الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أَشْرَاطُ السَّاعَةِ)
عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا اللَّهُ» {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34]
ــ
[طرح التثريب]
إنَّمَا تَوَجَّهَتْ حَجَّتُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مِنْ التَّوْرَاةِ مَا ذَكَرَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ تَابَ عَلَيْهِ وَاجْتَبَاهُ وَأَسْقَطَ عَنْهُ اللَّوْمَ، وَالْمُعَاتَبَةَ حَتَّى صَارَتْ تِلْكَ الْمَعْصِيَةُ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ [فَقَدْ] وَقَعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَعَلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ فَكَانَ هَذَا مِنْ مُوسَى نِسْبَةَ جَفَاءٍ فِي حَالِ صَفَاءٍ كَمَا قَالَ بَعْضُ أَرْبَابِ الْإِشَارَاتِ (ذِكْرُ الْجَفَاءِ فِي حَالِ الصَّفَاءِ جَفَاءٌ) وَهَذَا الْوَجْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَشْبَهَ مَا ذُكِرَ، وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ ذَلِكَ الْإِلْزَامَ لَا يَلْزَمُ.
(التَّاسِعَةُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ الْأَصْلُ الْحَتْمُ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَغَ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ فَكُلٌّ يَجْرِي فِيمَا قُدِّرَ لَهُ وَسَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سبحانه وتعالى، وَهُوَ مِنْ أَوْضَحِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي إثْبَاتِ الْقَدَرِ وَدَفْعِ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُطَالِبُ خَلْقَهُ بِمَا قَضَى عَلَيْهِمْ وَقَدَّرَهُ وَلَكِنْ يُطَالِبُهُمْ بِمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ وَأَمَرَ؛ فَطَالِبْ نَفْسَك مِنْ حَيْثُ يُطَالِبُك رَبُّك، وَالسَّلَامُ، وَرَوَيْنَا أَنَّ النَّاسَ لِمَا خَاضُوا فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ اجْتَمَعَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ وَرَفِيعُ أَبُو الْعَالِيَةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ تَعَالَ نَنْظُرْ مَا خَاضَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ؛ فَقَعَدَا وَفَكَّرَا، فَاتَّفَقَ رَأْيُهُمَا أَنَّهُ يَكْفِي الْمُؤْمِنَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ إلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، أَوْ سَطَّرَهُ عَلَيْهِ.
(الْعَاشِرَةُ) وَفِيهِ إثْبَاتُ الْمُنَاظَرَةِ، وَالْحِجَاجِ وَلَوْ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ وَمَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الْقَصْدُ بِذَلِكَ طَلَبَ الْحَقِّ وَتَقْرِيرَهُ، وَالِازْدِيَادَ مِنْ الْعِلْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[أَشْرَاطُ السَّاعَةِ]
[حَدِيث خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا اللَّهُ]
(أَشْرَاطُ السَّاعَةِ)(الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ)
عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا اللَّهُ. {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34]
/ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي سُؤَالِ جِبْرِيلَ وَقَالَ فِيهِ فِي خَمْسٍ إلَيَّ آخِرِهَا.
ــ
[طرح التثريب]
/. رَوَاهُ أَحْمَدُ (فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ فَلِذَلِكَ عَزَّاهُ الْمُصَنِّفُ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى اصْطِلَاحِهِ، وَاتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى إخْرَاجِ هَذَا الْمَتْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عليه السلام عِنْدَ السُّؤَالِ عَنْ الْإِيمَانِ وَلَفْظُهُ أَنَّهُ قَالَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُك عَنْ أَشْرَاطِهَا، إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا فَذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا كَانَتْ الْعُرَاةُ الْحُفَاةُ رُءُوسَ النَّاسِ فَذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ الْبُهْمِ فِي الْبُنْيَانِ فَذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ تَلَا صلى الله عليه وسلم {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} [لقمان: 34] إلَى قَوْلِهِ عز وجل {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34] » لَفْظُ مُسْلِمٍ.
(الثَّانِيَةُ) أَشْرَاطُ السَّاعَةِ عَلَامَاتُهَا وَاحِدُهَا شَرَطٌ بِفَتْحِ الشِّينِ، وَالرَّاءِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ وَمِنْهُ سُمِّيَ (الشَّرَطُ) لِجَعْلِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ عَلَامَةً يُعْرَفُونَ بِهَا، وَقِيلَ أَشْرَاطُهَا مُقَدِّمَاتُهَا وَأَشْرَاطُ الْأَشْيَاءِ أَوَائِلُهَا وَقِيلَ الْأَشْرَاطُ جَمْعُ شَرَطٍ بِالتَّحْرِيكِ أَيْضًا، وَهُوَ الدُّونُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَأَشْرَاطُ السَّاعَةِ صِغَارُ أُمُورِهَا قَبْلَ قِيَامِهَا وَعَلَى الْمِثْلِ الشَّرَطُ وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي بَدَأَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رحمه الله لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ ذِكْرُ أَنَّ السَّاعَةَ لَا يَعْلَمُ وَقْتَ مَجِيئِهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ كَالْمُقَدِّمَةِ لِذَكَرِ أَشْرَاطِهَا فَإِنَّهُ إنَّمَا بَحَثَ عَنْ عَلَامَاتِهَا لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ وَقْتِهَا.
(الثَّالِثَةُ) لَيْسَ فِي الْآيَةِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا صَرَاحَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ وَأَنَّهُ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهَا أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ وَلَكِنْ بَيَّنَتْ السُّنَّةُ ذَلِكَ كَمَا قَدْ عَرَفْته وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إنَّ مَعْنَاهُ النَّفْيُ إذْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
مَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إلَّا اللَّهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَإِنَّمَا صَارَ فِيهِ مَعْنَى النَّفْيِ بِتَوْقِيفِ الرَّسُولِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ} [الأنعام: 59] إنَّهَا هَذِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْخَمْسَةُ لَا يَعْلَمُهَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ لِأَنَّهُ خَالَفَهُ.
(قُلْت) وَمُخَالِفَتُهُ لَهُ بِاعْتِبَارِ تَفْسِيرِ الرَّسُولِ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ إنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ النَّفْيَ لَقَلَّتْ فَائِدَتُهُ لِأَنَّهُ تَعَالَى عِنْدَهُ عِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِالذِّكْرِ إلَّا اخْتِصَاصِهِ بِعِلْمِهَا وَحَكَى الْقُشَيْرِيُّ، وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ مُقَاتِلٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ اسْمُهُ الْوَارِثُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ أَتَى النَّبِيَّ.
{الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ {وَيُنَزِّلُ} [لقمان: 34] يَجُوزُ فِيهِ فَتْحُ النُّونِ وَتَشْدِيدُ الزَّايِ وَإِسْكَانُ النُّونِ وَتَخْفِيفُ الزَّايِ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا فِي الْمَشْهُورِ، وَالْغَيْثُ الْمَطَرُ.
{الْخَامِسَةُ} قَدْ يَعْلَمُ الْأَنْبِيَاءٌ كَثِيرًا مِنْ الْغَيْبِ بِتَعْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُمْ، وَقَدْ يُطْلِعُ اللَّهُ بَعْضَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى بَعْضِ الْغُيُوبِ بِالْإِلْقَاءِ فِي الْخَوَاطِرِ كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ أَيْ مُلْهَمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ فَإِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْأَمَةِ أَحَدٌ فَعُمَرُ» وَكَمَا قَالَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه فِي حَمْلِ زَوْجَتِهِ بِنْتِ خَارِجَةَ أَظُنُّهَا أُنْثَى.
وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ عِلْمًا بِالْغَيْبِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلْأَنْبِيَاءِ عِلْمٌ بِأَمْرٍ مَخْصُوصٍ فِي قِصَّةٍ مَخْصُوصَةٍ وَلِلْأَوْلِيَاءِ ظَنٌّ بِفِرَاسَةٍ صَحِيحَةٍ فَمَنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ فِي جُزْئِيَّةٍ أَوْ جُزْئِيَّاتٍ لَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَقَدْ يَحْصُلُ لِغَيْرِ الْأَوْلِيَاءِ مَعْرِفَةُ ذُكُورَةِ الْحَمْلِ وَأُنُوثَتِهِ بِطُولِ التَّجَارِبِ، وَقَدْ يُخْطِئُ الظَّنُّ وَتَنْخَرِمُ الْعَادَةُ، وَالْعِلْمُ الْحَقِيقِيُّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ إبْطَالُ قَوْلِ الْكَهَنَةِ، وَالْمُنَجِّمِينَ وَمَنْ يَسْتَسْقِي بِالْأَنْوَاءِ.
{السَّادِسَةُ} ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ الْغَيْبَ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ مَكَانَ الْوَفَاةِ لَا وَقْتَهَا وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ يَهُودِيًّا كَانَ يَحْسِبُ حِسَابَ النُّجُومِ فَقَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ إنْ شِئْت أَنْبَأْتُك نَجْمَ ابْنِك وَأَنَّهُ يَمُوتُ بَعْدَ