الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَعْثُ وَذِكْرُ الْجَنَّةِ، وَالنَّارِ
ــ
[طرح التثريب]
ذَلِكَ وَعُويِنَ حَصَلَ الْإِيمَانُ الضَّرُورِيُّ وَارْتَفَعَ الْإِيمَانُ بِالْغَيْبِ الَّذِي هُوَ مُكَلَّفٌ بِهِ.
(السَّابِعَةُ) ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَالْحَدِيثِ اسْتِمْرَارُ هَذَا الْأَمْرِ، وَهُوَ مَنْعُ قَبُولِ الْإِيمَانِ، وَالتَّوْبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ الْبُلْقِينِيُّ رحمه الله يَقُولُ إذَا تَرَاخَى الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَعْدَ الْعَهْدِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَتَنَاسَاهُ أَكْثَرُ النَّاسِ قُبِلَتْ التَّوْبَةُ، وَالْإِيمَانُ بَعْدَ ذَلِكَ لِزَوَالِ الْآيَةِ الَّتِي تَضْطَرُّ النَّاسَ إلَى الْإِيمَانِ وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَمَا أَظُنُّ الزَّمَانَ يَتَرَاخَى بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَبْقَى فِيهِ مُهْلَةٌ وَتَطَاوُلٌ بِحَيْثُ يَطُولُ الْعَهْدُ بِذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْبَعْثُ وَذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]
[حَدِيث جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ]
الْبَعْثُ وَذِكْرُ الْجَنَّةِ، وَالنَّارِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَبَلَغَك أَنَّ اللَّهَ عز وجل يَحْمِلُ الْخَلَائِقَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالسَّمَوَاتِ عَلَى إصْبَعٍ، وَالْأَرْضِينَ عَلَى أُصْبُعٍ: وَالشَّجَرَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالثَّرَى عَلَى أُصْبُعٍ قَالَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر: 67] الْآيَةُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِلَفْظٍ «إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ وَفِيهِ، وَالشَّجَرَ، وَالثَّرَى عَلَى إصْبَعٍ وَفِيهِ، ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ، وَفِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ ضَحِكِهِ، ثُمَّ قَالَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] » ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «، وَالشَّجَرَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالثَّرَى عَلَى إصْبَعٍ» كَمَا فِي رِوَايَتِنَا، وَفِي لَفْظٍ لَهُ «، وَالْجِبَالَ عَلَى إصْبَعٍ» بَدَلَ الْخَلَائِقِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ «تَصْدِيقًا لَهُ تَعَجُّبًا لِمَا قَالَ» وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ وَانْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ كِلَاهُمَا عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ «إنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إصْبَعٍ، وَالْأَرْضِينَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالْخَلَائِقَ عَلَى إصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَرَأَ {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 74] » ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ بَعْدَ ذِكْرِ «السَّمَوَاتِ، وَالْأَرْضِ، وَالشَّجَرِ عَلَى إصْبَعٍ، وَالْمَاءِ، وَالثَّرَى عَلَى إصْبَعٍ وَسَائِرِ الْخَلَائِقِ عَلَى إصْبَعٍ» ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجِبَالَ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِي السَّمَوَاتِ، وَالْأَرْضِ مِثْلُهُ، ثُمَّ قَالَ «، وَالْجِبَالَ، وَالشَّجَرَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالْمَاءَ، وَالثَّرَى عَلَى إصْبَعٍ وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إصْبَعٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «لَهُمَا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ» .
(الثَّانِيَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْأَصْلُ فِي هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِكِتَابٍ نَاطِقٍ، أَوْ خَبَرٍ مَقْطُوعٍ بِصِحَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِيمَا يَثْبُتُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الْمُسْنَدَةِ إلَى أَصْلٍ فِي الْكِتَابِ، أَوْ السُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِصِحَّتِهَا، أَوْ بِمُوَافَقَةِ مَعَانِيهَا وَمَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَالتَّوَقُّفُ عَنْ إطْلَاقِ الِاسْمِ بِهِ هُوَ الْوَاجِبُ وَيُتَأَوَّلُ حِينَئِذٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِمَعَانِي الْأُصُولِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ وَذِكْرُ الْأَصَابِعِ لَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ الَّتِي شَرْطُهَا مَا وَصَفْنَاهُ، وَلَيْسَ مَعْنَى الْيَدِ فِي الصِّفَاتِ بِمَعْنَى الْجَارِحَةِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ بِثُبُوتِهَا ثُبُوتُ الْأَصَابِعِ بَلْ هُوَ تَوْقِيفٌ شَرْعِيٌّ أَطْلَقْنَا الِاسْمَ فِيهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ قَوْلَهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ وَالْيَهُودِ مُتَّهَمُونَ فِيمَا يَدَّعُونَهُ مُنَزَّلًا فِي التَّوْرَاةِ بِأَلْفَاظٍ تَدْخُلُ فِي بَابِ التَّشْبِيهِ لَيْسَ الْقَوْلُ بِهَا مِنْ مَذَاهِبِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
قَالَ «مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ» وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى الْخَلْقِ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَعْمَلَهُ مَعَ هَذَا الْحَبْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَمْ يُنْطِقْ فِيهِ بِحَرْفٍ تَصْدِيقًا لَهُ، أَوْ تَكْذِيبًا إنَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الضَّحِكُ الْمُخَيِّلُ لِلرِّضَى مَرَّةً وَلِلتَّعَجُّبِ، وَالْإِنْكَارِ أُخْرَى، ثُمَّ تَلَا الْآيَةَ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْوَجْهَيْنِ وَلَيْسَ فِيهَا لِلْأُصْبُعِ ذِكْرٌ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ الرُّوَاةِ (تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ) ظَنٌّ وَحُسْبَانٌ، وَالْقَوْلُ فِيهِ ضَعْفٌ إذْ كَانَ لَا يَمْحَضُ شَهَادَتَهُ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَرُبَّمَا اُسْتُدِلَّ بِحُمْرَةِ اللَّوْنِ عَلَى الْخَجَلِ وَبِصُفْرَتِهِ عَلَى الْوَجَلِ مَعَ جَوَازِ كَوْنِ الْحُمْرَةِ لِتَهَيُّجِ دَمٍ، وَالصُّفْرَةِ لِثَوَرَانِ خَلْطٍ فَالِاسْتِدْلَالُ بِالضَّحِكِ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْجَسِيمِ غَيْرُ سَائِغٍ مَعَ تَكَافُؤِ وَجْهِ الدَّلَالَةِ وَلَوْ صَحَّ الْخَبَرُ لَكَانَ مَقُولًا عَلَى نَوْعِ مَجَازٍ وَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عز وجل {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] أَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى طَيِّهَا وَسُهُولَةِ الْأَمْرِ فِي جَمْعِهَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَمَعَ شَيْئًا فِي كَفِّهِ فَاسْتَخَفَّ حَمْلُهُ فَلَمْ يُمْسِكْهُ بِجَمِيعِ كَفِّهِ لَكِنَّهُ نَقَلَهُ بِبَعْضِ أَصَابِعِهِ، وَقَدْ يُقَالُ فِي الْأَمْرِ الشَّاقِّ إذَا أُضِيفَ إلَى الرَّجُلِ الْقَوِيِّ أَنَّهُ يَأْتِي عَلَيْهِ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِخِنْصَرِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الِاسْتِظْهَارُ فِي الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَالِاسْتِهْزَاءُ بِهِ وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
الرُّمْحُ لَا أَمْلَأُ كَفِّي بِهِ
، يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّفُ أَنْ يَجْمَعَ كَفَّهُ فَيَشْتَمِلَ بِهَا كُلِّهَا عَلَى الرُّمْحِ لَكِنْ يَطْعَنُ بِهِ خَلْسًا بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ قَالَ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ» فَهَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَفْظُهُ جَاءَ عَلَى وِفَاقِ الْآيَةِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْأَصَابِعِ وَتَقْسِيمِ الْخَلِيقَةِ عَلَى أَعْدَادِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَخْلِيطِ الْيَهُودِ وَتَحْرِيفِهِمْ وَأَنَّ ضَحِكَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا كَانَ عَلَى مَعْنَى التَّعَجُّبِ مِنْهُ، وَالنَّكِيرِ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ بِعِبَارَةٍ حَسَنَةٍ مُلَخَّصَةٍ (قُلْت) وَيَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَصَابِعِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِيهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَجَوُّزٍ وَتَقْرِيبٍ لِلْفَهْمِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى بِتَقْدِيرِ أَنْ يُصَدِّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ، وَقَدْ سَبَقَ فِيهَا الْمَذْهَبَانِ