الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَحَاجِّ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ تَخَاصُمُهُمَا فِي الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا وَإِقَامَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْحُجَّةَ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا، فَاحْتَجَّتْ النَّارُ بِقَهْرِهَا لِلْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ وَاحْتَجَّتْ الْجَنَّةُ بِكَوْنِهَا مَأْوَى الضُّعَفَاءِ فِي الدُّنْيَا عَوَّضَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ضَعْفِهِمْ الْجَنَّةَ فَقَطَعَ سبحانه وتعالى التَّخَاصُمَ بَيْنَهُمَا، وَبَيَّنَ أَنَّ الْجَنَّةَ رَحْمَتُهُ أَيْ نِعْمَتُهُ عَلَى الْخَلْقِ إنْ جَعَلْت الرَّحْمَةَ صِفَةَ فِعْلٍ أَوْ أَثَرَ إرَادَةِ الْخَيْرِ بِمَنْ يَشَاءُ إنْ جَعَلْتهَا صِفَةَ ذَاتٍ، وَأَنَّ النَّارَ عَذَابُهُ النَّاشِئُ عَنْ غَضَبِهِ وَإِرَادَةِ انْتِقَامِهِ جَلَّ وَعَلَا.
[فَائِدَة ذَمُّ التَّكَبُّرِ وَالتَّبَخْتُرِ]
(الرَّابِعَةُ) فِيهِ ذَمُّ التَّكَبُّرِ وَالتَّبَخْتُرِ، وَأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَإِنْ وَصَلَ الْكِبْرُ بِالْإِنْسَانِ إلَى الْكُفْرِ لِتَكَبُّرِهِ عَنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى ذَلِكَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْخُلُوصِ مِنْهَا، وَلَا يُقْطَعُ لَهُ بِدُخُولِهَا أَيْضًا بَلْ هُوَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ فَقَدْ يُعْفَى عَنْهُ وَلَا يَدْخُلُهَا.
1 -
(الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ (وَسُفْلُهُمْ) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ كَذَا ضَبَطْنَاهُ عَنْ شَيْخِنَا وَالِدِي رحمه الله وَهُوَ جَمْعُ سِفْلَةٍ بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ، وَهُوَ الرَّجُلُ الْوَضِيعُ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ صَاحِبِ الصِّحَاحِ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ رَجُلٌ سِفْلَةٌ مِنْ قَوْمٍ سُفْلٍ، وَكَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ صَدَّرَا كَلَامَهُمَا بِأَنَّ السَّفِلَةَ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْفَاءِ السِّقَاطُ مِنْ النَّاسِ، وَأَنَّهُ يُقَالُ هُوَ مِنْ السَّفَلَةِ وَلَا يُقَالُ سَفَلَةٌ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ، ثُمَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَبَعْضُ الْعَرَبِ يُخَفِّفُ فَيَقُولُ فُلَانٌ مِنْ سَفَلَةِ النَّاسِ فَيَنْقُلُ كَسْرَةَ الْفَاءِ إلَى السِّينِ، وَحَكَاهُ فِي الصِّحَاحِ عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ سَفِلَةُ النَّاسِ أَيْ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَسِفْلَتُهُمْ أَيْ بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ أَسَافِلُهُمْ وَغَوْغَاؤُهُمْ.
1 -
(السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ (وَغَوِيُّهُمْ) كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِنَا أَنَّهُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَلَا يَظْهَرُ لَهُ هُنَا مَعْنًى وَلِهَذَا كَانَ وَالِدِي رحمه الله يَقُولُ لَعَلَّهُ وَغَوْغَاؤُهُمْ وَكَتَبَهُ بِخَطِّهِ كَذَلِكَ عَلَى حَاشِيَةِ نُسْخَتِهِ، وَلَعَلَّهُ تَصَحَّفَ بِقَوْلِهِمْ وَغَرْثُهُمْ، وَهُوَ الَّذِي فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَمَا سَيَأْتِي وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ بَعْدَ قَوْلِهِ إلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْقَافِ وَهُوَ بِمَعْنَى الضُّعَفَاءِ وَالْمُحْتَقَرِينَ، فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْأَوَّلِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الضُّعَفَاءُ جَمْعُ ضَعِيفٍ يَعْنِي بِهِ الضُّعَفَاءَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ هُنَا الْفُقَرَاءَ، وَحَمْلُهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَعْنَى الضُّعَفَاءِ مَعْنَى الْعَجَزَةِ الْمَذْكُورِينَ بَعْدُ. وَسَقَطُهُمْ جَمْعُ سَاقِطٍ وَهُوَ النَّازِلُ الْقَدْرِ، وَهُوَ الَّذِي عُبِّرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، وَأَصْلُهُ مِنْ سَقَطِ الْمَتَاعِ وَهُوَ رَدِيئُهُ انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَقِيلَ مَعْنَى الضُّعَفَاءِ هُنَا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَهْلُ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ أَنَّهُ الْخَاضِعُ لِلَّهِ تَعَالَى الْمُذِلُّ نَفْسَهُ لَهُ سبحانه وتعالى ضِدَّ الْمُتَبَخْتِرِ الْمُسْتَكْبِرِ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ: الضَّعِيفُ هُنَا الَّذِي يُبَرِّئُ نَفْسَهُ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عِشْرِينَ مَرَّةً إلَى خَمْسِينَ، وَلَمْ يُرِدْ التَّحْدِيدَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ اتِّصَافَهُ بِالتَّبْرِئَةِ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَاللَّجَأِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَتَى تَذَكَّرَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ انْتَهَى.
وَهُوَ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُقَالُ فِي الصَّحَابِيِّ لَا فِي مُطْلَقِ النَّاسِ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَغَرْثُهُمْ وَرُوِيَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي النُّسَخِ:
(أَحَدُهَا) غَرَثُهُمْ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَرَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ شُيُوخِنَا وَمَعْنَاهَا أَهْلُ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ وَالْجُوعِ، وَالْغَرَثُ الْجُوعُ.
(وَالثَّانِي) عَجَزَتُهُمْ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَجِيمٍ وَزَايٍ وَتَاءٍ جَمْعُ عَاجِزٍ.
(وَالثَّالِثُ) غِرَّتُهُمْ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَرَاءٍ مُشَدَّدَةٍ وَتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا أَيْ الْبُلْهُ الْغَافِلُونَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فَنَكٌ وَحِذْقٌ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَهُوَ نَحْوَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ «، أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ» .
قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ سَوَادُ النَّاسِ وَعَامَّتُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ الَّذِينَ لَا يَفْطِنُونَ لِلشُّبَهِ فَتَدْخُلُ عَلَيْهِمْ الْفِتْنَةُ أَوْ تُدْخِلُهُمْ فِي الْبِدْعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَهُمْ ثَابِتُو الْإِيمَانِ صَحِيحُو الْعَقَائِدِ، وَهُمْ أَكْثَرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
وَأَمَّا الْعَارِفُونَ وَالْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ وَالصَّالِحُونَ الْمُتَعَبِّدُونَ فَهُمْ قَلِيلُونَ وَهُمْ أَصْحَابُ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى انْتَهَى.
وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَسَقَطُهُمْ، وَعَجَزُهُمْ وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْجِيمِ جَمْعُ عَاجِزٍ وَمَعْنَاهُ الْعَاجِزُونَ عَنْ طَلَبِ الدُّنْيَا وَالتَّمَكُّنِ فِيهَا وَالثَّرْوَةِ وَالشَّوْكَةِ كَذَا ضَبَطَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَيَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِالتَّاءِ كَكَاتِبٍ وَكَتَبَةٍ وَحَاسِبٍ وَحَسَبَةٍ وَسُقُوطُ التَّاءِ فِي مِثْلِ هَذَا الْجَمْعِ نَادِرٌ، وَإِنَّمَا يُسْقِطُونَهَا إذَا سَلَكُوا بِالْجَمْعِ مَسْلَكَ اسْمِ الْجِنْسِ كَمَا فَعَلُوا