الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صِفَةِ الْمُسْتَفْتِي، وَأَحْكَامِهِ، وَآدَابِهِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ
* أَمَّا صِفَتُهُ: فَهُوَ كُلُّ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْفُتْيَا مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ مُتَمَيِّزًا (1).
* وَالتَّقْلِيدُ: "قَبُولُ قَوْلِ مَنْ (2) يَجُوزُ عَلَيْهِ الإصْرَارُ عَلَى الْخَطَأِ، بِغَيْرِ حُجَّةٍ، [عَلَى نَفْسِ مَا قُبِلَ قَولُهُ فِيهِ".
وَقِيلَ: "هُوَ قَبُولُ قَوْلِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ] (3) مُلْزِمَةٍ" كَمَا سَبَقَ.
أَخْذًا مِنَ الْقِلَادَةِ فِي الْعُنُقِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَفْتِيَ يَتَقَلَّدُ قَوْلَ الْمُفْتِي كَالْقِلَادَةِ فِي عُنُقِهِ، أَوْ أنَّهُ قَلَّدَ ذَلِكَ الْمُفْتِيَ، وَتَقَلَّدَ الْمُفْتِي فِي عُنُقِهِ حُكْمَ مَسْأَلةِ الْمُسْتَفْتِي (4).
* وَيَجِبُ الاسْتِفْتَاءُ فِي كُلُّ حَادِثَةٍ لَهُ يَلْزَمُهُ (5) تَعَلُّمُ حُكْمِهَا.
* وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ حَتَّى يَعْرِفَ صَلَاحِيَّةَ مَنْ يَسْتَفْتِيهِ لِلْفُتْيَا، إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ عَرَفَهُ.
* وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّرْجِيحُ لِمُفْتٍ يُفْتِيهِ عَلَى غَيْرِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ (6).
* وَلَا يَكْتَفِي بِكَوْنِهِ عَالِمًا أَوْ مُنْتَسِبًا إِلَى الْعِلْمِ، وَإِنِ انْتَصَبَ فِي مَنْصِبِ التَّدْرِيسِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مَنَاصِبِ أَهْلِ العِلْمِ، فَلَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ.
(1) يُنظر: (العُدة): 5/ 1601، (الواضح): 1/ 287، و (أدب المُفتي): 157، و (المسودة): 2/ 846 و 928، و (مقدمة المجموع): 1/ 117، و (الدر النضيد):362.
(2)
من (أ) و (د)، وفي (ب): من لا.
(3)
من (أ).
(4)
يُنظر: (العُدة): 4/ 1216، و (الواضح): 5/ 137، و (التمهيد): 4/ 395، و (روضة الناظر): 3/ 1016، و (المسودة): 2/ 850 و 973، و (أصول ابن مفلح): 4/ 1531، و (التَّحبير): 8/ 4011.
(5)
في (أ): ويلزم.
(6)
يُنظر: (روضة الناظر): 3/ 1024.
* وَيَجُوزُ (1) لَهُ اسْتِفْتَاءُ مَنْ تَوَاتَرَ بَيْنَ النَّاسِ خَبَرُهُ (2)، وَاسْتِفْتَاءُ مَنْ فَهِمَ أَنَّهُ [أَهْلٌ لِلْفَتْوَى](3).
وَقِيلَ (4): "إِنَّمَا يُعْتَمَدُ [عَلَى] (5) قَوْلِهِ (6): "أَنَا مُفْتٍ" لَا شُهْرَتِهِ بِذَلِكَ وَلَا التَّوَاتُرِ؛ لِأنَّهُ لَا يُفيدُ عِلْمًا إِذَا (7) لَمْ يَسْتَنِدْ إِلَى مَعْلُومٍ مُحَسٍّ (8)، وَالشُّهْرَةُ بَيْنَ الْعَامَّةِ لَا يُوثَقُ بِهَا (9)، وَقَدْ يَكُونُ أَصْلُهَا التَّلْبِيسَ".
* وَلَهُ اسْتِفْتَاءُ مَنْ أَخْبَرَ الْمَشْهُورُ الْمَذْكُورُ عَنْ أَهْلِيَّتِهِ.
* وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْفَى فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ بمُجَرَّدِ (10) تَصَدِّيهِ لِلْفَتْوَى (11) وَاشْتِهَارِهِ بِمُبَاشَرِتِهَا، إِلَّا بِأَهْلِيَّتِهِ لَهَا.
وَقَدْ قِيلَ (12): "يُقْبَلُ فِيهَا خَبَرُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ".
* ويَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْعَدْلِ مِنَ الْعِلْمِ وَالبَصَرِ مَا يُمَيِّزُ بِهِ الْمُلْبِسَ مِنْ غَيْرِهِ.
(1) من (أ) و (د)، وفي (ب): لا يجوز.
(2)
في (أ): خيره.
(3)
من (أ) و (د)، وفي (ب): من أهل الفتيا.
(4)
نقل ابن الصلاح هذا القول عن بعض الشافعية المتأخرين. يُنظر (أدب المُفتي): 158.
(5)
من (ب).
(6)
في (ب): قوله أنه.
(7)
من (أ) و (د)، وفي (ب): إن.
(8)
في (ب): يحسن، وفي (د): محسوس.
(9)
ليست في (أ).
(10)
من (ب) و (د)، وفي (أ): مجرد.
(11)
من (أ) و (د)، وفي (ب): للفتيا.
(12)
القائل هو: أبو إسحاق الشيرازي. (اللمع): 256، و (أدب المُفتي):159.
* وَلَا يَعْتَمِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى خَبَرِ آحَادِ الْعَامَّةِ؛ لِكَثْرَةِ مَا يَتَطرَّقُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْتَّلَبُّسِ (1) فِي ذَلِكَ (2).
(1) من (ب) و (د)، وفي (أ): التلبيس.
(2)
يُنظر: (التمهيد): 4/ 403، و (روضة الناظر): 1021، و (أدب المُفتي): 158، و (مقدمة المجموع): 1/ 118، و (المسودة): 2/ 854، و (أصول ابن مفلح): 4/ 1542، و (الدر النضيد):362.
فَصْلٌ
* فإِنِ اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِمَّنْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الاجْتِهَادُ وَالْبَحْثُ عَنِ الأعْلَمِ وَالأوْرَعِ [وَالأوْثَقِ](1) لِيُقَلِّدَهُ دُونَ غَيْرِهِ؟
فِيهِ وَجْهَانِ لنَا، وَلبَقِيَّةِ الْعُلَمَاءِ مَذْهَبَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ، بَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ؛ لِأَهْلِيَّتِهِمْ، وَقَدْ سَقَطَ الاجْتِهَادُ عَنْهُ، لَاسِيَّمَا إِنْ قُلْنَا:"كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ"، لِقَوْلِ (2) النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ، بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ"(3).
وَالثَّانِي: يَجِبُ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ هَذَا الْقَدْرُ مِنَ الاجْتِهَادِ بِالْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ وَشَوَاهِدِ الْأَحْوَالِ، فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، وَالْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ وَاجِبٌ كَالْأَدِلَّةِ (4).
وَالأوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ ظَاهِرُ حَالِ السَّلَفِ لِمَا سَبَقَ.
* وَمَتَى اطّلَعَ عَلَى الْأَوْثَقِ مِنْهُمَا، فَالأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُهُ دُونَ الْآخَرَ، كَمَا وَجَبَ تَقْدِيمُ أَرْجَحِ الدَّلِيلَيْنِ، وَأَوْثَقِ الرِّوَايَتَيْنِ.
* فَعَلَى هَذَا: يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُ الْأَوْرَعِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَالْأَعْلَمِ مِنَ الْوَرِعِينَ.
(1) في (أ): الأوثق.
(2)
في (ب): ولقول.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
يُنظر: (الواضح): 5/ 257، و (روضة الناظر): 3/ 1002 و 1024، و (أدب المُفتي): 159، و (مقدمة المجموع): 1/ 118، و (المسودة): 2/ 851، و (الدر النضيد):363.
فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ وَالآخَرُ أَوْرَعَ؛ قَلَّدَ الأعْلَمَ -عَلَى الْأَصَحِّ-، لِأَنَّهُ أَرْجَحُ، وَالْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ وَاجِبٌ كَالْأَدِلَّةِ.
وَقِيلَ: "بَلْ الْأَوْرَعَ".
[لِقَوْلِ اللهِ](1) -تَعَالى-: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} (2).
وَلِقَوْلِهِ عليه السلام: "إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ"(3).
* * *
(1) في (ب): لقوله.
(2)
البقرة: 282.
(3)
لا يصح مرفوعًا، أخرجه مرفوعًا ابن تمام في (فوائده): 312 من حديث أنس، ورواه مسلم برقم: 26 عن محمد بن سيرين، وهو الصحيح.
فَصْلٌ
* يُجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَيِّتِ -فِي أَصَحِّ الْمَذْهَبَيْنِ وَأَشْهَرِهِمَا-؛ لِأَنَّ الْمَذَاهِبَ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَصْحَابِهَا، وَلِهَذَا يُعتَدُّ بِهَا بَعْدَهُمْ (1) فِي الإجْمَاعِ وَالْخِلَافِ.
ويُؤَكِّدَهُ (2): أَنْ مَوْتَ الشَّاهِدِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَ الأدَاءِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْحُكْمِ بِشِهَادتِهِ، بِخِلَافِ الْفِسْقِ.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ أَهْلِيّتَهُ زَالتْ بِمَوْتِهِ، فَهُوَ كَمَا لَو فَسَقَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ الاجْتِهَادِ فِيهَا -فِي أَحَدِ الْمَذَاهِب- فَرُبَّمَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ وَرَأْيُهُ فِيهَا (3).
ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ احْتِمَالًا؛ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا.
وَقُلْتُ (4): "هَذَا إِنْ لَزِمَ السَّائِلَ تَجْدِيدُ السُّؤَالِ بِتَجَدُّدِ (5) الْحَادِثَةِ لَهُ ثَانِيًا"(6).
وَمَنْ نَصَرَ الأوَّلَ قَال: "الْأَصْلُ بَقَاءُ الاجْتِهَادِ وَالْحُكْمِ".
(1) من (أ) و (د)، وفي (ب): بعد موتهم.
(2)
في (ب): يؤكد ذلك.
(3)
يُنظر: (التمهيد): 2/ 276، و (أدب المُفتي): 160، و (المسودة): 2/ 934، و (أصول ابن مفلح): 4/ 1514، و (المسودة): 2/ 857 و 934، و (إعلام الموقعين): 6/ 129 و 201، و (التَّحبير): 8/ 3983، و (الدر النضيد): 364، و (منار أصول الفتوى):210.
(4)
في (ب): قلت.
(5)
من (أ) و (غ)، وفي (ب): بتجديد.
(6)
من (أ) و (غ)، وفي (ب): ثانية.
* وَقَال أَبُو الْخَطَّابِ: "إِنْ مَاتَ الْمُفْتِي قَبْلَ عَمَلِ الْمُسْتَفْتِي [بِفُتْيَاهُ] (1)، فَلَهُ الْعَمَلُ بِهَا".
قَال: "وَقِيلَ: لَا. لِمَا سَبَقَ"(2).
وَإِنْ كَانَ قَدْ عَمِلَ بِهَا، لَمْ يَجُزْ [لَهُ](3) تَرْكُهُ إِلَى قَوْلِ غَيْرِهِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ.
* * *
(1) من (أ).
(2)
يُنظر: (التمهيد): 4/ 394، و (إعلام الموقعين): 6/ 202.
(3)
من (أ).