الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الْعَيْنُ حَقٌّ وَنَهَى عَنْ الْوَشْمِ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» .
ــ
[طرح التثريب]
[حَدِيث الْعَيْنُ حَقٌّ وَنَهَى عَنْ الْوَشْمِ]
(الْحَدِيثُ الْخَامِسُ) وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الْعَيْنُ حَقٌّ وَنَهَى عَنْ الْوَشْمِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ «وَنَهَى عَنْ الْوَشْمِ» وَرَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ الْعَيْنُ حَقٌّ.
(الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «الْعَيْنُ حَقٌّ» أَيْ الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ حَقٌّ أَيْ ثَابِتٌ مَوْجُودٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ أَخَذَ الْجُمْهُورُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَنْكَرَهُ طَوَائِفُ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ أَنَّ كُلَّ مَعْنًى لَيْسَ بِمُحَالٍ فِي نَفْسِهِ وَلَا يُؤَدِّي إلَى قَلْبِ حَقِيقَةٍ وَلَا إفْسَادِ دَلِيلٍ فَإِنَّهُ مِنْ مُجَوَّزَاتِ الْعُقُولِ، فَإِذَا أَخْبَرَ الشَّرْعُ بِوُقُوعِهِ فَلَا مَعْنَى لِتَكْذِيبِهِ.
وَهَلْ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَ تَكْذِيبِهِمْ بِهَذَا وَتَكْذِيبِهِمْ بِمَا يُخْبَرُ بِهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ؟
قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُ الطَّبَائِعِيِّينَ الْمُثْبِتِينَ لِلْعَيْنِ أَنَّ الْعَائِنَ تَنْبَعِثُ مِنْ عَيْنِهِ قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ تَتَّصِلُ بِالْمُعَيَّنِ فَيَهْلِكُ أَوْ يَفْسُدُ، قَالُوا: وَلَا يُسْتَنْكَرُ هَذَا كَمَا لَا يُسْتَنْكَرُ انْبِعَاثُ قُوَّةٍ سُمِّيَّةٍ مِنْ الْأَفْعَى وَالْعَقْرَبِ تَتَّصِلُ بِاللَّدِيغِ فَيَهْلِكُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْسُوسٍ لَنَا فَكَذَلِكَ الْعَيْنُ قَالَ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّا بَيَّنَّا فِي كُتُبِ عِلْمِ الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا فَاعِلَ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَبَيَّنَّا فَسَادَ الْقَوْلِ بِالطَّبَائِعِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الْمُحْدَثَ لَا يَفْعَلُ فِي غَيْرِهِ شَيْئًا، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا بَطَلَ مَا قَالُوهُ ثُمَّ نَقُولُ هَذَا الْمُنْبَعِثُ مِنْ الْعَيْنِ إمَّا جَوْهَرٌ أَوْ عَرَضٌ فَبَاطِلٌ أَنْ يَكُونَ عَرَضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَأَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا؛ لِأَنَّ الْجَوَاهِرَ مُتَجَانِسَةٌ فَلَيْسَ بَعْضُهَا بِأَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا لِبَعْضٍ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ مُفْسِدًا لَهُ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ وَأَقْرَبُ طَرِيقَةٍ سَلَكَهَا مَنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ مِنْهُمْ أَنْ قَالُوا: لَا يَبْعُدُ أَنْ تَنْبَعِثَ جَوَاهِرُ لَطِيفَةٌ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ مِنْ الْعَائِنِ فَتَتَّصِلُ بِالْمُعَيَّنِ وَتَتَخَلَّلُ مَسَامَّ جِسْمِهِ فَيَخْلُقُ الْبَارِئُ عز وجل الْهَلَاكَ عِنْدَهَا كَمَا يَخْلُقُ الْهَلَاكَ عِنْدَ شُرْبِ السَّمُومِ عَادَةً أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَتْ ضَرُورَةً وَلَا طَبِيعَةً أَلْجَأَ الْعَقْلَ إلَيْهَا.
وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمُعَيَّنَ إنَّمَا يَفْسُدُ وَيَهْلِكُ عِنْدَ نَظَرِ الْعَائِنِ بِعَادَةٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَخْلُقَ الضَّرَرَ عِنْدَ مُقَابَلَةِ هَذَا الشَّخْصِ لِشَخْصٍ آخَرَ، وَهَلْ ثَمَّ جَوَاهِرُ خَفِيَّةٌ أَوَّلًا هَذَا مِنْ مُجَوَّزَاتِ الْعُقُولِ لَا نَقْطَعُ فِيهَا بِوَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا نَقْطَعُ بِنَفْيِ الْفِعْلِ عَنْهَا وَبِإِضَافَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ قَطَعَ مِنْ أَطِبَّاءِ الْإِسْلَامِ بِانْبِعَاثِ الْجَوَاهِرِ فَقَدْ أَخْطَأَ فِي قَطْعِهِ، وَإِنَّمَا التَّحْقِيقُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ تَفْصِيلِ مَوْضِعِ الْقَطْعِ وَالتَّجْوِيزِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ الْعَيْنُ حَقٌّ أَيْ الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ حَقٌّ، وَأَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا فِي النُّفُوسِ وَالطَّبَائِعِ، وَفِيهِ إبْطَالٌ لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ مِنْ أَصْحَابِ الطَّبَائِعِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ إلَّا مَا تُدْرِكُهُ الْحَوَاسُّ وَالْمَشَاعِرُ الْخَمْسَةُ، وَمَا عَدَاهَا فَلَا حَقِيقَةَ لَهُ (قُلْت) وَيَجُوزُ فِي لَفْظِ التَّأْثِيرِ وَمُرَادُهُ بِهِ مَا أَجْرَى اللَّهُ بِهِ الْعَادَةَ مِنْ حُصُولِ الضَّرَرِ فِي النُّفُوسِ وَالطَّبَائِعِ فَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِهِ وَعَقِيدَتِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ ذَهَبَتْ الْفَلَاسِفَةُ إلَى أَنَّ مَا يُصِيبُ الْمُعَيَّنَ مِنْ جِهَةِ الْعَائِنِ إنَّمَا هُوَ صَادِرٌ عَنْ تَأْثِيرِ النَّفْسِ بِقُوَّتِهَا فِيهِ فَأَوَّلُ مَا تُؤَثِّرُ فِي نَفْسِهَا، ثُمَّ تَقْوَى فَتُؤَثِّرُ فِي غَيْرِهَا وَقِيلَ إنَّمَا هُوَ سُمٌّ فِي عَيْنِ الْعَائِنِ يُصِيبُ لَفْحُهُ الْعَيْنَ عِنْدَ التَّحْدِيقِ إلَيْهِ كَمَا يُصِيبُ لَفْحُ سُمِّ الْأَفْعَى مَنْ يَتَّصِلُ بِهِ، وَهَذَا يَرُدُّهُ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ.
(الْأَوَّلُ) مَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّهُ لَا خَالِقَ إلَّا اللَّهُ.
(الثَّانِي) إبْطَالُ التَّوَلُّدِ وَيَقُولُونَ إنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ كَذَا كَذَا وَلَيْسَ يَتَوَلَّدُ شَيْءٌ مِنْ شَيْءٍ بَلْ الْمُوَلِّدُ وَالْمُتَوَلَّدُ عَنْهُ كُلُّ ذَلِكَ صَادِرٌ عَنْ الْقُدْرَةِ دُونَ وَاسِطَةٍ.
(الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا يُصِيبُ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ وَلَا مِنْ كُلِّ مُتَكَلِّمٍ، وَلَوْ كَانَ بِرَسْمِ التَّوَلُّدِ لَكَانَتْ عَادَةً مُسْتَمِرَّةً، وَلَبَقِيَتْ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَأَمَّا الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّهَا قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ كَقُوَّةِ سُمِّ الْأَفْعَى فَإِنَّهَا طَائِفَةٌ جَهِلَتْهُ قَدْ وَقَعَتْ عَلَى عَمِيَةٍ لَا عَلَى عَقْلٍ حَصَلَتْ، وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ دَخَلَتْ، وَلَا بِالطِّبِّ قَالَتْ، وَهَلْ سُمُّ الْأَفْعَى إلَّا جُزْءٌ مِنْهَا فَكُلُّهَا قَاتِلٌ