الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ) :
عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لِيُسَلِّمَ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ:» لَمْ يَقُلْ مُسْلِمٌ
ــ
[طرح التثريب]
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ وَأَصَحُّهُمَا يَزُولُ لِزَوَالِ تِلْكَ الْوَحْشَةِ.
[فَائِدَة الْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ]
1
(التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) : قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ:» قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ الْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَقْبَلُ خِطَابَ الشَّرْعِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ. .
[فَائِدَة هِجْرَان الْكَافِرِ]
(الْعِشْرُونَ) : قَوْلُهُ «أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ:» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ هِجْرَانَ الْكَافِرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا مُوَالَاةَ وَلَا مُنَاصَرَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ.
1 -
(الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) : أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ هُنَا لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِمَا عَلَى أَنَّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وَاتَّصَفَ بِغَيْرِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ كَانَتْ شَهَادَتُهُ مَرْدُودَةً إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا عَلَى مَنْ عَادَاهُ وَأَبْغَضَهُ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى ضَمِيمَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ مُرْتَكِبَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا مَعَ ضَمِيمَةِ الْإِصْرَارِ وَكَوْنِ ذَلِكَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَبِيرَةً وَاقْتَدَى الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي ذَلِكَ بِأَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ عَدُّوا الْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ.
[بَابُ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ]
[حَدِيث لِيُسَلِّمَ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ]
بَابُ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ)
عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لِيُسَلِّمَ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ:» (فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) : أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَالْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ بِلَفْظِ «يُسَلِّمُ» وَكَذَلِكَ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ
«الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْمَارُّ:» وَإِنَّمَا قَالَ «الْمَاشِي:» وَلَهُمَا فِي رِوَايَةٍ «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي:» ..
ــ
[طرح التثريب]
بِلَفْظِ «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ» وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ إنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(الثَّانِيَةُ) : قَدْ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَرْبَعَةِ أُمُورٍ تَسْلِيمُ الرَّاكِبِ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ وَالصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ فَأَمَّا تَسْلِيمُ الرَّاكِبِ عَلَى الْمَاشِي فَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي تَعْلِيلِهِ ذَلِكَ لِفَضْلِ الرَّاكِبِ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ الدُّنْيَا فَعَدَلَ الشَّرْعُ بِأَنْ جَعَلَ لِلْمَاشِي فَضِيلَةَ أَنْ يُبْدَأَ وَاحْتِيَاطًا عَلَى الرَّاكِبِ مِنْ الْكِبْرِ وَالزَّهْوِ إذَا حَازَ الْفَضِيلَتَيْنِ قَالَ: وَلِهَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا.
وَأَمَّا تَسْلِيمُ الْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ لَمْ أَرَ فِي تَعْلِيلِهِ نَصًّا وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَ فِي تَعْلِيلِهِ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ فَيُقَالُ إنَّ الْقَاعِدَ قَدْ يَتَوَقَّعُ شَرًّا مِنْ الْوَارِدِ عَلَيْهِ أَوْ يُوجِسُ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً فَإِذَا ابْتَدَأَهُ بِالسَّلَامِ أَنِسَ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ التَّصَرُّفَ وَالتَّرَدُّدَ فِي الْحَاجَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَامْتِهَانُ النَّفْسِ فِيهَا يُنْقِصُ مِنْ مَرْتَبَةِ الْمُتَمَاوِتِينَ الْآخِذِينَ بِالْعُذَلَةِ تَوَرُّعًا فَصَارَ لِلْقَاعِدِينَ مِنْ الْمَزِيَّةِ فِي بَابِ الدَّيْنِ؛ فَلِهَذَا أَمَرَ بِبُدَاءَتِهِمْ؛ أَوْ لِأَنَّ الْقَاعِدَ يَشُقُّ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ الْمَارِّينَ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَالتَّشَوُّفِ إلَيْهِمْ فَسَقَطَتْ الْبُدَاءَةُ عَنْهُ وَأَمَرَ بِهَا الْمَارَّ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ.
وَهَذَّبَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ الْمَذْكُورَةَ مَعَ اخْتِصَارٍ فَقَالَ: وَأَمَّا الْمَاشِي فَقَدْ قِيلَ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْ مِثْلُ مَا قِيلَ فِي الرَّاكِبِ مِنْ عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ وَأَنَّهُ أَبْعَدُ لَهُ عَنْ الزَّهْوِ قَالَ: وَفِيهِ بُعْدٌ إذْ الْمَاشِي لَا يَزْهُو بِمَشْيِهِ غَالِبًا وَقِيلَ هُوَ مُعَلَّلٌ بِأَنَّ الْقَاعِدَ قَدْ يَقَعُ لَهُ خَوْفٌ مِنْ الْمَاشِي فَإِذَا بَدَأَهُ بِالسَّلَامِ أَمِنَ ذَلِكَ وَهَذَا أَيْضًا بَعِيدٌ إذْ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْخَوْفِ بِالْقَاعِدِ فَقَدْ يَخَافُ الْمَاشِي مِنْ الْقَاعِدِ وَأَشْبَهَ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقَاعِدَ عَلَى حَالِ وَقَارٍ وَسُكُونٍ وَثُبُوتٍ فَلَهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
بِذَلِكَ مَزِيَّةٌ عَلَى الْمَاشِي؛ لِأَنَّ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَأَمَّا تَسْلِيمُ الْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ فَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا الْفَضِيلَةُ لِلْجَمَاعَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الشَّرْعُ «عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» .
«وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ:» فَأَمَرَ بِبُدَاءَتِهِمْ لِفَضْلِهِمْ؛ أَوْ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ إذَا بَدَءُوا الْوَاحِدَ خِيفَ عَلَيْهِ الْكِبْرُ وَالزَّهْوُ فَاحْتِيطَ لَهُ بِأَنْ لَا يُبْدَأَ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ لَكِنْ مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الَّذِي يَلِيقُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُمْ مِنْ التَّعْلِيلِ انْتَهَى.
وَأَمَّا تَسْلِيمُ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَسَبَبُهُ أَنَّهُ إجْلَالٌ مِنْ الصَّغِيرِ لِلْكَبِيرِ وَتَعْظِيمٌ لَهُ؛ لِأَنَّ السِّنَّ الْحَاصِلَ فِي الْإِسْلَامِ مَرْعِيٌّ فِي الشَّرْعِ يَحْصُلُ بِهِ التَّقْدِيمُ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ لَا حَاجَةَ إلَى الْأَخْذِ فِي حِكْمَتِهِ وَعَارَضْت الْحَالُ أَنَّ الْمَفْضُولَ بِنَوْعٍ مِنْ الْفَضَائِلِ قَدْ يَبْدَأُ الْفَاضِلَ بِهِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَلَا تَحْسُنُ مُعَارَضَةُ مِثْلِ هَذِهِ التَّعَالِيلِ بِآحَادِ مَسَائِلَ شَذَّتْ عَنْهَا؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ الْكُلِّيَّ لَا يُطْلَبُ فِيهِ أَنْ لَا يَشِذَّ عَنْهُ بَعْضُ الْجُزْئِيَّاتِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي تَكَلَّفَ الْعُلَمَاءُ إبْرَازَهَا هِيَ حُكْمٌ يُنَاسِبُ الْمَصَالِحَ الْمُحَسِّنَةَ وَالْمُكَمِّلَةَ وَلَا نَقُولُ إنَّهَا نُصِبَتْ نَصْبَ الْعِلَلِ الْوَاجِبَةِ الِاعْتِبَارَ حَتَّى لَا يَجُوزَ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا فَنَقُولُ: إنَّ ابْتِدَاءَ الْقَاعِدِ لِلْمَاشِي لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ ابْتِدَاءُ الْمَاشِي الرَّاكِبَ بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُظْهِرٌ لِلسَّلَامِ وَمُفْشٍ لَهُ كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ:» وَبِقَوْلِهِ «إذَا لَقِيت أَخَاك فَسَلِّمْ عَلَيْهِ:» .
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَكُلٌّ مِنْ الْمَاشِي وَالْقَاعِدِ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ إذَا لَقِيَهُ غَيْرَ أَنَّ مُرَاعَاةَ تِلْكَ الْمَرَاتِبِ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قُلْت) : مَتَى تَمَكَّنَ الْمَأْمُورُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِالِابْتِدَاءِ مِنْهُ فَلَمْ يَبْتَدِئْ كَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي الْمُبَادَرَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالِابْتِدَاءِ لَمْ يَتَوَجَّهْ إلَيْهِ وَقَدْ بَادَرَ إلَى فِعْلِ خَيْرٍ.
(الثَّالِثَةُ) : قَوْلُهُ «لِيُسَلِّمَ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ:» صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ وَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «يُسَلِّمُ» لَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233] ، وَهُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا كُلُّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ فَلَوْ عُكِسَ جَازَ وَكَانَ خِلَافَ الْأَفْضَلِ (قُلْت) الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي مُخَالَفَةِ الْأَفْضَلِ إنَّمَا هُوَ الْمَأْمُورُ بِالِابْتِدَاءِ دُونَ الْآخَرِ كَمَا قَدَّمْته