الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ: الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ» .
ــ
[طرح التثريب]
الْخَيْرِ: لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا رَأَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا طَلَبَتْ نَفْسُهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَاسْتَصْغَرَ مَا عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَرَصَ عَلَى الِازْدِيَادِ لِيَلْحَقَ بِذَلِكَ أَوْ يُقَارِبَهُ هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي غَالِبِ النَّاسِ، وَأَمَّا إذَا نَظَرَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا إلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِيهَا ظَهَرَتْ لَهُ نِعْمَةُ اللَّهِ فَشَكَرَهَا وَتَوَاضَعَ وَفَعَلَ الْخَيْرَ. انْتَهَى.
وَمِنْ هُنَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ اجْتِنَابُ الِاخْتِلَاطِ بِأَهْلِ الدُّنْيَا وَالتَّوَسُّعُ مِنْهَا وَمِنْ كَسْبِهَا وَنَعِيمِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَالَسْت الْأَغْنِيَاءَ فَاحْتَقَرْت لِبَاسِي إلَى لِبَاسِهِمْ وَدَابَّتِي إلَى دَوَابِّهِمْ، وَجَالَسْت الْفُقَرَاءَ فَاسْتَرَحْت.
[حَدِيث الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ]
(الْحَدِيثُ التَّاسِعُ) وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ: الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانٍ» (فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٌ وَحْدَهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ.
(الثَّانِيَةُ) الْحَيَاءُ مَمْدُودٌ وَهُوَ الِاسْتِحْيَاءُ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الِاسْتِحْيَاءُ مِنْ الْحَيَاةِ وَاسْتِحْيَاءُ الرَّجُلِ مِنْ قُوَّةِ الْحَيَاةِ فِيهِ لِشِدَّةِ عِلْمِهِ بِمَوَاقِعِ الْعَيْبِ، قَالَ: فَالْحَيَاءُ مِنْ قُوَّةِ الْحِسِّ وَلُطْفِهِ وَقُوَّةِ الْحَيَاةِ، وَفِي رِسَالَةِ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ الْجُنَيْدِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: الْحَيَاءُ رُؤْيَةُ الْآلَاءِ أَيْ النِّعَمِ وَرُؤْيَةُ التَّقْصِيرِ فَيَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا حَالَةٌ تُسَمَّى الْحَيَاءُ، وَعَرَّفَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْحَيَاءَ بِأَنَّهُ تَغَيُّرٌ وَانْكِسَارٌ يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ تَخَوُّفِ مَا يُعَابُ بِهِ أَوْ يُذَمُّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: أَصْلُ الْحَيَاءِ الِامْتِنَاعُ أَوْ مَا يُقَارِبُهُ مِنْ مَعْنَى الِانْقِبَاضِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَوَابُهُ الِانْكِسَارُ بَدَلَ الِامْتِنَاعِ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ لَوَازِمِ الْحَيَاءِ فَيُطْلَقُ الْحَيَاءُ عَلَى الِامْتِنَاعِ إطْلَاقَ الِاسْمِ الْمَلْزُومِ عَلَى اللَّازِمِ. انْتَهَى.
فَكَيْفَ يَكُونُ لَازِمُ الشَّيْءِ هُوَ أَصْلُ مَدْلُولِهِ.
[فَائِدَة قَوْلُهُ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ]
1
(الثَّالِثَةُ)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
قَوْلُهُ «يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ» مَعْنَاهُ يَعْذُلُهُ عَلَى فِعْلِهِ وَيَذْكُرُ لَهُ مَفَاسِدَهُ «فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ» وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ وَهِيَ دَعْهُ انْفَرَدَ بِهَا الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسْلِمٍ.
(الرَّابِعَةُ) قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ: إنَّمَا كَانَ الْحَيَاءُ وَهُوَ فِي الْأَكْثَرِ غَرِيزَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ اكْتِسَابٌ؛ لِأَنَّ الْحَيَاءَ يَمْنَعُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ كَمَا يَمْنَعُ الْإِيمَانُ مِنْهَا، وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ ابْنِ قُتَيْبَةَ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ مَبْسُوطًا فَقَالَ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَيَاءَ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي كَمَا يَمْنَعُ الْإِيمَانَ فَجَازَ أَنْ يُسَمَّى إيمَانًا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الشَّيْءَ بِاسْمِ مَا قَامَ مَقَامَهُ أَوْ كَانَ شَبِيهًا بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ صَلَاةً، وَأَصْلُ ذَلِكَ الدُّعَاءُ فَلَمَّا كَانَ الدُّعَاءُ يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ سُمِّيَتْ صَلَاةً، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ وَهِيَ تَثْمِيرُ الْمَالِ وَنَمَاؤُهَا فَلَمَّا كَانَ النَّمَاءُ يَقَعُ بِإِخْرَاجِ الصَّدَقَةِ عَنْ الْمَالِ سُمِّيَ زَكَاةً حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ بَطَّالٍ.
(الْخَامِسَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الشُّرَّاحِ: إنَّمَا جُعِلَ الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ، وَإِنْ كَانَ غَرِيزَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَخَلُّقًا وَاكْتِسَابًا كَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَقَدْ يَكُونُ غَرِيزَةً وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى قَانُونِ الشَّرْعِ يَحْتَاجُ إلَى اكْتِسَابٍ وَنِيَّةٍ وَعِلْمٍ فَهُوَ مِنْ الْإِيمَانِ لِهَذَا وَلِكَوْنِهِ بَاعِثًا عَلَى أَفْعَالِ الْبِرِّ وَمَانِعًا مِنْ الْمَعَاصِي.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا كَوْنُ الْحَيَاءِ خَيْرًا كُلُّهُ وَلَا يَأْتِي إلَّا بِخَيْرٍ فَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ مِنْ حَيْثُ إنَّ صَاحِبَ الْحَيَاءِ قَدْ يَسْتَحْيِ أَنْ يُوَاجِهَ بِالْحَقِّ مَنْ يُجِلُّهُ فَيَتْرُكُ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيَهُ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَقَدْ يَحْمِلُهُ الْحَيَاءُ عَلَى الْإِخْلَالِ بِبَعْضِ الْحُقُوقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْعَادَةِ، قَالَ: وَجَوَابُ هَذَا مَا أَجَابَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رحمه الله أَنَّ هَذَا الْمَانِعَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ بِحَيَاءٍ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ عَجْزٌ وَخَوَرٌ وَمُهَانَةٌ وَإِنَّمَا تَسْمِيَتُهُ حَيَاءً مِنْ إطْلَاقِ بَعْضِ أَهْلِ الْعُرْفِ أَطْلَقُوهُ مَجَازًا لِمُشَابَهَتِهِ الْحَيَاءَ الْحَقِيقِيَّ، وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الْحَيَاءِ خَلْقٌ يُبْعَثُ عَلَى تَرْكِ الْقَبِيحِ وَيَمْنَعُ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الْحَقِّ وَنَحْوِ هَذَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْجُنَيْدِ رحمه الله وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّادِسَةُ) قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي الْحَضَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ قَبَائِحِ الْأُمُورِ وَرَذَائِلِهَا وَكُلَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ فِعْلِهِ وَالِاعْتِذَارِ عَنْهُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام -