الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وُصِفَ لَكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «يُخْرِجُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ قَوْمًا فَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ» وَفِي لَفْظٍ لَهُ «قَوْمٌ يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ» وَزَادَ الْبُخَارِيُّ «كَأَنَّهُمْ الثَّعَارِيرُ قُلْت وَمَا الثَّعَارِيرُ؟ قَالَ
ــ
[طرح التثريب]
وُصِفَ لَكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ.
(الثَّانِيَةُ) النُّورُ جِسْمٌ لَطِيفٌ مَشْرِقٌ وَفَسَّرَهُ صَاحِبُ الصِّحَاحِ بِالضِّيَاءِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الضِّيَاءَ أَبْلَغُ مِنْهُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} [يونس: 5] وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور: 35] حَيْثُ شَبَّهَ هُدَاهُ بِالنُّورِ، وَلَمْ يُشْبِهْهُ بِالضِّيَاءِ فَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَوْ شُبِّهَ بِالضِّيَاءِ لَزِمَ أَنْ لَا يَضِلَّ أَحَدٌ بِخِلَافِ النُّورِ كَضَوْءِ الْقَمَرِ فَإِنَّهُ يَقَعُ مَعَهُ الضَّلَالُ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ مِنْهُ وَيُطْلَقُ النُّورُ أَيْضًا عَلَى جَمِيعِ النَّارِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا، وَلَمْ يَنْحَصِرْ النُّورُ فِي ضَوْءِ النَّارِ فَالْمَلَائِكَةُ خُلِقُوا مِنْ ضَوْءٍ لَا مِنْ نَارٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِنَوْعِ ذَلِكَ الضَّوْءِ وَلَوْ كَانَ مِنْ ضَوْءِ نَارٍ لَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ مَحْذُورٌ فَالْمَخْلُوقُ مِنْ ضَوْءِ النَّارِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْ النَّارِ.
(الثَّالِثَةُ) الْجَانُّ الْجِنُّ «وَمَارِجُ النَّارِ» بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْجِيمِ لَهَبُهَا الْمُخْتَلِطُ بِسَوَادِهَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ، وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ نَارٌ لَا دُخَانَ لَهَا وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ اللَّهَبُ الْمُخْتَلِطُ وَقِيلَ نَارٌ دُونَ الْحِجَابِ مِنْهَا هَذِهِ الصَّوَاعِقُ وَحُكِيَ فِي الْإِكْمَالِ هَذَا الثَّانِي عَنْ الْفَرَّاءِ.
(الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «وَخُلِقَ آدَم مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ» أَيْ مِنْ طِينٍ كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي آيَاتٍ عَدِيدَةٍ.
[حَدِيث يُخْرِجُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ قَوْمًا فَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ]
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «يُخْرِجُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ قَوْمًا فَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ» ، وَفِي لَفْظٍ «قَوْمٌ يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ» (فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِلَفْظِ «إنَّ اللَّهَ يُخْرِجُ قَوْمًا مِنْ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ» زَادَ الْبُخَارِيُّ «كَأَنَّهُمْ الثَّعَارِيرُ قُلْت وَمَا الثَّعَارِيرُ؟ قَالَ الضَّغَابِيثُ» كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ
الضَّغَابِيسُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «يَحْتَرِقُونَ فِيهَا إلَّا دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ»
ــ
[طرح التثريب]
جَابِرٍ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ الْفَقِيرِ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ «أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ يَحْتَرِقُونَ فِيهَا إلَّا دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ» وَفِي لَفْظٍ لَهُ قَالَ «يَعْنِي فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ فَيَدْخُلُونَ نَهْرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ الْقَرَاطِيسُ» .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ فِيهِ، «ثُمَّ تَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَشْفَعُونَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً فَيُجْعَلُونَ بِفِنَاءِ الْجَنَّةِ وَتَجْعَلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَرُشُّونَ عَلَيْهِمْ الْمَاءَ حَتَّى يَنْبُتُوا نَبَاتَ الْحَبِّ فِي السَّيْلِ وَيَذْهَبُ بِحُرَاقِهِ، ثُمَّ يَسِيلُ حَتَّى تُجْعَلَ لَهُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا مَعَهَا» .
(الثَّانِيَةُ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَبَائِرِ يَخْلُدُونَ فِي النَّارِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ يَدْخُلُ فِيهَا فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي إخْرَاجِ قَوْمٍ مِنْ النَّارِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِيهَا وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مُوَحِّدًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قَطْعًا عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنْ كَانَ سَالِمًا مِنْ الْمَعَاصِي كَالصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ الَّذِي اتَّصَلَ جُنُونُهُ بِالْبُلُوغِ، وَالتَّائِبِ تَوْبَةً صَحِيحَةً مِنْ الشِّرْكِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَعَاصِي إذَا لَمْ يُحْدِثْ مَعْصِيَةً بَعْدَ تَوْبَتِهِ، وَالْمُوَفَّقُ الَّذِي لَمْ يُبْتَلَ بِمَعْصِيَةٍ أَصْلًا فَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يَدْخُلُونَ النَّارَ أَصْلًا لَكِنَّهُمْ يَرِدُونَهَا خَاصَّةً، وَالْوُرُودُ عَلَى الصَّحِيحِ هُوَ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّمَ.
وَأَمَّا مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ عَنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ فَهُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ بِلَا عَذَابٍ وَأَلْحَقَهُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ الْقَدْرَ الَّذِي يُرِيدُهُ، ثُمَّ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ فَلَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَلَوْ عَمِلَ مِنْ الْمَعَاصِي مَا عَمِلَ كَمَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ وَلَوْ عَمِلَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ مَا عَمِلَ.
(الثَّالِثَةُ) قَدْ تَبَيَّنَ بِالطَّرِيقِ الْأُخْرَى أَنَّ إخْرَاجَ هَؤُلَاءِ بِالشَّفَاعَةِ، وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَيْهَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَمَنَعَ مِنْهَا الْخَوَارِجُ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ الْفَاسِدِ فِي تَخْلِيدِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فِي النَّارِ، وَالشَّفَاعَاتُ الْأُخْرَوِيَّةُ خَمْسٌ لَا يُنْكِرُ هَؤُلَاءِ مِنْهَا قِسْمَيْنِ وَهُمَا الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى لِلْإِرَاحَةِ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ
قَالَ مُؤَلِّفُهُ: وَقَدْ انْتَهَى الْغَرَضُ بِنَا فِيمَا جَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ الْمَنِيعِ، وَالْمِثَالِ الْبَدِيعِ أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِهِ لِلْخَاصِّ، وَالْعَامِّ عَلَى مَمَرِّ الشُّهُورِ، وَالْأَعْوَامِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ فِي كُلِّ حَرَكَةٍ وَهَدْءٍ، إنَّهُ بِالْإِجَابَةِ كَفِيلٌ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. .
ــ
[طرح التثريب]
وَتَعْجِيلِ الْحِسَابِ، وَالشَّفَاعَةُ فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِهَا.
وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ هَذِهِ وَهِيَ إخْرَاجُ قَوْمٍ مِنْ النَّارِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِيهَا، وَالشَّفَاعَةُ فِي إدْخَالِ قَوْمٍ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ، وَفِي قَوْمٍ حُوسِبُوا وَاسْتَوْجَبُوا النَّارَ فَيُشْفَعُ فِي عَدَمِ دُخُولِهِمْ إيَّاهَا.
(الرَّابِعَةُ) الثَّعَارِيرُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَ الْأَلْفِ رَاءَانِ مُهْمَلَتَانِ بَيْنَهُمَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتٍ قَدْ عَرَفْت تَفْسِيرَهَا فِي الْحَدِيثِ بِالضَّغَابِيسِ وَهِيَ بِالضَّادِ، وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ، ثُمَّ يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتٍ، ثُمَّ سِينٌ مُهْمَلَةٌ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ هِيَ قِثَّاءٌ صِغَارٌ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هِيَ شِبْهُ قِثَّاءٍ صَغِيرٍ يُؤْكَلُ يَعْنِي الضَّغَابِيسُ وَهِيَ الشَّعَارِيرُ أَيْضًا بِالشِّينِ أَيْ الْمُعْجَمَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ الثَّعَارِيرُ وَاحِدُهَا ثُعْرُورٌ بِضَمِّ الثَّاءِ وَهِيَ رُءُوسُ الضَّرَاثِيتِ تَكُونُ بَيْضَاءَ شُبِّهُوا بِهَا وَقِيلَ هِيَ شَيْءٌ يَخْرُجُ فِي أُصُولِ السَّمَرِ، قَالَ وَالضَّغَانِيثُ شِبْهُ الْعَرَاجِينِ تَنْبُتُ فِي أُصُولِ الثُّمَامِ قَالَ، وَالثَّعَارِيرُ الطَّرَاثِيتُ وَالطُّرْثُوثُ بِضَمِّ الثَّاءِ نَبَاتٌ كَالْقُطْنِ مُسْتَطِيلٌ وَقِيلَ الثَّعَارِيرُ شِبْهُ الْعَسَالِيجِ يَنْبُتُ فِي الثُّمَامِ، وَفِي الْجَمْهَرَةِ الطُّرْثُوثُ نَبْتٌ يَنْبُتُ فِي الرَّمَلِ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ الضَّغَابِيثُ نَبْتٌ يَنْبُتُ فِي أُصُولِ الثُّمَامِ يُشْبِهُ الْهِلْيُونَ يُسْلَقُ بِالْخَلِّ، وَالزَّيْتِ وَيُؤْكَلُ وَقِيلَ هُوَ نَبْتٌ بِالْحِجَازِ [يَخْرُجُ قَدْرَ شِبْرٍ أَرَقُّ مِنْ الْأَصَابِعِ رُخْصٌ لَا وَرَقَ لَهُ أَخْضَرُ فِي غُبْرَةٍ] يَنْبُتُ فِي أَجْنَابِ الشَّجَرِ وَفِي الْإِذْخِرِ [فِيهِ حُمُوضَةٌ يُؤْكَلُ نِيئًا فَإِذَا اُكْتُهِلَ فَهِيَ الثَّعَارِيرُ] وَقِيلَ هُوَ الْأَقِطُ مَا دَامَ رَطْبًا وَوَجَدْت عَنْ الْقَابِسِيِّ [أَنَّهُ] صَدَفَ الْجَوْهَرَ، وَقَدْ يُعَضِّدُ هَذَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ كَأَنَّهُمْ اللُّؤْلُؤُ وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الثَّعَارِيرُ وَكَأَنَّهُمْ الضَّغَابِيسُ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ اهـ.
وَفِيهِ مَا يُفَرِّقُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ، وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الضَّغَابِيسَ صِغَارُ الْقِثَّاءِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ: شُبِّهُوا بِالْقِثَّاءِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ الْقِثَّاءَ يُنَمَّى سَرِيعًا وَقِيلَ هِيَ رُءُوسُ الطَّرَاثِيثِ تَكُونُ بَيْضَاءَ شُبِّهُوا بِبَيَاضِهَا وَاحِدُهَا طُرْثُوثٌ، وَهُوَ نَبْتٌ يُؤْكَلُ (قُلْت) وَيَظْهَرُ عِنْدِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُمْ شُبِّهُوا بِهَا فِي صِغَرِهَا وَحَقَارَةِ قَدْرِهَا فَإِذَا أُنْشِئُوا خَلْقًا لِلْجَنَّةِ صَارَتْ لَهُمْ بَهْجَةٌ وَنَضَارَةٌ، وَقَدْرٌ لَا يُعَبَّرُ عَنْ قَدْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ فَيَدْخُلُونَ نَهْرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ «فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ الْقَرَاطِيسُ» وَالسَّمَاسِمُ بِالسِّينَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ.
وَالثَّانِيَةُ مَكْسُورَةٌ جَمْعُ سِمْسِمٍ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الشَّيْرَجُ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَعِيدَانُهُ تَرَاهَا إذَا قُلِعَتْ وَتُرِكَتْ لِيُؤْخَذَ حَبُّهَا دِقَاقًا سَوْدَاءَ كَأَنَّهَا مُحْتَرِقَةٌ، ثُمَّ قَالَ وَمَا أَشْبَهَ أَنْ تَكُونَ اللَّفْظَةُ مُحَرَّفَةً وَرُبَّمَا كَانَتْ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّاسَمِ أَيْ وَهُوَ بِحَذْفِ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا حَبٌّ أَسْوَدُ كَالْأَبَنُوسِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا نَعْرِفُ مَعْنَى السَّمَاسِمِ هُنَا وَلَعَلَّ صَوَابَهُ السَّاسَمُ، وَهُوَ أَشْبَهُ، وَهُوَ عُودٌ أَسْوَدُ وَقِيلَ هُوَ الْأَبَنُوسُ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ قَالَ بَعْضُهُمْ السَّمَاسِمُ كُلُّ نَبْتٍ ضَعِيفٍ كَالسِّمْسِمِ، وَالْكُزْبَرَةِ وَقَالَ آخَرُونَ لَعَلَّهُ السَّآسِمُ مَهْمُوزٌ، وَهُوَ الْأَبَنُوسُ شَبَّهَهُمْ بِهِ فِي سَوَادِهِ انْتَهَى.
(السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ «يَحْتَرِقُونَ فِيهَا إلَّا دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ» هُوَ جَمْعُ دَارَةٍ وَهِيَ مَا يُحِيطُ بِالْوَجْهِ مِنْ جَوَانِبِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّارَ لَا تَأْكُلُ دَارَةَ الْوَجْهِ لِكَوْنِهَا مَحَلَّ السُّجُودِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي الصَّحِيحِ «حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ» ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَأْكُلُ شَيْئًا مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ السَّبْعَةِ الْمَأْمُورِ بِالسُّجُودِ عَلَيْهَا وَهِيَ الْجَبْهَةُ، وَالْيَدَانِ، وَالرُّكْبَتَانِ، وَالْقَدَمَانِ، وَكَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ الْمُرَادُ بِأَثَرِ السُّجُودِ الْجَبْهَةُ خَاصَّةً.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ وَجَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ مَخْصُوصُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ بِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُمْ مِنْ النَّارِ إلَّا دَارَاتُ الْوُجُوهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَتَسْلَمُ جَمِيعُ أَعْضَاءِ السُّجُودِ مِنْهُمْ عَمَلًا بِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ فَيُعْمَلُ بِالْعَامِّ إلَّا مَا خُصَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قُلْت) وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْجَبْهَةِ خَاصَّةً فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ دَارَاتِ الْوُجُوهِ أَوْسَعُ مِنْ الْجَبْهَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ