الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
يَحْرُمُ النُّطْقُ بِهِ وَيَجِبُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ، وَدَفْعُهُ عَنْ الْخَاطِرِ وَأَنْ يَلْجَأَ الْإِنْسَانُ إلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَكْفِيَهُ شَرَّ وَسْوَسَتِهِ وَفِتْنَتِهِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36] وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مُحَاسَنَةِ الشَّيْطَانِ لِتَأَصُّلِ عَدَاوَتِهِ وَتَأَكُّدِهَا، وَأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ كَيْدَهُ إلَّا الِاسْتِعَاذَةُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ.
(الرَّابِعَةُ) وَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي مَعَ الْإِعْرَاضِ عَنْ ذَلِكَ وَالِانْتِهَاءِ عَنْهُ النُّطْقُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ فَيَقُولُ آمَنْت بِاَللَّهِ وَرُسُلِهِ.
(الْخَامِسَةُ) قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ رحمه الله ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا الْخَوَاطِرَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا وَالرَّدِّ لَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِدْلَالٍ وَلَا نَظَرٍ فِي إبْطَالِهَا. قَالَ وَاَلَّذِي يُقَالُ فِي هَذَا: إنَّ الْخَوَاطِرَ عَلَى قِسْمَيْنِ فَأَمَّا الَّتِي لَيْسَتْ بِمُسْتَقِرَّةٍ وَلَا اجْتَلَبَتْهَا شُبْهَةٌ طَرَأَتْ فَهِيَ تُدْفَعُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ وَعَلَى مِثْلِهَا يَنْطَلِقُ اسْمُ الْوَسْوَسَةِ فَكَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرًا طَارِئًا بِغَيْرِ أَصْلٍ دُفِعَ بِغَيْرِ نَظَرٍ فِي دَلِيلٍ إذْ لَا أَصْلَ لَهُ يُنْظَرُ فِيهِ.
وَأَمَّا الْخَوَاطِرُ الْمُسْتَقِرَّةُ الَّتِي أَوْجَبَتْهَا الشُّبْهَةُ فَإِنَّهَا لَا تُدْفَعُ إلَّا بِاسْتِدْلَالٍ وَنَظَرٍ فِي إبْطَالِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَة تَرْكُ الْفِكْرِ فِيمَا يَخْطُرُ بِالْقَلْبِ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ]
1
(السَّادِسَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ تَرْكُ الْفِكْرِ فِيمَا يَخْطُرُ بِالْقَلْبِ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ قَبُولِهَا وَاللِّيَاذُ بِاَللَّهِ فِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ وَالْكَفِّ عَنْ مُجَارَاتِهِ فِي حَدِيثِ النَّفْسِ، وَمُطَاوَلَتِهِ فِي الْمُحَاجَّةِ وَالْمُنَاظَرَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْجَوَابِ عَلَى مَا يُوجِبُهُ حَقُّ النَّظَرِ فِي مِثْلِهِ لَوْ كَانَ الْمُنَاظَرُ عَلَيْهِ بَشَرًا، وَكَلَّمَكَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ نَاظَرَك وَأَنْتَ تُشَاهِدُهُ وَتَسْمَعُ كَلَامَهُ وَيَسْمَعُ كَلَامَك لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُغَالِطَكَ فِيمَا يَجْرِي بَيْنَكُمَا مِنْ الْكَلَامِ حَتَّى يُخْرِجَكَ كَلَامُهُ مِنْ حُدُودِ النَّظَرِ وَرُسُومِ الْجَدَلِ فَإِنْ بَانَ السُّؤَالُ وَمَا يَجْرِي فِيهِ مِنْ الْمُعَارَضَةِ وَالْمُنَاقَضَةِ مَعْلُومٌ وَالْأَمْرُ فِيهِ مَحْدُودٌ مَحْصُورٌ، فَإِذَا رَعَيْت الطَّرِيقَةَ وَأَصَبْت الْحُجَّةَ وَأَلْزَمْتهَا خَصْمَك انْقَطَعَ، وَكُفِيتَ مُؤْنَتَهُ وَحَسَمْت شَغَبَهُ.
وَبَابُ مَا يُوَسْوِسُ بِهِ الشَّيْطَانُ إلَيْك غَيْرُ مَحْدُودٍ وَلَا مُتَنَاهٍ؛ لِأَنَّك كُلَّمَا أَلْزَمْته حُجَّةً وَأَفْسَدْت عَلَيْهِ مَذْهَبًا زَاغَ إلَى أَنْوَاعٍ أُخَرَ مِنْ الْوَسْوَاسِ الَّتِي أُعْطِيَ التَّسْلِيطَ فِيهَا عَلَيْك، فَهُوَ لَا يَزَالُ يُوَسْوِسُ إلَيْك حَتَّى يُؤَدِّيَك إلَى الْحِيرَةِ وَالْهَلَاكِ وَالضَّلَالِ فَأَرْشَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مَا يَعْرِضُ مِنْ وَسَاوِسِهِ فِي هَذَا الْبَابِ إلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهِ وَالِانْتِهَاءِ عَنْ مُرَاجَعَتِهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَحُسِمَ الْبَابُ فِيهِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَالِاسْتِعَاذَةِ بِذِكْرِ اللَّهِ وَالِاشْتِغَالِ بِأَمْرٍ سِوَاهُ.
وَهَذِهِ حِيلَةٌ بَلِيغَةٌ وَجُنَّةٌ حَصِينَةٌ يَخْزَى مَعَهَا الشَّيْطَانُ، وَيَبْطُلُ كَيْدُهُ وَلَوْ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَاجَّتَهُ وَأَذِنَ فِي مُرَاجَعَتِهِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِ فِيمَا يُوَسْوِسُ بِهِ لَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى كُلِّ مُوَحِّدٍ سَهْلًا فِي قَمْعِهِ وَإِبْطَالِ قَوْلِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ عَنْ مِثْلِ هَذَا وَاحِدًا مِنْ الْبَشَرِ لَكَانَ جَوَابُهُ وَالنَّقْضُ عَلَيْهِ مُتَلَقًّى مِنْ سُؤَالِهِ وَمَأْخُوذًا مِنْ فَحَوَى كَلَامِهِ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ الَّذِي خَلَقَهُ، فَقَدْ نَقَضَ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ آخِرَهُ، وَأَعْطَى أَنْ لَا شَيْءَ يُتَوَهَّمُ دُخُولُهُ تَحْتَ هَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ مَلَكٍ وَإِنْسٍ وَجَانٍّ وَنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَتَأَتَّى مِنْهُ فِعْلٌ، لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ وَاقِعٌ تَحْتَ اسْمِ الْخَلْقِ فَلَمْ يَبْقَ لِلْمُطَالَبَةِ مَعَ هَذَا مَحَلٌّ وَلَا قَرَارٌ، وَأَيْضًا لَوْ جَازَ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنْ يَسْأَلَ فَيُقَالُ: مَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَيُسَمِّي شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ يَدَّعِي لَهُ هَذَا الْوَصْفَ لَلَزِمَ أَنْ يُقَالَ وَمَنْ خَلَقَ ذَلِكَ الشَّيْءَ، وَلَامْتَدَّ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، وَالْقَوْلُ بِمَا لَا يَتَنَاهَى فَاسِدٌ فَسَقَطَ السُّؤَالُ مِنْ أَجْلِهِ، وَمِمَّا كَانَ يُقَالُ لِمَنْ يَسْأَلُ هَذَا السُّؤَالَ إنَّمَا وَجَبَ إثْبَاتُ الصَّانِعِ الْوَاحِدِ لِمَا اقْتَضَاهُ أَوْصَافُ الْخَلِيقَةِ مِنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ الْمُوجِبَةِ أَنَّ لَهَا مُحْدِثًا فَقُلْنَا إنَّ لَهَا خَالِقًا، وَنَحْنُ لَمَّا نُشَاهِدْ الْخَالِقَ عِيَانًا فَنُحِيطَ بِكُنْهِهِ، وَلَمْ يَصِحَّ لَنَا أَنْ نَصِفَهُ بِصِفَاتِ الْخَلْقِ فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ لَهُ خَالِقًا.
وَالشَّاهِدُ لَا يَدُلُّ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْغَائِبِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى فِعْلِهِ وَالِاسْتِدْلَالُ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ دُونَ الْمُشْتَبِهَاتِ، وَالْمَفْعُولُ لَا يُشْبِهُ فَاعِلَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ نُعُوتِهِ الْخَاصَّةِ فَبَطَلَ مُطْلَقًا مَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ مِنْ اقْتِضَاءِ خَالِقٍ لِمَنْ خَلَقَ الْخَلْقَ كُلَّهُ، وَلَوْ أَكْثَرْنَا فِي هَذَا لَدَخَلْنَا فِي نَوْعِ مَا نُهِينَا عَنْهُ فِيمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِذًا نَنْتَهِي إلَى مَا أُمِرْنَا بِهِ مِنْ حَسْمِ هَذَا الْبَابِ فِي مُنَاظَرَةِ الشَّيْطَانِ لِجَهْلِهِ وَقِلَّةِ إنْصَافِهِ وَكَثْرَةِ شَغَبِهِ، وَقَدْ تَوَاصَى الْعُلَمَاءُ وَالْحُكَمَاءُ فِيمَا دَوَّنُوهُ وَرَسَمُوهُ مِنْ حُدُودِ الْجَدَلِ وَآدَابِ النَّظَرِ بِتَرْكِ مُنَاظَرَةِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَأَمَرُوا بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ انْتَهَى.
(السَّابِعَةُ) وَفِيهِ الْإِخْبَارُ عَنْ مَغِيبٍ قَدْ وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم.