقم:2347.
[وَقَوْلِهِ: "الإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ" (1)](2).
وَقَوْلِهِ: "الإِثْمُ حَوَّازُ الْقُلُوبِ"(3).
فَإِنْ حَصَلَ السُّكُونُ وَالطُّمَأْنِينَةُ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ، وَإِلَّا زَادَ لِيَحْصُلَ ذَلِكَ.
[وَاللهُ أَعْلَمُ](4).
* * *
(1) أخرجه مسلم في (صحيحه) رقم: 6680، وأحمد في (المسند) رقم: 17631، والدارمي في (السُّنن) رقم: 2575، وأبو يعلى الموصلي في (المسند) رقم:1586.
(2)
من (أ).
(3)
أخرجه البيهقيّ في (شُعَب الإيمان) رقم: 5051 مرفوعًا، ووقفه في رقم 6892، والطبرانيّ في (المعجم الكبير) رقم: 8748 على عبد الله بن مسعود، وهو الصَّواب، وذكره ابن الأثير في (النهاية): 1/ 378 بلفظ (الإثم حَوازُّ القلوب) وقال: "وهي الأمورُ التي تَحُزّ فيها، أي: تؤثر كما يُؤثِّرُ الحَزُّ في الشيء، وهو ما يَخْطِرُ فيها من أن تكون معاصي؛ لفقد الطُّمأنينة إليها، وهي بتشديد الزِّاي: جمعُ حازٍّ، يقال إذا أصاب مرفقُ البعيرَ طرَفَ كِرْكِرَتِهِ فَقَطَعَهُ وأدْماه، قيل: به حازٌّ، ورواه شَمِرٌ: (الإثم حَوَّاز القلوب) بتشديد الواو: أي يَحُوزُها ويَتَملَّكُها ويَغْلِبُ عليها، ويُرْوَى: (الإثم حَزَّازُ القلوب) بزايين، الأولى مشددةٌ، وهي فَعَّال من الحَزِّ".
(4)
من (ب).